4- الموت وحقيقته:

أ- معنى الموت:

الموت هو مفارقة الروح للجسد وانتقالها إلى الحياة البرزخية (1) وعودة الجسد إلى أصله الذي جاء منه، وبخروج الروح من الجسد يتوقف عمل كل جهاز من أجهزة جسم الإنسان، وكل خلية من خلاياه، كما تنساح مكونات كل خلية، وتختلط مواد الجسم بعضها ببعض، ويتحول البدن إلى حالة الجماد الذي لا يحس ولا ينمو ولا يتغذى ولا يتحرك ولا يتنفس ولا يفكر، ولا يعمل شيئاً (2) .

- والنوم شبيه بالموت إلا أن الفارق هو بقاء الروح متصلة بالجسد عند النوم، وانفصالها تماماً عنه عند الموت.

قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [الزمر: 42].

ب- ملائكة الموت:

إذا جاء أجل الإنسان وهو انتهاء حياته أرسل إليه ملك الموت الموكل به لقبض روحه.

قال الله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون * ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم (3) عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون} [السجدة: 11-12].

وقال تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات (4) الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام: 93].

ج- الموت حقيقة لا مفرَّ منها:

الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا ينكرها أحدٌ من الناس فهي مشاهدة، فلقد جاءت أجيالٌ قبلنا وها هي اليوم لا وجود لها قد انقضى أجلها فجاء الموت وأخرجهم من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية وما ترك منهم أحداً.

(1) هي الحياة التي تكون بعد الموت وقبل الحياة الآخرة وقد أشير إلى حياة البرزخ في قوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [الأنبياء: 99 - 100].

(2) وللتحقق من الموت يكون بالعلامات التالية:

1 ً- توقف النفس.

2 ً- توقف حركة القلب.

3 ً- توقف حركة الستيو بلازم (وهو العصير الموجود داخل كل خلية ويدور باستمرار داخل كل خلية وتفقد كل نواة سيطرتها على محتويات الخلية بعضها في بعض، ويتغير تركيب كل خلية من جسم الإنسان.

(3) مطرقونها خزياً وندماً.

(4) سكرات الموت وشدائده.

وجيلنا أيضاً منقضٍ أجله لا شكَّ ولا ريب، وهكذا الأمر في الأجيال إلى أن تقوم الساعة.

قال الله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه مُلاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} [الجمعة : 8].

د- عدم تأخر الموت إذا حان وقته:

إن كل إنسان له أجلٌ لا يزيد ولا ينقص، وإذا جاء الأجل المحتوم لا يتأخر الموت عن أحد. قال الله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون} [النحل: 61].

5- الحياة البرزخية (1) :

أ- السؤال في القبر:

مما يجب الإيمان به سؤال القبر، قال الله تعالى : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27].

أمَّا تثبيت الذين آمنوا في الحياة الدنيا مما يصيبهم من الوساوس والشبهات الشيطانية من قبل الإنس والجن وحفظهم من الزيغ والميل إلى الضلال.

وأما تثبيتهم في الآخرة فذاك حين يُسألون في قبورهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله تعالى : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. متفق عليه.

ب- عذاب القبر ونعيمه:

ومما يجب الإيمان به نعيم القبر وعذابه. قال الله تعالى: {وحاق (2) بآل فرعون سوء العذاب* النار يعرضون عليها غدواً وعشياً (3) ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون اشدَّ العذاب} [غافر: 45، 46].

والمعنى: أن قوم فرعون بعدما أحاط بهم سوء العذاب وهو الغرق في البحر انتقلوا بعد موتهم إلى عذاب البرزخ فهم يعرضون على النار صباحاً ومساءً يمسهم عذابها ويلفحهم لهبها وشظاها إلى أن تقوم الساعة فحينئذ يقول الله تعالى: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وهو الشويُّ في جهنم وإذاقتهم ألوان العذاب الشديد الأليم.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، فإنه يسمع قرعَ نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد -

(1) هي الحياة التي تفصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى وهي حياة الانتظار ليوم القيامة.

(2) أحاط.

(3) صباحاً ومساءً.

صلى الله عليه وسلم - فأمَّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك في النار، قد أبدلك الله به مقعداً في الجنة فيراهما جميعاً، فيفسح له في قبره.

وأما المنافق أو الكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لادريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". متفق عليه.

وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط (1) لبني النجار على بغلة له، ونحن معه إذ حادت (2) فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة. فقال صلى الله عليه وسلم من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: متى ماتوا؟ قال: في الشرك (3) . فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا (4) لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال: تعوَّذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. قال: تعوذوا من عذاب القبر. فقالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجَّال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال. رواه مسلم

وورد في أحاديث كثيرة تدل على أن العصاة الذين لم يتوبوا قبل موتهم يعذبون في القبر بمعاصيهم على اختلاف أنواعها.

فمن ذلك عذاب النمَّام (5) ، والغيَّاب (6) ، والذي لم يستتر ولم يتوقَّ من بوله من النجاسة.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير (7) ، أمَّا هذا فكان لا يستتر (8) من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعسيب رطب فشقه باثنين فغرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا". متفق عليه واللفظ للبخاري

(1) بستان.

(2) مالت.

(3) ماتوا مشركين.

(4) يعني أنه لوكشف لكم عن عذاب أهل القبور، وسمعتم ذلك لفزعتم وخفتم حتى إنكم تتركون دفن بعضكم من شدة الهلع والخوف، فلولا مخافة عدم التدافن إذا كشفت لكم لدعوت الله أن يكشف، فيسمعكم عذاب أهل القبور.

(5) وهو الذي يُفسد بين الناس.

(6) الذي يغتاب فيذكر أخاه بما يكره.

(7) أي وما يعذبان في ذنب كبير عند الناس ولكنه عند الله كبير، وهذا نظير قوله تعالى: {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} [النور:15]

(8) لا يتوقى.

وقال عليه الصلاة والسلام: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حُفر النار". رواه الترمذي والطبراني

فالقبر بالنسبة للمؤمن روضة من رياض الجنة يرتاض فيها على حسب إيمانه وعمله، والقبر حفرة من حفر النار بالنسبة للكفار والمصرين على معاصيهم ولم يتوبوا عنها.

ج- تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر وأمره بذلك:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر في آخر صلاته، وفي ذلك تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم وإرشاد لهم أن يتعوذوا بالله من عذاب القبر في أقرب أحوالهم إلى ربهم، وهذا في الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه وماذاك إلا لفظاعة عذاب القبر وشدة هوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجَّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم". رواه البخاري ومسلم

وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دبر (1) الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر". رواه الترمذي.

6- البعث:

أ- وجوب الإيمان بالبعث ومعناه:

إن من أصول الإيمان، أن يؤمن الإنسان جازماً بأن الله تعالى يبعث الخلائق بعد موتها فيجمع أجزاءها بعد تفرقها ويعيد إليها أرواحها بعد مفارقتها ويعيدها كما بدأها.

قال الله تعالى: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}.

وقال تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].

ب- أهوال يوم القيامة:

نرى أهوال يوم القيامة من خلال الآيات القرآنية.

قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل (2) كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 1 - 2].

وقال تعالى: {إذا وقعت الواقعة (3) * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة (4) رافعة (5) * إذا رجت

(1) آخر الصلاة.

(2) تغفل وتشغل لشدة الهول.

(3) قامت القيامة بالنفخة.

(4) خافضة للكافرين بدخول النار.

(5) رافعة للمؤمنين بدخول الجنة.

الأرض رجاً (1) * وبست الجبل بساً (2) * فكانت هباءً منبثاً (3) } [الواقعة: 1 - 6].

وقال تعالى: {فإذا جاءت الصَّاخَّة (4) * يوم يفرُّ * المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه} [عبس: 33 -37].

وقال تعالى: {إذا الشمس كورت (5) * وإذا النجوم انكدرت (6) * وإذا الجبال سيرت (7) * وإذا العشار (8) عطلت (9) * وإذا الوحوش حشرت (10) * وإذا البحار سُجرَّت (11) * وإذا النفوس زوجت (12) * وإذا المؤودة (13) سئلت * بأي ذنب قتلت * وإذا الصحف نشرت * وإذا السماء كشطت (14) * وإذا الجحيم سعرت (15) * وإذا الجنة أزلفت (16) } [التكوير: 1 - 13].

ج- النفخة الأولى والنفخة الثانية

النفخة الأولى: وهي نفخة الإماتة العامة. وعندها تكون ساعة إنهاء النظام القائم في هذه الحياة.

النفخة الثانية: وهي نفخة البعث إلى الحياة بعد الموت.

قال الله تعالى: { ونفخ في الصور (17) فصعق (18) من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى (19) فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر: 68 ].

- والصور هو قرن ينفخ فيه والموكل بالنفخ هو إسرافيل عليه السلام.

جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور يا رسول الله؟ فقال صلى الله

(1) إذا زلزلت وحركت تحريكاً شديداً.

(2) فتت فتاً.

(3) غباراً منتشراً.

(4) الصيحة تعم الآذان لشدتها وذلك عند النفخة الثانية.

(5) طويت ولفت.

(6) تساقطت وتهاوت.

(7) أزيلت من أماكنها.

(8) النوق الحوامل.

(9) أهملت بلا داع من شدة الهول.

(10) جمعت من كل مكان.

(11) أوقدت فصارت ناراً تضطرم.

(12) قرنت كل نفس بشكلها ودخلت الأرواح في أجسامها.

(13) البنت تدفن حية.

(14) قلعت كما يقلع السقف.

(15) أوقدت وأضرمت للكفار.

(16) قربت وأدنيت من المتقين.

(17) القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل.

(18) مات بنفخة الأولى.

(19) النفخة الثانية.

عليه وسلم :" قرن ينفخ فيه " رواه أبو داود والترمذي وابن حبان.

وقال صلى الله عليه وسلم : "كيف أنعم وقد التقم صاحب القرنِ القرنَ، وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ، فكان ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: كيف نفعل أو كيف نقول؟

فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". رواه الترمذي وقال: حديث حسن ورواه ابن حبان وأحمد والطبراني.

د- كيفية البعث:

وإذا مات الإنسان وتحلل جسده (1) وعاد إلى التراب إلى أصله.

قال الله تعالى: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ} [ق: 4].

وإذا عاد إلى أصله يبقى من الجسد عَجَبُ الذنب (البذرة) وهو الجزء الذي ركب الإنسان منه أولَ مرة وهو شيء صغير جداً، وهذا الجزء لا تأكله الأرض ولا يبلى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً، منه يركَّب الخلق يوم القيامة، قالوا: أيّ عظم هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: عجب الذنب." رواه مسلم.

وقال عليه الصلاة والسلام: "كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خُلِقَ ومنه يركَّب". رواه مالك وأبو داود والنسائي.

فإذا جاء موعد البعث يُنزِل الله مطراً من السماء تنبت الأصول (البذور) أي عجب الذنب الذي لم يبلَ.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ثمَّ يَنزِل من السماء ماءً فينبتون كما ينبُتُ البقلة، وليس من الإنسان شيء إلا بَليَ إلا عظمٌ واحدٌ وهو عجبُ الذنب منه يُرَكَّب الخلقُ يومَ القيامة". متفق عليه.

فإذا نبت عجب الذنب من التراب وعاد الجسد، جاءت كل روح إلىجسدها.

قال الله تعالى: {وإذا النفوس زوِّجت (2) } [التكوير: 7].

- وبهذه الصورة يعود الخلق مرة ثانية كما بدأ أوَّل مرّة.

قال الله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].

(1) إلا من خصه الله بعدم بلي جسده كالأنبياء عليهم السلام فإن الأرض لا تأكل أجسادهم.

(2) قرنت كل نفسٍ بشكلها.

7- الحشر:

معنى الحشر:

هو جمع الخلائق كلهم إلى الموقف بعد بعثهم وإخراجهم من بطن الأرض لموقف الحساب.

صور من الحشر:

أ- خروج الناس من القبور:

قال الله تعالى: {واستمع يوم ينادِ المناد من مكان قريب * يوم يسمعون الصيحة (1) بالحق ذلك يوم الخروج * إنا نحن نحي ونميت وإلينا المصير * يوم تشقق (2) الأرض عنهم سراعاً (3) ذلك حشر علينا يسير } [ق: 41- 44].

والمعنى: أن الله يأمر إسرافيل عليه السلام فينادي بالأموات من مكان قريب، فيسمعه كل إنسان، فذلك النفخة الثانية، فيسمع الناس الصيحة فيخرجون من القبور مسرعين المحشر.

وأول من تنشق عنه الأرض فهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع ومشفَّع". رواه مسلم.

ب- تسوية أرض المحشر:

قال الله تعالى : {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة (4) وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً} [الكهف: 47].

فالأرض تكون بارزة كلها لا جبال فيها ولا وديان.

قال الله تعالى: {وحملت (5) الأرض والجبال فدكتا (6) دكة واحدة} [الحاقة:14]

فالمعنى: أن الأرض وجبالها مسحت ودُقَّ بعضها ببعض.

وقال تعالى: {وتكون الجبال كالعهن (7) المنفوش (8) } [القارعة: 5].

فالمعنى أنها تصير كالصوف المندوف.

(1) نفخة البعث.

(2) تنفلق وتتصدع.

(3) مسرعين إلى الداعي.

(4) ظاهرة لا يسترها شيء.

(5) رفعت من أماكنها.

(6) فدقتا.

(7) كالصوف المصبوغ بألوان مختلفة.

(8) المفرق.

وقال تعالى: {وبست (1) الجبال بساً فكانت هباءً منبثاً (2) } [الواقعة: 5].

فالمعنى أن الجبال تصير كالهباء المنبث في الهواء.

وقال تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها (3) ربي نسفاً} [طه: 105].

فالمعنى: أن الله ينسفها بالرياح عن وجه الأرض، فتطيرها في الهواء.

وقال تعالى: {وسيرت الجبال فكانت سراباً (4) } [النبأ: 20].

فالمعنى أن الجبال تصير سراباً أي لا شيء كما يرى السراب من بعيد.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء (5) كقرصة النقي (6) ليس فيها عَلَمٌ لأحد". رواه البخاري ومسلم.

والمعنى أن الناس يحشرون على أرض لونها أبيض يميل إلى الحمرة قليلاً فتكون نقية صافية ليس فيها أي شائبة، وليس فيها علامة سكن لأحد من أبنية مرتفعة أو قصور ممتعة أو تلول أو جبال ممتنعة، ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يهتدي بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة.

قال الله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها (7) ربي نسفاً * فيذرها قاعاً (8) صفصفاً (9) * لا ترى فيها عوجاً (10) ولا أمتاً (11) * يومئذٍ يتبعون الداعي لا عوج له (12) وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً (13) } [طه: 105 - 108].

فيحشر الله الناس في أرض مستوية لا ترى فيها انخفاضاً، ولا ارتفاعاً بحيث إن الناظر إليهم ينظرهم والداعي لهم يسمعهم، وقد ازدحمت عليهم الشدائد والأهوال وحلَّت فيهم الكربات والهموم فأحاطت بهم، النار من شتى نواحيهم، ودنت الشمس منهم قدر ميل، وساورتهم الأحزان والغموم ومهما كانت كربات الدنيا عظيمة، وشدائدها أليمة، فإن كربات الآخرة أعظم، وشدائدها أدهى وأمرّ، ومهما كانت هموم الدنيا ثقيلة فإن همَّ الآخرة أثقل إلا من أمنه الله وسلمه وحفظه.

(1) فتتَ.

(2) غباراً متفرقاً منتشراً.

(3) يقتلعها ويفرقها بالرياح.

(4) كالسراب الذي لاحقيقة له.

(5) بياض يضرب إلى الحمرة قليلاً.

(6) الدقيق النقي من الغش والنخال.

(7) يقتلعها.

(8) أرضاً ملساء لا ثبات فيها ولا بناء.

(9) أرضاً لا نبات فيها.

(10) مكاناً منخفضاً.

(11) مكاناً مرتفعاً.

(12) لا يزيغ عنه.

(13) إلا صوتاً خفياً خافتاً.

فاللهم نفِّس عنا كرب الدنيا والآخرة

ج- صفة أهل المحشر:

إن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً غير مختونين.

عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً (1).

قالت عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض". رواه البخاري ومسلم.

فكلُّ واحد منهم مشغول بأحواله عن التطلع والنظر إلى غيره {لكل امريء منهم يومنذٍ شأن يغينه} [عبس: 37].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: {كما بدأنا أوَّل خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].

ألا إن أوَّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، ألا إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 117 - 118].

قال: "فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم". رواه البخاري ومسلم.

د- أهوال موقف الحشر:

ومن أهوال هذا الموقف العظيم:

دنو الشمس من الناس، وتغيب الناس بعرقها، كلٌّ حسب عمله.

عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل (2) ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلىكعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حَقْوَيْه (3) ومنهم من

(1) غير مختونين.

(2) أي أنها تدنو كثيراً.

(3) الخاصرة.

يلجمه العرق إلجاماً" - وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه (1) - رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقوم الناس لربِّ العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه (2) إلى أنصاف أذينة". رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.

2- طول الموقف على الكافرين وخفته للمؤمنين:

عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله يومٌ كان مقداره خمسين ألف ألف سنة ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخفَّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا". رواه أحمد.

وتختلف الخفة باختلاف درجات إيمان المؤمنين.

3- عموم الحشر للإنس والجن والحيوان:

حشر الإنس والجن:

قال الله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم (3) من الإنس ....} [الأنعام: 128].

حشر الدواب والطيور والحيوان:

وقال تعالى: {وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرَّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} [الأنعام: 38].

وقال تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير: 5].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يُقاد (4) الشة الجَلحاء (5) من الشاة القرناء". رواه مسلم.

وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان فقال: "يا أبا ذر أتدري فيما تنتطحان قال: قلت: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: لكن الله يدري وسيقضي بينهما". رواه أحمد.

________________

(1) فمه.

(2) عرقه.

(3) قد أضللتم كثيراً.

(4) يقتص.

(5) التي لا قرون لها.

8- العرض:

قال الله تعالى : {وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً} [الكهف: 48].

فالعباد يعرضون على ربهم مصطفين صفاً صفاً ويقال للكافرين الذين ينكرون الحشر {لقد جئتمونا كما خلقناكم أوَّل مرة} أي حفاة عراة غرلاً ليس معكم شيء مما كنتم تفتخرون به من الأموال والقوة والنفوذ والبنين ولجاه والخدم وغير ذلك فرغم الذي زعمتم {ألن نجعل لكم موعداً} لم يفدكم وجاء وقت الحساب والسؤال.

ويوم القيامة ثلاث عرضات:

1- عرض الجدال.

2- عرض معاذير.

3- تطير الصحف.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُعرَض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة، فعند ذلك تطير الصحف من الأيدي : فآخذ بيمينه وآخذ بشماله". رواه الترمذي.

العرضة الأولى: يدافعون عن أنفسهم ويجادلون عنها فكل نفس تأتي يوم القيامة تدافع عن نفسها، ولا يهمها شأن غيرها من ولد ووالد، وتعطى كل نفس جزاء عملها خيراً أو شراً، وهم لا يظلمون بزيادة العقاب ولا بنقص الثواب.

قال الله تعالى :{ يوم تأتي كلُّ نفس تجادل عن نفسها وتوفَّى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون} [النحل: 111].

العرضة الثانية: ففيها يعترفون ويعتذرون بمعاذير مختلفة، فمن كان عذره صحيحاً قبله الله تعالى، ومن كان عذره غير صحيح رده الله تعالى، وذلك لأن الله تعالى يقبل العذر الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أحب إليه العذر من الله تعالى .." رواه البخاري ومسلم.

وأمّا قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 35 -36]

فهذا يكون في بعض المواقف، وذلك إن يوم القيامة هو يوم طويل ذو مواطن متعدده.

العرضة الثالثة: يكون تطاير الصحف وتفرقها على أهلها بغاية السرعة.

9- السؤال:

قال الله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعلمون} [الحجر: 92-93].

وقال الله تعالى: {فلنسألنَّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين * فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} [الأعراف: 6-7].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وليلقيَنَّ الله أحدكم يوم القيامة يلقاه ليس بينه وبينه حجاب، ولا ترجمان يترجم له، فليقولن سبحانه: ألم أبعث إليك رسولاً فبلغك؟ فيقول العبد: بلى..." رواه البخاري.

ولا شك أن الرسل قد بلغت رسالات ربِّهم، وأدوا واجبهم على أكمل الوجوه، ونصحوا الأمة، فإن الله يعلم ذلك، ولا يخفى عليه شيء من ذلك، ولكن في هذا السؤال والإتيان بالجواب إقامة حجة على المنكرين والمكذبين للمرسلين، وإعلان للملأ الكبير هناك أنه لا عذر لمعتذر، ولا حجة لمنكر، لأن الرسالات الإلهية بلغها الرسل وأقامت الحجج والبراهين على حقيتها وصدقها.

فيسأل المرء عن كلمة التوحيد:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُسألون عن لا إله إلا الله" رواه الترمذي.

ويُسأل المرء عن الصلاة وهي أول ما يسأل عليها، وعن سائر عمله.

جاء عن قبيصة بن حُريت رضي الله عنه قال: قدمتُ المدينة فقلت: اللهم يَسِّرْ لي جليساً صالحاً يحدثني بحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلَّ الله ينفعني به، فجلست إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقلت: إني سألت الله تعالى أن يرزقني جليساً صالحاً، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح ونجا، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضة شيئاً قال الرب تبارك وتعالى للملائكة: انظروا هل لعبدي من تطوع (1) فيكمَّل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك" رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.

ويسأل الإنسان عن أهله وعما استرعاه الله تعالى:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه: حفِظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته (2) " رواه أبن حبان في صحيحه.

وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته" رواه البخاري ومسلم.

ويسأل الإنسان عن السمع والبصر والفؤاد.

(1) نوافل فوق الفرائض.

(2) هل أدى واجبه الديني نحو أهل بيته وأحسن رعايتهم وعشرتهم أم أساء.

قال الله تعالى : {ولا تَقْفُ (1) ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً} [الإسراء: 36].

والمعنى: أن الله ينهى الإنسان أن يتتبع ما ليس به علم من مسموعات ومبصَرات أو معلومات أو تصديقات قلبية ونحو ذلك بأن يتتبع الأوهام والشكوك والظنون مما لا دليل فيه يثبت العلم.

وذلك أن الإنسان يسأل عن سمعه وبصره وفؤاده أين صرف ذلك، وإلى أي جهة وجهها هل تصرف بسمعه وبصوته وفؤاده، فيما أحل الله أو فيما حرَّم الله؟

فليتقِ الإنسان ربَّه في سمعه وبصره وفؤاده، وليعلم أن كل ما يمرُّ عليه سمعه وبصره وفؤاده ويَتوجه إليه - ضمن قدرته وإرادته - فهو مسؤول عنه أي يسأل عنه يوم القيامة فإذا كان في الخير أثابه الله على ذلك وآجره، وإن كان في الشر خاب وخسر.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول الله تعالى: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس (2) وتربَّع (3) ، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ قال: فيقول العبد: لا، فيقول الله تعالى له: اليوم أنساك كما نسيتني". رواه الترمذي.

أي اليوم أتركك في العذاب كما تركت في الدنيا شربعتي وديني ولم تؤمن بلقائي.

فالمؤمن يستعيذ بالله من شر سمعه وبصره، ومن شر لسانه وشر قلبه وشر منيه، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه هذا الدعاء:

عن شَكلَ بن حُمَيد رضي الله عنه قال: أتيت النبي عن صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله علمني تعويذاً أتعوذ به، قال: فأخذ بيدي ثم قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري، وشر لساني، وشر قلبي وشر منييِّ قال: فحفظتها". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.

- ويسأل الإنسان عن عمره وعلمه وماله وجسمه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

(1) ولا تتبع.

(2) أجعلك رئيساً.

(3) في رواية مسلم ترتع ومعنى تربَّع تأخذ ربع الغنيمة لأن الملك كان يأخذ الربع من الغنيمة في الجاهلية.

أي لا يبرح الإنسان مكانه يوم القيامة عن موقف السؤال حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وصرفه أفي طاعة الله أم في معصيته؟.

ويسأل عن علمه ما عمل به، والناس في العلم على مراتب، فكلُّ يُسأل على حسب ما عنده.

ويسأل عن ماله من أين حصل عليه وجمعه أم من حرام أم من حلال؟ وفي أي شيء صرفه في حلال أم في حرام؟

ويسأل عن جسمه فيما أبلاه، فهذا الجسم وما أودع الله تعالى فيه من القوى والعافية أصرف ذلك في الشهوات المحرمة والأهواء النفسية الباطلة حتى تعب جسمه ووهن عظمه وخارت قواه بسبب عصيانه وانتهاكه لما حرم الله؟ أم صرفه فيما يقربه إلى الله تعالى وينال به سعادة الدنيا والآخرة؟

اللهم استعمل أجسادنا وقواتنا في طاعتك آمين.

- ويسأل المرء عن النعيم. قال الله تعالى : {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر: 8] فالإنسان يسأل عن النعيم الذي أصابه في الدنيا، ونعم به، وتلذذ من صحة البدن والعافية ولذة الشراب والماء البارد، ولذة المطعم والمأكل ولذة الظلال الباردة، وغير ذلك من النعم التي تحفنا كل يوم.

عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال الزبير: يا رسول الله، وأي نعيم نسأل عنه وإنما هو الأسودان التمر والماء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنه سيكون".

يعني سيكون السؤال عن التمر والماء وغيرهما من ألوان الأطعمة والأشربة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟" فقالا: الجوع يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "وأنا الذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقوموا" فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين فلان؟! قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، إن جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني.

قال: فانطلق فجاءهم بعِذْقٍ فيه بُسر وتمر رطب (1) فقال: كلوا، وأخذ المدية (2) ليذبح الشاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوبَ (3) " فذبح لهم شاة غير حلوب، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذق، وشربوا، فلما شبعوا ورَوَوْا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم". رواه مسلم.

ويسأل الإنسان عن نيته ومراده من الأعمال الصالحة هل كان في ذلك العمل مخلصاً لله تعالى أم كان مقصوده من ذلك العمل الرياء؟.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال الله له: كذبتَ، ولكنك قاتلت لأن يقال: هو جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.

ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن ، فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن، ليقال هو قاريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.

ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال الله تعالى له: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار". رواه مسلم والنسائي والترمذي وابن حبان.

(1) كالعنقود من العنب.

(2) السكين.

(3) لا تذبح شاة حلوباً.

Free Web Hosting