10- أخذ كتب الأعمال:

قال الله تعالى: {يومئذٍ تُعرضون (1) لا تخفى منكم خافية * فأمَّا من أوتي كتابه بيمينه فيقول هآؤم (2) اقرءوا كتابيه (3) * إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه * فهو في عيشة راضية (4) * في جنة عالية * قطوفها دانية (5) * كلوا واشربوا هنيئاً (6) بما أسلفتم في الأيام الخالية * وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه * ولم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية (7) * ما أغنى عني (8) ماليه (9) * هلك عني سلطانيه (10) * خذوه فغلوه (11) * ثم الجحيم صلوه (12) * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (13) * إنه كان لا يؤمن بالله العظيم * ولا يحض (14) على طعام المسكين * فليس له اليوم ههنا حميم (15) * ولا طعام إلا من غسلين (16) * لا يأكله إلا الخاطئون (17) } [الحاقة: 18 - 37].

وقال تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادحٌ (18) إلى ربك كدحاً فملاقيه (19) * فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسيراً * وينقلب إلى أهله مسروراً * وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً * (20) ويصلى سعيراً (21) * إنه كان في أهله مسروراً * إنه ظن أن لن يحور (22) * بلى إن ربه كان به بصيراً} [الأشقاق: 6 - 15].

(1) وهي العرضة الثالثة وفيها تطاير الصحف.

(2) خذوا أو تعالوا.

(3) كتابي، والهاء للسكت.

(4) مرضية.

(5) ثمارها قريبة التناول إذا تجنى.

(6) أكلاً غير منغص ولا مكدَّر.

(7) الموتة القاطعة لأمري ولم أبعث.

(8) ما دفع عني.

(9) الذي كان لي من المال.

(10) تسلطي وقوتي.

(11) اجعلوا القيد في يديه وعنقه.

(12) أحرقوه في الحميم.

(13) فأدخلوه فيها.

(14) يُحرض.

(15) قريب مشفق يحميه من العذاب الأليم.

(16) صديد أهل النار.

(17) الكافرون.

(18) جاهد في عملك إلى لقاء ربك.

(19) فملاق لا محالة جزاء عملك.

(20) ينادي هلاكاً قائلاً يا ثبوراه.

(21) يدخلها.

(22) لن يرجع إلى ربه تكذيباً بالبعث.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟ فقالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أمَّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدٌ: عند الميزان حتى يعلم أيخفُّ ميزانه أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم". رواه أبو داود.

- من أخذ كتابه بيمينه يبيض وجهه ومن أخذ كتابه بشماله يسود وجهه:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يوم ندعو كلَّ أناسٍ بإمامهم} قال: "يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، قال: فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم بارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول: أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا.

وأما الكافر: فيعطى كتابه بشماله ويسوَّد وجهه، ويمد له في جسمه ستون ذراعاً، ويجعل على رأسه تاج من نار، فيراه أصحابه فيقولون: اللهم أخِّره، اللهم لا تأتنا به فيأتيهم فيقول: أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا". رواه الترمذي وحسنة وابن حبان في صحيحه ورواه الحاكم وصححه.

وفي هذا الشأن قال الله تعالى : {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون * وأمَّا الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} [آل عمران: 106 - 107].

11- الحساب:

معنى الحساب: وهو أن يطلع الله عباده قبل أن ينصرفوا من المحشر على كل ما قد صنعوه وفعلوه في حياتهم الدنيا من تصرفات اعتقادية وقوليه وفعليه سواء كانت خيراً أو شرَّاً.

قال الله تعالى: {إن إلينا إيابهم (1) * ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: 25 - 26].

والآيات كثيرة في ذكر الحساب وهول هذا اليوم العظيم، وقد مدح الله الذين يستعدون ليوم الحساب ويخافونه، قال الله تعالى : {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد: 21]. وذم الله الذين نسوا يوم الحساب، ولم يخشوا هذا اليوم قال الله تعالى: {إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص:26].

وفي ذلك تحذير من نسيان يوم الحساب، ووعيد لمن نسيه.

(4) رجوعهم.

وقد بَيَّنَ الله تعالى أن محاسبة عباده سوف تأتي علىجميع الأعمال العلانية والسرية، والجسمية والقلبية، والبادية الظاهرة والنفسية الخفية.

قال الله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا (1) ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير} [البقرة: 284].

فالأعمال القلبية من الحب والبغض والحسد والحقد، والنيات الحسنة والنيات السيئة والهم والعزيمة في الخير والشر، كلُّ أولئك يحاسب به العبد يوم القيامة، فيثاب على خيرها ويعاقب على شرها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أُقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، وما ظُلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزَّاً، وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله تعالى.

قال وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة فمن: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يتقي في مال ربَّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن لله فيه حقاً، فهو في أعلى المنازل، ورجل آتاه الله العلم ولم يؤته مالاً، يقول: لو أن له مثل فلان (2) لعملت مثله فهو بنيته وأجرهما سواء، ورجل آتاه مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، فهذا في أخبث المنازل، ورجل لم يؤته مالاً ولا علماً يقول لو أن لي مثل فلان (3) لعملت مثله (4) فهو بنيته ووزرهما سواءً" رواه الترمذي وأحمد.

والهمُّ له اعتباره في الحساب والثواب والعقاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الحسنات والسيئات فمن همَّ بها فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها (5) كتبت له حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبت له سيئة واحدة". رواه البخاري ومسلم.

والإرادات العازمة يحاسب عليها الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه (6) ". رواه البخاري ومسلم.

(1) تُظهروا.

(2) مثل الذي معه مال الرجل الذي سبقه في الذكر.

(3) صاحب المال الذي لا يتقي فيه ربَّه.

(4) من إرتكاب الشهوات وفعل الحرام وأنواع الفسق.

(5) مخافة من الله.

(6) في رواية كان حريصاً على قتل صاحبة.

فالمعنى أن القاتل سبقه فلم يحقق المقتول إرادته وهي قتل صاحبه فعلاً.

وأما الخواطر السريعة والوساوس وحديث النفس السيء الذي لم يوطن الإنسان نفسه عليه، ولم يهمَّ به، ولم يعزم صاحبه على إظهاره إلى الوجود، بل يكرهه ويدفعه عن نفسه فهو معفو عنه.

قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم يعملوا به أو يتكلموا به". رواه البخاري ومسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه: إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به! قال: "أوجدتموه؟" قالوا: نعم. قال: "ذلك صريح الإيمان". رواه مسلم.

فما يصيب الإنسان وساوس سيئة، وهو ينكرها، ولا يرتضيها فهو غير مؤاخذ عليها، بل إن إنكاره لها وتأذيِّه منها، ووجود ألم نفسي بسببها، ففي هذا دليل واضح على محض الإيمان وصراحته.

- أصناف الناس الذي يُحاسبون:

أ- صنف يحاسبون حساباً يسيراً وهو أن تعرض على العبد أعماله فيعرَّف بالطاعة والمعصية ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز له عن المعصية، فلا شدة فيه على صاحبه ولا مناقشة ولا يطالب بالعذر فيه ولا الحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذراً ولا حجة فيفنضح.

قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حساباً يسيراً} [الأنشقاق: 7-8].

عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب عُذِّب".

قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله عزَّ وجلَّ: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس ذاك الحساب إنما ذاك العرض، ومن نوقش يوم القيامة عذِّب". رواه البخاري ومسلم.

فالمعنى: أن أهل الحساب اليسير لم يحاسبوا مناقشة وتدقيقاً وإنما حسابهم عرض أعمالهم ثم التجاوز عن سيئاتهم.

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلاً سأله: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يُدني المؤمن فيضع عليه كنفَه ويستره، فيقول: أتعرف ذنبَ كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول العبد: أعرف ربِّ أعرف ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه ورأى نفسه أنه قد هلك قال الله تعالى: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته".

- وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين". رواه البخاري.

ب- صنف يحاسبون حساباً عسيراً:

وهؤلاء صنف يحاسبهم الله حساباً عسيراً تدقيقاً، ومناقشة، ولابد أن يعذبوا ويهلكوا، وهؤلاء يأخذون كتبهم بشمائلهم أو من وراء ظهورهم أعاذنا الله من ذلك.

وقال الله تعالى: {وأما من أوتي كتابه بشماله * فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (1) } [الحاقة:25].

وقال تعالى: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً (2) * ويصلى سعيراً (3) } [الأنشقاق: 10 - 12].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "من نوقش الحساب عُذِّب". رواه البخاري ومسلم

ج- صنف يدخلون الجنة بغير حساب:

فهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب بسبب توكلهم على الله توكلاً عالياً خاصاً، ويدخل بمعيتهم أعدادٌ من الناس كثيرة وهذا لكرامتهم وفضلهم عند الله تعالى.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرضت عليَّ الأمم فأخذ النبي يمرُّ ومعه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرتُ فإذا سواد كثير (4) ، قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ فقال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، فقال جبريل هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قُدَّامَهم لا حساب عليهم ولا عذاب. قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون". رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: "أعطيتُ سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدتُ (5) ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً". رواه أحمد.

ومِن جملة الذين لا حساب لهم:

(1) يقول هذا الكلام بسبب ما سيلاقيه من العذاب الأليم.

(2) يقول يا ثبوراه أي ينادي هلاكاً.

(3) يدخل النار التي هي العذاب الأليم.

(4) أشخاص.

(5) طلب من الله الزيادة.

* الشهداء والعافون عن الناس:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة، فقيل: من هؤلاء؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء يرزقون، ثم نادى منادٍ: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، ثم نادى الثانية: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قيل: ومن ذا الذي أجره على الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: العافون عن الناس، ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة. فقام كذا وكذا الفاً فدخلوها بغير حساب". رواه الطبراني بإسناد حسن.

* والعلماء العاملون:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عزَّ وجلَّ للعلماء يوم القيامة: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي". رواه الطبراني ورواته ثقات.

12- موقف الشهادات:

لقد دلت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة على أن الشهداء يوم القيامة هم أصناف متعددة، وهذا موقف خطير وشأنه كبير تحق فيه الحقائق وتقوم به الحجة، وفي ذلك اليوم لا ينفع الظالمين معذرتهم لأن الحجة قامت عليهم بشهادة الأشهاد فلا جحود ولا عناد. ومن الأصناف التي تشهد يوم القيامة على الناس:

- شهادة الرسل على أممهم:

يشهدون بالإيمان لمن آمن وبالكفر على من كفر.

قال الله تعالى : {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} [البقرة: 143].

وقال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً * يومئذٍ يودُّ الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوَّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً} [النساء: 41-42].

والمعنى أن الكفار يود أحدهم أن يدفن في الأرض وهو لا يكتم الله حديثاً.

- شهادة الملائكة الكرام الكاتبين على العبد:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال للعبد يوم القيامة كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين عليك شهوداً فيختم على فيه (1) ، ويقال لأركانه انطقي فتنطق بعمله ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، فيقول بعداً لكُنَّ وسحقاً، فعنكنَّ كنت أناضلُ" رواه مسلم.

(1) فمه.

- شهادة الجوارح والجلود على العبد:

قال الله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24].

وقال تعالى: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} [يس: 65].

وقال تعالى : {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أوَّل مرة وإليه ترجعون} [فصلت: 21].

- شهادة الأرض على كل عبد:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4]. قال: "أتدرون ما أخبارها؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهد على كلِّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها" رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.

13- الميزان:

قال الله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون * ومّن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون } [ الأعراف: 8-9 ]

- فإن يوم الوزن حق وثابت الوقوع، وهذا الإظهار الحقِّ، حيث يقام موازين حسية وعندئذٍ تتمثل أعمال الإنسان وأقواله بذاتها أو بواسطة صحائفها، فتوزن فمن كان أمره صالحاً فقد ثقلت موازينه ورجحت مقادير حسناته وكان من الناجين المفلحين، ومن كان أمره غير ذلك فقد خفت موازينه ورجحت مقادير سيئاته فهو من الخاسرين الهالكين.

} فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية * وأما من خفت موازينه * فأمه هاوية (1) * وما أدراك ما هيه (2) * نارٌ حامية } [القارعة: 6-11 ].

وفي هذا تحذير وتخويف للعباد لئلا يسلكوا طريق النار الحامية بل عليهم أن يباعدوا أنفسهم عن فعل المحرمات والمخالفات التي نهى الله عنها.

- الدقة في الميزان:

وفي يوم الوزن لا تظلم نفس شيئاً فلا ينقص مالها شيء، ولا يزاد فيما عليها شيء، فكله يوزن، ولو كان مثقال حبة من خردل أي صغيراً جداً جداً، وفي هذا إظهار لعدالة الله سبحانه وتعالى.

(1) مأواه جهنم يهوي فيها.

(2) ما هي والهاء للسكت.

قال الله تعالى:

} ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [ الأنبياء: 47 ].

- ويثقل الميزان الحسنات:

ومن جملة الحسنات المثقلة للميزان:

* حسن الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من حسن الخلق". رواه أبو داود والترمذي.

* الإكثار من التسبيح والتحميد:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان حبيبتان إلى الرحمان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"

* شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عزَّ وجلَّ سيخلِّص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجلٍّ مدَّ البصر، فيقول الله تعالى له: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربِّ. فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا، يا ربِّ. فيقول الله عزَّ وجلَّ: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول الله: احضُر وزنك، فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تُظلم، فتوضع السجلات في كفَّة والبطاقات في كفَّة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسمه تعالى شيء". رواه الترمذي.

14- الصراط:

أ- معنى الصراط:

وهو الجسر الذي ينصب على نار جهنم يوم القيامة، فيجتاز عليه الناس على اختلاف مذاهبهم وأضرابهم وتفاوت درجاتهم، فمنهم من يمرَّ كطرف العين، ومنهم كالبرق، ومنهم كالريح، ومنهم كالطير ومنهم كأجاويد الخيل والركاب ومنهم من يبدو له أن الصراط أدق من السيف، ومنهم من يقع من فوقه ثم يهوي في النار أعاذنا الله من ذلك.

قال الله تعالى: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأتىّ يبصرون} [يس: 66].

ب- صفة الصراط :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : "بلغني أن الجسر (1) أدق من الشعر وأحدُّ من السيف". رواه مسلم.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأمَّا عند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله، وحين يخرج عنق النار فينطوي عليهم، ويقول ذلك العنق وُكِّلت بثلاثة:

وكِّلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكلت بكل جبار عنيد. قال: فينطوي عليهم (2) ويرمى بهم في غمرات النار.

قال: ولجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف عليه كلاليب (3) وحسك (4) يأخذون من شاء الله تعالى، والناس عليه كالطرف (5) وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب. والملائكة يقولون: ربِّ سلِّم سلِّم فناج مُسلَّم، ومخدوش مُسلَّم ومكوَّر (6) في النار على وجهه". رواه أحمد.

ج- أحوال الناس في جوازهم الصراط:

أشار الله تعالى إلى الصراط وإلى صعوبة هذا الموقف العظيم.

} وإن منكم إلا واردها (7) كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين جثياً (8) } [مريم: 71 - 72].

- والذي يمر على الصراط المستقيم اصناف:

1- منهم يُسلَّم فلا يخدش، ولا يصيبه أيُّ مكروه، وهم المؤمنون حقاً الصادقون.

2- ومنهم من يخدش ويناله مكروه من النار ثمَّ بعد ذلك يخلص الذين يمرون على الصراط وهم آمنون مطمئنون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

3- ومنهم من يلفُّ ويلقى، فيسقط في جهنم.

(1) الصراط.

(2) على الثلاثة المذكورين.

(3) حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها ويقال لها الكلاب.

(4) وهو نبت ذو شوك وهذا تشبيه لحدة الآلات المحمولة.

(5) كطرفة عين أي سرعة هائلة.

(6) يُلَّف.

(7) يرِد النار أي يحضرها بالمرور على الصراط المدود عليها.

(8) باركين على ركبهم لشدة الهول.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ثم يضرب الجسر على جهنم وتحلُّ الشفاعة ويقولون (1) : اللهم سلِّم سلِّم، قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: دحضُ مزلَّة، فيه خطاطيف (2) وكلاليب وحسك تكون بنجد (3) فيها شويكة يقال لها السعدان (4) فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب.

فناج مُسلَّمٌ ومخدوش (5) مرسل، ومكدوس (6) في نار جهنم. حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده (7) ما منكم من أحدٍ بأشدّ مناشدةً لله تعالى في استقصاء الحقّ من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار.

يقولون: ربنا كانوا يصومون، ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فَتحرَّم صُورهم على النار، فيُخرجون خلقاً كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه ...". رواه مسلم.

د- الحكمة من المرور على الصراط:

إن من استقام على الصراط المستقيم أي الطريق القويم في الدنيا، خفَّ على صراط الآخرة ونجا، ومن مال عن الاستقامة في الدنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى، تعثر في أول قدم من الصراط وسقط وهوى.

فالصراط الذي هو جسر ينصب على نار جهنم، إنما هو تجسيد لمعنى الصراط أي الطريق الذي ألزم الله به عباده في الدنيا.

فكن يا أخي سالكاً الطريق المستقيم في الدنيا حتى تسلك الصراط بسهولة يوم القيامة، ولا تكن من الذين مالوا عن الاستقامة في الدنيا، فإنهم لا شك ولا ريب سيميلون عن الصراط في الآخرة، وتزلّ أقدامهم.

اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام.

Free Web Hosting