إصلاح القلوب
للشيخ/ عبد الهادي بن حسن وهبي
أمين وقف البخاري الخيري في عكار - شمال لبنان


المقدمه

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله.

أمَّا بعد : فإنّ أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمّد صلى الله عليه وسلم وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النَّار.

أما بعدُ : فإنَّ مِنْ أهمِّ ما يَنْبَغِي أن تُبذلَ له الأوقاتُ وتُنْفقَ له الجهودُ والمجهوداتُ هو علاج القلوبِ والسعي لصحتِها وسلامتِها من الأمراضِ والآفاتِ وسائرِ الذنوبِ ، وذلك لما للقلبِ من مكانةٍ في الإسلامِ عظيمةٍ ومنزلةٍ عاليةٍ رفيعةٍ .

ولمّا كان النّاس في هذه الأيّام في غفلةٍ عن قلوبهم ، جمعت هذا البحث بتوفيق الله تعالى، سائلاً المولى الكريم أنْ يصْلحَ بواطننا وظواهرنا ، ويوفقنا لما يحبّه ويرضاه في جميع أمورنا بمنّه وكرمه. والحمد لله ربّ العالمين .

الراجي رضى الرحمن

عبد الهادي بن حسن وهبي

أصول نفيسة في اصلاح القلوب

عَلَيْكَ ـ بارك الله فيك ـ بِحِفْظِ القلب وَإصْلاحِهِ وَحُسْنِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَبَذْلِ المَجْهُودِ ، فإنّه أكْثرالأعْضاء أَثَراً ، وَأَدَقُّهَا أَمْراً وَأَشَقُّهَا إِصْلاحاً ، وَأَذْكُرُ فِيهِ خمسةَ أُصُولٍ مُقْنِعَةٍ :

الأصْلُ الأول : القلب موضع نظر الله عزوجل

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : »إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَنْظُرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ « 1 .

فَالْقَلْبُ إِذنْ مَوْضِعُ نَظَرِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيَا عَجَباً مِمَّنْ يَهْتَمُّ بِوَجْهِهِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ نَظَرِ الْخَلْقِ ، فَيَغْسِلُهُ وَيُنَظِّفُهُ مِنَ الأقْذَارِ وَالأَدْنَاسِ ، وَيُزَيِّنُهُ بِمَا أَمْكَنَهُ ، لِئَلاَّ يَطَّلِعَ مَخْلُوقٌ فِيهِ عَلَى عَيْبٍ ، وَلاَيَهْتَمُّ بِقَلْبِهِ الَّذِي هُوَ مَوْضِعُ نَظَر رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَيُطَهِّرَهُ وَيُزَيِّنَهُ وَيُطَيِّبَهُ ، كَيْ لاَ يَطَّلِعَ الرَّبُّ جَلَّ وَعَلاَ عَلَى دَنَسٍ فِيهِ وَشَيْنٍ وَآفَةٍ وَعَيْبٍ ، بَلْ يُهْمِلُهُ بِفَضَائِحَ وَأَقْذَارٍ وَقَبَائِحَ ، لَواطَّلَعَ الْخَلْقُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا ، لَهَجَرُوهُ وَتَبَرَّؤوا مِنْهُ وَطَرَدُوهُ . واللَّهُ المُسْتَعَانُ .

الأَصْلُ الثَّاني : الْقَلْبُ مَلكٌ مُطاَعٌ وَرَئيسٌ مُتَّبَعٌ

إنَّ الأَعْضاءَ كُلَّها تَبَعٌ للقلب،فَإذَا صَلَحَ المتْبُوعُ صَلَحَ التَّبَعُ ، وَإِذَا اسْتَقَامَ المَلِكُ اسْتَقَامَت الرَّعِيَّةُ.

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ... ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ » 2 .

وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لاَ يَسْتَقِيم إيمانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلاَ يَسْتَقِيم قَلْبُهُ حتى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ « 3 .

والمراد باستقامة إيمانه : استقامة أعمالِ جوارحه ، فإنَّ أعمالَ الجوارحِ لا تستقيمُ إلاَّ باستقامةِ القلبِ، ومعنى استقامة القلبِ أنْ يكونَ ممتلئاً منْ محبَّةِ الله ، ومحبَّةِ طاعتهِ ، وكراهةِ معصيتهِ .

عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »من أحبَّ لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان « 4 .

ومعنى هذا أنَّ حركاتِ القلبِ والجوارحِ إذا كانت كلُّها لله فقد كمُلَ إيمان العبد بذلك ظاهراً وباطناً ، ويلزم من صلاح حركات القلبِ صلاحُ حركات الجوارح ، فإذا كان القلبُ صالحاً ليس فيهِ إلاَّ إرادةُ الله وإرادة ما يريده لم تنبعث الجوارحُ إلاَّ فيما يريده الله ، فسارعت إلى ما فيه رضاه ، وكفَّتْ عمَّا يكرهه ، وعمَّا يخشى أنْ يكونَ مما يكرهه وإنْ لمْ يتيقن ذلك 5 .

إذا علمت ذلك " وجبت العنايةُ بالأمور التي يصلحُ بها القلبُ، ليتَّصفَ بها ، وبالأمور التي تفسد القلب ليتجنبها " 6 .

الأصل الثالث : القلب كثير التقلُّب

عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : لا أقول في رجل خيراً ولاشراً،حتى أنظر ما يختم له ـ يعني ـ بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : وما سمعت ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: » لقَلب ابنِ آدمَ أشدُّ انقلاباً من القِدْرِ إذا اجْتَمَعَتْ غَلَياناً « 7 .

ومعلومٌ سرعةُ حركةِ القدْرِ 8 .

وقال القائل :

مـا سُـمـِّـيَ الـقلـب إلاّ مـِنْ تقلُّبِه ..................... فـاحــذْر على القلــب من قَلْـبٍ وتحويل 9

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن « 10 .

فهنا يصوِّر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم القلب وكأنه ريشة لخفته ولتأثير الفتن عليه ، صغيرها وكبيرها تماما مثل الريشة التي تؤثر فيها أقل النسمات فتغير اتجاهها ؛ ولاستيقان الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة كان يحلف : » لا ومقلِّب القلوب « 11 .

فأدْنى شيءٍ يخدشُه ويُدنِّسُه ويؤثِّرُ فيه ، فهو كأبيضِ ثوبٍ يكونُ ؛ يؤثِّرُ فيه أدنى أثرٍ ، وكالمرآةِ الصافية جدًّا ؛ أدْنى شيءٍ يؤثِّرُ فيها ، ولهذا تُشوِّشُهُ اللحظةُ واللفظةُ والشهوةُ الخفية 12 .

الأصل الرابع : القلب عرضةٌ للفتن

عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَعرض الْحَصِيرِ عُوداً عُوداً ، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَت فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ، حَتَّى تَعُودَ القُلُوبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: قلبٍ أَسْوَدَ مُرْبَادّاً كَالْكُوزِ مُجَخِّياً لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفاً وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَراً ؛ إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ، وَقَلبٍ أَبْيَضْ ، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ« 13 .

فشبَّه عَرْضَ الفِتَنِ على القُلوبِ شيئاً فشيئاً ؛ كعَرْضِ عيدانِ الحصيرِ شيئاً فشيئاً .

وقسَّمَ القلوبَ عندَ عرضِها عليها إلى قسمينِ :

قلبٌ إذا عُرِضَتْ عليهِ فتنةٌ أُشْرِبَها ؛ كما يُشْرَبُ السِّفَنْجُ الماءَ ، فتُنْكَتُ فيه نكتةٌ سوداءُ .

وفي حديث الإفك: قالت عائشة لأبويها رضي الله عنهم : " ـ والله يشهد إنِّي صادقة ـ ما ذاك بنافعي لكم ، لقد تكلمتم به وأشربته قلوبكم .." 14 أي: حل فيها محل الشرب وقبلوه 15 .

إذا ما القــلب أشرب حـــبَّ شيءٍ ............................... فـلا تأمــل له عنـــه انصرافـــا

فلا يزالُ يُشْرَبُ كلَّ فتنةٍ تُعْرَضُ عليهِ حتى يَسْوَدَّ وينتكسَ ، وهو معنى قولِهِ : » كالكوزِ مُجَخِّياً « ؛ أي : مكبوباً منكوساً ، فإذا اسودَّ وانتكسَ عرضَ لهُ مِن هاتينِ الآفَتَينِ مرضانِ خطيرانِ متراميانِ بهِ إلى الهلاكِ .

أحدُهُما : اشتباهُ المعروفِ عليهِ بالمنكرِ ، فلا يعرِفُ معروفاً ، ولا يُنْكِرُ منكراً ، وربّما استحكمَ عليهِ هذا المرضُ حتى يعتقِدَ المعروفَ منكراً ، والمنكرَ معروفاً ، والسُّنَّةَ بِدعةً والبدعةَ سُنَّةً ، والحقَّ باطلاً والباطلَ حقّاً .

الثَّاني : تحكيمُهُ هواهُ على ماس جاءَ بهِ الرسولُ صلى الله عليهوسلم ، وانقيادُهُ للهوى واتِّباعُه لهُ .

وقلبٌ أبيضُ قد أشرقَ فيهِ نورُ الإيمانِ ، وأزهرَ فيهِ مصباحُهُ ، فإذا عُرِضَتْ عليهِ الفتنةُ أنكَرَهاَ وردَّها ، فازدادَ نورهُ وإشراقُه وقوَّتُه .

والفِتَنُ التي تُعْرَضُ على القلوبِ هي أسبابُ مرضِها ، وهي فِتَنُ الشَّهواتِ وَفِتَنُ الشُّبُهاتِ 16 . ففتنة الشبهات إمَّا باعتقاد خلاف الحقِّ الذي أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنزل به كتابه . كالذي ينفي علوّ الله على العرش ، ونزوله إلى السماء الدنيا ، وكلامه بحرف وصوت . وإمَّا بالتعبد بمالم يأذن به الله .

وأما فتنة الشهوات ففي قوله تعالى : (فلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) .

أي : لا تلنَّ في الكلام فيطمعَ الذي في قلبه فجور وزناءٌ .

قالوا : والمرأة ينبغي لها إذا خاطبت الأجانب أن تُغلظَ كلامها وتقوِّيَهُ ، ولا تليِّنَهُ وتكسِّرَهُ ؛ فإنَّ ذلك أبعدُ من الريبة والطمع فيها 17 .

فالأول : هو البدع وما والاه .

والثاني : فسق الأعمال .

ولهذا كان السلف يقولون : احذروافتنة العالم الفاجر،والعابد الجاهل؛فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون .

الأصل الخامس :تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب

إنّ الأعمال لا تتفاضل بصُوَرِهَا وعَدَدِها ، وإنما تتفاضَلُ بتَفاضُلِ ما في القُلوبِ ، فتكونُ صورةُ العملينِ واحدةً ، وبينَهما في التَّفاضُلِ كما بين السماءِ والأرضِ ، والرَّجُلانِ يكون مَقامُهُما في الصَّفِّ واحداً ، وبين صلاتَيْهِما كما بينَ السَّماءِ والأرضِ ، وذلكَ أنَّ أحدهما مقبلٌ على الله عزوجل ، والآخر ساهٍ غافل ، فينصرف من صلاته مثلما دخل فيها بخطاياه وذنوبه ، وأثقاله لمْ تخفَّ عنه بالصلاة ، فإنَّ الصلاة إنَّما تكفِّرُ سيئاتِ منْ أدَّى حقَّها ، وأكملَ خشوعها ، ووقف بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه .

وكلُّ قولٍ وفعلٍ رتَّبَ الشارع ما رتَّبَ عليه من الثوابِ، فإنّما هو القولُ التّامُّ والفعل التامّ ، كقوله صلى الله عليه وسلم : » مَنْ قَالَ : سبحانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مِائة مَرَّةٍ ، حُطَّتْ عَنْهُ خَطاياهُ وَلَوْ كانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ « 18 .

وليسَ هذا مرتباً على مجرَّدِ قولِ اللَّسانِ ، نعم مَنْ قالها بلِسانِهِ ، غافِلاً عن معناها ، مُعرِضاً عن تَدَبُّرِها ، وَلَمْ يُواطِئ قَلْبُهُ لسانَهُ ، ولا عَرَفَ قَدْرَها وحَقيقَتَها ، راجياً معَ ذلك ثوابَها ، حَطَّتْ من خطاياهُ بِحَسَبِ ما في قَلْبِهِ ...

فالعمل الذي يكفِّرُ الذنوبَ تكفيراً كاملاً هو العمل الكامل ، وأمَّا عملٌ شملته الغفلةُ ، أو لأكثرهِ ، وفقد الإخلاصَ الذي هو روحه ، ولمْ يقدِّرْهُ حقَّ قدْرهِ ؛ فأيُّ شيءٍ يكفِّرُ هذا ؟!

وبهاتين القاعدتين تزول إشكالات كثيرة ، وهما :

تفاضل الأعمال بتفاضل ما في القلوب من حقائق الإيمان .

وتكفير العمل للسيئات بحسب كماله ونقصانه .

ومن لم يكن له فقه نفس في هذين الأمرين ومعرفة بهما، فإنه يفوته ربح كبير وهو لا يشعر .

وتأمَّلْ هذا الذي نحَّى غصن الشوك عن الطريق ، فعله إذْ ذاك بإيمانٍ خالص ، وإخلاص قائم بقلبه ، فغفر له بذلك ، وليس كلّ من نحّى غصن شوكٍ عن الطريق يغفر له .

وانظر وقتَ أخذِكَ في القراءةِ إذا أعْرضْتَ عن واجبها وتدبُّرها وتعقُّلها ، وفهم ما أريدَ بكلِّ آيةٍ ، وحظِّكَ من الخطابِ بها ، وتنزيلها على أدْواءِ قلبكَ والتقيُّدِ بها ، كيفَ تدْرِكُ الخَتْمَةَ - أو أكثرها ، أو ما قرأتَ منها - بسهولةٍ وخِفَّةٍ ، مستكثراً من القراءةِ ، فإذا ألزمتَ نفسكَ التدبُّرَ ومعرفةَ المراد ، والنَّظرَ إلى ما يخُصُّكَ منه ، والتعبُّدَ بهِ ، وتنزيلَ دوائهِ على أدْواءِ قلبكَ ، والاستشفاءَ به ، لمْ تكدْ تجوزُ السُّورةَ أو الآية إلى غيرها ، وكذلك إذا جمعت قلبكَ كلَّهُ على ركعتينِ ، أعطيتَهُما ما تقدرُ عليه من الحضورِ ، والخشوعِ والمراقبةِ ، لمْ تكدْ أنْ تصلِّي غيرهما إلاَّ بجهدٍ ، فإذا خلا القلب من ذلك عددْتَ الرَّكعاتِ بلا حسابٍ .

فهكذا الأعمالُ والعُمّالُ عند اللهِ ، والغافِلُ في غَفْلَةٍ عن هذا ... ولا ريب أنّ مجرد القيام بأعمال الجوارح ، منْ غير حضورٍ ولا مراقبةٍ ، ولا إقْبالٍ على الله قليل المنْفعة ، دنيا وأُخْرى ، كثير المؤنةِ ، فإنَّهُ - وإنْ كثُرَ - متعبٌ غير مفيدٍ .

وَلِمِثْلِ هذا المَعْنَى إنَّما وَقَعَ نَظَرُ أُولي الأَبْصَارِ مِنَ الْعُبَّادِ فِي مِثْلِ هذِهِ الدَّقَائِقِ ، وَاهْتَمُّوا بإحسان العمل ، وَلَمْ تُغْنِهِمْ كَثْرَةُ الأَعْمَالِ بِالظَّاهِرِ ، وجعلوا نصب أعْينهم قول الله تعالى: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [ الملك: 2 ] .

وَأَمَّا الْذِينَ قَلَّ عِلْمُهُمْ ، وَكَلَّ في هذَا الْبَابِ نَظَرُهُمْ ، فَجَهِلُوا المَعَانِيَ ، وَأَغْفَلُوا أعْمال الْقُلُوبِ، وَاشْتَغَلُوا بِإتْعَابِ النُّفُوس بالُّركُوعِ وَالسُّجوُدِ ، وَالإِمْسَاكِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَنَحْوِهِ ، فَغَرَّهُمُ العَدَدُ وَالْكَثْرَةُ .وَمَا يُغْنِي عَدَدُ الْجَوْزِ وَلاَ لبَّ فِيهَا ؟ وَمَا يَنْفَعُ رَفْعُ السُّقُوفِ وَلَمْ تُحْكَم مَبَانِيهَا ؟ وَمَا يَعْقِلُ هذِهِ الْحَقَائِقَ إِلاَّ الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ عزوجل ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى وَليُّ الْهِدَايَةِ بِفَضْلِه .

وكفى بهذه الأُصولِ واعظاً لمن اتَّعَظَ.وما يعقلها إلاَّ كلُّ ذي فهمٍ مستقيم .

علامات القلب السليم

قال الله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88 ـ89] . ولكن ما هي علامات القلب السليم ؟

العلامة الأولى : أَنْ يرتَحِلَ عن الدُّنيا حتى ينزلَ بالآخرةِ ، ويَحِلَّ فيها ، حتى يَبْقَى كأَنَّهُ مِن أهلِها وأَبنائِها ، جاءَ إلى هذه الدَّارِ غريباً يأْخُذُ منها حاجَتَهُ ، ويعودُ إلى وطنِه كما قال عليه السلام لعبدِ اللَّهِ بنِ عُمَر: » كُنْ في الدُّنْيا كأَنَّكَ غريبٌ أَو عابرُ سبيلٍ ، وعُدَّ نفسَكَ مِن أهلِ القُبورِ « 19 .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إنّ الدنيا قد ترحلت مدبرة ، وإنّ الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكلٍّ منهما بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإنَّ اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ، ولا عمل .

فَـحَيَّ عـَلى جَـنّـَاتِ عَـدْنٍ فـإِنـَّها ..................... مَـنازِلُـكَ الأولى وفـيـهـا الـمُخَيَّمُ
ولكِنَّنا سَـبْـيُ الـعَـدُوِّ فَـهَـلْ تَـرَى نَــعُـودُ إلى أَوطـانِـنـا ونُسـَـلِّمُ

وكلما صحَّ القلبُ مِن مرضِه ؛ تَرَحَّلَ إلى الآخرَةِ ، وقَرُبَ منها ، حتى يصيرَ مِن أهلِها ، وكلَّما مَرِضَ القلبُ واعتَلَّ ؛ آثَرَ الدُّنيا واستوطَنَها ، حتى يصيرَ مِن أَهلِها .

العلامة الثانية : أَنْ يُنِيبَ إلى اللَّهِ ويُخْبِتَ إليهِ ، فلا فلاحَ ، ولا نعيمَ ، ولا سرورَ ؛ إلاَّ برضاه وقُرْبِهِ والأُنْسِ بِهِ ، فبهِ يطمئِنُّ ، وإليهِ يسكُنُ ، وإليهِ يأْوي ، وبهِ يفرَحُ ، وعليهِ يتوكَّلُ ، وبهِ يَثِقُ ، وإِيَّاهُ يرجو ، وله يخافُ .

فذِكْرُهُ غذاؤهُ وحياتُه ونعيمُهُ ولذَّتُهُ وسُرورُهُ ، والالتفاتُ إلى غيرِهِ والتعلُّقُ بسواهُ : داؤهُ ، والرُّجوعُ إليهِ : دواؤهُ .

قالَ أَبو الحسينِ الورَّاقُ : حياة القلبِ في ذِكرِ الحيِّ الذي لا يموتُ ، والعيشُ الهنِيُّ الحياةُ مع اللهِ تعالى لا غير .

العلامة الثالثة : أَنْ لا يَفْتُرَ عن ذِكْرِ ربِّهِ ، ولا يسأَمَ مِن خِدْمَتِه ، ولا يأْنَسَ بغيرِهِ ؛ إلاَّ بِمَنْ يَدُلُّهُ عليه ، ويُذَكِّرُهُ بهِ ، ويُذاكِرُهُ بهذا الأمرِ .

العلامة الرابعة : أَنَّهُ إذا فاتَهُ وِرْدُهُ 20 وَجَدَ لفواتِه أَلماً أعظمَ مِن تأَلُّمِ الحريصِ بفواتِ مالِهِ وفَقْدِهِ ؛ كمن يحزن على فوت الجماعة ، ويعلم أنّه لوْ تُقُبِّلتْ منه صلاته منْفرداً ، فإنّه قدْ فاته سبعة وعشرون ضعفاً .

ولو أنّ رجلاً يعاني البيع والشراء تفوته صفقة واحدة في بلده من غير سفر ولا مشقة قيمتها سبعة وعشرون ديناراً ؛ لأكل يديه ندماً وأسفاً ، فكيف وكلّ ضعفٍ مما تضاعف به صلاة الجماعة خيرٌ من ألف ، وألف ألف ، وما شاء الله تعالى ؟!

فإذا فوَّت العبد عليه هذا الربح قطْعاً ، وهو بارد القلب ، فارغ من هذه المصيبة ، فهذا من ضعف الإيمان .

وكذلك إذا فاته الصف الأول الذي يصلي الله وملائكته عليه ، ولوْ يعلم العبد فضيلته ؛ لجالد عليه ، ولكانت قرعة .

العلامة الخامسة : أَنَّهُ يشتاقُ إلى طاعة ربه ؛ كما يشتاقُ الجائعُ إلى الطَّعامِ والشرابِ .

العلامة السادسة : أَنَّهُ إذا دَخلَ في الصّلاةِ ذَهَبَ عنهُ همُّهُ وغَمُّهُ بالدُّنيا ، واشتدَّ عليهِ خروجُهُ منها ، ووجَدَ فيها راحتَهُ ونعيمَهُ ، وقُرَّةَ عينِه وسُرورَ قلبِهِ ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: »يا بلال ، أرحْنا بالصلاة « ولمْ يقلْ : أرحنا منها كما يقول المبْطلون الغافلون . وقال صلى الله عليه وسلم: » جعلت قرة عيني في الصلاة « .

فصاحب القلب السليم راحته وقرّة عينه في الصلاة ، والغافل المعرض ليس له نصيب من ذلك ؛ بل الصلاة كبيرة شاقة عليه ، إذا قام فكأنّه على الجمر حتّى يتخلص من واجب الصلاة ، وعجّلها وأسْرعها ، فهو ليس له قرّة عين فيها ، ولا لقلبه راحة بها ، فهي كبيرة على هذا ، وقرّة عين وراحة لذلك .

العلامة السابعة : أَنْ يكونَ هَمُّهُ واحداً ، وأَنْ يكونَ في اللّهِ تعالى . فهمّه طاعة ربه ، ورضا ربه ، وعفو ربه ، ومغفرة ورحمة ربه ( وَعَجِلتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84 ].

العلامة الثامنة : أَنْ يكونَ أَشَحَّ بوَقْتِهِ أَنْ يذهَبَ ضائِعاً مِن أشدِّ النّاسٍ شُحّاً بمالِهِ ؛ لأنَّه يرى عزّةَ وقتهِ وخطره وشرفه ، وأنّه رأس مال سعادته فيبخل به أنْ يضيعه فيما لا يقربه إلى ربّه ؛ فإنّ في إضاعته الخسران والحسرة والنّدامة ، وفي حفظه وعمارته الربح والسعادة . فيشح بأنفاسه أنْ يضيعها فيما لا ينفعه يوم معاده .

العلامة التاسعة : أَنْ يكونَ اهتمامُهُ بتصحيح العملِ أَعظمَ منهُ بالعملِ ، فيحْرِصُ على الإِخلاص فيهِ والنَّصيحةِ والمُتابعةِ والإحسانِ ، ويشهَدُ مَعَ ذلك منَّةَ اللَّهِ عليهِ وتقصيرَهُ في حقِّ اللّهِ .

فهذه ستُّ مشاهدَ لا يشهَدُها إلا القلبُ الحيُّ السليمُ .

العلامة العاشرة: أنْ يكون سالماً من محبة ما يكرهه الله ، فدخل في ذلك سلامته من الشرك الجلي والخفي ، ومن الأهواء والبدع ، ومن الفسوق والمعاصي ـ كبائرها وصغائرها ـ الظاهرة والباطنة ، كالرياء ، والعجب ، والغلّ ، والغش ، والحقد ، والحسد ، وغير ذلك 21 .

عنْ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قيل : لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ النّاس أفْضلُ؟ قال: »كلُّ مخْمومِ القلب ، صدوقِ اللسانِ« .قالوا: صدوق اللسان نعرفه ، فما مخمومُ القلب ؟ قال : » هو التّقيّ النّقيّ لا إثْم فيه ، ولا بغي ولا غلّ ولا حسدْ« 22 .

العلامة الحادية عشر: اتباع هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم . عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : »يا أبا أمامة! إنّ من المؤمنين من يلين لي قلبه « 23 .

ومعنى (يلين لي قلبه ) أي يسكن ويميل إليّ بالمودّة والمحبّة. والله أعلم .

وليس ذلك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر ، لأن الله تعالى جعل ذلك وحده دليلاً على حبه عزوجل ، فقال : (قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْببكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) .

أفلم يأن للذين يزعمون حبه صلى الله عليه وسلم في أحاديثهم وأناشيدهم ، أن يرجعوا إلى التمسك بهذا الحب الصادق الموصل إلى حب الله تعالى ، ولا يكونوا كالذي قال فيه الشاعر:

تعـصي الإله وأنت تظــهر حبــه ...................... هذا لعمـرك في القـــياس بديــع
فلـو كـان حبــك صادقـاً لأطعتـه إنّ المحـبّ لــمن يــحبّ مطيــع

العلامة الثانية عشر : الوجل عندْ ذكر الرحمن . والوجل خوف مقْرونٌ بهيبةٍ ومحبّةٍ .

قال سبحانه وتعالى : ( وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحج:34-35].

وقال سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [ الأنفال:2] .

وقال عزوجل : (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) [المؤمنون:60 ].

وعن أبي عنبة الخولاني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »إنّ لله آنية في الأرض ، وآنية 24 ربّكمْ قلوب عباده الصالحين ، وأحبُّها إليه ألينها وأرقُّها « 25 .

والمعنى أنّها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الشدّة والقسْوة.

عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية : (وَالذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [ المؤمنون : 60 ] قالت : أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون " ؟ قال : »لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون « 26 .

ومن تأمَّل أحْوال الصحابة رضي الله عنهمْ وجدهمْ في غاية العملِ مع غايةِ الخوفِ ، ويعدُّون أنفسهم من المقصِّرين المفرِّطين المذْنبين ، ونحن مع إساءتنا نعدُّ انفسنا من المحسنين.

وبالجملة ؛ فالقلبُ الصَّحيحُ : هو الذي همُّهُ كلُّهُ في اللَّهِ ، وحُبُّهُ كلُّهُ لهُ ، وقصدُهُ لهُ ، وبَدنُهُ لهُ ، وأَعمالُه لهُ ، ونومُهُ لهُ ، ويقظتُهُ لهُ ، وحديثُهُ والحديث عنهُ أشْهى إِليهِ مِن كُلِّ حَدِيثٍ ، وأَفكارُهُ تحوم على مراضيه ومحابِّه . فكلُّه بالله ، وكلُّه لله ، وكلُّه مع الله ، وسيرهُ دائماً إلى الله ، فهو مع الله مجرَّدٌ عن خلقهِ ، ومع خلقهِ مجرَّدٌ عن نفسه ... والله المستعان .

علاج القلوب

أولاً : قراءة القرآن الكريم بالتدبر .

قال الله عزوجل: (ياأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ) [يونس : 57 ] .

وقال سبحانه وتعالى : (وَنُنَزِّلُ من الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [ الإسراء : 82 ] .

فسبحان من جعل كلامه شفاءً تامًّا لما في الصدور،فمن استشفى به صحَّ وبريءَ من مرضه ، ومن لم يستشْفِ به ؛ فهو كما قيل :

إذا بَـلَّ 27 مِنْ دَاءٍ بـهِ ظَـنَّ أَنَّـــهُ ............... نجــَا وبِـهِ الدَّاءُ الّـَذي هُـو قَـاتِلُهْ

فيامن تبحث عن دواءٍ لقلبك دواؤك في القرآن .

ويامن تبحثين عن دواءٍ لقلبك دواؤكِ في القرآن .

فتدبر في لطائف خطابه ، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه ، وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه 28 .

ثانياً : ذكر الله .

اعلم رحمك الله بأنَّ ذكر الله شفاء القلب ودواؤه ، والغفلة مرضه ، فالقلوب مريضة ، وشفاؤها في ذكر الله تعالى كما قيل :

إذا مرضــــنا تداوينـــا بذكركـــم .............. فنـــترك الذكـــر أحيانا فننتكس

وذكر الله يورث جلاء القلب من صدئه 29 . ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما ، وجلاؤه بالذكر ، فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء . فإذا ترك الذكر صدىء ، فإذا ذكر جلاه .

وصدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين : بالاستغفار والذكر .

وذكر الله يورث حياة القلب ، والقلب الذاكر كالحي في بيوت الأحياء ، والغافل كالميت في بيوت الأموات . ولا ريب أن أبدان الغافلين قبور لقلوبهم ، وقلوبهم فيها كالأموات في القبور ، كما قيل :

فنســيان ذكـر الله مــوت قلـوبهم .............. وأجــسامهم قبــل القبــور قبور
وأرواحـهم في وحــشة من جسـومهم وليـس لهـم حتـى النشـورنشور 30

عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: » مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت « 31 .

وهذا تنويه عظيم بشأن الذكر وتفخيم بليغ لفضله وتحذير من إهماله .

وذكر الله ينبه القلب من نومه ، ويوقظه من سنته ، والقلب إذا كان نائماً فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران ، فإذا استيقظ وعلم ما فاته في نومته ، شد المئزر، وأحيا بقية عمره واستدرك ما فاته ، ولا تحصل يقظته إلا بالذكر، فإن الغفلة نوم ثقيل 32 .

واعلم : بأن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى ، فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى .لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة ، اشتدت به القسوة ، فإذا ذكر الله تعالى ، ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عزوجل .

ثالثاً : العلم النافع .

اعلم رحمك الله بأنَّ القلب لا يخرج مرضه عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما.

وهذه الأمراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صاحب الشجة الذي أفتوه بالغسل فمات: »قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ إنما شفاء العي السؤال « 33 . فجعل العيَّ ـ وهو عيُّ القلب عن العلم واللسان عن النطق به - مرضاً ،وشفاؤه سؤال العلماء .

فأمراض القلوب أصعب من أمراض الأبدان ؛ لأن غاية مرض البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت ، وأما مرض القلب فيفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبديِّ،ولا شفاء لهذا المرض إلا بالعلم .

قال بعض العارفين : أليس المريض إذا منع الطعام رالشراب والدواء يموت ؟ قالوا : بلى.قال : فكذلك القلب إذا منع عنه العلم والحكمة ثلاثة أيام يموت .

وصدق فإن العلم طعام القلب وشرابه ودواؤه ، وحياته موقوفة على ذلك . فإذا فقد القلب العلم فهو ميت ، ولكنْ لا يشعُرُ بموتهِ 34 .

وبالجملة ؛ فالعلم للقلب مثل الماء للسمك إذا فقده مات ، فنسبة العلم إلى القلب ، كنسبة ضوء العين إليها ، وكنسبة سمع الأذن ، وكنسبة كلام اللسان إليه ، فإذا عَدِمَهُ ، كان كالعين العمياء والأذن الصماء ، واللسان الأخرس 35 .

والعلم إذا خالط القلوب أثار ما فيها من الشهوات والشبهات ليقلعها ويذهبها ، كما يثير الدواء وقت شربه من البدن أخلاطه فيتكدر بها شاربه . وهي من تمام نفع الدواء ، فإنه أثارها ليذهب بها ، فإنه لا يجامعها ولا يشاركها . . . فكذلك الشهوات والشبهات يرميها قلب المؤمن ويطرحها ويجفوها كما يطرح السيل والنار الزبد والغثاء والخبث ، ويستقر في قرار الوادي الماء الصافي الذي يستقي منه الناس ، ويزرعون ويسقون أنعامهم . كذلك يستقر في قرار القلب الإيمان الخالص الصافي الذي ينفع صاحبه وينتفع به غيره 36 .

وليس هذا لكل علم ، بل للعلم الموروث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو العلم النافع 37 .

رابعاً : محاسبة النفس 38 .

اعلم رحمك الله بأنّ محاسبةَ النَّفسِ من الدواءِ الناجعُ لعلاجِ القلوب . ولمَّا تركَ النَّاسُ اليومَ محاسبةَ النفسِ عاشوا في الهموم والغمومِ .

قالَ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه : " حاسِبُوا أنْفُسَكُم قبلَ أنْ تُحَاسَبُوا ، وزِنُوا أنْفُسَكُم قبلَ أَنْ تُوزَنوا ؛ فإِنَّهُ أهونُ عليكُم في الحسابِ غداً أنْ تُحاسِبوا أنْفُسَكُمُ اليومَ ، وتزَيَّنُوا للعَرْضِ الأكْبَرِ : ( يوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [ الحاقة : 18 ] " . وقال الفُضَيل بن عِياض : المؤمنُ يحاسب نفسه ويعلم أنّ له موقفاً بين يدي الله تعالى ، والمنافق يغفل عن نفسه ، فَرَحِمَ اللهُ عبداً نظر لنفسه قبل نزول مَلَك الموتِ بِه 39 .

ويعينه على هذه المحاسبة : معرفته أنّه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره ، وكلّما أهملها اليوم اشتدّ عليه الحساب غداً .

ويعينه عليها أيضا:معرفته أن ربح هذه التجارة سكنى الفردوس،والنظر إلى وجه الرب عزوجل ، وخسارتها : دخول النار والحجاب عن الرب تعالى ، فإذا تيقّن هذا هان عليه الحساب اليوم ؛ فحقّ على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطواتها .

ومُحاسَبَةُ النَّفْسِ نوعانِ : نوعٌ قبلَ العَمَلِ ، ونوعٌ بعدَه .

فأَمَّا النَّوعُ الأوَّلُ : فهو أَنْ يَقِفَ عندَ أَوَّلِ همِّهِ وإِرادتِه ، ولا يُبادِرَ بالعمَلِ حتى يتَبَيَّنَ لهُ رُجْحانُهُ على تركِه .

قالَ الحسنُ رحمهُ اللهُ: "رَحِمَ اللهُ عبداً وَقَفَ عندَ همِّهِ،فإِنْ كانَ لله مَضى،وإنْ كانَ لغيرِه تأخّر"

وشرحَ هذا بعضُهُم فقالَ : إذا تحرَّكَتِ النَّفْسُ لعملٍ من الأعمالِ ، وهَمَّ بهِ العبدُ ، وَقَفَ أَوَّلاً ونَظَرَ : هل الباعث عليه إرادةُ وجه الله عزوجل وثوابِهِ أو إرادةُ الجاهِ والثّناءِ والمالِ من المخلوق ؟ فإنْ كان الثاني لم يُقْدِمْ عليه ، وإنْ أفضى به إلى مطلوبه ، لئلاّ تعتادَ النّفسُ الشِّرْكَ ، ويخفَّ عليها العملُ لغير الله ، فبقدْر ما يَخِفُّ عليها ذلك يَثْقُلُ عليها العملُ لله تعالى ، حتىَّ يصيرَ أثقلَ شيءٍ عليها .

النَّوعُ الثَّاني : مُحاسَبَةُ النَّفْسِ بعدَ العَمَلِ :

وهو ثلاثةُ أَنواعٍ :

أَحَدُها : مُحَاسَبَتُها على طاعةٍ قصَّرَتْ فيها مِن حَقِّ اللهِ تعالى ؛ فلم تُوقِعْها على الوجهِ الَّذي ينبغي.

وحقُّ اللهِ تعالى في الطَّاعةِ ستَّةُ أُمورٍ ، وهي :

الإخلاصُ في العملِ .

والنَّصيحَةُ للهِ فيهِ .

ومُتابعَةُ الرَّسولِ فيهِ .

وشُهودُ مَشْهَدِ الإحسانِ فيهِ .

وشُهودُ مِنَّةِ اللهِ عليهِ .

وشُهودُ تَقصيرِهِ فيهِ بعدَ ذلك كلِّهِ .

فيُحَاسِبُ نَفْسَهُ : هل وفَّى هذه المقاماتِ حقَّها ؟ وهل أتى بها في هذه الطَّاعةِ ؟

الثَّاني : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ كانَ تَرْكُه خيراً لهُ مِن فِعْلِهِ .

الثَّالثُ : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ على أمْرٍ مُباحٍ ، أو مُعتادٍ : لِمَ فَعَلَهُ ؟ وهل أرادَ بهِ الله والدَّارَ الآخِرَةَ ؟ فيكونَ رابحاً ، أو أرادَ بهِ الدُّنيا وعاجِلَها ؛ فيَخْسَرَ ذلك الرِّبحَ ويفوتَه الظَّفَرُ بِهِ !

ضرر ترك المحاسبة :

وأَضَرُّ مَا عليهِ الإِهمالُ ، وتركُ المُحاسبَةِ والاسترسالُ ، وتسهيلُ الأمورِ وتمشِيَتُها ، فإِنَّ هذا يَؤولُ بِهِ إلى الهلاكِ ، وهذهِ حالُ أهلِ الغُرورِ ؛ يُغْمِضُ عيْنَيْهِ عنِ العواقِبِ ، ويُمَشِّي الحال ، ويَتَّكِلُ على العَفْوِ ؛ فيُهْمِلُ مُحاسَبَةَ نفسِهِ والنَّظَرَ في العاقبةِ ، وإذا فَعَلَ ذلك سَهُلَ عليهِ مواقَعَةُ الذُّنوبِ ، وأَنِسَ بها، وعَسُرَ عليه فِطَامُها، ولو حَضَرَهُ رُشْدُهُ لَعَلِمَ أَنَّ الحِمْيَةَ أَسْهَلُ مِن الفِطامِ ، وتركِ المألوفِ والمُعتادِ .

وجِماعُ ذلك : أَنْ يُحاسِبَ نفسَهُ أوَّلاً على الفرائِضِ ، فإنْ تَذَكَّرَ فيها نَقْصاً تَدارَكَهُ ، إمَّا بقضاءٍ أو إصلاحٍ .

ثمَّ يُحاسِبُها على المناهي ، فإنْ عَرَفَ أَنَّهُ ارتَكَبَ منها شيئاً تدارَكَهُ بالتَّوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحِيَةِ.

ثمَّ يحاسِبُ نفسَهُ على الغَفْلَةِ ، فإنْ كان قد غَفِلَ عمَّا خُلِقَ لَهُ ؛ تدارَكَهُ بالذِّكْرِ والإقبالِ على الله تعالى .

ثمَّ يُحَاسِبُها بما تكلَّمَ بهِ ، أو مَشَتْ إليهِ رجلاهُ ، أو بَطَشَتْ يداهُ ، أو سمعَتْهُ أُذناهُ : ماذا أرادَتْ بهذا ؟ ولمَنْ فَعَلَتْهُ ؟ وعلى أيِّ وجهٍ فَعَلَتْهُ ؟ ويعلم أنه لا بد أن ينشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان : لم ؟ وكيف ؟ أي : لمَ فعلتَ ؟ وكيفَ فَعلتَ ؟ فالأوَّلُ : سؤالٌ عن علَّة الفعلِ ، وباعثِهِ ، وداعيهِ : هل هو حظُّ عاجلٌ مِن حُظوظِ العاملِ ، وغرضٌ مِن أغراضِ الدُّنيا في محبَّةِ المدحِ مِن الناس ، أو خوفِ ذمِّهم ، أو استجلابِ محبوبٍ عاجلٍ ، أو دفعِ مكروهٍ عاجلٍ ؟ أم الباعثُ على الفعلِ القيامُ بحقِّ العبوديَّةِ ، وطلبُ التودُّدِ والتقرُّبِ إلى الرَّبِّ سبحانه وتعالى ، وابتغاءُ الوسيلةِ إليهِ ؟

ومحلُّ هذا السؤالِ أنَّهُ : هل كان عليكَ أَنْ تفعَلَ هذا الفعلَ لمولاكَ ، أم فعَلْتَهُ لحظِّكَ وهواكَ؟

والثاني : سؤالٌ عن متابعةِ الرَّسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ في ذلك التعبُّدِ ؛ أي : هل كان ذلك العمل ممّا شَرَعْتُهُ لك على لسانِ رسولي ؟ أم كانَ عملاً لم أشْرَعْهُ ولم أَرْضَهُ ؟

فالأوَّلُ: سؤالٌ عن الإخلاصِ ، والثاني : عن المُتابَعَةِ ؛ فإِنَّ اللهَ لا يقبلُ عملاً إلاَّ بِهِما.

فطريقُ التخلُّصِ مِن السؤالِ الأوَّلِ بتجريدِ الإخلاصِ .

وطريقُ التخلُّصِ مِن السؤالِ الثَّاني بتحقيقِ المُتابعةِ ، وسلامةِ القلبِ مِن إرادَةٍ تُعارِضُ الإخلاصَ ، وهوىً يُعارِضُ الاتِّباعَ . وقال تعالى : (فَوَرَبكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [ الحجر : 92 - 93 ] .

وقال تعالى : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) [الأحزاب : 8 ].

فإذا سُئِلَ الصَّادقون وحُوسِبُوا على صِدْقِهِمْ فما الظَّنُ بالكاذِبِينَ ؟

وقال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ) [ التكاثر : 8 ].

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة ـ يعني العبد ـ من النعيم أن يقال له : ألم نُصحّ لك جسمك ، ونرويك من الماء البارد « 40 .

والنعيم المسؤول عنه نوعان : نوع أخذ من حله وصرف في حقه ، فيسأل عن شكره . ونوع أخذ بغير حقه وصرف في غير حقه ، فيسأل عن مستخرجه ومصرفه.

عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تزولُ قدما عبدٍ حتَّى يسألَ عن عُمْرِهِ فيما أفناهُ ، وعنْ علمهِ فيما فعل ، وعن مالهِ منْ أينَ اكتسبهُ وفيما أنفقه،وعنْ جسمهِ فيما أبْلاهُ " 41 .

فإذا كانَ العبدُ مسؤولاً ومُحاسَباً على كلِّ شيءٍ ، حتى عَلى سَمْعِهِ وبَصَرِهِ وقَلْبِهِ ، كما قال تعالى : (إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) [ الإسراء : 36 ] ؛ فهُو حقيقٌ أنْ يُحاسِبَ نفسَهُ قبلَ أنْ يُنَاقَشَ الحسابَ 42 .

وقد دلَّ على وُجوبِ محاسبة النَّفسِ قولُه تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [ الحشر : 18 ] . فأمر سبحانه وتعالى العبدَ أنْ ينظر ما قدَّمَ لِغد ، وذلك يتضمَّن محاسبة نفسه على ذلك ، والنظر : هل يصلُح ما قدّمه أن يلقى الله به أو لا يصلح ؟ .

والمقصودُ مِن هذا النظرِ : ما يُوجبه ويقتضيه ، من كمال الاستعداد ليوم المعاد ، وتقديم ما يُنجيه من عذاب الله ، ويُبيض وجهه عند الله .

وكلّ ذلكَ إنّما يمكنُ بصبرِ ساعةٍ واحدةٍ . فانّ الساعاتِ ثلاث 43 : ساعةٌ مضتْ لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية . وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا ولا يدري ما يقضي الله فيها ؟ وساعة راهنة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب فيها ربه .

فإن لم تأته الساعة الثانية لم يتحسر على فوات هذه الساعة ، وإن أتته الساعة الثانية استوفى حقه منها كما استوفى من الأولى . ولا يطول أمله فيطول عليه العزم على المراقبة فيها ؛ بل يكون ابن وقته كأنه في آخر أنفاسه فلعله آخر أنفاسه وهو لا يدري . وإذا أمكن أن يكون آخر أنفاسه فينبغي أن يكون على وجه لا يكره أن يدركه الموت وهو على تلك الحال .

إنَّ دواء محاسبة النفسِ نحن أحوج ما نكون إليه اليوم بعد تهالك الناس على الدنيا ، وسيرهم وراء الشهوات ، وتنافسهم في الفانياتِ ، وزهدهم في الباقيات الصالحات .

وهذا الدواء له فوائد جليلة ، وآثارٌ على مستعمله عظيمة :

مِنْهَا: الاطِّلاعُ عَلَى عُيوبِ النفس ونقائصها ، فيمكِنُهُ السَّعي في إصلاحها ، ومَن لَمْ يطَّلعْ عَلَى عَيْبِ نفسِهِ، لَمْ يُمْكِنْهُ إِزالَتُه، فَإِذَا اطَّلَعَ عَلَى عَيْبِها؛ مَقَتَها فِي ذاتِ اللهِ تَعَالَى.

وقالَ أَبو حفصٍ: "مَنْ لَمْ يَتَّهِمْ نَفْسَهُ عَلَى دَوامِ الأوقاتِ، ولم يُخالِفْها فِي جميعِ الأحوالِ، ولم يَجُرَّها إِلَى مكروهِها فِي سائِر أَوقاتِه؛ كَانَ مغروراً، ومَن نَظَرَ إِلَيْهَا باستحسانِ شيءٍ مِنْهَا؛ فَقَدْ أَهْلَكَها" .

فالنَّفْسُ داعيةٌ إِلَى المَهالِكِ، مُعينَةٌ للأعداءِ، طامِحَةٌ إِلَى كلِّ قبيحٍ، مُتَّبِعَةٌ لكُلِّ سوءٍ، فَهِيَ تَجْرِي بطَبْعها فِي ميدانِ المُخالَفَةِ. ومن فوائد محاسبة النفس : أنها توجب للعبد الإمساك عن الخوض في عيوب الناس ، فإنَّ من شغل بعيب نفسه لمْ يبق لديه من الوقت ما ينفقه في الحديث عن عيوب الناس ، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وويل لمن نسي عيبه ، وتفرَّغَ لعيوب الناس .

ومِنها: أَنَّهُ يعرِفُ بذلك حقَّ اللهِ تعالى؛ ويورِثُهُ مَقْتَ نفسِه، والإزراءَ عَلَيْهَا، ويُخلِّصُه مِن العُجْبِ ورُؤيَةِ العملِ، ويفتَحُ لَهُ بابَ الخضوعِ والذُّلِّ والانكسارِ بينَ يدي ربِّهِ، واليأْسِ مِن نفسِهِ، وأَنَّ النَّجاةَ لاَ تحصُلُ لَهُ إِلاَّ بعفوِ اللهِ، ومغفرَتِهِ ورحمتِه، فإِنَّ مِن حقِّهِ أَنْ يُطاعَ وَلاَ يُعْصَى، وأَنْ يُذْكَرَ فلا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ.

فَمَنْ نَظَرَ فِي هَذَا الحقِّ الَّذِي لربِّهِ عَلِمَ علمَ اليقينِ أَنَّهُ غيرُ مؤدٍّ لَهُ كَمَا ينبغي، وأَنَّهُ لاَ يسعهُ إِلاَّ العفوُ والمغفرةُ، وأَنَّهُ إِنْ أُحيلَ عَلَى عملِهِ هَلَكَ.

فمحاسَبَةُ النَّفْس هِيَ نظرُ العَبْدِ فِي حقِّ اللهِ عَلَيهِ أَوَّلاً.

ثُمَّ نَظَرَهُ: هَلْ قامَ بِهِ كَمَا يَنبغي ثانِياً.

وأَفْضَلُ الفكرِ الفِكْرُ فِي ذَلِكَ، فإِنَّهُ يُسَيِّرُ القلبَ إِلَى اللهِ ويَطْرَحُهُ بينَ يديهِ ذَليلاً، خاضِعاً مُنْكَسراً كَسْراً فِيهِ جَبْرُه، ومفتقراً فقراً فِيهِ غِناهُ، وذليلاً ذُلاًّ فِيهِ عِزُّهُ، وَلَوْ عَمِلَ مِن الأعمالِ مَا عساهُ أَنْ يعْمَلَ؛ فإِنَّهُ إِذَا فاته هَذَا؛ فالذي فاتَهُ مِن البرِّ أفضلُ مِن الَّذِي أتى بِهِ 44 .

وما أحوجنا في هذه اللحظة ، أنْ نحاسب أنفسنا على الماضي وعلى المستقبل ، من قبل أنْ تأتي ساعة الحساب ، وإنّها لآتية .

على الماضي ، فنندم على الأخطاء ، ونستقيل العثرات ، ونقوّم المعوّج ، ونستدرك ما فات ، وفي الأجل بقية ، وفي الوقت فسحة لهذا الاستدراك .

وعلى المستقبل فنعدُّ له عدته من القلب النقي ، والسريرة الطيبة ، والعمل الصالح ، والعزيمة الماضية السباقة إلى الخيرات . والمؤمن أبداً بين مخافتين:بين عاجلٍ قدْ مضى لا يدْري ما الله صانعٌ فيه ، وبين آجلٍ قدْ بقي لا يدْري ما الله قاضٍ فيه ، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم ، ومن الحياة قبل الموت .

ما أعظم رقابة الله على عباده : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَن الْيَمِينِ وَعَن الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقيب عَتِيدٌ) [ق:16-18]. (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف:80] .

وما أدقّ الحساب يوم الجزاء: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ) [الزلزلة:7-8] (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [ الأنبياء : 47 ] .

وأخيراً : فينبغي على الواحد منا أنْ يجلس "عندما يريد النوم لله ساعةً يحاسب نفسه فيها على ما خسره وربحه في يومه ، ثمّ يجدد له توبةً نصوحاً بينه وبين الله ، فينام على تلك التوبة ويعزم على أن لا يعاود الذنب إذا استيقظ ، ويفعل هذا كل ليلة ،فإن مات من ليلته مات على توبة وإن استيقظ استيقظ مستقبلا للعمل مسروراً بتأخير أجله،حتى يستقبل ربه ويستدرك ما فاته وليس للعبد أنفع من هذه النومة،ولا سيما إذا عقب ذلك بذكر الله واستعمال السنن التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند النوم حتى يغلبه النوم ، فمن أراد الله به خيراً وفقه لذلك ، ولا قوة إلا بالله" 45 .

خامساً : أكل الحلال واتّقاء الشبهات .

عن النعمان بن البشير رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الحلالَ بيِّنٌ وإنَّ الحرامَ بيِّنٌ ، وبينهما أُمورٌ مشتَبهاتٌ ، لا يعْلَمُهُنَّ كثيرٌ من النَّاسِ ، فمن اتَّقى الشُّبهاتِ استبرأ لدينه وعرضهِ ، ومنْ وقعَ في الشُّبهاتِ وقعَ في الحرامِ ، كالرَّاعي يرعى حولَ الحمى يوشكُ أنْ يرتعَ فيهِ ، ألا وإنَّ لكلِّ ملِكٍ حمىً ، ألا وإنَّ حمى الله محارمهُ ، ألا وإنَّ في الجسد مضغةً إذا صلَحَتْ صلَحَ الجسد كلُّه،وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه ألا وهي القلب " .

فقد دلّ هذا الحديث على أنّ أَكْلَ الحلال ، يصلح القلب ، وأَكْلُ الحرام والشُّبهة يفسده. ويُخاف على آكل الحرام ، والمتشابه ، ألاَّ يُقْبَل له عملٌ ، ولا تُسمع له دعوةٌ .أَلاَ تسمع قولَه تعالى : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) [ المائدة : 27 ] وآكلُ الحرام ، المسترسلُ في الشبهات ليس بمتَّقٍ على الاطلاق . وقد عضد ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم : » أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) [ المؤمنون : 51 ] وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) [ البقرة : 172 ] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ،وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ،فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! « 46 .

عند هذا يعلم الواحدُ منَّا قدر المصيبة الَّتي هو فيها ، وعظم المحنة الَّتي ابتُلي بها ؛ إذ المكاسبُ في هذه الأوقات قد فسدت ، وأنواع الحرام والشُبهات قد عمّت ، فلا يكاد أحدٌ منَّا اليوم يتوصل إلى الحلال ، ولا ينفكُّ عن الشُّبهات . فإنَّ الواحدَ منَّا ـ وإن اجتهد فيما يعمله ـ فكيف يعمل فيمن يعامله ، مع استرسال الناس في المحرمات والشبهات ، وقلَّة من يتقي ذلك من جميع الأصناف ، والطبقات ، مع ضرورة المخالطة ، والاحتياج للمعاملة . وعلى هذا : فالخلاصُ بعيدٌ ، والأمر شديدٌ ، ولولا النهي عن القنوط واليأس ، لكان ذلك الأولى بأمثالنا من الناس . لكنَّا إذا دفعنا عن أنفسنا أصولَ المحرَّمات ، واجتهدنا في ترك ما يمكننا من الشُّبهات ، فعفو الله تعالى مأمول ، وكرمه مرجوُّ ، فلا ملجأ إلا هو ، ولا مفزع إلا إليه ،ولا استعانة إلا به،ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم 47 .

خشوع القلب

مدح الله سبحانه وتعالى في كتابه المخبتين له،والمنكسرين لعظمته،الخاضعين والخاشعين لها.قال سبحانه وتعالى : (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [ الأنبياء : 90 ] .

وقال قال الله عزوجل: (وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ) إلى قوله: (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35 ] .

ووصف سبحانه وتعالى المؤمنين بالخشوع له في أشرف عباداتهم التي عليها يحافظون ، فقال : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [ المؤمنون : 1 و 2 ] .

ووصف الذين أوتوا العلم بالخشوع حين يكون كلامه مسموعاً ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [ الإسراء : 107 ـ 109 ] .

وقال عزوجل : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ....) [ الحديد:16 ] .

فهذه الآية تتضمن توبيخاً وعتاباً لمن سمع هذا السماع ، ولم يحدث له في قلبه صلاحاً ورقة وخشوعاً، فإن هذا الكتاب المسموع يشتمل على نهاية المطلوب ، وغاية ما تصلح به القلوب ، فإن القلوب إذا أيقنت بعظمة ما سمعت ، واستشعرت شرف نسبة هذا القول إلى قائله ، أذعنت وخضعت . فإذا تدبرّت ما احتوى عليه من المراد ووعت ، اندكت من مهابة الله وإجلاله ، وخشعت ...

ومتى فقدت القلوب غذاءها ، وكانت جاهلة به ، طلبت العوض من غيره ، فتغذت به ، فتعوّضت عن سماع الآيات ، بسماع الأبيات ، وعن تدبر معاني التنزيل ، بسماع الأصوات 48 .

وأصل الخشوع : هو : لين القلب ورقَّته وسكونه وخضوعه وانكساره ، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء لأنها تابعة له 49 .

وقد وصف الله سبحانه وتعالى في كتابه الأرض بالخشوع فقال : (ومِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) [ فصلت : 39 ] ، فاهتزازها وربوها ـ وهو ارتفاعها بالرَّيِّ والنبات ـ مزيل لخشوعها ، فدل على أنَّ الخشوع الذي كانت عليه هو سكونها وانخفاضها، فكذلك القلب إذاً ، فإنَّهُ تسكن خواطره وإراداته الرديئة التي تنشأ من اتباع الهوى ،وينكسر وينخضع لله ، فيزول بذلك ما كان فيه من التعاظم والترفُّع والتكبُّر ، ومتى سكن ذلك في القلب خشعت الأعضاء والجوارح والحركات كلها حتى الصوت .

وقد وصف الله تعالى الأصوات بالخشوع في قوله: (وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ) [طه:108] فخشوع الأصوات هو سكونها وانخفاضها بعد ارتفاعها 50 .

وبالجملة فإن الخشوع قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل والجمعية عليه، والتعظيم والإجلال والوقار والمهابة والحياء . فينكسر القلب لله كسرة ملتئمة من الوجل والخجل والحب والحياء وشهود نعم الله . فيخشع القلب لا محالة فيتبعه خشوع الجوارح . . .

ويتفاوت الخشوع في القلوب بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له ، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع .

فمن خاشع لقوة مطالعته لقرب الله من عبده واطلاعه على سره المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات .

ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله، المقتضي لمحبته والشوق إلى لقائه ورؤيته .

ومن خاشع لمطالعته شدَّةَ بطشه وانتقامه وعقابه المقتضي للخوف منه .

وأول ما تفقد هذه الأمة الخشوع ،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : » أول شيء يرفع من هذه الأمة الخشوع ، حتى لا ترى فيها خاشعاً « 51 .

فالخشوع أول ما يرفع من القلوب ، تتلوه أعمال الجوارح ، كعقدٍ انفرط فتتابع نظمه ، فبذهاب الخشوع تكون العبادة بغير روح .

وصايا على الطريق

1 ـ لا تكثرالضحك .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » لاَ تُكْثِرُوا الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ« 52 .

2 ـ ليكن دعاؤك بحضور قلب وخشوع وبكاء وتضرع.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » أُدْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بالإجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الله لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهي « 53 .

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : » من سأل الله الشهادة من قلبه صادقاً بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه « 54 .

3 ـ أطعم المسكين وامسح رأسه .

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه ، فقال له : »إن أردت تليين قلبك ، فأطعم المسكين ، وامسح رأس اليتيم « 55 .

4 ـ اجعل همك همًّا واحدًا .

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : ق ال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَهِ، وَلَ مْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ» 56 .

5- إذا أذنبت ذنباً فأحدث توبةً .

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنّ العَبْدَ إذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً ، نُكِتَتْ في قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فإِذَا هو نَزَعَ واستَغْفَرَ وَتَابَ صُقِلَ قَلْبُه،وَإنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُو عَلَى قَلْبِهُ ، وهُوَ الرَّانُ الذَّي ذَكَرَ الله تعالى : (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كانوا يَكْسِبُونَ ) [ المطففين : 14] » 57 .

وكـم ران مـن ذنـب على قلب فـاجر ............ فتـاب مـن الذنـب الذي ران وانجلى 58

6 ـ أكثر من الاستغفار .

عن الأغر المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي ، وَإِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللّهَ فِي الْيَوْمِ، مِائَةَ مَرَّةٍ» 59 .

قال شيخ الإسلام : الغين: حجاب رقيق أرقّ من الغيم . فأخبر أنّه يستغفر الله استغفاراً يزيل الغين عن القلب فلا يصير نكتة سوداء،كما أنّ النكتة السوداء إذا أُزيلتْ لا تصير ريناً 60 .

وقال الشوكاني رحمه الله : " المراد هنا ما يعرض من الغفلة والسهو الذي لا يخلو منه البشر، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه : »إِنَّما أَنا بَشرٌ مِثْلكمْ، أَنْسى كما تَنْسَونَ، فإِذا نَسِيتُ فذَكِّروني « ، وإنما استغفر منه صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن ذنباً ، لعلوّ مرتبته وارتفاع منزلته حتى كأنه لا ينبغي له أن يغفل عن ذكر الله سبحانه وتعالى في وقت من الأوقات 61 .

7 ـ عليك بزيارة القبور .

عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ أَلاَ فَزُورُهَا ؛فَإِنَّهَاتُرِقُّ القَلْبَ ، وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ ، وَتُذَكِّرُ الآخِرَةَ » 62 .

واعلم ـ أصلح الله قلبك ـ بأنَّ رقّة القلب وصفوته بذكر الموت والقبر ، والثواب والعقاب وأحوال الآخرة ، وإذا لم يكن شيء من ذلك فمن أين يكون لقلبك رقة وصفوة .

فعليك بزيارة القبور، فإن الحاجة إليها ماسّة ، ودع عنك تضييع الوقت في القيل والقال وملاحاة الرجال ، والله الموفق بفضله .

أسئلة وأجوبتها

السؤال الأول : ما هي شروط الإنتفاع بكتاب الله تعالى ؟

إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمعْ قلبكَ عند تلاوتهِ وسماعهِ ، وألقِ يخاطِبهُ به من تكلَّمَ به سبحانه منه إليه 63 ؛ فإنَّهُ خطابٌ منه لك على لسان رسوله ، قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهوَ شَهِيدٌ) [ ق : 37 ].

فإنّ كلام الله عزوجل ذكرى لاينتفع به إلا من جمع الأمور الثلاثة :

أحدها: سلامةُ القلبِ وصحَّتُه وقَبولُه .

الثاني : إحضارهُ وجَمْعُهُ ومنعُهُ من الشرودِ والتَّفرُّقِ .

الثالث : إلقاءُ السمعِ وإصْغاؤهُ ، والإقبالُ على الذِّكْرِ .

فذكر الله تعالى الأمورَ الثلاثةَ في هذه الآية 64 .

السؤال الثاني : ما هي الأمور التي تنفي الغلَّ عن االأمور؟

التي تنفي الغلَّ عن القلب بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : » ثَلاَثٌ لا يُغَلُّ عَلَيْهنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ وُلاةِ الأمْرِ، وَلُزُومُ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ من وَرَائِهم « 65 .

أي : لا يحملُ الغلَّ ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة؛ فإنّها تنفي الغلَّ والغشَّ وفسادَ القلبِ وسخائمهُ ، فالمخلصُ لله إخلاصهُ يمنعُ غلَّ قلبه ، ويخرجُهُ ويزيلُهُ جملةً ؛ لأنّه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربِّه ، فلم يبق فيه موضعٌ للغلِّ والغش كما قال تعالى : (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) [ يوسف : 24 ] ، فلمّا أخلص لربه صرف عنه دواعي السوء والفحشاء .

ولهذا لمّا علم إبليس أنه لا سبيل له على أهل الإخلاص استثناهم من شِرْطتهِ التي اشترطها للغواية والإهلاك،فقال: (فبعزتك لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ) ، وقال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْس لَكَ عَلَيهِمْ سُلطَانٌ إِلاّ مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ) . فالإخلاص هو سبيل الخلاص ، والإسلام هو مركب السلامة ، والإيمان خاتمُ الأمان .

وقوله : "ومناصحة أئمة المسلمين" هذا أيضاً منافٍ للغلّ والغشّ ؛ فإنّ النصحية لا تجامع الغلّ إذ هي ضدُّهُ . فمن نصح الأئمّة والأمّة فقد برىء من الغلّ .

وقوله : "ولزوم جماعتهم " هذا أيضاً مما يطهّر القلب من الغلّ والغشّ ؛ فإنّ صاحبه - للزومه جماعة المسلمين - يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لها، ويسؤوه ما يسؤوهم ويسرُّهُ ما يسرُّهم 66 .

السؤال الثالث : ما السر في خوف المؤمنين أن لا تقبل منهم عبادتهم ؟

والسر في خوف المؤمنين أن لا تقبل منهم عبادتهم ، ليس هو خشيتهم أن لا يوفيهم الله أجورهم ، فإن هذا خلاف وعد الله إياهم في مثل قوله تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهم أُجُورَهُمْ ) [ النساء : 173 ] ، بل إنه ليزيدهم عليها كما قال : (لِيُوَفِّيهِم أُجُورَهُم وَيَزِيدَهُم منْ فَضْلِه ) [ فاطر : 30] ، والله تعالى : لاَ يُخْلِفُ وَعْدَه كما قال في كتابه 67، وإنما السر أن القبول متعلق بالقيام بالعبادة كما أمر الله عزوجل ، وهم لا يستطيعون الجزم بأنهم قاموا بها على مراد الله ، بل يظنون أنهم قصروا في ذلك ، ولهذا فهم يخافون أن لا تقبل منهم . فليتأمل المؤمن هذا عسى أن يزداد حرصاً على إحسان العبادة والإتيان بها كما أمر الله ، ، وذلك بالإخلاص فيها له ، واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في هديه فيها ؛ وذلك معنى قوله تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [ الكهف : 110 ] .

السؤال الرابع : كيف ينجو العبد من مرض الشبهات والشهوات ؟

ينجو العبد من مرض الشبهات بتجريد "اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتحكيمه في دق الدين وجله ، ظاهره وباطنه ، عقائده وأعماله ، حقائقه وشرائعه ، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام ، وما يثبته لله من الصفات والأفعال ، والأسماء ، وما ينفيه عنه ؛ كما يتلقى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها ، ومقادير نصب الزكاة ومستحقيها،ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة،وصوم رمضان ، فلا يجعله رسولاً في شيء دون شيء من أمور الدين ، بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل ، ولا يتلقى إلا عنه،ولا يؤخذ إلا منه ، فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله ، وكل ما خرج عنها فهو ضلال ، فإذا عقد قلبه على ذلك وأعرض عما سواه،ووزنه بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن وافقه قبله،لا لكون ذلك القائل قاله،بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه رده ، ولو قاله من قاله ،فهذا الذي ينجيه من مرض الشبهات ، وان فاته ذلك أصابه من مرضها بحسب ما فاته منه 68 .

فمرض الشبهات يدفع باليقين- واليقين : استقرار الإيمان في القلبِ علماً وعملاً - ومرض الشهوات يدفع بالصبر ، ولذلك جعل سبحانه وتعالى إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين،فقال: (وَجَعَلْنَا مِنْهمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24] 69 فدلَّ على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.

وجمع سبحانه وتعالى بين الصبر واليقين إذ هما سعادة العبد ، وفقدهما يفقده سعادته ، فإن القلب تطرقه طوارق الشهوات المخالفة لأمر الله ، وطوارق الشبهات المخالفة لخبره ، فبالصبر يدفع الشهوات ، وباليقين يدفع الشبهات .

فإن الشهوة والشبهة مضادتان للدين من كل وجه ، فلا ينجو من عذاب الله إلا من دفع شهواته بالصبر ، وشبهاته باليقين 70 .

وجمع بينهما أيضا في قوله : (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [ العصر : 3 ] ، فتواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات ، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات .

فبكمال الصبر يدفع مرض الشهوة ، وبكمال البصيرة واليقين يدفع مرض الشبهة 71 .

فمتى فقدتَ الصبرَ واليقينَ كنتَ كمنْ أرادَ السَّفَرَ في البحرِ في غيرِ مركب 72 .

أدعية ننصح بالاكثار منها

1-اللهم جدد الإيمان في قلوبنا .

2-اللَّهُمَّ نَقِّ قَلْبِي مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ ...

3-اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا .

4- اللهمّ حبب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكُفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الرَّاشدين .اللهمّ توفَّنا مسلمين،وأحينا مسلمين،وألحقنا بالصالحين،غير خزايا ولا مفتونين .

5- اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ.

6-اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علىطَاعَتِكَ .

7- اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي لساني نوراً،واجعل في سمعي نوراً،واجعل في بصري نوراً واجعل من خلفي نوراً،ومن أمامي نوراً،واجعل من فوقي نوراً،ومن تحتي نوراً اللهم أعطني نوراً .

8-يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك.

9-اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّسَمْعِي وَمِنْ شَرِّبَصَرِي وَمِنْ شَرِّلِسَانِي ومِنْ شَرِّقَلْبِي ومِنْ شَرِّ مَنِيِّي .

10- اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيتي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ؛ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ؛ أَوِ اسْتَأَثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ؛ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي؛ ‎‎‎‎وَنُورَ صَدْرِي؛ وَجَلاَءَ حُزْني وَذَهَابَ همي .

11-اللهم اغفر ذنبي ، وطهِّر قلبي ، وحصِّن فرجي.

12-رَبِّ أَعِنِّي وَلاَ تُعِنْ عَلَيَّ ، وانْصُرْني وَلاَ تَنْصُرْ عَلَيَّ ، وَامْكُرْ لِي ولاَ تَمْكُرْ عَلَيَّ ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ الْهُدَى لِي ، وَانْصُرْني عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ.

رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّاراً ، لَكَ ذَكَّاراً ، لَكَ رَهَّاباً ، لَكَ مِطْوَاعاً ، لَكَ مُخْبِتاً ، إِلَيْكَ أَوَّاهاً مُنِيباً. رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي ، وَاغْسِلْ حَوْبَتِي ، وَأَجِبْ دَعْوَتِي ، وَثَبِّتْ حُجَّتِي ، وَسَدِّدْ لِسَانِي ، وَاهْدِ قَلْبِي ، وَاسْلُلْ سَخِيمَةَ صَدْرِي .

الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين . اعلم رحمك الله بأنَّ صلاحَ القلبِ أصلُ صلاحِ الجوارح ، إنْ أَفْسَدْتَهُ فَسَدَ الكُلُّ ، وَإنْ أَصْلَحْتَهُ صَلَحَ الْكُلُّ ، إِذْ هُوَ الشَّجَرَةُ ، وَسَائِرُ الأَعْضَاءِ أَغْصَانٌ ، وَمِن الشَّجَرَةِ تَشْرَبُ الأَغْصَانُ وَتَصْلُحُ وَتَفْسُدُ ، وَإنَّه المَلِكُ ، وساَئِرُ الأَعْضَاءِ تَبَعٌ وَأَرْكَانٌ ، وَإِذَا صَلَحَ المَلِكُ صَلَحَتِ الرَّعِيَّةُ ، وَإِذَا فَسَدَ فَسَدَتْ .

فَإِذاً صَلاَحُ الْعَيْنِ وَاللّسَانِ وَالبَطْنِ وَغَيرِهِ دَلِيلٌ عَلى صَلاَحِ الْقَلْبِ وَعِمْرَانِهِ ، وَإذا رَأَيْتَ فِيهِ خَلَلاً وَفَساداً ، فَاعْلَمْ أَن ذلِكَ منْ خَلَلٍ في القَلْبِ وَفَسَادٍ وَقَعَ ثَمَّ ، بَلِ الْفَسادُ فِيه أَكْثَرُ ، فَاصْرِفْ عِنَايَتَكَ إليْهِ،وعاهد قلبك وأعمالك معاهدة الطبيب الذي يداويه ، والزارع لأرضه ، وما زرع فيها .

وأنت في ابتداء ذلك وانتهائه مستعين بالله ، مستغيث به،متضرع إليه ، ملتجئ ، معترف بالضعف ، متبرٍّ من الحول والقوة إلا بالله ، كالسَّاقطِ في البحرِ ليس معه سببٌ ، ولا هو يحْسِنُ العِيَامَةَ ، تدعو الله تعالى على الدّوامِ دعاءَ الغريقِ وترجو الفرجَ بنظرة رحمة توصلك إلى لقائه ، وهو عنك راض .

نسأل الله تعالى أنْ يجْعل عملنا خالصاً لوجهه الكريم ، ومقرِّباً إليه وإلى داره ، دار السَّلام والنَّعيم المقيم ، وأنْ ينفعنا به وعبادَهُ المؤمنين ، وأنْ يوفّقنا لما يحبُّ ويرضى ، ويختم لنا بخيرٍ في عافية ، فإنّه أكْرمُ الأكْرمين وأرحم الرّاحمين ، آمين . والحمد لله وحده أولاً وآخراً أحبّ الحمد إليه ، وعلى محمد وآله وأصحابه الراشدين ، وتابعيهم بإحسان أفضل الصلاة والسلام .

وقال ابن جبير اليحصبي وهو الكاتب أبو عبد الله محمد : [ الخفيف ] .

كلــما رمــت أن أقــدم خــيراً ........................ لمعــــادي ورمــت أنــي أتوبُ
صرفتــني بواعـــث النفس قسـراً فتــقاعســت والذنــوب ذنــوبُ
رَبِّ قَلِّــبْ قلبــي لعزمـــة خيـرٍ لمتــاب ففــي يديــك القلـوب 73

1 رواه مسلم (16/121 ) قال شيخ الإسلام رحمه الله في"الاستقامة"(1/425) : "ومعلومٌ أنّه لمْ ينف نظر الإدْراك ، ولكن نظر المحبة" .

2 قطعة من حديث أخرجه البخاري ( 1 / 153 ) ومسلم ( 5 / 50 ) .

3 أخرجه أحمد ( 3 / 198 ) بسند حسن .

4 صحيح سنن أبي داود ( ) .

5 جامع العلوم والحكم (1/213 ) .

6 المفهم ( 4/496 ) .

7 أخرجه أحمد(4/4) وصححه الألباني في" الصحيحة"(1772).

8 فوائد الفوائد( ص194 ) .

9 تفسير القرطبي ( 1 / 187 ) .

10 أخرجه أحمد(4/408و419)وابن أبي عاصم في"السنة"(227) وصححه الألباني .

11 أخرجه البخاري ( 11 / 521 ) .

12 فوائد الفوائد (ص 42 ) .

13 رواه مسلم ( 144 ) .

14 صحيح البخاري حديث رقم (4757 ) .

15 هدي الساري ( ص137 ) مقدمة فتح الباري .

16 قال ابن القيم رحمه الله في "مفتاح دار السعادة"( 1 / 443 ) : وقال لي شيخ الإسلام رحمه الله - وقد جعلت أورد عليه إيرادًا بعد إيراد - : " لا تجعلْ قلبكَ للإيراداتِ والشبهاتِ مثلَ السِّفِنْجة فيتشرَّبَها ، فلا ينضحَ إلا بها ، ولكن اجعله كالزُّجاجة المصْمَتَةِ تمرُّ الشبهاتُ بظاهرها ، ولا تستقرُّ فيها، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشْربْتَ قلبكَ كلَّ شبهة تمرُّ عليه صار مقرًّا للشهبات " ، أو كما قال . فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .

17 مفتاح دار السعادة ( 1 / 368 ) تحقيق علي حسن عبد الحميد .

18 رواه البخاري ( 6405 ) ومسلم ( 2691 ) .

19 صحيح سنن الترمذي ( 1902 ) .

20 قال ابن القيم رحمه الله : إذا حمَّلْتَ على القلبِ همومَ الدنيا وأثْقالها وتهاونتَ بأوراده التي هي قُوْتُهُ وحياتهُ ؛ كنتَ كالمسافرِ الذي يُحمِّلُ دابَّتهُ فوقَ طاقتها ولا يوفِّيها عَلَفَها ، فما أسرعَ ما تقفُ به !

21 شرح حديث شداد بن أوس (ص41) للعلامة الرباني ابن رجب الحنبلي .

22 رواه ابن ماجه (4216) بسند صحيح .

23 أخرجه أحمد ( 5 / 267 ) بسند جيد انظر " الصحيحة ( 1095 ) .

24 في هذا الحديث : يشبِّهُ النبي صلى الله عليه وسلم القلب بالإناء ؛ لأنَّهُ وعاءٌ للخيرِ والشرِّ ، فخيرها ألينها وأرقها ؛ فهي أواني مملوءةٌ من الخيرِ ، وأواني مملوءةٌ من الشرِّ ؛ كما قال بعض السلف : قلوب الأبرار تغلي بالبرِّ ، وقلوب الفجار تغلي بالفجور . وفي مثل هذا قيل في المثل : وكلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضحُ . قال شيخ الاسلام رحمه الله : وهذا مثل حسن ؛ فإنّ القلب إذا كان رقيقاً ليناً كان قبوله للعلم سهلاً يسيراً ورسخ فيه وثبت وأثر ، وإنْ كان قاسياً غليظاً كان قبوله للعلم صعْباً عسيراً .ولا بدَّ مع ذلك أنْ يكون زكياً صافياً سليماً ، حتى يزكو فيه العلم ويثمر ثمراً طيّباً ، وإلاّ فلو قبل العلم وكان فيه كدر وخبث أفْسد ذلك العلم ، وكان كالدغل في الزرع إنْ لمْ يمنع الحب من أنْ ينبت منعه منْ أنْ يزْكو ويطيب . وهذا بيّن لأولي الأبصار.

25 انظر تخريج الحديث في"الصحيحة"(1691).

26 أخرجه أحمد ( 6 / 159 و 205 ) والترمذي ( 3175 ) والحاكم ( 2 / 393 ـ 394 ) وصححه ووافقه الذهبي .

27 قال الشيخ محمد حامد الفقي : " بلّ وأبلَّ من مرضه : إذا تَعافى وبَرَأَ منه ، والبيتُ في الهَرَم والشيخوخة ؛ فإنَّ الهرِم إذا برئ من مَرَضٍ؛فإنه لن يبرأ من ضعفِ الكِبر والشيخوخة " .

28 تفسير القرطبي ( 19 / 38 ) .

29 الوابل الصيب ( ص 86 ) .

30 تحفة الذاكرين ( ص 11 ) .

31 أخرجه البخاري ( 11 / 208 ) .

32 الوابل الصيب ( ص 131 ـ 132 ) .

33 أخرجه أبو داود ( 336 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

34 مفتاح دار السعادة ( 1/401 ) تحيقيق .

35 المصدر السابق ( 1 / 371 ) تحقيق .

36 أعلام الموقعين ( 1 / 152 ـ 153 ) .

37 زاد المعاد ( 2 / 24 ) .

38 قال ابن القيم رحمه الله : احذر نفسك ، فما أصابكَ بلاءٌ قطُّ إلاَّ منها ، ولا تهادنْها ، فوالله ما أكرمها منْ لمْ يُهنْها ، ولا أعزَّها ، منْ لمْ يُذِلَّها ، ولا جبرها منْ لمْ يكسرْها ، ولا أراحها منْ لمْ يتْعبها ، ولا أمِنَها منْ لمْ يُخوِّفها، ولا فرَّحها منْ لمْ يُحْزنها .

39 تاريخ دمشق ( 48 / 424 ) .

40 أخرجه الترمذي (3358) وابن حبان (2582) والحاكم ( 4 / 138 ) وصححه ووافقه الذهبي 41 صحيح سنن الترمذي ( 1970 ) .

42 روى البخاري ( 1 / 176 ) ، ومسلم ( 2876 ) ؛ عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : » من نوقش الحساب عذب « . فقالت أليس يقول الله : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ) [ الإنشقاق : 7 - 9 ] ؟ فقال : » إنما ذلك العرض ، وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك « .

43 قال ابن الجوزي رحمه الله في "التبصرة " (2/102) : " هل العمر إلا ثلاثة أيام : يوم انقضى بما فيه ، ذهبت لذته وبقيت تبعته ، ويوم منتظر ليس منه إلا الأمل ، ويوم أنت فيه قد صاح بك مؤذنا بالرحيل ، فاصبر فيه على الهوى ، فإن الصبر إذا وصل إلى المحبوب سهل " .

44 إغاثة اللهفان ( 1 / 74 ـ 89 ) بحذف يسير .

45 الروح (107) .

46 رواه مسلم (1015) .

47 المفهم (4/497ـ498) .

48 نزهة الأسماع ( ص 82 ـ 83 ) .

49 مدارج السالكين ( ص : 439 ) .

50 قال ابن القيم رحمه الله : "السكينة إذا نزلت على القلب اطمأن بها ، وسكنت إليها الجوارح ، وخشعت ، واكتسبت الوقار ، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة ، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش ، واللغو الهجر ، وكل باطل " .

51 صحيح الجامع ( 2569 ) .

52 أخرجه ابن ماجه ( 4193 ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع " (7435 ).

53 أخرجه الترمذي (3479) والحاكم ( 1 / 493 ) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع " (245).

54 أخرجه مسلم ( 1909 ) والترمذي ( 1721 ) واللفظ له .

55 أخرجه أحمد ( 2 / 263 ) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 1410 ) .

56 أخرجه ابن ماجه ( 4105 ) بسند حسن .

57 أخرجه أحمد ( 2 / 297 ) وابن ماجه ( 4244 ) والترمذي ( 3334 ) وحسنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 1670 ) .

58 تفسير القرطبي ( 19 / 260 ) .

59 أخرجه مسلم ( 17 / 23 ) .

60 مجموع الفتاوى(15/283) .

61 تحفة الذاكرين ( ص: 259 ـ 260 ) .

62 أخرجه الحاكم ( 1 / 376 ) وصححه الألباني في " صحيح الجامع " ( 4584 ) .

63 أي: من الله سبحانه إلى المخاطَبِ بكلامه .

64 مفتاح دار السعادة(1/513 ) تحقيق الشيخ الفاضل علي حسن عبد الحميد حفظه الله تعالى .

65 أخرجه ابن حبان ( 72 ) وهو في " صحيح الترغيب " برقم ( 84 ) .

66 مفتاح دار السعادة ( 1 / 277-278 ) تحقيق الشيخ الفاضل علي حسن عبد الحميد ثبته الله بالقول الثابت .

67 ( لاَ يُخْلفُ اللهُ وَعْدَهُ) [ الروم : 6 ] .

68 إغاثة اللهفان ( 2 / 165 ـ 166 ) بتصرف يسير .

69 قال ابن القيم رحمه الله : الطريق إلى الله خالٍ من أهلِ الشَّكِ ومن الذين يتبعون الشهواتِ ، وهو معمورٌ بأهلِ اليقينِ والصبر ، وهم على الطريقِ كالأعلام ؛ ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا يآياتنا يوقنون ) [ السجدة : 24 ] .

70 رسالة إلى كل مسلم .

71 إغاثة اللهفان ( 2 / 166 ـ 167 ) بتصرف يسير .

72 فوائد الفوائد ( ص422 ) .

73 نفح الطيب ( 5 / 257 .

page_end.gif   3.46KB

Free Web Hosting