19- ما لا يفسد الصوم:

أولاً: الأكل والشرب في حال النسيان:

ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن الأكل والشرب في حال النسيان لا يفسد الصوم فرضاً أو نفلاً، خلافاً للمالكية.

ثانياً: الجماع في حال النسيان:

ذهب الحنفية والشافعية أن الجماع في حال النسيان لا يفطر قياساً على الأكل والشرب ناسياً.

وذهب المالكية وهو ظاهر مذهب الحنابلة إلى أن من جامع ناسياً فسد صومه، وعليه القضاء فقط عند المالكية ، والقضاء والكفارة عند الحنابلة .

ثالثاً: دخول الغبار ونحوه حلق الصائم:

إذا دخل حلق الصائم غبار أو ذباب أو دخان بنفسه، بلا صنعه، ولو كان الصائم ذاكراً لصومه، لم يفطر إجماعاً ، لعدم قدرته على الامتناع عنه، ولا يمكن الاحتراز منه.

وكذلك إذا دخل الدمع حلقه وكان قليلاً نحو القطرة أو القطرتين فإنه لا يفسد صومه، لأن التحرز منه غير ممكن، وإن كان كثيراً حتى وجد ملوحته في جميع فمه وابتلعه فسد صومه.

رابعاً: الادّهان:

ذهب الجمهور إلى أنه لو دهن الصائم رأسه، أو شاربه لا يضره ذلك، وكذا لو اختضب بحنّاء، فوجد الطعم في حلقه لم يفسد صومه، ولا يجب عليه القضاء، إذ لا عبرة بما يكون من المسام،، وقال المالكية بوجوب القضاء.

خامساً: الاحتلام:

إذا نام الصائم فاحتلم لا يفسد صومه، بل يتمه إجماعاً ، إذا لم يفعل شيئاً يحرم عليه ويجب عليه الاغتسال.

وفي الحديث عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام" رواه الترمذي.

ومن أجنب ليلاً، ثم أصبح صائماً، فصومه صحيح، ولا قضاء عليه عند الجمهور .

وقال الحنفية : وإن بقي جنباً كل اليوم، وذلك: لحديث عائشة وأم سلمة -رضي الله تعالى عنهما- قالتا: "نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام ثم يغتسل، ثم يصوم" رواه البخاري.

وعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أصبح جنباً فلا صوم له" رواه البخاري ومسلم، وحمل على النسخ أو الإرشاد إلى الأفضل، وهو: أنه يستحب أن يغتسل قبل الفجر، ليكون على طهارة من أول الصوم.

سادساً: البلل في الفم:

مما لا يفسد الصوم البلل الذي يبقى في الفم بعد المضمضة، إذا ابتلعه الصائم مع الريق، بشرط أن يبصق بعد مج الماء، لاختلاط الماء بالبصاق، فلا يخرج بمجرد المج، ولا تشترط المبالغة في البصق، لأن الباقي بعده مجرد بلل ورطوبة، لا يمكن التحرز عنه.

سابعاً: ابتلاع ما بين الأسنان:

ذهب الحنفية إلى أنَّ ابتلاع ما بين الأسنان، إذا كان قليلاً، لا يفسد ولا يفطر، لأنه تبع لريقه، ولأنه لا يمكن الاحتراز عنه، بخلاف الكثير فإنه لا يبقى بين الأسنان، والاحتراز عنه ممكن وهذا عند الحنفية.

والقليل: هو ما دون الحمصة، ولو كان قدرَها أفطر.

وذهب الشافعية إلى فساد الصوم مطلقاً، بابتلاع القليل والكثير، لأن الفم له حكم الظاهر.

وللشافعية قول آخر بعدم الإفطار به مطلقاً.

وشرط الشافعية والحنابلة ، لعدم الإفطار بابتلاع ما بين الأسنان شرطين:

أولهما: أن لا يقصد ابتلاعه.

والآخر: أن يعجز عن تمييزه ومجه، لأنه معذور فيه غير مفرط، فإن قدر عليهما أفطر، ولو كان دون الحمصة، لأنه لا مشقة في لفظه، والتحرز عنه ممكن.

ومذهب المالكية : عدم الإفطار بما سبق إلى جوفه من بين أسنانه، ولو عمداً، لأنه أخذه في وقت يجوز له أخذه فيه.

ثامناً: دم اللثة والبصاق:

ذهب الحنفية إلى أنه لو دميت لثته، فدخل ريقه حلقه مخلوطاً بالدم، ولم يصل إلى جوفه، لا يفطر وإن كان الدم غالباً على الريق، لأنه لا يمكن الاحتراز منه، فصار بمنزلة ما بين أسنانه أو ما يبقى من أثر المضمضة، أما لو وصل إلى جوفه، فإن غلب الدم فسد صومه، وعليه القضاء ولا كفارة، وإن غلب البصاق فلا شيء عليه، وكذا إن تساويا.

ولو خرج البصاق على شفتيه ثم ابتلعه، فسد صومه، ولو ترطبت شفتاه ببزاقه، عند الكلام ونحوه، فابتلعه، لا يفسد صومه.

ومذهب الشافعية والحنابلة : الإفطار بابتلاع الريق المختلط بالدم، لتغير الريق، والدم نجس لا يجوز ابتلاعه وإذا لم يتحقق أنه بلع شيئاً نجساً لا يفطر، إذ لا فطر ببلع ريقه الذي لم تخالطه النجاسة.

تاسعاً: ابتلاع النخامة:

النخامة هي: النخامة، وهي ما يخرجه الإنسان من حلقه، من مخرج الخاء المعجمة.

ومذهب الحنفية والمعتمد عند المالكية : أن النخامة سواء أكانت مخاطاً نازلاً من الرأس، أم بلغماً صاعداً من الباطن، بالسعال أو التنحنح -ما لم يفحش البلغم- لا يفطر مطلقاً.

وفي نصوص المالكية : إن البلغم لا يفطر مطلقاً، ولو وصل اللسان، لمشقته.

وذهب الشافعية إلى تفصيل ذلك:

- إن اقتلع النخامة من الباطن، ولفظها فلا بأس بذلك في الأصح، لأن الحاجة إليه مما يتكرر.

وفي قول : يفطر بها كالاستقاءة.

- ولو صعدت بنفسها، أو بسعاله، ولفظها لم يفطر جزماً.

- ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم أفطر جزماً.

- وإذا حصلت في ظاهر الفم، يجب قطع مجراها إلى الحلق، ومجها، فإن تركها مع القدرة على ذلك، فوصلت إلى الجوف، أفطر في الأصح، لتقصيره.

وفي قول : لا يفطر، لأنه لم يفعل شيئاً، وإنما أمسك عن الفعل.

- ولو ابتلعها بعد وصولها إلى ظاهر الفم، أفطر جزماً.

وذهب الحنابلة إلى أنه يحرم على الصائم بلع نخامة، إذا حصلت في فمه، ويفطر بها إذا بلعها، سواء أكانت في جوفه أم صدره، بعد أن تصل إلى فمه، لأنها من غير الفم، فأشبه القيء، ولأنه أمكن التحرز منها فأشبه الدم.

عاشراً: القيء:

يفرق بين ما إذا خرج القيء بنفسه، وبين الاستقاءة.

وعبر الفقهاء عن الأول، بما: إذا ذرعه القيء، أي غلب القيء الصائم.

فإذا غلب القيء، فلا خلاف بين الفقهاء في عدم الإفطار به، قلّ القيء أم كثر، بأن ملأ الفم، وهذا لحديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض" رواه الترمذي.

ذهب الحنفية إلى أنه لو عاد القيء بنفسه، في هذه الحال، بغير صنع الصائم، ولو كان ملء الفم، مع تذكر الصائم للصوم، فلا يفسد صومه، لعدم وجود الصنع منه، ولأنه لم توجد صورة الفطر، وهي الابتلاع، وكذا معناه، لأنه لا يتغذى به عادة، بل النفس تعافه.

ومذهب المالكية : أن المفطر في القيء هو رجوعه، سواء أكان القيء لعلة أو امتلاء معدة، قَلَّ أو كثر، تغير أولا، رجع عمداً أو سهواً، فإنه مفطر وعليه القضاء.

ومذهب الحنابلة : أنه لو عاد القيء بنفسه، لا يفطر لأنه كالمكره، ولو أعاده أفطر، كما لو أعاد بعد انفصاله عن الفم.

- أما الاستقاءة وهي: استخراج ما في الجوف عمداً، أو هي: تكلف القيء فإنها مفسدة للصوم موجبة للقضاء عند جمهور الفقهاء -المالكية والشافعية والحنابلة- مع اختلافهم في الكفارة.

وذهب الحنفية إلى التفصيل في الاستقاءة:

أ- فإن كانت عمداً، والصائم متذكر لصومه، غير ناسٍ، والقيء ملء فمه، فعليه القضاء للحديث المذكور، والقياس متروك به، ولا كفارة فيه لعدم صورة الفطر.

ب- وإن كان أقل من ملء الفم، لا يفسد، لعدم الخروج حكماً، هذا كله إذا كان القيء طعاماً، أو مرة فإن كان الخارج بلغماً، فغير مفسد للصوم.

حادي عشر: طلوع الفجر في حالة الأكل أو الجماع:

اتفق الفقهاء على أنه إذا طلع الفجر وفي فيه طعام أو شراب فليلفظه، ويصح صومه. فإن ابتلعه أفطر، وكذا الحكم عند الحنفية والشافعية والحنابلة فيمن أكل أو شرب ناسياً ثم تذكر الصوم، صح صومه إن بادر إلى لفظه.

وذهب الشافعية والحنابلة وإن سبق شيء إلى جوفه بغير اختياره، فلا يفطر.

وذهب المالكية إلى أنه إذا وصل شيء من ذلك إلى جوفه -ولو غلَبه- أفطر.

- وإذا نزع، وقطع الجماع عند طلوع الفجر في الحال.

فمذهب الحنفية والشافعية لا يفسد صومه، حتى لو أمنى بعد النزع، لا شيء عليه، وصومه صحيح، لأنه كالاحتلام.

ومشهور مذهب المالكية : أنه لو نزع عند طلوع الفجر، وأمنى حال الطلوع -لاقبله ولا بعده- فلا قضاء، لأن الذي بعده من النهار والذي قبله من الليل، والنزع ليس وطأ.

والقول الآخر للمالكية هو وجوب القضاء.

وسبب هذا الاختلاف عند المالكية هو أنه: هل يعد النزع جماعاً، أولا يعد جماعاً؟ ولهذا قالوا: من طلع عليه الفجر -وهو بجامع- فعليه القضاء، وقيل: والكفارة.

ومذهب الحنابلة : أن النزع جماع، فمن طلع عليه الفجر وهو مجامع فنزع في الحال، مع أول طلوع الفجر، فعليه القضاء والكفارة، لأنه يلتذ بالنزع، كما يلتذ بالإيلاج، كما لو استدام بعد طلوع الفجر.

- ولو مكث بعد طلوع الفجر مجامعاً، بطل صومه، ولو لم يعلم بطلوعه.

وفي وجوب الكفارة في المكث والبقاء، في هذه الحال، خلاف:

فظاهر الرواية في مذهب الحنفية، والمذهب عند الشافعية عدم وجوب الكفارة، لأنها تجب بإفساد الصوم، والصوم منتف حال الجماع فاستحال إفساده، فلم تجب الكفارة.

20- مكروهات الصوم:

يكره للصائم بوجه عام -مع الخلاف- ما يلي:

أ- ذوق شيء بلا عذر، لما فيه من تعريض الصوم للفساد، ولو كان الصوم نفلاً، على المذهب عند الحنفية ، لأنه يحرم إبطال النفل بعد الشروع فيه، وظاهر إطلاق الكراهة يفيد أنها تحريمية.

ومن العذر مضغ الطعام للولد، إذا لم تجد الأم منه بُدّاً، فلا بأس به، ويكره إذا كان لها منه بدُّ.

وليس من العذر، ذوق اللبن والعسل لمعرفة الجيد منه والرديء عند الشراء، فيكره ذلك. وكذا ذوق الطعام، لينظر اعتداله، ولو كان لصانع الطعام.

لكن نقل عن الإمام أحمد قوله: أحب إليّ أن يجتنب ذوق الطعام، فإن فعل فلا بأس به، بل قال بعض الحنابلة : إن المنصوص عنه: أنه لا بأس به لحاجة ومصلحة، وإلا كره.

وإن وجد طعم المذوق في حلقه أفطر.

ب- ويكره مضغ العلك، الذي لا يتحلل منه أجزاء، فلا يصل منه شيء إلى الجوف.

ووجه الكراهة: اتهامه بالفطر، سواء أكان رجلاً أم امرأة، قال علي رضي الله تعالى عنه: إياك وما يسبق إلى العقول إنكاره، وإن كان عندك اعتذاره.

أما ما يتحلل منه أجزاء، فيحرم مضغه، ولو لم يبتلع ريقه، فإن تفتت فوصل شيء منه إلى جوفه عمداً أفطر، وإن شك في الوصول لم يفطر.

ج- تكره القبلة إن لم يأمن على نفسه وقوع مفسد من الإنزال أو الجماع.

د- ويرى جمهور الفقهاء أن المباشرة والمعانقة ودواعي الوطء -كاللمس وتكرار النظر- حكمها حكم القبلة فيما تقدم.

وخص الحنفية المباشرة الفاحشة، بالكراهة التحريمية، وهي -عندهم- أن يتعانقا، وهما متجردان، ويمس فرجه فرجها. ونصوا على أن الصحيح أنها تكره، وإن أمن على نفسه الإنزال والجماع، وكذلك القبلة الفاحشة، وهي: أن يمص شفتها، فيكره على الإطلاق.

هـ- الحجامة، وهي أيضاً مما يكره للصائم -في الجملة-، وهي استخراج الدم المحقن من الجسم، مصاً أو شَرْطاً.

ومذهب الجمهور أنها لا تفطر الحاجم ولا المحجوم، ولكنهم كرهوها بوجه عام.

وقال الحنفية : لا بأس بها، إن أمن الصائم على نفسه الضعف، أما إذا خاف الضعف، فإنها تكره.

وقال المالكية : إن المريض والصحيح، إذا علمت سلامتهما بالحجامة أو ظنت، جازت الحجامة لهما، وإن علم أو ظن عدم السلامة لهما حرمت لهما، وفي حالة الشك تكره للمريض، وتجوز للصحيح.

قالوا: إن محل المنع إذا لم يخش بتأخيرها عليل هلاكاً أو شديد أذى، وإلا وجب فعلها وإن أدت للفطر، ولا كفارة عليه.

وقال الشافعية : يستحب الاحتراز من الحجامة، من الحاجم والمحجوم، لأنها تضعفه.

ودليل عدم الإفطار بالحجامة، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم" رواه البخاري.

ودليل كراهة الحجامة حديث ثابت البناني أنه قال لأنس بن مالك: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: "لا، إلا من أجل الضعف" رواه البخاري.

ومذهب الحنابلة : أن الحجامة يفطر بها الحاجم والمحجوم، لحديث رافع بن خديج -رضي الله عنه-، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه الترمذي.

- أما الفصد، فقد نص الحنفية علىكراهته، كالحجامة، وكراهة كل عمل شاق، وكل ما يظن أنه يضعف عن الصوم، وكذلك صرح المالكية والشافعية بأن الفصادة كالحجامة.

وقال الحنابلة : لا فطر بفصد وشرط، ولا بإخراج دمه برعاف، لأنه لا نص فيه، والقياس لا يقتضيه.

و- وتكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الصوم.

ففي المضمضة: بإيصال الماء إلى رأس الحلق، وفي الاستنشاق: بإيصاله إلى فوق المارن.

وذلك لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً" رواه الترمذي، وذلك خشية فساد صومه.

21- مالا يكره في الصوم:

- لا يكره للصائم- ما يلي، مع الخلاف في بعضها:

أ- الاكتحال:

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن الاكتحال غير مكروه بل أجازوه، ونصوا على أنه لا يفطر به الصائم ولو وجد طعمه في حلقه.

واحتجوا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "اكتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم" رواه ابن ماجه.

ومذهب المالكية : في الاكتحال، فقالوا: إن كان لا يتحلل منه شيء لم يفطر، وإن تحلل منه شيء أفطر.

وقال مالك إذا دخل حلقه، وعلم أنه قد وصل الكحل إلى حلقه، فعليه القضاء ولا كفارة عليه. وإن تحقق عدم وصوله للحلق لا شيء عليه، كاكتحاله ليلاً وهبوطه نهاراً للحلق، لا شيء عليه في شيء من ذلك.

ومذهب الحنابلة : إذا اكتحل بما يصل إلى حلقه ويتحقق الوصول إليه فسد صومه، وهذا الصحيح من المذهب. واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم "أمر بالإثمد المروح عند النوم، وقال: ليتقه الصائم" رواه أبو داود، ولأن العين منفذ، لكنه غير معتاد، وكالواصل من الأنف.

ب- التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين.

ذهب الحنفية والشافعية إلى أن التقطير في العين، ودهن الأجفان، أو وضع دواء مع الدهن في العين لا يفسد الصوم، لأنه لا ينافيه وإن وجد طعمه في حلقه.

وذهب المالكية والحنابلة إلى أن التقطير في العين مفسد للصوم إذا وصل إلى الحلق، لأن العين منفذ وإن لم يكن معتاداً.

ج- دهن الشارب ونحوه، كالرأس والبطن، لا يفطر بذلك عند الحنفية والشافعية ، ولو وصل إلى جوفه بشرب المسام، لأنه لم يصل من منفذ مفتوح، ولأنه ليس فيه شيء ينافي الصوم.

ومذهب المالكية : من دهن رأسه نهاراً، ووجد طعمه في حلقه، أو وضع حناء في رأسه نهاراً، فاستطعمها في حلقه، فالمعروف في المذهب وجوب القضاء.

والقاعدة عندهم: وصول مائع للحلق، ولو كان من غير الفم.

د- الاستياك، لا يرى الفقهاء بالاستياك بالعود اليابس أول النهار بأساً.

وذهب الحنفية والمالكية إلى عدم كراهة الاستياك بعد الزوال، وذلك: لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خير خصال الصائم السواك" رواه ابن ماجه.

ولقول عامر بن ربيعة رضي الله تعالى عنه "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مالا أحصي، يتسوك وهو صائم" رواه الترمذي.

وقد أطلقت هذه الأحاديث السواك، فيسن ولو كان رطباً، أو مبلولاً بالماء.

وشرط المالكية لجوازه أن لا يتحلل منه شيء، فإن تحلل منه شيء كره، وإن وصل إلى الحلق أفطر.

وذهب الشافعية إلى سنية ترك السواك بعد الزوال، وإذا استاك فلا فرق بين الرطب واليابس، بشرط أن يحترز عن ابتلاع شيء منه أو من رطوبته.

وذهب أحمد بن حنبل إلى ترك السواك بالعشي، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك الأذفر" (1) رواه البخاري.

وعن أحمد روايتان في الاستياك بالعود الرطب: إحداهما: الكراهة، والأخرى: أنه لا يكره.

هـ- المضمضة والاستنشاق في غير الوضوء والغسل لا يكره ذلك ولا يفطر.

وقيده المالكية بما إذا كان لعطش ونحوه، وكرهوه لغير موجب، لأن فيه تغريراً ومخاطرة، وذلك لاحتمال سبق شيء من الماء إلى الحلق، فيفسد الصوم حينئذ.

وفي الحديث عن عمر رضي الله تعالى عنه "أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة للصائم؟ فقال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس! قال: فمه" رواه أبو داود.

ولأن الفم في حكم الظاهر، لا يبطل الصوم بالواصل إليه كالأنف والعين.

ذهب الحنابلة إلى إن المضمضة، إن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه ونحوه، فحكمه حكم المضمضة للطهارة، وإن كان عابثاً، أو مضمض من أجل العطش كره.

- ولا بأس أن يصب الماء على رأسه من الحر والعطش، لما روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج، يصب الماء على رأسه وهو صائم، من العطش، أو من الحر" رواه أبو داود.

وكذا التلفف بثوب مبتل للتبرد ودفع الحر عند الحنفية لهذا الحديث، ولأن بهذه عوناً له على العبادة، ودفعاً للضيق.

و- اغتسال الصائم، فلا يكره، ولا بأس به حتى للتبرد، عند الحنفية وذلك لما روي عن

(1) الجيد إلى الغاية.

عائشة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما قالتا: "نشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنباً، من غير احتلام، ثم يغتسل ثم يصوم" رواه البخاري.

وأما الغوص في الماء، إذا لم يخف أن يدخل في مسامعه، فلا بأس به، وكرهه بعض الفقهاء حال الإسراف والتجاوز أو العبث، خوف فساد الصوم.

الآثار المترتبة على الإفطار

حصر الفقهاء الآثار المترتبة على الإفطار في أمور، منها: القضاء: والكفارة الكبرى، والكفارة الصغرى (وهذه هي الفدية) والإمساك بقية النهار، وقطع التتابع، والعقوبة.

أولاً: القضاء:

من أفطر أياماً من رمضان -كالمريض والمسافر- قضى بعدة ما فاته، لأن القضاء يجب أن يكون بعدة ما فاته، لقوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 185].

ومن فاته صوم رمضان كله، قضى الشهر كله، سواء ابتدأه من أول الشهر أو من أثنائه، كأعداد الصلوات الفائتة. فالقضاء لما فات من رمضان بالعدد: فمن أفطر رمضان كله، وكان ثلاثين، وقضاه في شهر بالهلال، وكان تسعة وعشرين يوماً، صام يوماً آخر. وإن فاته صوم رمضان وهو تسعة وعشرون يوماً، وقضاه في شهر -وكان ثلاثين يوماً- فلا يلزمه صوم اليوم الأخير، لقوله تعالى: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 185].

ويجوز أن يقضي يوم شتاء عن يوم صيف، ويجوز عكسه، بأن يقضى يوم صيف عن يوم شتاء، وهذا لعموم الآية المذكورة وإطلاقها.

- وهل قضاء رمضان يكون على التراخي؟

قيد الجمهور التراخي بما إذا لم يفت وقت قضائه، بان يهل رمضان آخر، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها "كان يكون عليَّ الصوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان، لمكان النبي صلى الله عليه وسلم" رواه البخاري، كما لا يؤخر الصلاة الأولى إلى الثانية.

ولا يجوز عند الجمهور تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر، من غير عذر يأثم به، لحديث عائشة هذا، فإن أخر فعليه الفدية: إطعام مسكين لكل يوم، لما روي عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم قالوا فيمن عليه صوم فلم يصمه حتى أدركه رمضان آخر: عليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم.

وهذه الفدية للتأخير، أما فدية المرضع ونحوها فلفضيلة الوقت، وفدية الهرم لأصل الصوم، ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده.

ومذهب الحنفية ، إطلاق التراخي بلا قيد، فلو جاء رمضان آخر، ولم يقض الفائت، قدم صوم الأداء على القضاء، حتى لو نوى الصوم عن القضاء لم يقع إلا عن الأداء، ولا فدية عليه بالتأخير إليه، لإطلاق النص، وظاهر قوله تعالى: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [البقرة: 185].

وعند غير الحنفية يحرم التطوع بالصوم قبل قضاء رمضان، ولا يصح تطوعه بالصوم قبل قضاء رمضان، ولا يصح تطوعه بالصوم قبل قضاء ما عليه من رمضان، بل يبدأ بالفرض حتى يقضيه، وإن كان عليه نذر صامه بعد الفرض، لأن الصوم عبادة متكررة، فلم يجز تأخر الأولى عن الثانية، كالصلوات المفروضة.

مسائل تتعلق بالقضاء:

الأولى:

إن أخر قضاء رمضان -وكذا النذر والكفارة - لعذر، بأن استمر مرضه أو سفره المباح إلى موته، ولم يتمكن من القضاء، فلا شيء عليه، ولا تدارك للغائب بالفدية ولا بالقضاء، لعدم تقصيره، ولا إثم به، لأنه فرض لم يتمكن منه إلى الموت، فسقط حكمه، كالحج، ولأنه يجوز تأخير رمضان بهذا العذر أداء، فتأخير القضاء أولى.

وسواء استمر العذر إلى الموت، أم حصل الموت في رمضان، ولو بعد زوال العذر.

الثانية:

لو أفطر بعذر واتصل العذر بالموت فقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصام عنه ولا كفارة فيه، لأنه فرض لم يتمكن من فعله إلى الموت فسقط حكمه، كالحج.

- أما إذا زال العذر وتمكن من القضاء، ولم يقض حتى مات ففيه تفصيل:

فذهب جمهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والحنابلة في المذهب، وهو الأصح عند الشافعية) إلى أنه لا يصام عنه، لأنه الصوم واجب بأصل الشرع لا يقضى عنه، لأنه لا تدخله النيابة في الحياة فكذلك بعد الممات كالصلاة.

وذهب الشافعية في قول والحنابلة إلى أنه يجوز لوليه أن يصوم عنه، زاد الشافعية : ويصح ذلك، ويجزئه عن الإطعام، وتبرأ به ذمة الميت ولا يلزم الولي الصوم بل هو إلى خيرته، لحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وعليه صيام صام عنه وليه" رواه البخاري ومسلم.

· أما في وجوب الفدية فقد اختلفوا فيه على النحو التالي:

ذهب الحنفية : لو أخر قضاء رمضان بغير عذر، ثم مات قبل رمضان آخر أو

بعده، ولم يقض لزمه الإيصاء بكفارة ما أفطره بقدر الإقامة من السفر والصحة من المرض وزوال العذر، ولا يجب الإيصاء بكفارة ما أفطره على من مات قبل زوال العذر.

وذهب الشافعية إلى أنه يجب في تركته لكل يوم مد من طعام.

وذهب الحنابلة في المذهب إلى الإطعام عنه لكل مسكيناً.

والظاهر من مذهب المالكية: وجوب مد عن كل يوم أفطره إذا فرّط، بأن كان صحيحاً مقيماً خالياً من الأعذار.

ثانياً: الكفارة الكبرى:

ثبتت الكفارة الكبرى بالنص في حديث الأعرابي الذي واقع زوجته في نهار رمضان.

ولا خلاف بين الفقهاء في وجوبها بإفساد الصوم بالوقاع في الجملة، وإنما الخلاف في وجوبها بإفساده بالطعام والشراب: فتجب -في الجملة أيضاً- بإفساد صوم رمضان خاصة، طائعاً متعمداً غير مضطر، قاصداً انتهاك حرمة الصوم، من غير سبب مبيح للفطر.

وقال الحنفية : إنما يكفّر إذا نوى الصيام ليلاً، ولم يكن مكرهاً، ولم يطرأ مسقط، كمرض وحيض.

فلا كفارة في الإفطار في غير رمضان، ولا كفارة على الناسي والمكره ولا على النفساء والحائض والمجنون، ولا على المريض والمسافر، ولا على المرهق بالجوع والعطش، ولا على الحامل، لعذرهم ... ولا على المرتد، لأنه هتك حرمة الإسلام، لا حرمة الصيام خصوصاً.

فتجب بالجماع عمداً، لا ناسياً - خلافاً لأحمد .

وتجب بالأكل والشرب عمداً، خلافاً للشافعي وأحمد ، وتقدمت موجبات أخرى مختلف فيها، كالإصباح بنية الفطر ورفض النية نهاراً والاستقاء العامد، وابتلاع ما لا يغذي عمداً.

أما خصال الكفارة فهي: العتق والصيام والإطعام، وهذا بالاتفاق بين الفقهاء، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "بينما نحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله هلكت قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: فمكث النبي صلى الله عليه وسلم فبينا نحن على ذلك، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعَرَقٍ (1) فيها تمر، قال: أين السائل؟ فقال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيت أفقر من أهل بيتي فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك".

________________________

(1) مكتل في خوص النخل يسع خمسة عشر صاعاً. والصاع أربعة أمداد، فهي ستون مداً.

وفي الحديث دلالة قوية على الترتيب.

ثالثاً: الفدية:

أما الفدية: فالكلام في حكمها، وسببها، وتكررها بتكرر السنين:

فحكم الفدية: الوجوب، لقوله تعالى: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة: 184] أي على الذين يتحملون الصوم بمشقة شديدة الفدية.

والفدية عند الحنفية : نصف صاع من بر أي قيمته، بشرط دوام عجز الفاني والفانية إلى الموت.

وعند الجمهور: ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم، بقدر ما فاته من الأيام.

وسببها:

1- العجز عن الصيام، فتجب باتفاق الفقهاء على من لا يقدر على الصوم بحال، وهو الشيخ الكبير والعجوز، إذا كان يجهدهما الصوم ويشق عليهما مشقة شديدة، فلهما أن يفطرا ويطعما لكل يوم مسكيناً، للآية السابقة: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة: 184] وقول ابن عباس: "نزلت رخصة للشيخ الكبير. ولأن الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء. والشيخ الهرم له ذمة صحيحة، فإن كان عاجزاً عن الإطعام أيضاً فلا شيء عليه، و{ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } [البقرة: 286].

وقال الحنفية: يستغفر الله سبحانه، ويستقبله أي يطلب منه العفو عن تقصيره في حقه.

وأما المريض إذا مات فلا يجب الإطعام عنه، لأن ذلك يؤدي إلى أن يجب على الميت ابتداء، بخلاف ما إذا أمكنه الصوم فلم يفعل، حتى مات، لأن وجوب الإطعام يستند إلى حال الحياة.

2- وتجب الفدية أيضاً بالاتفاق على المريض الذي لا يرجى برؤه، لعدم وجوب الصوم عليه، كما بينا، لقوله عز وجل: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78].

3- وتجب الفدية كذلك عند الجمهور (غير الحنفية) مع القضاء على الحامل والمرضع إذا خافتا على ولدهما، أما إن خافتا على أنفسهما، فلهما الفطر، وعليهما القضاء فقط، بالاتفاق. ودليلهم الآية السابقة: { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ..} وهما داخلتان في عموم الآية، قال ابن عباس: "كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا، ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا" رواه أبو داود، ولأنه فطر بسبب نفس عاجزة من طريق الخلقة، فوجبت به الكفارة كالشيخ الهرم.

وذهب الحنفية إلى أنه لا تجب عليهما الفدية مطلقاً، لحديث أنس بن مالك الكعبي: "إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة، وعن الحامل والمرضع الصوم -أو الصيام- والله لقد قالهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحدهما أو كليهما" رواه الترمذي. فلم يأمر بكفارة، ولأنه فطر أبيح لعذر، فلم يجب به كفارة كالفطر للمرضى.

4- وتجب الفدية أيضاً مع القضاء عند الجمهور (غير الحنفية) على من فرط في قضاء رمضان، فأخره حتى جاء رمضان آخر مثله بقدر ما فاته من الأيام، قياساً على من أفطر متعمداً، لأن كليهما مستهين بحرمة الصوم، ولا تجب على من اتصل عذره من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو نفاس.

تكرر الفدية: ولا تتكرر الفدية عند المالكية والحنابلة بتكرر الأعوام وإنما تتداخل كالحدود، والأصح في رأي الشافعية: أنها تتكرر بتكرر السنين، لأن الحقوق المالية لا تتداخل.

وقال الحنفية: لا فدية بالتأخير إلى رمضان آخر، لإطلاق النص القرآني. { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } فكان وجوب القضاء على التراخي، حتى كان له أن يتطوع، فلا يلزمه بالتأخير شيء ولأنه لا يجوز القياس في الكفارات، غير أنه تارك للأولى من المسارعة في القضاء.

وأما قطع التتابع: فهو عند المالكية لمن أفطر متعمداً في صيام النذر والكفارات المتتابعات كالقتل والظهار، فيستأنف، بخلاف من قطع الصوم ناسياً أو لعذر، أو لغلط في العدة، فإنه يبني على ما كان معه.

وذهب بقية المذاهب الأخرى خلاف المالكية.

وأما قطع النية: فإنها تنقطع بإفساد الصوم أو تركه مطلقاً لعذر أو لغير عذر، ولزوال انحتام الصوم كالسفر، وإن صام فيه، وإنما ينقطع استصحابها حكماً. وهذا عند المالكية الذين يكتفون بنية واحدة أو شهر رمضان.

رابعاً: الإمساك لحرمة شهر رمضان:

من لوازم الإفطار في رمضان: الإمساك لحرمة الشهر.

فالحنفية وضعوا أصلين لهذا الإمساك:

أولهما: أن كل من صار في آخر النهار بصفة، لو كان في أول النهار عليها للزمه الصوم، فعليه الإمساك.

ثانيهما: كل من وجب عليه الصوم، لوجود سبب الوجوب والأهلية، ثم تعذر عليه المضي، بأن أفطر متعمداً، أو أصبح يوم الشك مفطراً، ثم تبين أنه من رمضان، أو تسحر على ظن أن الفجر لم يطلع، ثم تبين طلوعه، فإنه يجب عليه الإمساك تشبهاً لأن الفطر قبيح، وترك القبيح واجب شرعاً.

وأجمع الحنفية على أنه لا يجب على الحائض والنفساء والمريض والمسافر هذا الإمساك.

وأجمعوا على وجوبه على من أفطر عمداً، أو خطأ، أو أفطر يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان، وكذا على مسافر أقام، وحائض ونفساء طهرتا، ومجنون أفاق، ومريض صح، ومفطر ولو مكرهاً أو خطأ، وصبي بلغ، وكافر أسلم.

وقال المالكية : وأما إمساك بقية اليوم، فيؤمر به من أفطر في رمضان خاصة، عمداً أو نسياناً، لا من أفطر لعذر مبيح ثم زال العذر مع العلم برمضان، فإنه لا يندب له الإمساك، كمن اضطر للفطر في رمضان، من شدة جوع أو عطش فأفطر، وكحائض ونفساء طهرتا نهاراً، ومريض صح نهاراً، ومرضع مات ولدها، ومسافر قدم، ومجنون أفاق، وصبي بلغ نهاراً، فلا يندب الإمساك منهم.

وقيد العلم برمضان، احتراز عمن أفطر ناسياً، وعمن أفطر يوم الشك ثم ثبت أنه من رمضان، فإنه يجب الإمساك، كصبي بيّت الصوم، واستمر صائماً حتى بلغ، فإنه يجب عليه الإمساك، لانعقاد صومه له نافلة، أو أفطر ناسياً قبل بلوغه فيجب عليه بعد الإمساك، وإن لم يجب القضاء على الصبي في هاتين الصورتين.

ونصوا كذلك على أن من أكره على الفطر، فإنه يجب عليه الإمساك، بعد زوال الإكراه قالوا : لأن فعله قبل زوال العذر، لا يتصف بإباحة ولا غيرها.

ونصوا على أنه يندب إمساك بقية اليوم لمن أسلم، لتظهر عليه علامة الإسلام بسرعة، ولم يجب، تأليفاً له للإسلام، كما ندب قضاؤه، ولم يجب لذلك.

وذهب الشافعية إلى أن نصوا على أن الإمساك تشبهاً من خواص رمضان، كالكفارة، وأن من أمسك تشبهاً ليس في صوم وضعوا هذه القاعدة، وهي: أن الإمساك يجب على كل متعدٍ بالفطر في رمضان، سواء أكل أو ارتد أو نوى الخروج من الصوم -وقلنا إنه يخرج بذلك- كما يجب على من نسي النية من الليل، وهو غير واجب على من أبيح له الفطر إباحة حقيقية، كالمسافر إذا قدم، والمريض إذا برئ بقية النهار.

ونظروا بعد ذلك في هذه الأحوال:

- المريض والمسافر، اللذان يباح لهما الفطر، لهما ثلاثة أحوال:

الأولى: أن يصبحا صائمين، ويدوما كذلك إلى زوال العذر، فالمذهب لزوم إتمام الصوم.

الثانية: أن يزول العذر بعدما أفطر، فلا يجب الإمساك، لكن يستحب لحرمة الوقت فإن أكلا أخفياه، لئلا يتعرضا للتهمة وعقوبة السلطان، ولهما الجماع بعد زوال العذر، إذا لم تكن المرأة صائمة، بأن كانت صغيرة، أو طهرت من الحيض ذلك اليوم.

الثالثة: أن يصبحا غير ناويين، ويزول العذر قبل أن يأكلا، ففي المذهب قولان: لا يلزمهما الإمساك في المذهب، لأن من أصبح تاركاً للنية فقد أصبح مفطراً، فكان كما لو أكل وقيل: يلزمهما الإمساك حرمة لليوم.

وإذا اصبح يوم الشك مفطراً غير صائم، ثم ثبت أنه من رمضان، فقضاؤه واجب ويجب إمساكه.

أما لو بان أنه من رمضان قبل الأكل فعليه لزوم الإمساك.

وإذا بلغ صبي مفطراً أو أفاق مجنون، أو أسلم كافر أثناء يوم من رمضان ففيه أوجه : أصحها أنه لا يلزمهم إمساك بقية النهار لأنه يلزمهم قضاؤه.

والثاني: أنه يلزمهم، بناء على لزوم القضاء.

والثالث: يلزم الكافر دونهما، لتقصيره.

والرابع: يلزم الكافر والصبي لتقصيرهما، أو لأنهما مأموران على الجملة دون المجنون.

ولو بلغ الصبي بالنهار صائماً، بأن نوى ليلاً، وجب عليه إتمامه بلا قضاء، وقيل : يستحب إتمامه، ويلزمه القضاء، لأنه لم ينو الفرض.

والحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، فالمذهب أنه لا يلزمهما الإمساك.

وفي مذهب الحنابلة هذه القاعدة بفروعها:

- من صار في أثناء يوم من رمضان أهلاً للوجوب لزمه إمساك ذلك اليوم وقضاؤه لحرمة الوقت، ولقيام البينة فيه بالرؤية، ولإدراكه جزءاً من وقته كالصلاة.

- وكذا كل من أفطر والصوم يجب عليه، فإنه يلزمه الإمساك والقضاء، كالفطر لغير عذر، ومن أفطر يظن أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع، أو يظن الشمس قد غابت ولم تغب، أو الناسي للنية، فكلهم يلزمهم الإمساك، أو تعمدت مكلفة الفطر، ثم حاضت أو نفست، أو تعمد الفطر مقيم ثم سافر، فكلهم يلزمهم الإمساك والقضاء.

- فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، فطهرت الحائض والنفساء، وأقام المسافر، وبلغ الصبي، وأفاق المجنون، وأسلم الكافر، وصح المريض، ففيهم روايتان:

إحداهما: يلزمهم الإمساك بقية اليوم، لأنه معنى لو وجد قبل الفجر أوجب الصيام، فإذا طرأ بعد الفجر أوجب الإمساك، كقيام البينة بالرؤية.

والأخرى: لا يلزمهم الإمساك، لأنه روي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: (من أكل أول النهار، فليأكل آخره)، ولأنه أبيح له الفطر أول النهار ظاهراً وباطناً، فإذا أفطر كان له أن يستديمه إلى آخر النهار، كما لو دام العذر.

خامساً: العقوبة:

يراد بالعقوبة هنا: الجزاء المترتب على من أفطر عمداً في رمضان من غير عذر، فهي من لوازم الإفطار وموجباته.

وفي عقوبة المفطر العامد، من غير عذر، خلاف وتفصيل.

فمذهب الحنفية أن تارك الصوم كتارك الصلاة، إذا كان عمداً كسلاً، فإنه يحبس حتى يصوم، وقيل: يضرب في حبسه، ولا يقتل إلا إذا جحد الصوم أو الصلاة، أو استخف بأحدهما.

ولو تعمد من لا عذر له الأكل جهاراً يقتل، لأنه مستهزئ بالدين، أو منكر لما ثبت منه بالضرورة، ولا خلاف في حل قتله، والأمر به.

ومذهب المالكية : إن من أفطر في أداء رمضان عمداً اختياراً بلا تأويل قريب، يؤدب بما يراه الحاكم: من ضرب أو سجن أو أيهما معاً، ثم إن كان فطره بما يوجب الحد، كزنى وشرب خمر، حدّ مع الأدب، وقدم الأدب.

وإن كان فطره يوجب رجماً، قدم الأدب، وإنه إن كان الحد جلداً، فإنه يقدم على الأدب، فإن جاء المفطر عمداً، قبل الاطلاع عليه، حال كونه تائباً، قبل الظهور عليه، فلا يؤدب.

ومذهب الشافعية : على أن من ترك صوم رمضان، غير جاحد، من غير عذر كمرض وسفر، كأن قال: الصوم واجب علي، ولكن لا أصوم حبس، ومنع من الطعام والشراب نهاراً، ليحصل له صورة الصوم بذلك.

قالوا: وأما من جحد وجوبه فهو كافر، لأن وجوب صوم رمضان معلوم من أدلة الدين بالضرورة: أي علماً صار كالضروريّ في عدم خفائه على أحد، وكونه ظاهراً بين المسلمين.

سادساً: قطع التتابع:

التتابع هو: الموالاة بين أيام الصيام، بحيث لا يفطر فيها ولا يصوم عن غير الكفارة.

تتأثر مدة الصوم التي يشترط فيها التتابع نصاً، بالفطر المتعمد، وهي: صوم رمضان، وصوم كفارة القتل، وكفارة الظهار، والإفطار العامد في رمضان، وصوم كفارة اليمين - عند الحنفية.

Free Web Hosting