حكم البيع الفاسد :

سنذكر حكم البيع الفاسد وما يلحق به من الكلام في التصرف بالمبيع، وفسخ المشتري شراء فاسداً، والزيادة في المبيع بيعاً فاسداً.

للبيع الفاسد عند الحنفية أحكام، منها : أن البيع ينعقد بقيمة المبيع أو بالمثل، لا بالثمن المسمى، ويفيد الملك في المبيع بالقبض، لأن ذكر الثمن المرغوب كالخمر مثلاً، أو إدخال شرط فاسد، أو وجود الجهالة في الثمن ونحوها، دليل على أن غرض المتعاقدين البيع، فينعقد بيعاً بقيمة المبيع باعتبار أن القيمة هي الواجب الأصلي في المبايعات، لأنها مثل المبيع في المالية. ويكون المبيع ببيع فاسد مضموناً في يد المشتري يلزمه مثله إن كان مثلياً، والقيمة إن كان قيمياً.

وعند جمهور الفقهاء : لا ينعقد البيع الفاسد، ولا يفيد الملك أصلاً، وإن قبض المشتري المبيع، لأن المحظور لا يكون طريقاً إلى الملك، ولأن النهي عن البيع الفاسد يقتضي عدم المشروعية، وغير المشروع لا يفيد حكماً شرعياً.

ويشترط في البيع الفاسد لإفادة الملك عند الحنفية شرطان :

1- القبض : فلا يثبت الملك قبل القبض، لأنه واجب الفسخ رفعاً للفساد، وفي التسليم تقرير الفساد، كما بينا.

2- أن يكون القبض بإذن البائع : فإن قبض بغير إِذنه أصلاً لا يثبت الملك، وذلك بأن نهاه عن القبض أو قبض بغير محضر منه من غير إذنه.

فإِن لم ينهه عن القبض ولا أذن له في القبض صريحاً، فقبضه في مجلس العقد بحضرة البائع، أنه يثبت الملك، وهو الصحيح لأن ذلك إذن منه بالقبض دلالة، كما في باب الهبة إذا قبض الموهوب له بحضرة الواهب، فلم ينهه، صح قبضه، ولأن البيع تسليط من البائع على القبض، فإذا قبضه المشتري بحضرة البائع، كان بحكم التسليط السابق.

التصرف في المشترى شراء فاسداً :

من أحكام البيع الفاسد : أن المشتري بعد قبض المبيع يملك التصرفات الناقلة للملكية التي تتعلق بعين الشيء، وتكون نافذة مثل البيع والهبة والصدقة والرهن والإجارة، لأن هذه التصرفات تزيل حق الانتفاع بالحرام، ولكن الصحيح عند الحنفية أن هذه التصرفات تكون مكروهة لأنه يجب فسخ العقد الفاسد لحق الشرع، وفي هذه التصرفات إبطال أو تأخير لحق الفسخ، فتكره.

وأما التصرفات التي تتعلق بعين الشيء، في الانتفاع بالعين كأكل الطعام ولبس الثوب وركوب الدابة وسكنى الدار، فلا تباح للمشتري شراء فاسداً، لأن الثابت بالبيع الفاسد ملك خبيث، والملك الخبيث لا يفيد إطلاق الانتفاع، لأنه واجب الرفع والبطلان، وهذا هو الصحيح عند الحنفية.

ما يبطل حق الفسخ :

1- التصرف الواقع على المشترى شراءً فاسداً :

من المعروف أن الملك الثابت في البيع الفاسد ملك غير لازم، بل هو مستحق الفسخ، ويحق لكل من العاقدين قبل القبض فسخ العقد من غير رضا الآخر، كيفما كان الفساد، كما يحق لهما الفسخ بعد القبض إذا كان الفساد راجعاً إلى العوض، كأن يكون الثمن خمراً أو خنزيراً.

هذا بالنسبة لأصل التصرف الفاسد، فهل يبطل حق الفسخ بسبب التصرف الواقع بعد القبض على المشترى شراء فاسداً ؟ فيه تفصيل.

1- إن كان التصرف مزيلاً للملك من كل وجه كالبيع والهبة، فلا يفسخ (أي أن حق الفسخ في البيع الفاسد يبطل) وعلى المشتري القيمة أو المثل، لأنه تصرف في محل مملوك له، فنفذ تصرفه.

2- وإن تصرفاص مزيلاً للملك من وجه، أو ليس مزيلاً للملك :

فإن كان التصرف يحتمل الفسخ، كالإِجارة فإنه يفسخ، لو آجر رجل الشيء، حقَّ للمالك الأول فسخ الإجارة، ثم يفسخ البيع بسبب الفساد، لأن الإجارة وإن كانت عقداً لازماً، إلا أنها تفسخ بالعذر، ولا عذر أقوى من رفع الفساد.

ولو أوصى شخص بالمبيع بيعاً فاسداً، صحت الوصية، ويجوز فسخها مادام الموصي حياً، لأن الوصية تصرف غير لازم حال حياة الموصي.

فلو مات الموصي قبل الفسخ، سقط حق الفسخ، لأن الملك انتقل إلى الموصى له، كما ينتقل بالبيع.

ويلاحظ أن حق الفسخ يورث، فلو مات المشتري شراء فاسداً فورثه الورثة، فيحق للبائع الفسخ، وكذا الورثة، لأن الوارث يقوم مقام الميت في حق الفسخ، وكذا يحق لورثة البائع إن مات أن يطالب ورثته باسترداد المبيع.

2- الزيادة في المبيع بيعاً فاسداً :

إذا حدثت زيادة في المبيع بيعاً فاسداً، فإما أن تكون زيادة منفصلة أو متصلة :

1- الزيادة المتصلة : الزيادة المتصلة إما أن تكون متولدة من الأصل أو غير متولدة.

آ- فإن كانت متولدة من الأصل كالسمن والجمال، فلا تمنع الفسخ، لأن هذه الزيادة تابعة للأصل حقيقة، والأصل مضمون الرد، فكذلك التبع، كما في الغصب.

ب- وإن كانت غير متولدة من الأصل كخلط الدقيق بالسمن أو العسل، فإنها تمنع الفسخ لأنه لو فسخ إما أن يفسخ على الأصل وحده أو على الأصل والزيادة معاً، ولا سبيل إلى الأول لتعذر الفصل، ولا سبيل إلى الثاني، لأن الزيادة لم تدخل تحت البيع، لا أصلاً ولا تبعاً، فلا تدخل تحت الفسخ.

2- الزيادة المنفصلة : هذه الزيادة أيضاً إِما متولدة من الأصل أو غير متولدة منه.

آ- فإن كانت متولدة من الأصل كالولد واللبن والثمرة، فلا تمنع حق الفسخ، وللبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة تابعة للأصل، لكونها متولدة منه، والأصل مضمون الرد، فكذلك الزيادة، كما هو المقرر في حالة الغصب.

ب- وإن كانت غير متولدة، كالهبة والصدقة والكسب، فإنها لا تمنع الرد، وللبائع أن يسترد الأصل مع الزيادة، لأنها حصلت على ملكه، إلا أنها لا تطيب له، لأنها لم تحدث في ضمانه، بل في ضمان المشتري.

والخلاصة : أن الزيادة المتصلة غير المتولدة : هي التي تبطل حق الفسخ فقط دون غيرها من أنواع الزيادة. ولا تضمن الزيادة بالهلاك، وتضمن بالاستهلاك.

وكذلك الزيادة بالصنع تبطل حق الفسخ : وهي أن يحدث المشتري في المبيع بيعاً فاسداً صنعاً، لو فعله الغاصب في المغصوب يصير ملكاً له، كما إذا كان المبيع قطناً، فعزله، أو غزلاً فنسجه، أو حنطة فطحنها، أو سمسماً أو عنباً فعصره، أو ساحة فبنى عليها، أو شاة فذبحها وشواها أو طبخها ونحوها، إذ القبض في البيع الفاسد كقبض الغصب، لأن كل واحد منهما مضمون الرد حال قيامه، ومضمون القيمة أو المثل حال هلاكه، فكل ما يبطل حق المالك في الغصب يبطله في البيع. وحينئذ يلزم المشتري بدفع قيمة الشيء المبيع يوم القبض، كما في الغصب.

وعلى هذا فليس للبائع المطالبة بنقض البناء الذي بناه المشتري في الأرض المبيعة بيعاً فاسداً، وإنما على المشتري قيمتها، هذا قول أبي حنيفة رضي الله عنه.

وأما نقصان المبيع بيعاً فاسداً فلا يمنع البائع من الاسترداد، سواء حصل النقص بآفة سماوية أو بفعل المبيع أو بفعل المشتري، فإن حصل بفعل أجنبي، فالبائع بالخيار : إن شاء أخذ قيمة النقص من المشتري يرجع به على الجاني، وإن شاء طالب الجاني وهو لا يرجع على المشتري.

1- خيار الوصف، أو خيار فوات الوصف المرغوب فيه :

هو أن يكون المشتري مخيراً بين أن يقبل بكل الثمن المسمى أو أن يفسخ البيع حيث فات وصف مرغوب فيه، في بيع شيء غائب عن مجلس العقد. مثاله أن يشتري شيئاً يشترط فيه صفقة معينة غير ظاهرة، وإنما تعرف بالتجربة، ثم يتبين عدم وجودها، أو يشتري بقرة على أنها حلوب، فظهرت غير حلوب، أو يشتري جوهرة على أنها أصلية، فظهرت أنها تقليد صناعي للأصلية، فيكون المشتري مخيراً إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أخذ المبيع بجميع الثمن المسمى، لأن هذا وصف مرغوب فيه، يستحق في العقد بالشرط، فإذا فات أوجب التخيير، لأن المشتري ما رضي به دونه، فصار كفوات وصف السلامة.

وأما سبب أخذه بجميع الثمن في رأي الحنفية : فهو لأن الأوصاف لا يقابلها شيء من الثمن، لكونها تابعة في العقد.

ودليل مشروعيته الأخذ باستحسان المصلحة على خلاف القياس. ويعده الشافعية والحنابلة داخلاً في خيار العيب.

وشروطه ثلاثة :

1- أن يكون الوصف المشروط مباحاً شرعاً : فإذا كان حراماً لم يصح.

2- أن يكون الوصف مرغوباً فيه عادة : فإذا لم يكون مرغوباً فيه في العرف، لغا الشرط، وصح البيع، ولا خيار، مثل وصف الذكورة والأنوثة في الحيوانات، فمن اشترى شيئاً على أنه ذكر فإذا هو أنثى، صح البيع ولم يثبت الخيار.

3- ألا يكون تحديد الوصف المرغوب فيه مؤدياً إلى جهالة مفضية للمنازعة، فإن فعل فسد البيع والشرط، كأن يشترط في البقرة الحلوب أن تحلب كذا رطلاً يومياً، فهذا شرط فاسد، لأنه لا يمكن ضبطه.

أحكام هذا الخيار :

أ- يورث خيار الوصف، فلو مات المشتري الذي له خيار الوصف، فظهر المبيع خالياً من ذلك الوصف، كان للوارث حق الفسخ.

ب- إذا تصرف المشتري الذي له خيار الوصف بالمبيع تصرف الملاك، بطل خياره.

جـ- يثبت للمشتري الحق في فسخ البيع أو استبقاء المبيع بجميع الثمن، فإن هلك المبيع أو تعيب في يده، فله الرجوع على البائع بمقدار نقص المبيع بسبب فوات الوصف المرغوب فيه، ويعرف ذلك بتقويم المبيع مع الوصف، وبدون الوصف، ويضمن المشتري الفرق بينهما.

2- خيار النقد :

هو فرع عن خيار الشرط، وهو أن يشترط المتبايعان في عقد البيع بالنسيئة أن المشتري إذا لم يدفع الثمن في الأجل المعين، وهو ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما. فإن اشترى على هذا النحو على أنه إن لم ينقد (يدفع) الثمن إلى أربعة أيام، لم يصح خلافاً لقول في المذهب لأن هذه هي المدة المشروعة في خيارالشرط. ورأعى محمد مصلحة العاقدين في اشتراطه إلى أي مدة كانت.

فإن نقد في مدة الثلاثة الأيام، جاز باتفاق الحنفية، لأن خيار النقد ملحق بخيار الشرط. وهو جائز أيضاً عند الحنابلة كشرط الخيار، لكن ينفسخ البيع عندهم إن لم ينقد المشتري الثمن في المدة أو هو أن يشترط البائع على المشتري أنه إذا رد الثمن إلى المشتري في مدة ثلاثة أيام، فلا بيع بينهما، فله وجهان إذاً.

والفرق بينه وبين خيار الشرط : أن الأصل في خيار الشرط اللزوم، فإذا انتهت المدة المشروطة دون فسخ، لزم. أما خيار النقد فالأصل فيه عدم اللزوم، فإذا لم ينقد الثمن في الثلاث فسد البيع إذا بقي المبيع على حاله، ولا ينفسخ، بدليل أن المشتري يتملك المبيع بالقبض. وعند الحنابلة : ينفسخ البيع.

حكم سقوطه :

1- إذا مات المشتري المخير بخيار النقد في أثناء مدة الخيار، بطل البيع.

2- إذا تصرف المشتري بالمبيع بالبيع ونحوه في مدة الخيار، قبل أن ينقد الثمن، سقط خياره، وصح بيعه ولزم، ولزم المشتري نقد الثمن.

3- إذا أتلف المشتري أو الأجنبي المبيع في مدة الخيار بعد القبض، سقط به الخيار، للعجز عن الرد.

4- إذا أحدث المشتري في المبيع عيباً يمنع رده للبائع، ولم ينقد الثمن، سقط الخيار، ويخير البائع حينئذ بين أخذ المبيع ناقصاً، ولا شيء له من الثمن، وبين تركه وأخذ الثمن.

3- خيار التعيين :

هو أن يتفق العاقدان على تأخير تعيين المبيع الواجب التعيين إلى أجل، على أن يكون حق تعيينه لأحدهما، مثل أن يشتري أحد ثوبين أو ثلاثة غير معين على أن يأخذ أيهما شاء، على أنه بالخيار ثلاثة أيام.

وله وجهان كخيار النقد : إما أن يأخذ المشتري أحد الأشياء المبيعة بالثمن الذي بينه له البائع لكل واحد، أو يعطي البائع أي واحد أراد من الأشياء المعينة، وله أن يلزم المشتري به إلا إذا تغيب فلا يلزمه إلا بالرضا. ولو هلك أحدهما كان له أن يلزمه بالباقي.

وقد أجازه الحنفية استحساناً لحاجة الناس إليه، بالرغم من الجهالة، عملاً بالمصلحة والعرف للحاجة إلى اختيار ما هو الأوفق والأرفق، وأبطله الشافعية والحنابلة للجهالة.

والأصح عند الحنفية أنه لا يشترط اقترانه بخيار الشرط، وإنما يجوز للعاقدين ذلك.

شروطه : اشترط الحنفية لهذا الخيار شروطاً هي ما يأتي :

1- أن يكون التخيير على شيء ما اثنين أو ثلاثة فقط : فإذا كان على شيء من أربعة لم يجز، لأن الحاجة في الثلاثة، لانقسام الأشياء إلى جيد ووسط ورديء.

2- أن يوافق البائع صراحة على خيار التعيين : بأن يقول للمشتري : بعتك أحد الشيئين أو الثلاثة على أنك بالخيار في واحد منها، فإن لم يوافق على ذلك، فسد البيع للجهالة.

3- أن يكون البيع في القيميات كأنواع الألبسة والمفروشات، لا في المثليات كالكتب المطبوعة الجديدة، لعدم الفائدة في التخيير بينها لعدم تفاوتها.

4- أن تكون مدته كمدة خيار الشرط : وهي ثلاثة أيام عند أبي حنيفة، وأي مدة معلومة كانت على قول آخر في المذهب.

أحكامه :

أ- يلزم البيع في واحد غير معين من أفراد المبيع المتفق عليها، ويلزم صاحب الحق الخيار أن يعين الشيء الذي يأخذه في انقضاء المدة التي عينت ودفع ثمنه.

ب- يورث هذا الخيار عند الحنفية، بخلاف خيار الشرط، فلو مات من له الخيار قبل التعيين، يكون الوارث مجبراً أيضاً على تعيين أحد المبيعات ودفع ثمنه.

جـ- هلاك أو تعيب أحد الأشياء أو كلها :

إذا هلك أحد المبيعين تعين الآخر مبيعاً، وكان الباقي أمانة في يد المشتري. وإذا هلك المبيعان معاً، ضمن المشتري نصف ثمن كل منهما لعدم التعيين، وإن هلك المبيعان على التعاقب، تعين الأول مبيعاً. فلو اختلف العاقدان في الهالك أولاً، فالقول للمشتري بيمينه، وبينة البائع أولى.

والتعيب كالهلاك في الأحوال المذكورة. ولو باع المشتري المبيعين ثم اختار أحدهما، صح بيعه فيه. والمبيع مضمون بالثمن، وغيره أمانة.

4- خيار الغبن :

هذا الخيار مشروع عند الحنفية إذا اشتمل الغبن على تغرير، فيسمى خيار الغبن مع التغرير : وهو أن يغرر البائع المشتري أو بالعكس تغريراً قولياً وهو التغرير في السعر، أو تغريراً فعلياً وهو التغرير في الوصف، ويكون الغبن فاحشاً : وهو ما لا يدخلتحت تقويم المقومين. أما الغبن اليسير : وهو ما يدخل تحت تقويم المقومين، فلا يؤثر، إذ لا يتحقق كونه زيادة، أما الفاحش فزيادته متحققة. فيثبت حينئذ حق إبطال العقد دفعاً للضرر عنه.

والتغرير القولي في السعر : كأن يقول البائع أو المؤجر للمشتري أو للمستأجر : يساوي هذا الشيء أكثر ولا تجد مثله، أو دفع لي فلان فيه كذا، وكل ذلك كذب.

والتغرير الفعلي في الوصف : يكون بتزوير وصف في محل العقد يوهم المتعاقد في المعقود عليه مزية ما غير حقيقية، كتوجيه البضاعة المعروضة للبيع، بجعل الجيد منها في الأعلى، وجعل الرديء منها في الأسفل. ومنه التصرية : جمع اللبن في الضرع، وهي حرام، توجب الخيار للعاقد المغرور كفوات الصفة المشروطة. أما تدليس العيب : وهو كتمان أحد المتعاقدين عيباً خفياً يعلمه في محل العقد عن المتعاقد الآخر في عقود المعاوضة، فهو المسمى عندهم خيار العيب.

وحكمه : إعطاء المغبون المغرور حق خيار فسخ العقد دفعاً للضرر عنه، نظراً لعدم تحقق رضاه، بسبب التغرير والغبن الفاحش. وإذا مات المغرور بغبن فاحش لا تنتقل دعوى التغرير لوارثه.

ويسقط حق المغرور في الفسخ للمشتري إذا تصرف في المبيع بعد أن اطلع على الغبن الفاحش، أو بنى بناء في الأرض المشتراة، أو إذا هلك المبيع أو استهلك أو حدث فيه عيب.

وقال الحنابلة : هناك خيار غبن، وخيار تدليس، وخيار عيب.

أما خيار الغبن عند الحنابلة فيثبت في ثلاث صور :

إحداها- تلقي الركبان : وهم القادمون من السفر بجلوبة (وهي ما يجلب للبيع) وإن كانوا مشاة، وهو عند الجمهور : يحرم، وقال الحنفية : يكره، ولو كان تلقيهم بغير قصد التلقي لهم. فإذا اشترى المتلقي منهم أو باعهم شيئاً، ثبت لهم الخيار إذا هبطوا السوق، وعلموا أنهم قد غبنوا غبناً يخرج عن العادة، لقوله عليه السلام : "لا تلقوا الجَلَب فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى السوق، فهو بالخيار" رواه مسلم.

والثانية- النجش : وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها. وهو حرام، لما فيه من تغرير المشتري وخديعته، فهو في معنى الغش، ويثبت للمشتري بالنجش الخيار إذا غبن غبناً غير معتاد.

ولا يتم النجش إلا بحذق من زاد في السلعة، وأن يكون المشتري جاهلاً، فلو كان عارفاً واغتر بذلك، فلا خيار له لعجلته وعدم تأمله.

فإن زاد من لا يريد الشراء بغير مواطأة مع البائع، أو زاد البائع في الثمن بنفسه، والمشتري لا يعلم ذلك، فيخير المشتري لوجود التغرير بين رد المبيع وإمساكه.

الثالثة- بيع المسترسل أو إجارته : وهو الجاهل بالقيمة، من بائع ومشتر، ولا يحسن المماسكة. فله الخيار إذا غبن غبناً غير معتاد. ويقبل قوله بيمينه أنه جاهل بالقيمة، ما لم تكن قرينة تكذبه في دعوى الجهل، فلا تقبل منه.

وخيار الغبن كخيار العيب على التراخي عندهم.

وأما خيار التدليس : فهو بسبب التغرير، والعقد معه صحيح، والتدليس حرام وهو نوعان :

أحدهما- كتمان العيب. ويسمى هذا عند الحنفية خيار العيب.

والثاني- فعل يزيد به الثمن، وإن لم يكن عيباً، كجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها للبيع، ليزيد دوانها بإرسال الماء بعد حبسه، فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في الثمن. ومنه تحسين وجه الصبرة (الكومة)، وصقل السكاف وجه الحذاء، وتصنع النساج وجه الثوب، والتصرية أي جمع اللبن في ضرع بهيمة الأنعام، ونحو ذلك. وهذا النوع هو المسمى عند الحنفية بالتغرير الفعلي في الوصف.

والتدليس بنوعية يثبت للمشتري خيار الرد إن لم يعلم به، أو الإمساك، لقوله عليه السلام : "لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبيها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها، وصاعاً من تمر" متفق عليه. وغير التصرية من التدليس ملحق بها.

وقد أخذ الجمهور بضمون هذا الحديث : وهو التخيير بعد الحلب بين إمساك المبيع إن رضيه، وبين رده مع صاع من تمر إن سخطه.

وقال أبو حنيفة : يرجع المشتري بالنقصان فقط إن شاء.

وأما خيار العيب عند الحنابلة : فهو بسبب نقص عين المبيع، كخصاء، ولو لم تنقص به القيمة، بل زادت، أو نقص قيمته عادة في عرف التجار، وإن لم تنقص عينه.

5- خيار كشف الحال :

وهو أن يشتري شيئاً بوزن غير معلوم القدر، أو بكيل غير معلوم المقدار، كأن يشتري بوزن هذا الحجر ذهباً، أو هذه الصبرة (الكومة) كل صاع بكذا، يصح البيع في الحالتين، ويكون للمشتري الخيار : إن شاء أمضى البيع وإن شاء فسخه.

6- خيار الخيانة :

هو الذي يثبت في بيوع الأمانة من تولية أو شركة أو مرابحة أو وضيعة إذا أخبر البائع المشتري بزيادة في الثمن أو نحو ذلك، كإخفاء تأجيله، ثم يظهر كذبه أو خيانته بإقرار أو برهان على ذلك، أو بما عند الحنفية أيضاً بنكول عن اليمين. ويخير المشتري بسبب ذلك عند الحنفية والمالكية بين أخذ المبيع بكل ثمنه، أو رده لفوات الرضا، وله الحط من الثمن قدر الخيانة في التولية.

وقال الشافعية في الأظهر والحنابلة : لا خيار للمشتري بسبب الخيانة، وإنما له الحط من الثمن مقدار الخيانة.

7- خيار تفرق الصفقة :

هو الذي يثبت للمشتري بسبب تجزئة المبيع، فيكون له الخيار بين فسخ البيع واسترداد الثمن كله إن دفعه، أو أخذ باقي المبيع مع حسم ما يقابل العيب أو الهلاك من الثمن. وله صور متعددة.

فيثبت عند الحنفية بهلاك أو تعيب بعض المبيع بيد البائع قبل قبض المشتري، ومجمل حكم الهلاك : أنه إن كان بآفة سماوية أو بفعل البائع يبطل البيع وإن كان بفعل أجنبي يتخير المشتري إن شاء فسخ البيع، وإن شاء أجاز، وضمَّن المستهلك.

وقال المالكية : يثبت هذا الخيار في حالة كون المبيع معيباً، أو استحقاق بعض مبيع متعدد اشتري صفقة واحدة، فإن كان وجه الصفقة نقضت، ولا يجوز له التمسك بالباقي، وإن كان غير وجهها، جاز التمسك به، وأخذ الباقي بالتقويم، لا بنسبته من الثمن المسمى، فيقال : ما قيمة هذا الباقي ؟ فإذا قيل : ثمانية، قيل : وما قيمة المستحق او المتعيب ؟ فإذا قيل : اثنان، رجع المشتري على بائعه بخمس الثمن الذي دفعه له.

وقال الشافعية : أن في تفريق الصفقة قولين عند الشافعية، أظهرهما - أن البيع يبطل فيما لا يجوز، ويصح فيما يجوز، لأنه ليس بطلانه فيهما لبطلانه في أحدهما بأولى من تصحيحه فيهما، لصحته في أحدهما، فبطل حمل أحدهما على الآخر، وبقيا على حكمهما، فصح فيما يجوز، وبطل فيما لا يجوز. والقول الثاني أن الصفقة لا تفرق، فيبطل العقد فيهما.

وقال الحنابلة : معنى تفريق الصفقة : أي تفريق ما اشتراه في عقد واحد : وهو أن يجمع بين ما يصح بيعه وما لا يصح بيعه، صفقة واحدة بثمن واحد. ولهذا الجمع ثلاث صور:

إحداها- أن يبيع شخص معلوماً ومجهولاً تجهل قيمته أي يتعذر علمه، فلا مطمع في معرفته، مثل : بعتك هذه الفرس، وما في بطن هذه الفرس الأخرى بكذا، فلا يصح البيع فيهما، لأن المجهول لا يصح بيعه لجهالته، والمعلوم مجهول الثمن، ولا سبيل إلى معرفته، لأن معرفته إنما تكون بتقسيط الثمن عليهما، وحمل الفرس لا يمكن تقويمه، فيتعذر التقسيط.

الثانية- أن يبيع شخص مشاعاً بينه وبين غيره بغير إذن شريكه، فيصح البيع في نصيبه بقسطه، وللمشتري الخيار بين الرد والإمساك إذا لم يكن عالماً بأن المبيع مشترك بينه وبين غيره، لأن الشركة عيب. فإن كان عالماً فلا خيار له وللبائع أيضاً. وللمشتري الأرش إن أمسك فيما ينقصه التفريق، كزوج خف.

الثالثة- أن يبيع رجل متاعه ومتاع غيره بغير إذنه صفقة واحدة، أو يبيع خلاً وخمراً صفقة واحدة، فيصح البيع في متاعه بقسطه دون متاع غيره، ويصح في الخل بقسطه من الثمن، فيوزع على قدر قيمة المبيعين ليعلم ما يخص كلاً منهما. ويقدر الخمر إذا بيع مع الخلّ خلاً، ليقسط الثمن عليهما. ولا خيار للبائع.

وقال الحنابلة أيضاً : إذا وقع العقد على مكيل أو موزون، فتلف بعضه قبلى قبضه، لم ينفسخ العقد في الباقي، رواية أخرى، ويأخذ المشتري الباقي بحصته من الثمن.

8- خيار إجازة عقد الفضولي :

هو الخيار الثابت للمالك إذا باع غيره له سلعة بغير أمره، ويعد البيع موقوفاً عند الحنفية والمالكية، ويخير المالك بين إجازة العقد فيصبح نافذاً، وبين رده فيبطل.

9- خيار تعلق حق الغير بالمبيع :

هو الخيار الثابت لمن له حق في المبيع من دائن مرتهن أو مستأجر، فإذا اشترى رجل داراً ثم ظهر أنها مرهونة أو مؤجرة، خير بين الفسخ وعدمه، دفعاً للضرر عن نفسه، حتى ولو كان عالماً بذلك.

فإن أجاز المستأجر أو المرتهن فلا خيار للمشتري، وإن لم يجز ثبت الخيار له بين الانتظار حتى نهاية مدة الإجارة وفكاك الرهن، أو الفسخ.

10- خيار الكمية للبائع :

هو أن يشتري إنسان بما في الخابية أو الوعاء أو اليد ونحوها، ولا يعرف البائع شيئاً عن الموجود كمية ونوعاً، فيكون البائع بعد فتح الخابية أو الوعاء أو اليد مخيراً بين إمضاء البيع وفسخه بعد رؤية الثمن. وهذا يسمى عند الحنفية خيار كمية، لا خيار رؤية، لأن خيار الرؤية لا يثبت في النقود.

11- خيار الاستحقاق :

هو الخيار الثابت للمشتري بسبب استحقاق المبيع كله أو بعضه، وتفصيله عند الحنفية : إن كان استحقاق المبيع قبل قبض الكل خير في الكل، وإن كان استحقاقه بعد القبض خيِّر في الشيء القيمي، لا في المثلي كالمكيل والموزون. وإن كان الاستحقاق لبعض المبيع قبل القبض، يبطل العقد في الجزء المستحق، ويخير المشتري في أخذ الجزء الباقي بحصته من الثمن أو رده.

وإن كان الاستحقاق لبعض المبيع بعد القبض، يبطل البيع في الجزء المستحق أيضاً، وأما الجزء الباقي فيخير المشتري في قبول الباقي بحصته من الثمن إن أضره التبعيض كالثوب والدار، ويلتزم بالباقي إن لم يضره التبعيض كالمكيل والموزون.

وذلك كله إن لم يجز المستحق البيع، فإن أجازه، لزم البيع، إذ لا ضرر بالتبعيض.

12- خيار الشرط

خطة الموضوع :

المطلب الأول- الخيار المفسد للبيع والخيار المشروع :

الخيار المفسد : اتفق الحنفية والشافعية والحنابلة في الصحيح من مذهبهم على أن العاقدين إذا ذكرا الخيار مؤبداً، كأن يقول أحدهما : "بعت، أو اشتريت على أني بالخيار أبداً" أو ذكر الخيار مطلقاً، كأن يقول أحدهما : "على أني بالخيار أو متى شئت" أو ذكرا وقتاً مجهولاً كقدوم زيد، أو هبوب ريح، أو نزول مطر، أو أياماً، فإن العقد غير صحيح لوجود الجهالة الفاحشة.

إلا أن الشافعية والحنابلة قالوا : العقد باطل. وقال الحنفية : العقد فاسد فقط، فإذا أسقط الشرط قبل مضي مدة ثلاثة أيام، أو حذف الزائد، أو بينت مدة الخيار، صح البيع، لزوال المفسد.

وقال مالك وأحمد في رواية عنه : يجوز الخيار المطلق، إلا أن الإمام أحمد قال فيه : "وهما على خيارهما أبداً، أو يقطعاه، أو تنتهي مدته". وقال الإمام مالك : السلطان يحدد له مدة كمدة خيار مثله في العادة، لأن اختيار المبيع في مثله مقدَّر في العادة، فإذا أطلق الخيار حمل على المعتاد، ويفسد البيع عند المالكية إذا وقع بشرط مدة زائدة على مدته بكثير "أي بعد يوم" أو بشرط مدة مجهولة كإِلى أن تمطر السماء أو يقدم زيد.

الخيار المشروع : وهو أن يذكر وقت معلوم، وقد ثبتت مشروعية خيار الشرط بحديث حبان بن منقذ الذي كان يغبن في البيع والشراء، فشكا أهله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال : "إذا بايعت فقل : لا خلابة (1) وليّ الخيار ثلاثة أيام" رواه البخاري ومسلم ولمساس الحاجة إليه لدفع الغبن. وخيار الشرط مشروع عند جمهور الحنفية، سواء أكان الشرط العاقد أم لغيره لتحقيق حاجة الناس. ولا يجوز الخيار والأجل في البيوع التي فيها الربا : وهي عقد الصرف، وبيع المكيل والموزون عند الحنفية، والطعام بالطعام عند الشافعية، لأنه يشترط فيها القبض قبل التفرق بالأبدان، وذكر الخيار أو الأجل ينافي القبض.

المطلب الثاني- آراء الفقهاء في مدة الخيار المشروع :

قال أبو حنيفة والشافعي : يجوز شرط الخيار في مدة معلومة لا تزيد على ثلاثة أيام، لأن الأصل امتناع الخيار، لكونه مخالفاً لوضع البيع، فإنه يمنع نقل الملك أو لزومه، إلا أنه ثبت على خلاف هذا الأصل بحديث حبان بن منقذ السابق ذكره.

ويبطل العقد عند الشافعي. وكونه لا يجوز أكثر من ثلاثة، لأنه غرر، وفيما دون الثلاث رخصة، فلا يجوز الزيادة عليها، وفي الجملة : إن الخيار ينافي مقتضى البيع لولا ثبوته بالشرع.

وعند الحنابلة وفي رواية في المذهب الحنفية : يجوز اشتراط مدة الخيار بحسب ما يتفق عليه البائع والمشتري من المدة المعلومة، قلَّت مدته أو كثرت. ودليلهم ما روي أن ابن عمر "أجاز الخيار إلى شهرين" ولأن الخيار حق يعتمد الشرط، فرجع في تقديره إلى مشترطه، كالأجل. وبعبارة أخرى: إن مدة الخيار ملحقة بالعقد، فكانت إلى تقدير المتعاقدين كالأجل.

وقال المالكية : يجوز الخيار بقدر ما تدعو إليه الحاجة، ويختلف ذلك باختلاف الأمور، فالفاكهة التي لا تبقى أكثر من يوم لا يجوز شرط الخيار فيها أكثر من يوم، والثياب أو الدابة : ثلاثة أيام، والأرض التي لا يمكن الوصول إليها في ثلاثة أيام يجوز شرط الخيار فيها أكثر من ثلاثة أيام، والدار ونحوها تحتاج مدة شهر.

(1) لا خديعة.

المطلب الثالث- طرق إسقاط الخيار :

العقد الذي فيه الخيار عقد غير لازم، ويصبح لازماً إذا سقط الخيار بعد ثبوته، وطرق الإِسقاط ثلاثة :

1- الإسقاط الصريح : هو أن يقول صاحب الخيار : أسقطت الخيار أو أبطلته أو أجزت البيع أو رضيت به، ونحوها، فيبطل الخيار، سواء علم المشتري بالإِجازة أو لم يعلم، لأن الخيار شرع للفسخ، فإذا سقط يبطل الخيار رجوعاً إلى الإصل في العقد : وهو لزومه ونفاذه.

وكذلك يسقط الخيار إذا قال من له الحق فيه : "فسخت العقد، أو نقضته، أو أبطلته" لأن الخيار هو التخيير بين الفسخ والإِجازة، فأيهما وجد سقط الخيار.

2- الإسقاط دلالة : وهو أن يوجد ممن له الخيار تصرف يدل على إجازة البيع وإثبات الملك، فالإقدام عليه يكون إجازة للبيع دلالة.

وبناء على هذا :

إذا كان الخيار للمشتري، والمبيع في يده، فعَرَضه على البيع، يبطل خياره، لأن عرض المشتري المبيع على البيع معناه اختيار التملك وهو يكون بابطال الخيار.

وإذا كان الخيار للبائع فعَرَضه على البيع، فالأصح من الروايتين عن أبي حنيفة : أن يكون إسقاطاً للخيار، لأنه دليل على اختيار إبقاء الملك في المبيع.

وكذلك يسقط خيار المشتري إذا باع الشيء الذي اشتراه أو رهنه أو وهبه - سلم أو لم يسلم - أو آجره، لأن نفاذ هذه التصرفات مختص بقيام الملك، فيكون الإقدام عليها دليلاً على قصد إبقاء الملك، وهو يتم بإجازة البيع.

ويسقط الخيار أيضاً بهذه التصرفات في الثمن إذا صدرت من البائع الذي له الخيار، إذ أنه لا تصح هذه التصرفات إلا بعد نقض التصرف الأول.

إلا أن هناك فرقاً بين البائع والمشتري بالنسبة لتسليم الهبة والرهن، فإنه إذا كان الخيار للبائع لا يسقط في الهبة والرهن إلا بعد التسليم بخلاف المشتري كما عرفنا.

وأما الإجازة فلا فرق فيها بين البائع والمشتري، فإنها تسقط الخيار من غير شرط القبض، لأنها عقد لازم، بخلاف الرهن والهبة قبل القبض، فإنهما عقدان غير لازمين.

ومن مسقطات الخيار دلالة : أن يُسكن المشتري الدار المبيعة رجلاً بأجر أو بغير أجر، أو يرمم شيئاً منها بالتطيين أو التجصيص، أو يحدث فيها بناء أو يهدم شيئاً منها، لأن هذه التصرفات دليل اختيار الملك.

ومن مسقطات الخيار دلالة أيضاً : أن يسقي المشتري الزروع والثمار أو يحصدها أو يقطع منها شيئاً لدوابه، لأنه يعد إجازة للبيع واختياراً للتملك كما ذكرنا.

أما ركوب الدابة لسقيها أو لردها على البائع، فلا يسقط الخيار استحساناً، لأن الدابة قد لا يمكن تسييرها إلا بالركوب، ويسقط قياساً، لأن الركوب دليل اختيار الملك.

وكذا ركوب السيارة لينظر إلى سيرها وقوتها، لا يسقط الخيار.

وكذا أيضاً لبس الثوب لينظر إلى طوله وعرضه لا يسقط الخيار، لاحتياجه إلى التجربة والاختبار، أما لبسه ثانية لنفس الغرض الأول، فيسقط الخيار.

ويرى بعض مشايخ الحنفية أن ركوب السيارة للمرة الثانية لنفس الغرض الأول : لا يسقط الخيار، لأن الاختبار لا يحصل بالفعل مرة، لاحتمال وقوع ذلك صدفة، فيحتاج إلى معرفة العادة الثابتة، بخلاف الثوب : فإن الغرض يحصل بالمرة الواحدة.

3- إِسقاط الخيار بطريق الضرورة :

يسقط الخيار ضرورة بأمور :

1- مضي مدة الخيار : يسقط الخيار بمضي مدته دون اختيار فسخ العقد، لأن الخيار مؤقت بها، فيبقى العقد بلا خيار، فيصبح لازماً.

وكذلك قال الشافعية والحنابلة : يسقط الخيار إذا انقضت مدته، ولم يفسخ أحدهما العقد ويصبح لازماً، لأن مدة الخيار ملحقة بالعقد فبطلت بانقضائها كالأجل، ولأن الحكم ببقائها يفضي إلى بقاء الخيار في غير المدة المشروطة، والشرط سبب الخيار، فلا يجوز أن يثبت به ما لم يتناوله، ولأنه حكم مؤقت، فصار بفوات وقته كسائر المؤقتات، ولأن البيع يقتضي اللزوم، وإنما تخلَّف موجبه بالشرط، ففيما لم يتناوله الشرط يجب أن يثبت موجبه لعدم وجود ما ينافي مقتضى العقد كما لو أمضوا العقد.

وقال الإمام مالك : لا يلزم البيع بمضي المدة بل لا بد من اختيار أو إجازة، لأن مدة الخيار جعلت حقاً لصاحب الخيار لا واجباً عليه، فلم يلزم الحكم بنفسه مرور الزمان، كمضي الأجل في حق المولى بالنسبة للمكاتب، لا يلزم المولى بالعتق بمجرد مضي المدة.

2- موت المشروط له الخيار :

إذا مات المشروط له الخيار، يسقط الخيار، سواء أكان الخيار للبائع أم للمشتري، أو لهما، ويصير العقد لازماً، لأنه وقع العجز عن الفسخ، فيلزم ضرورة.

أما خيار الشرط فاختلفوا في إرثه :

فقال الحنفية : لا يورث خيار الشرط، وإنما يسقط بموت المشروط له.

والخلاصة : أن خيار القبول والإجازة في بيع الفضولي والأجل وخيار الشرط لا يورث. أما خيار العيب والتعيين والقصاص وخيار الرؤية وخيار الوصف وخيار التغرير، فإنه يورث.

وقال الحنابلة : المذهب أن خيار الشرط يبطل بموت صاحبه، ويبقى خيار الآخر بحاله، إلا أن يكون الميت قد طالب بالفسخ قبل موته في مدة الخيار، فيكون حينئذ لورثته.

وقال المالكية والشافعية : إذا مات صاحب الخيار : فلورثته من الخيار مثل ما كان له، لأن الخيار حق ثابت لضمان صلاحية المال المشترى، فلم يسقط بالموت كالرهن وحبس المبيع على الثمن ونحوها من الحقوق المالية، فينتقل إلى الوارث كالأجل وخيار الرد بالعيب، ولأنه حق فسخٍ للبيع، فينتقل إلى الوارث كالرد بالعيب، والفسخ بالتحالف.

3- ما هو في معنى الموت : كالجنون والإغماء والنوم والسُكْر والردة واللحاق بدار الحرب. فإذا ذهب عقل صاحب الخيار بالجنون أو بالإغماء، في مدة الخيار، ومضت المدة على تلك الحال صار العقد لازماً لأنه عجز عن الفسخ فتزول فائدة الخيار، فإن أفاق في مدة الخيار، بقي الخيار، لإِمكان ممارسة حق الفسخ والإجازة وهذا عند الحنفية.

وقال الشافعية والحنابلة : لو جن صاحب الخيار أو أغمي عليه أو أصابه خرس فلم تفهم إشارته، ينتقل الخيار إلى وليه من حاكم أو غيره.

4- هلاك المبيع في مدة الخيار : فيه تفصيل، لأن الهلاك إما أن يكون قبل القبض أو بعد القبض، والخيار إما للبائع، أو للمشتري.

آ- فإن هلك المبيع قبل القبض أي (في يد البائع) بطل البيع وسقط الخيار، سواء أكان الخيار للبائع أم للمشتري، أم لهما معاً، لأنه لو كان العقد باتاً لبطل البيع بسبب العجز عن التسليم، فيبطل إذا كان فيه خيار شرط من باب أولى.

ب- وإن هلك المبيع بعد القبض أي "في يد المشتري" : فإن كان الخيار للبائع، فيبطل البيع أيضاً، ويسقط الخيار، ولكن يلزم المشتري القيمة إن لم يكن له مثل، والمثل إن كان له مثل.

وإن كان الخيار للمشتري فهلك المبيع بفعل المشتري أو البائع أو بآفة سماوية : لا يبطل البيع، ولكن يسقط الخيار، ويلزم البيع، ويهلك على المشتري بالثمن، لأن المشتري وإن لم يملك المبيع عند أبي حنيفة إلا أنه اعترض عليه في يده ما يمنع الرد وهو التعيب بعيب لم يكن عند البائع، لأن الهلاك في يده لا يخلو عادة عن سبب له، وهذا السبب يكون عيباً، وتعيب المبيع في يد المشتري يمنع الرد، ويلزم البيع إذ لا فائدة من بقاء الخيار، فيهلك بالثمن، لأن العقد قد انبرم.

وقال الشافعية كالحنفية فيما إذا حدث الهلاك بآفة سماوية قبل القبض: ينفسخ البيع ويسقط الخيار، كما ينفسخ العقد ويسقط الخيار إذا كان الهلاك بعد القبض ويضمن المشتري القيمة إذا كان الخيار للبائع.

فإن كان الخيار للمشتري فيقرر الشافعية أنه يضمن المبيع في هذه الحالة بقيمته، لأنه إن فسخ البيع تعذر رد العين، فوجب رد القيمة، وإن أمضى العقد فقد هلك من ملكه فيجب عليه قيمته.

وقال المالكية : إن هلك المبيع بيد البائع، فلا خلاف في ضمانه إياه وينفسخ البيع. وإن كان هلك بيد المشتري فالحكم كالحكم في الرهن والعارية :

إن كان المبيع مما يغاب عليه "أي يمكن اخفاؤه" كالحلي والثياب، فيضمن المشتري للبائع الأكثر من ثمنه الذي بيع به، أو القيمة، لأن من حق البائع إمضاء البيع إن كان الثمن أكثر، ورد البيع إن كانت القيمة أكثر، إلا إذا ثبت الهلاك ببينة فلا يضمن المشتري.

وإن كان المبيع مما لا يغاب عليه "أي لا يمكن اخفاؤه" كالدور والعقارات فالبائع يضمنه، حيث لا يظهر كذب المشتري.

وقال الحنابلة : إن تلفت السلعة في مدة الخيار قبل القبض، وكان المبيع مكيلاً أو موزوناً انفسخ البيع، وضمنه البائع، ويبطل خيار المشتري.

وإن كان المبيع غير مكيل ولا موزون ولم يمنع البائع المشتري من قبضه، فظاهر المذهب أنه من ضمان المشتري، ويكون كتلفه بعد القبض.

وأما إن تلف المبيع بعد القبض في مدة الخيار، فهو من ضمان المشتري، ويبطل خياره. وأما خيار البائع ففيه روايتان :

إحداهما : يبطل كخيار الرد بالعيب إذا تلف المبيع، وهو اختيار الخرقي وأبي بكر.

والثانية : لا يبطل، وللبائع فسخ البيع، ومطالبة المشتري بالقيمة.

5- تعيب المبيع : فيه تفصيل أيضاً، لأن الخيار إما أن يكون للبائع أو للمشتري.

آ- فإن كان الخيار للبائع : فيسقط خياره إذا تعيب المبيع بآفة سماوية أو بفعل البائع، سواء أكان المبيع في يد البائع أم في يد المشتري، لأنه هلك بعض المبيع بلا بدل عنه، إذ لا يجب الضمان على البائع، لأن المبيع ملكه، فينفسخ البيع في هذا البعض، ولا يمكن بقاء العقد في الجزء الباقي، لما يترتب عليه من تفريق الصفقة على المشتري قبل تمام العقد، وهو لا يجوز.

فإذا تعيب المبيع بفعل المشتري، أو بفعل أجنبي لم يبطل البيع، ويبقى البائع على خياره لأنه يمكنه إجازة البيع فيما بقي وفيما نقص، لأن قدر النقصان انتقل إلى بدل عنه : وهو الضمان بالقيمة على المشتري أو الأجنبي لإتلافهما ملك الغير بغير إذن، فكان قدر النقصان قائماً معنى.

وإذا بقي البائع على خياره والمبيع في يد المشتري : فإما أن يجيز العقد أو يفسخ : فإن أجاز البيع، وجب على المشتري جميع الثمن، لأن البيع جاز في الكل، ولا يكون للمشتري خيار الرد بحدوث التغير في المبيع، لأنه حدث في يده وفي ضمانه.

غير أنه إذا كان التعييب بفعل المشتري، فلا سبيل له على أحد، لأنه ضمن القيمة بفعل نفسه، وإن كان بفعل الأجنبي فللمشتري أن يتبع الجاني بالأرش "أي الغرامة" لأنه بإجازة البيع ملك المبيع، من وقت البيع فحصلت الجناية على ملكه.

وإن فسخ البائع العقد ينظر :

إن كان التعييب بفعل المشتري : فإن البائع يأخذ الباقي، ويأخذ أرش الجناية من المشتري لأن المبيع كان مضموناً على المشتري بالقيمة، وقد عجز عن رد ما أتلفه بالجناية، فعليه رد قيمته.

وإن كان التعييب بفعل أجنبي : فالبائع بالخيار إن شاء اتبع الجاني بالأرش، لأن الجناية حصلت على ملكه، وإن شاء اتبع المشتري لأن الجناية حدثت في ضمان المشتري.

فإن اختار اتباع الأجنبي : فالأجنبي لا يرجع على أحد، لأنه ضمن القيمة بفعل نفسه، وإن اختار اتباع المشتري، فالمشتري يرجع بما ضمن من الأرض على الجاني، لأن المشتري بأداء الضمان قام مقام البائع في حق تملك بدل الشيء المجني عليه، وإن لم يقم مقامه في حق ملك نفس الشيء المجني عليه.

ب- وإن كان الخيار للمشتري : فيسقط خياره بالتعييب ولا ينفسخ البيع سواء حصل بآفة سماوية أو بفعل البائع، أو بفعل المشتري أو بفعل الأجنبي لأن في حالة الآفة السماوية واعتداء البائع حدث التعيب في المبيع في يد المشتري وفي ضمانه، فيلزمه رد قيمته. وأما في حالة اعتداء المشتري أو الأجنبي فلأنه تعذر رد المبيع، لأنه لا يمكن المشتري أن يرد جميع ما قبض كما قبض سليماً، وفي رد البعض تفريق للصفقة على البائع قبل تمام العقد.

وعلى هذا إذا حدث نقص في المبيع في يد المشتري كأن سقط حائط من دار بغير صنع أحد، يسقط الخيار بهذا النقصان لتعذر رد الشيء على صاحبه كما قبضه سليماً من أي نقص، ويتقرر على المشتري جميع الثمن لأن النقصان حصل في ضمانه.

المطلب الرابع- حكم العقد في مدة الخيار :

يقول الحنفية : لا ينعقد البيع بشرط الخيار في الحال في حق الحكم (أي نقل الملكية) بالنسبة لمن له الخيار من المتعاقدين، بل يكون موقوفاً إلى وقت سقوط الخيار : إما بإجازة البيع أو فسخه، فإن أجازه ظهر أن العقد كان قد انعقد حال وجوده أي قبل الإجازة متى كان موضوع العقد قابلاً له، وإن فسخه استمر على عدم انعقاده استصحاباً للحالة الأولى.

قال المالكية وفي رواية عن أحمد : للبائع ملك المبيع زمن الخيار، حتى ينقضي الخيار. وإمضاء البيع : معناه نقل المبيع من ملك البائع لملك المشتري، وليس تقريراً للملك. ودليلهم أن المبيع على ملك البائع، وأما المشتري فملكه غير تام لاحتمال رده. وعلى هذا : تكون غلة المبيع الحاصلة في زمن الخيار للبائع.

وقال الشافعية في الأظهر عندهم : إن كان الخيار المشروط للبائع فملك المبيع وتوابعه كلبن ومهر وثمر وكسب له. وإن كان الخيار للمشتري فيكون الملك له، لأنه إذا كان الخيار لأحدهما كان هو وحده متصرفاً في المبيع، ونفوذ التصرف دليل على الملك.

وإن كان الخيار للبائع والمشتري معاً، فالملك موقوف لأنه ليس أحد الجانبين أولى من الآخر، فيحصل التوقف، فإن تم البيع تبين أن الملك للمشتري من حين العقد، وإلا فللبائع، وكأنه لميخرج عن ملكه.

وقال الحنابلة في ظاهر المذهب : ينتقل الملك إلى المشتري في بيع الخيار بنفس العقد، ولا فرق بين كون الخيار لهما، أو لأحدهما أيهما كان. ودليلهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : "من باع عبداً وله مال، فماله للبائع، إلا أن يشترط المبتاع" وقوله عليه السلام : "من باع نخلاً بعد أن تؤبر، فثمرته للبائع إلا أن يشترطه المبتاع" رواه الموطأ فقد جعل الرسول عليه السلام المبيع للمبتاع (أي المشتري) بمجرد اشتراطه، وهو عام في كل بيع، ولأنه بيع صحيح، فنقل الملكية عقبه كالذي لا خيار له، ولأن البيع تمليك بدليل قوله : "ملكتك" فثبت به الملك كسائر البيوع.

المطلب الخامس- كيفية الفسخ والإجازة :

الفسخ والإجازة إما بطريق الضرورة أو بطريق القصد والاختيار :

أما الفسخ والاجازة بطريق الضرورة : فيصح من غير وجود الخصم وعلمه، كمضي مدة الخيار وهلاك المبيع ونقصانه، كما ذكرنا في طرق إسقاط الخيار.

وأما الفسخ والإجازة بطريق القصد : فقد اتفق الحنفية على أن صاحب الخيار يملك إجازة العقد بغير علم صاحبه، لأنه كان قد رضي بالبيع، وتوقف نفاذ البيع على رضا صاحب الخيار، فإذا رضي نفذ البيع، علم الآخر أو لم يعلم.

ولكن يشترط الرضا باللسان بأن يقول : أجزت هذا العقد أو رضيت به، فإذا رضي بقلبه فقط، فإنه لا يسقط خياره، لأن الأحكام الشرعية تتعلق بالأقوال والأفعال الظاهرة الدالة على القلوب.

وأما الفسخ : فإنه ينبغي أن يكون باللسان دون القلب، فإن فسخ بلسانه بعلم صاحبه، فيصح بالاتفاق بين علماء الحنفية، سواء رضي به الطرف الآخر أو أبى. وإن فسخ بغير علم صاحبه فلا يصح عند أبي حنيفة، سواء أكان الخيار للمشتري أم للبائع، ويكون الفسخ حينئذ موقوفاً : إن علم به صاحبه في مدة الخيار نفذ، وإن لم يعلم حتى مضت المدة لزم العقد، لأن الفسخ تصرف في حق الغير، لأن العقد تعلق به حق كل واحد من المتعاقدين، فلم يملك أحدهما فسخه بغير علم صاحبه، لما في ذلك من المضرة. فإن كان الخيار للبائع : فربما يتصرف المشتري بالمشترى اعتماداً منه على نفاذ البيع بسبب مضي المدة دون فسخ، فتلزمه غرامة القيمة بهلاك المبيع، وقد تكون القيمة أكثر من الثمن، وفي هذا ضرر.

وإذا كان الخيار للمشتري : فربما لا يطلب البائع لسلعته مشترياً آخراً اعتماداً على تمام البيع، وهذا ضرر أيضاً.

قال المالكية والشافعية والحنابلة : يصح لصاحب الخيار فسخ البيع في حضور صاحبه وفي غيبته، إذا أن صاحبه لما رضي لأخيه بالخيار، فكأنه أذن له في الفسخ متى شاء، فلا يحتاج إلى حضوره (أي علمه) عند الفسخ، ولأن الفسخ رفع للعقد، فلا يفتقر إلى رضا صاحبه، فلم يفتقر إلى حضوره كالطلاق.

13- خيار العيب :

المطلب الأول- في مشروعية خيار العيب وحكم العقد :

مشروعية خيار العيب : الأصل في مشروعية هذا الخيار أحاديث منها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "المسلم أخو المسلم، لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعاً، وفيه عيب إلا بينه له" رواه أحمد.

ومنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم مر برجل يبيع طعاماً، فأدخل يده فيه، فإذا هو مبلول، فقال : "من غشنا فليس منا" رواه مسلم.

حكم البيع :

حكم البيع لشيء معيب : هو ثبوت الملك للمشتري في المبيع للحال لأن ركن البيع مطلق عن الشرط، وإنما يثبت فيه دلالة شرط سلامة المبيع عن العيوب، فإذا لم تتوافر السلامة تأثر العقد في لزومه، لا في أصل حكمه، بخلاف خيار الشرط، لأن الشرط المنصوص عليه ورد على أصل الحكم، فمنع انعقاده بالنسبة للحكم في مدة الخيار.

وصفة حكم البيع لشيء معيب : هو أنه يفيد الملك غير لازم، لأن سلامة البدلين في عقد المعاوضة مطلوبة عادة، فكانت السلامة مشروطة في العقد دلالة أي ضمنا، فكانت كالمشروطة نصاً، فإذا لم تتحقق صفة السلامة في البدلين، كان للعاقد الخيار، فيكون العقد غير لازم.

المطلب الثاني- العيوب الموجبة للخيار :

العيب : هو كل ما يخلو عنه أصل الفطرة السليمة ويوجب نقصان الثمن في عرف التجار نقصاناً فاحشاً أو يسيراً كالعمى والعور والحول.

والعيوب نوعان :

أحدهما- ما يوجب نقصان جزء من المبيع أو تغييره من حيث الظاهر دون الباطن. ثانيهما- ما يوجب النقصان من حيث المعنى، دون الصورة.

أما الأول- فكثير نحو العمى، والعور، والحَوَل، والشلل، والزمانة (أي الأمراض المزمنة).

وأما الثاني- فنحو جماح الدابة، وبطء غير معتاد في سيارة ونحوها.

المطلب الثالث- طرق إثبات العيب وشروط ثبوت الخيار

شرائط ثبوت الخيار : يشترط لثبوت الخيار شرائط هي :

1- ثبوت العيب عند البيع أو بعده قبل التسليم، فلو حدث بعدئذ لا يثبت الخيار.

2- ثبوت العيب عند المشتري بعد قبضه المبيع، ولا يكتفى بالثبوت عند البائع لثبوت حق الرد في جميع العيوب عند عام المشايخ.

3- جهل المشتري بوجود العيب عند العقد والقبض، فإن كان عالماً به عند أحدهما فلا خيار له، لأنه يكون راضياً به دلالة.

4- عدم اشتراط البراءة عن العيب في البيع، فلو شرط فلا خيار للمشتري، لأنه إذا أبرأه فقد أسقط حق نفسه.

5- أن تكون السلامة من العيب غالبة في مثل المبيع المعيب.

6- ألا يزول العيب قبل الفسخ.

7- ألا يكون العيب طفيفاً مما يمكن إزالته دون مشقة، كالنجاسة في الثوب الذي لا يضره الغسل.

8- عدم اشتراط البراءة من العيب في البيع.

طرق إثبات العيب :

يختلف طريق إثبات العيب باختلاف العيب، والعيب أنواع :

إما عيب ظاهر مشاهد.

أو عيب باطن خفي لا يعرفه إلا المختصون.

أو عيب لا يطلع عليه إلا النساء.

1- فإن كان عيباً مشاهداً : فلا حاجة لتكليف القاضي للمشتري بإقامة البينة على وجود العيب عنده، لكونه ثابتاً بالعيان والمشاهدة، وللمشتري حق خصومة البائع، بسبب هذا العيب، وللقاضي حينئذ النظر في الأمر.

آ- وأما إذا كان العيب باطناً خفياً لا يعرفه إلا المختصون :

كالأطباء والبياطرة مثل وجع الكبد والطحال ونحوه، فإنه يثبت لممارسة حق الخصومة بشهادة رجلين مسلمين أو رجل مسلم عدل، وبعده يقول القاضي للبائع : "هل حدث عندك العيب المدعى به" فإن قال : "نعم" قضى عليه بالرد، وإن أنكر أقام المشتري البينة، فإن لم يكن له بينة استحلف البائع على الوجه السابق ذكره في العيب المشاهد. فإن حلف، لم يرد عليه، وإن نكل قضىعليه بالرد، إلا أن يدعي الرضا أو الإِبراء.

3- وإن كان العيب مما لا يطلع عليه إلا النساء : فيرجع القاضي إلى قول النساء، فيريهن العيب لقوله تعالى : { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل: 43] ولا يشترط العدد منهن، بل يكتفي بقول امرأة واحدة عدل، والثنتان أحوط، لأن قول المرأة فيما لا يطلع عليه الرجال حجة في الشرع، كشهادة القابلة في النسب.

المطلب الرابع- مقتضى الخيار وكيفية الفسخ والرد بالعيب :

مقتضى الخيار : يترتب على ظهور العيب في المبيع أن يكون المشتري مخيراً بين أمرين :

إما أن يمضي العقد، وفي هذه الحالة يلتزم بأداء الثمن كاملاً، أو يفسخ العقد، فيسترد الثمن إن كان قد دفعه، ويعفى من أدائه إن لم يكن قد أداه، وعليه أن يرد العين المعيبة إذا كان قد استلمها.

وقال الشافعية والحنابلة : إذا تعيب المبيع في يد البائع أو تلف بعضه بأمر سماوي، فيكون المشتري مخيراً بين قبوله ناقصاً بجميع الثمن، ولا شيء له، وبين فسخ العقد والرجوع بالثمن.

كيفية الفسخ والرد : المبيع لا يخلو من أحد حالين :

1- إما أن يكون في يد البائع، فينفسخ البيع بقول المشتري : "رددت" ولا يحتاج إلى قضاء القاضي، ولا إلى التراضي بالاتفاق بين الحنفية والشافعية.

2- وإما أن يكون في يد المشتري، فلا ينفسخ إلا بقضاء القاضي أو بالتراضي عند الحنفية، لأن الفسخ بعد القبض يكون على حسب العقد، لأنه يرفع العقد، وبما أن العقد لا ينعقد بأحد العاقدين فلا ينفسخ بأحدهما من غير رضا الآخر، ومن غير قضاء القاضي، بخلاف الفسخ قبل القبض، لأن الصفقة ليست تامة حينئذ، بل تمامها بالقبض، فكان بمنزلة القبض.

وعند الشافعي : ينفسخ العقد بقوله : "رددت" بغير حاجة إلى قضاء.

هل الفسخ بعد العلم بالعيب على الفور أم على التراخي ؟

قال الحنفية والحنابلة : خيار الرد بالعيب على التراخي، ولا يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم بالعيب على الفور، فمتى علم العيب فأخر الرد، لم يبطل خياره حتى يوجد منه ما يدل على الرضا، وإذا أعلن المشتري البائع بالعيب وخاصمه في رد المبيع، ثم ترك مخاصمته بعدئذ، ورجع إليها وطلب الرد، فإن له أن يرد مالم يمتنع الرد لمانع، لأنه خيار لدفع ضرر متحقق، فكان على التراخي كالقصاص، ولا نسلم دلالة الإِمساك على الرضا به.

وقال الشافعية : يشترط أن يكون رد المبيع بعد العلم بالعيب على الفور، فلو علم ثم أخر رده بلا عذر، سقط حقه في الرد، والمراد بالفور : مالا يعد تراخياً في العادة، فلو اشتغل بصلاة دخل وقتها، أو بأكل أو نحوه، فلا يكون تراخياً في العادة، فلا يمنع الرد، وكذا لو علم بالعيب، ثم تراخى لعذر كمرض أو خوف لص أو حيوان مفترس أو نحوه، فإن حقه لا يسقط، وإنما يكون له حق الرد بعد العلم بالعيب إذا لم يفعل ما يدل على الرضا، كاستعمال الحيوان ولبس الثوب أو نحوه.

المطلب الخامس- موانع الرد بالعيب وسقوط الخيار :

يمتنع الرد بالعيب ويسقط الخيار بعد ثبوته ويلزم البيع بأسباب، منها : ما يكون بعد ثبوت التزام البائع بضمان العيب. ومنها : مالا يكون البائع ملتزماً فيها بضمان العيوب من أول الأمر.

أما ما يكون بعد ثبوت التزام البائع بضمان العيب فهي :

1- الرضا بالعيب بعد العلم به : إما صراحة كأن يقول : رضيت بالعيب أو أجزت البيع، أو دلالة كالتصرف في المبيع تصرفاً يدل على الرضا بالعيب كصبغ الثوب أو قطعه، أو البناء على الأرض أو طحن الحنطة أو شيّ اللحم، أو بيع الشيء أو هبته أو رهنه ولو بلا تسليم أو استعماله بأي وجه كلبس الثوب وركوب الدابة أو مداواة المبيع ونحوها.

وذلك لأن حق الرد لفوات السلامة المشروطة في العقد ضمناً، ولمَّا رضي المشتري بالعيب بعد العلم به، دل على أنه ما شرط السلامة، ولأنه إذا رضي بالعيب فقد رضي بالضرر : وهو إسقاط ضمان العيب الذي يعوض به عن الجزء المعيب، وفي حالة العوض : إذا حصل التعويض، فكأن الجزء المعيب عاد سليماً معنىً، بقيامة بدله، وهذا في ظاهر الرواية، لأنه لما وصلت إليه قيمته، قامت القيمة مقام العين، فصار كأنه باعه.

2- إسقاط الخيار صراحة أو في معنى الصريح : مثل أن يقول المشتري : أسقطت الخيار أو أبطلته، أو ألزمت البيع أو أوجبته، وما يجري مجراه.

وأما ما يمنع الرد دون أن يكون البائع ملتزماً بالضمان من أول الأمر فهو ما يأتي :

1- المانع الطبيعي : وهو هلاك المبيع بآفة سماوية، أو بفعل المبيع، أو باستعمال المشتري كأكل الطعام، فيمتنع الرد في هذه الحالات لهلاك المبيع، ويثبت للمشتري حق الرجوع على البائع بنقصان العيب.

2- المانع الشرعي : وهو أن يحدث في المبيع قبل القبض زيادة متصلة غير متولدة من الأصل كصبغ الثوب والبناء على الأرض، أو يحدث بعد القبض زيادة متصلة غير متولدة أو زيادة منفصلة متولدة كالولد والثمرة. وأما بقية أنواع الزيادات فلا تمنع الرد.

وتفصيله ما يأتي :

الزيادة في المبيع : إما أن تحدث قبل القبض أو بعده، وكل منهما إما متصلة أو منفصلة.

فالزيادة الحادثة قبل القبض :

1- إذا كانت متصلة :

فإما أن تكون متولدة من الأصل كالحسن والجمال والكبر والسمن ونحوها، فلا تمنع الرد، لأنها تابعة للأصل حقيقة.

أو تكون غير متولدة كصبغ الثوب أو خياطته، وكالبناء أو الغرس على الأرض، فتمنع الرد، لأنها أصل قام بذاته، وليست تابعة، فلا يرد المبيع بدونها، لتعذر الرد، ولا يرد معها، لأنها ليست تابعة في البيع فلا تتبع في الفسخ.

2- وإن كانت منفصلة :

فإما أن تكون أيضاً متولدة من الأصل كالولد والثمرة واللبن، فلا تمنع الرد، فإن شاء المشتري ردهما جميعاً، وإن شاء رضي بهما بجميع الثمن.

أو تكون غير متولدة، كالكسب والصدقة والغلة، فلا تمنع الرد، لأنها ليست بمبيعة، وإنما هي مملوكة بملك الأصل.

وأما الزيادة الحادثة في المبيع بعد القبض (أي عند المشتري) :

1- إن كانت زيادة متصلة.

فإن كانت متولدة من الأصل كسمن الدابة، فلا تمنع الرد عند الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية، ويبقى حكم العيب معها على موجبه الأصلي : فإن رضي المشتري أن يردها مع الأصل ردها، وإن أبى وأراد أن يأخذ نقصان العيب، وأبى البائع إلا الرد ودفع جميع الثمن، فقال أبو حنيفة: ليس للبائع أن يأبى وللمشتري أخذ نقصان العيب منه، لأن الزيادة المتصلة بعد القبض تمنع الفسخ عندهما إذا لم يوجد الرضا من صاحب الزيادة.

وإن كانت غير متولدة : فإنها تمنع الرد بالاتفاق، لأن هذه الزيادة ملك للمشتري، فلا يحق للبائع عندئذ أخذها بلا مقابل، ويتعين الرجوع بنقصان العيب.

2- وإن كانت زيادة منفصلة : فإن كانت متولدة من الأصل كالولد والثمرة واللبن، فإنها تمنع الرد عند الحنفية، لأنها لو رد الأصل دونها تبقى للمشتري بلا مقابل، وهو ممنوع شرعاً، لأنه ربا.

وقال الشافعية والحنابلة : لا تمنع هذه الزيادة الرد، وهي للمشتري بعد القبض، لأنها حدثت في ملك المشتري، فلا تمنع الرد، كالزيادة غير المتولدة، ولما روي "أن رجلاً ابتاع من آخر غلاماً، فأقام عنده ما شاء الله، ثم وجد به عيباً، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فرده عليه، فقال : يا رسول الله، قد استغل غلامي، فقال : الخراج بالضمان" رواه أبو داود وأبن ماجه ومعناه أن فوائد المبيع للمشتري في مقابلة أنه لو تلف كان من ضمانه، وقيس الثمن على المبيع.

وإن كانت الزيادة غير متولدة كالكسب والصدقة، لم يمتنع الرد، ويرد الأصل على البائع، والزيادة للمشتري طيبة له، لأن هذه الزيادة ليست بمبيعة أصلاً، فأمكن فسخ العقد بدون الزيادة.

3- المانع بسبب حق البائع : وهو حدوث عيب جديد عند المشتري بعد قبضه، إذا كان المبيع معيباً بعيب قديم عند البائع، كأن انكسرت يد الدابة المبيعة عند المشتري، وظهر فيها مرض قديم كان عند البائع، لأن المبيع خرج عن ملك البائع معيباً بعيب واحد، فلو رد يرد بعيبين، فيتضرر البائع. وشرط الرد أن يرد على الوجه الذي أخذ، وإنما يكون للمشتري أن يرجع على بائعه بالنقصان. ولو زال العيب الحادث، كما لو شفيت الدابة المريضة، عاد الموجب الأصلي : وهو حق الرد.

4- المانع بسبب حتى الغير : كما لو أخرج المشتري المبيع عن ملكه بعقد من عقود التمليك كبيع أو هبة أو صلح، ثم اطلع على أنه كان معيباً بعيب قديم، فلا يمكن المشتري الأول أن يفسخ البيع بينه وبين بائعه، لأنه قد تعلق بالمبيع حق مالك جديد، أنشأنه المشتري نفسه.

5- إتلاف المشتري المبيع :

كما لو كان المبيع دابة فقتلها، أو ثوباً فمزقه ونحوه، ثم علم بوجود العيب القديم فيه، فيستقر عليه الثمن المسمى نهائياً دون رجوع بنقصان. والفرق بين هذا العيب وبين المانع بسبب حق الغير : أنه في الحالة الثانية يحتمل زوال المانع، فيعود حق الرد، وفي الحالة الأولى لا يحتمل زواله.

وإذا حصل في المبيع عيب عند المشتري، ثم اطلع على عيب كان عند البائع فله أن يرجع بالنقصان على البائع ولا يرد المبيع إلا أن يرى البائع أخذ المبيع بعينه فله أخذه. وتعتبر قيمة النقصان يوم البيع.

والخلاصة : أنه يجوز الرجوع على البائع للمطالبة بفرق نقصان العيب في حالات ثلاث : هي هلاك المبيع، وتعيبه بعيب جديد، وتغيير صورته بحيث أصبح له اسم جديد.

المطلب السادس- آراء الفقهاء في شرط البراءة عن العيوب :

اختلف الفقهاء فيما إذا شرط البائع براءته من ضمان العيب (أي عدم مسؤوليته عما يمكن أن يظهر من عيوب في المبيع)، فرضي المشتري بهذا الشرط، اعتماداً على السلامة الظاهرة ثم ظهر في المبيع عيب قديم.

فقال الحنفية : يصح البيع بشرط البراءة من كل عيب وإن لم تعين العيوب بتعداد أسمائها، سواء أكان جاهلاً وجود العيب في مبيعه فاشترط هذا الشرط احتياطاً، أم كان عالماً بعيب المبيع، فكتمه عن المشتري، واشترط البراءة من ضمان العيب ليحمي بهذا الشرط سوء نيته، فيصح البيع، لأن الإِبراء اسقاط، لا تمليك، والإسقاط لا تفضي الجهالة فيه إلى المنازعة، لعدم الحاجة إلى التسليم. ويشمل هذا الشرط كل عيب موجود قبل البيع أو حادث بعده قبل القبض، فلا يرد المبيع بالعيب حينئذ. وهذا في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، لأن غرض البائع إلزام العقد باسقاط المشتري حقه في وصف سلامة المبيع، ليلزم البيع على كل حال، ولا يتحقق هذا الغرض إلا بشمول العيب الحادث قبل التسليم، فكان داخلاً ضمناً.

وقال مالك والشافعي : يشمل شرط البراءة العيب الموجود عند العقد فقط، لا الحادث بعد العقد وقبل القبض، لأن البراءة تتناول الشيء الثابت الموجود، بسبب أن الإِبراء عن المعدوم لا يتصور، والحادث لم يكون موجوداً عند البيع، فلا يدخل تحت الإِبراء.

ويشمل هذا الشرط أيضاً كل عيب من العيوب الظاهرة والباطنة، لأن اسم العيب يقع على الكل.

وإذا خصص الإبراء عن بعض العيوب لم يشمل غيرها، كأن يبرئ من القروح أو الكي أو نحوها، لأنه أسقط حقه من نوع خاص.

هذا هو مذهب الحنفية في شرط البراءة عن العيوب عموماً.

وأما مذاهب غيرهم من حيث العلم بالعيب والجهل به فهي ما يلي :

قال المالكية : إن شرط البراءة عن العيوب يصح في كل عيب لا يعلم به البائع، أما ما يعلم به فلا تصح البراءة عنه.

وقال الشافعية : لو باع بشرط براءته من العيوب، فالأظهر أنه يبرأ عن كل عيب باطن بالحيوان خاصة، إذا لم يعلمه البائع، ولا يبرأ عن عيب بغير الحيوان، كالثياب والعقار مطلقاً، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان، علمه، أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان كان قد علمه. والمراد بالباطن : مالا يطلع عليه غالباً.

وينصرف الإِبراء إلى العيب الموجود عند العقد، لا الذي حدث قبل القبض ولو اختلف المتعاقدان في قدم العيب فيصدق البائع.

ولو شرط البائع البراءة عما يحدث من العيوب قبل القبض ولو مع الموجود منها، لم يصح الشرط في الأصح، لأنه اسقاط للشيء قبل ثبوته، كما لو أبرأ عن ثمن ما يبيعه له.

وأما الحنابلة فعندهم روايتان عن أحمد : رواية تقرر أنه لا يبرأ إلا أن يعلم المشتري بالعيب، ورواية كالمالكية : تقرر أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه، ولا يبرأ من عيب علمه.

واختار بعض الحنابلة أن من باع حيواناً أو غيره بالبراءة من كل عيب أو من عيب معين موجود : لم يبرأ، سواء علم به البائع أو لم يعلم.

Free Web Hosting