الشركات

- تعريف الشركة

- مشروعية الشركة

- حكمة تشريع الشركة

- أقسام الشركة

- شركة العنان:

- تعريف شركة العنان

- حكم شركة العنان

- شروط شركة العنان عند الحنفية

- حكم شركة العنان بالتبر والنقرة عند الحنفية

- حكم شركة العنان إذا كان رأس المال فلوساً

- حكم شركة العنان إذا كان رأس المال من المكيلات أو الموزونات أو العدديات المتقاربة

- جواز الشركة مع تساوى المالين والتفاوت في نسبة الربح

- جواز التساوي في الربح مع التفاوت في رأس المال

- كيف توزع الخسارة؟

- بيان ما يترتب على شركة العنان من آثار

- شروط شركة العنان عند الشافعية

- شروط شركة العنان عند الحنابلة

- شروط شركة العنان عند المالكية

- شركة المفاوضة:

- تعريف المفاوضة

- حكم المفاوضة

- أدلة الجمهور على بطلانها

- أدلة الحنفية على صحتها

- شروط صحة شركة المفاوضة عند الحنفية

- ما يترتب على شركة المفاوضة من الآثار

- شركة الأبدان:

- تعريف شركة الأبدان

- حكم شركة الأبدان

- أدلة جواز شركة الأبدان

- شروط صحة شركة الأبدان

- ما يترتب على شركة الأبدان من الآثار

- شركة الوجوه:

- تعريف شركة الوجوه

- حكم شركة الوجوه

- شروط صحة شركة الوجوه

- ما يترتب على شركة الوجوه من الآثار

- فساد عقد الشركة:

- فساد عقد الشركة عند الشافعية وما يترتب عليه

- فساد عقد الشركة عند الحنفية وما يترتب عليه

- شركة المضاربة (القِراض)

- تعريف شركة المضاربة

- مشروعية المضاربة ودليلها

- حكمة مشروعية المضاربة (القِراض)

- ركن المضاربة

- أنواع المضاربة

- شروط المضاربة:

1- شروط العاقدين

2- شروط رأس المال

3- شروط الربح

- يد المضارب

- ما ليس للمضارب فعله

- على من تكون الخسارة

- متى يملك العامل حصته من الربح

- ما يطرأ من النقص على رأس المال

- انتهاء عقد المضاربة

- الشركات الحديثة:

- شركة التضامن

- شركة التوصية البسيطة

- شركة المحاصة

- شركة المساهمة

- شركة التوصية بالأسهم

- شركة ذات المسؤولية المحددة

- شركات السيارات.

- شركة البهائم.

الشركات

1- تعريف الشركة لغة واصطلاحاً:

الشركة لغة : بكسر الشين وسكون الراء، أو بفتح الشين وكسر الراء وسكونها هي الاختلاط، سواء أكان بعقد أم بغير عقد، وسواء أكان في الأموال أم في غيرها، قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] وقال سبحانه خطاباً لإبليس: {وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَولادِ} [الإسراء: 64] وقال سبحانه على لسان موسى عليه السلام: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 32].

الشركة اصطلاحاً:

عرّف الحنابلة الشركة : هي الاجتماع في استحقاق أو تصرف. والذي يظهر من التعريف أن الشركة عندهم قسمان وهما الشركة في الاستحقاق، والشركة في التصرف.

وعرّف المالكية الشركة : هي إذن في التصرف لهما مع أنفسهما، أي أن يأذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في أن يتصرف في مال لهما مع بقاء حق التصرف لكل منهما.

وعرّف الشافعية الشركة : الشركة ثبوت الحق في شيء لاثنين فأكثر على جهة الشيوع هذا بمعناها العام، وأما الشركة بمعناها الخاص فقد عرفها الشافعية بأنها: العقد الذي يحدث بالاختيار بقصد التصرف وتحصيل الربح.

وعرّف الحنفية الشركة : هي عبارة عن عقد بين المتشاركين في الأصل والربح.

2- مشروعية الشركة:

قد ثبت جواز الشركة ومشروعيتها من حيث هي بالكتاب والسنة والإجماع.

أما القرآن الكريم : فقوله تعالى في ميراث الإخوة من الأم: { فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ } وقوله سبحانه في قصة داود مع الخصمين: { وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ } [ص: 24] والخلطاء الشركاء، وهذا وإن كان شرع من قبلنا، فإن شرع من قبلنا شرع لنا، إذا لم يأت في شريعتنا ما ينسخه. هذا عند جمهرة من العلماء.

وأما السنة :

1- فالحديث القدسي الذي أخرجه أبو داود والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما" ومعنى الحديث: أنا معهما بالحفظ والإعانة، فأمدهما بالمعونة في أموالهما، وأنزل البركة في تجارتهما، فإذا وقعت بينهما الخيانة رفعت البركة والإعانة عنهما، وهو معنى خرجت من بينهما.

2- خبر السائب بن أبي السائب صيفي بن عائذ المخزومي أنه كان شريك النبي صلى الله عليه وسلم قبل المبعث في التجارة، فلما جاء إليه يوم الفتح قال: مرحباً بأخي وشريكي، لا يداري ولا يماري - أي لا يخالف ولا ينازع -، وهذا من الرسول عليه الصلاة والسلام تقرير للشركة.

3- إقرار الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد بعث الرسول عليه الصلاة والسلام، وهاجر إلى المدينة، ووجد الناس يتعاملون بالشركة فأقرهم ولم ينههم. روي أن البراء بن عازب وزيد بن أرقم كانا شريكين، فاشتريا فضة بنقد ونسيئة، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهما أنّ ما كان بنقد فأجيزوه، وما كان نسيئة فردّوه"

الإجماع : فقد أجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة، وإنما اختلفوا في جواز أنواع منها كما سيأتي.

3- حكمة تشريع الشركة:

الحكمة من تشريع الشركة بوجه عام هو وجود الحاجة الماسة إليها، لذلك أجازها الإسلام سداً لهذه الحاجة، وتحقيقاً للتعاون البناء بين أفراد المجتمع، إذ من الناس من يكون عنده المال، ولكنه لم يوهب من الطاقة والقدرة ما يمكنه من أن يقوم وحده بإدارة أمواله وأعماله، إنه يحسن المساهمة في العمل، ولكنه لا يستطيع أن ينفرد به.

ومن الناس من يكون على العكس من ذلك، لديهم القدرة على الأعمال، ولكنهم ذوو مال قليل، أبطأت به قلة المال عن التسابق في ميدان الكسب.

فبالشركة يجد الفريق الأول من الناس من يعاونه، ويجد الفريق الثاني من يمده بالمال، ويتحقق من التعاون بين الفريقين المصلحة لهما، وبالشركة بينهما تتعاون القدرات والأموال في تنمية الموارد وتلبية الحاجات.

4- أقسام الشركة:

الشركة قسمان: شركة أملاك وشركة عقد

آ- شركة الملك:

هي أن يملك اثنان أو أكثر عيناً إرثاً، أو شراء أو اتهاباً أو وصية أو نحو ذلك.

وهذه الشركة منها ما يكون إجبارياً، وهو ما لا يكون بفعل الشريكين كالإرث، ومنها ما يكون اختيارياً. وهو ما يكون بفعل الشريكين كما في الشراء، وقبول الهدية والهبة والوصية.

وحكم هذه الشركة بنوعيها: هو أن، كل واحد من الشريكين أجنبي في نصيب وقسط صاحبه، فلا يجوز له أن يتصرف فيه إلا بإذنه، كما في مال غيره من الأجانب، إذ لا ولاية لأحدهما في نصيب الآخر.

ب- شركة العقد:

شركة العقد هذه هي المقصودة ببحث الشركة عند الفقهاء:

ذكر فقهاء الحنابلة لشركة العقد خمسة أنواع، وهي: شركة العنان، وشركة المفاوضة، وشركة الأبدان، وشركة الوجوه، وشركة المضاربة.

وذكر الحنفية لشركة العقد ستة أنواع، وهي شركة الأموال، وشركة الأعمال، وشركة الوجوه، وكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة إما مفاوضة أو عنان.

وذكر الشافعية والمالكية لشركة العقد أربعة أنواع، وهي: شركة العنان، وشركة المفاوضة، وشركة الأبدان، وشركة الوجوه.

شركة العنان

تعريف شركة العنان:

آ- هي أن يشترك شخصان في مال لهما على أن يتجرا به والربح بينهما: وشركة العنان هذه جائزة بإجماع الفقهاء : وإنما اختلفوا في بعض شروطها.

حكم شركة العنان، وشروطها عند الحنفية:

آ- حكم شركة العنان:

شركة العنان هذه جائزة عند جميع الفقهاء، وإن كانوا قد اختلفوا في بعض شروطها.

ب- شروط شركة العنان عند الحنفية:

اشترط الحنفية لصحة شركة العنان شروطاً هي كما يلي:

1- أن يكون المعقود عليه قابلاً للوكالة، لأن من حكم الشركة ثبوت الاشتراك في المستفاد بالتجارة، ولا يصير المستفاد مشتركاً بينهما إلا أن يكون كل واحد وكيلاً عن صاحبه في النصف، وأصيلاً في النصف الآخر، فصار كل واحد منهما وكيلاً عن صاحبه بمقتضى عقد الشركة. فلا تصح في مباح كاحتطاب واحتشاش واصطياد، فإن الملك في كل ذلك لمن باشر السبب.

2- أن يكون الربح معلوم القدر، بأن تكون حصة كل شريك من الربح نسبة معلومة منه، كخمسه أو عشره، فإن كان الربح مجهولاً فسدت الشركة، لأن الربح هو المعقود عليه، وجهالة المعقود عليه تستوجب فساد العقد.

3- أن يكون الربح جزءاً شائعاً في الجملة غير معين، فإن عينا ربحاً معيناً كعشرة أو مائة كانت الشركة فاسدة، لأن العقد يقتضي تحقق الاشتراك في الربح، ومن الجائز أن لا يحصل ربح إلا بالمقدار المعين لأحد الشريكين، فكان التعيين منافياً لمقتضى عقد الشركة.

وهذه الشروط الثلاثة تجري في شركات العقود جميعها.

4- أن يكون رأس مال الشركة عيناً حاضراً عند الشراء، فلا يجوز أن يكون رأس المال ديناً، ولا مالاً غائباً، لأن المقصود من الشركة الربح، وذلك بواسطة التصرف، والتصرف لا يمكن إلا بالعين الحاضرة، فلا يتحقق المقصود من الشركة في حال غياب المال، ولأن المدين قد لا يدفع الدين، وقد لا يستطيع الشريك إحضار المال الغائب.

وعلى هذا: لو دفع إنسان لآخر ألف دينار، وقال له: أخرج مثلها واشتر بها وبع، فما ربحت يكون بيننا مناصفة، فأخرج ألفاً واشترى بها وأقام البينة على ذلك جاز.

فالمهم هو حضور المال عند الشراء، ولا يشترط عند العقد، لأن الشركة تتم بالشراء، فيعتبر الحضور عند ذاك.

ولا يشترط خلط المالين لأنَّ الشركة تشتمل على الوكالة، فما جاز التوكيل به جازت الشركة فيه، والتوكيل جائز في المالين قبل الخلط، فكذا الشركة، قالوا: وإنما كان ما هلك قبل الاختلاط من نصيب صاحبه خاصة، لأن الشركة لا تتم إلا بالشراء، فما هلك قبله هلك قبل تمام الشركة، فلا تعتبر، حتى لو هلك بعد الشراء بأحدهما كان الهالك من المالين جميعاً، لأنه هلك بعد تمام العقد.

5- أن يكون رأس المال الشركة أثماناً مطلقة - وهي التي لا تتعين بالتعيين - وهي الدراهم والدنانير، ومثل الدنانير النقود المتداولة الآن، فلا تصح شركة العنان في العروض - وهي الأمتعة - واحتجوا على ذلك بأمرين.

الأول : أن الشركة في العروض تؤدي إلى جهالة الربح عند القسمة، لأن رأس المال يكون قيمة العروض لا عينها، والقيمة مجهولة لأنها تعرف بالحزر والظن، فيصير مجهولاً، فيؤدي إلى المنازعة عند القسمة وهذا المعنى لا يوجد في الدراهم والدنانير، لأن رأس المال عند القسمة في الدراهم والدنانير عينها، فلا يؤدي إلى جهالة الربح.

الثاني : أنه يؤول إلى ربح ما لا يضمن، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن. رواه الترمذي.

حكم الشركة بالتبر والنقرة عند الحنفية:

التبر: ما كان من الذهب غير مضروب.

النقرة: القطعة المذابة من الذهب والفضة.

لقد اشترط الحنفية أن يكون رأس المال أثماناً مطلقة، وبناء على ذلك هل يصح عندهم أن يكون رأس المال تبراً أو نقرة؟

اختلفت الرواية في ذلك، فبعضهم عدها سلعة تتعين بالتعين فلا يصح أن تكون رأس مال في الشركة. وبعضهم عدها كالأثمان المطلقة فيصح أن تكون رأس مال شركة.

والصحيح أنه إن جرى التعامل بها بين الناس جاز، وإلا فلا يجوز.

هل هناك طريقة لصحة الشركة فيما إذا كان أحدهما يملك نقداً والآخر عروضاً؟

ذكر الحنفية طريقة لصحة الشركة فيما إذا كان أحد الشريكين يملك نقداً، والآخر يملك عروضاً، وتلك الطريقة هي أن يبيع صاحب العروض نصف ما يملك من العروض بنصف نقد ما يملك صاحب النقد، فتصبح الشركة بينهما شركة ملك، ثم يعقدان بينهما عقد شركة العنان، فيصبحان شريكين.

ولقائل أن يقول: كيف صحت شركة العنان مع أن قسماً من المال كان عروضاً، والجواب على ذلك أنها صحت في النقد أصالة وفي العروض تبعاً، ورب شيء لا يصح بالأصالة ولكنه يصح بالتبع، كبيع الشرب تبعاً للأرض.

حكم الشركة إذا كان رأس المال فلوساً:

الفلوس: جمع فلس وهو قطعة مضروبة من النحاس يتعامل بها الناس، ومثلها ما يتعامل الناس به الآن، من النقود المصنوعة من غير النحاس من المعادن كالنيكل.

ذهب أحد أصحاب أبي حنيفة إن الفلوس الرائجة يصح أن تكون رأس مال للشركة، لأن الفلوس تروج رواج الأثمان فالتحقت بالنقود، فكانت من الأثمان المطلقة، ويبنى على جعلها أثماناً مطلقة مسألتين:

إحداهما: أنها لا تتعين بالتعيين.

ثانيهما: أنه لا يصح بيع الفلس بفلسين بأعيانها.

حكم الشركة إذا كان رأس المال من المكيلات أو الموزونات أو العدديات المتقاربة:

المكيلات: كالبر والشعير والعدس وما أشبه ذلك.

والموزونات: كالنحاس والحديد والرصاص وما أشبه ذلك.

والمعدودات المتقاربة: كالبيض والجوز وما أشبه ذلك.

فهذه الأشياء هل يصح أن تكون رأس مال للشركة؟

لقد اتفق فقهاء الحنفية في أمور واختلفوا في أمور:

اتفقوا : 1- على أنه لا تصح الشركة قبل خلط رأس المال بعضه مع بعض، لأنها إنما تتعين
بالتعيين إذا كانت عيناً فكانت كالعروض.

2- على أنه لا تصح الشركة بعد الخلط إذا كانت الأموال من جنسين مختلفين كبر
وشعير مثلاً، لأن الحنطة إذا خلطت بالشعير خرجت من أن تكون ثمناً بدليل
أن مستهلكها يضمن قيمتها لا مثلها.

واختلفوا : فيما إذا كانت من جنس واحد وخلط بعضها ببعض، وذهبوا إلى رأيين:

فذهب الرأي الأول إلى أنها لا تصح، وإنما تصير بهذا الخلط شركة ملك، ووجه قوله هو أنه متمش مع الأصل الذي بنى عليه الحنفية من أن هذه الأشياء ليست أثماناً على كل حال، بل تكون تارة ثمناً وتارة مبيعاً وأنها تتعين بالتعيين فكانت كالعروض.

وذهب الرأي الثاني إلى أن الشركة تصح بعد الخلط وتكون شركة عقد، لأن هذه الأشياء ثمن من وجه حتى جاز البيع بها ديناً في الذمة، ومبيع من وجه من حيث إنها تتعين بالتعين فعمل بالشبهين بالإضافة إلى الحالين، الخلط وعدمه، فلشبهما بالمبيع قلنا لا تجوز الشركة فيها قبل الخلط ولشبهها بالثمن قلنا تجوز الشركة فيها بعد الخلط.

والرأي الأول أوجه، لأنها تتعين بالتعيين قبل الخلط وبعده.

وبعد فهل من ثمرة عملية تترتب على هذا الخلاف؟

ذكر فقهاء الحنفية أن فائدة الخلاف بين الرأيين تظهر فيما إذا استويا في رأس المال واشترطا التفاوت في الربح.

فعند الرأي الأول يكون الربح بينهما على مقدار ماليهما لا على حسب ما اشترطا.

وعند الرأي الثاني يكون الربح بينهما على حسب ما شرطا.

جواز الشركة مع تساوي المالين والتفاوت في نسبة الربح:

إذا تساوى المالان في الشركة. وجعل لأحد الشريكين زيادة من الربح على رأس ماله فهل يصح ذلك؟

نقول في الجواب على هذا السؤال: إننا أمام صور ثلاث لذلك، بعضها يصح وبعضها لا يصح، وإليك بيان هذه الصور:

الصورة الأولى: إذا تساوى المالان وشرط الشريكان العمل عليهما جميعاً، ففي هذه الصورة يجوز شرط الزيادة، ويكون الربح بينهما على ما شرطا.

الصورة الثانية: إذا تساوى المالان وشرط الشريكان العمل على أحدهما، وكانت الزيادة للذي شرط عليه العمل.

ففي هذه الصورة يجوز شرط الزيادة أيضاً، ويكون الربح بينهما على ما شرطا.

الصورة الثالثة: إذا تساوى المالان، وشرط العمل على أحدهما، ولكن شرطت الزيادة في الربح للشريك الآخر.

ففي هذه الصورة لا يجوز ذلك.

وفي قول عند الحنفية إنه لا يجوز اشتراط زيادة في الربح على رأس المال.

جواز التساوي في الربح مع التفاوت في رأس المال:

أ- فإذا كان المالان متفاوتين وشرطا العمل على كل منهما جاز ذلك، ويكون الأمر على ما شرطا، لأن هذه الزيادة قد يستحقها بزيادة في العمل.

ب- وإن شرطا العمل على من كان رأس ماله أقل، جاز أيضاً عندهم، لأنه استحق الزيادة بعمله.

جـ- وإن شرطا العمل على من كان رأس ماله أكثر، فلا يجوز، لأن زيادة الربح في حق صاحب الأقل لا يقابلها مال ولا عمل ولا ضمان.

كيف توزع الخسارة؟ :

توزع الخسارة بين الشركاء على حسب رأس المال، دون نظر إلى مقدار عملهم فيها، أو شرطهم، إذا كان هناك شرط مخالف لذلك، وذلك لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الربح على ما شرطا والوضيعة على قدر المالين".

بيان ما يترتب على شركة العنان من آثار:

إذا وقعت شركة العنان مستوفية شروطها ترتب عليها الأمور التالية:

1- تطلق يد الشركاء في مال الشركة بموجب الوكالة، ويجب عليهم العمل على حسب اتفاقهم.

2- إذا اشترى أحدهم للشركة شيئاً نفذ عليهم جميعاً لقيام الوكالة، إلا أن البائع لا يطالب غير المشتري من الشركاء، لخلو العقد عن الكفالة، ويقبل من الشريك هذا الشراء، سواء أكان نقداً أو نسيئة، بثمن المثل أو بغبن يسير، ما دام ذلك من عادات التجار.

وكذلك كل ما كان من عادات التجار فإنه يباح لهم، كالتوكيل بالبيع والرهن والمضاربة.

3- يوزع الربح بين الشركاء على حسب شرطهم في العقد، دون نظر إلى مقدار رأس مالهم.

4- توزع الخسارة بين الشركاء بحسب رأس المال كما سبق ذكره.

5- إذا هلك مال الشركة كله بطلت الشركة لفقدان محلها، كالبيع إذا هلك فيه المبيع.

أما إذا هلك مال أحد الشريكين فقط، فإن كان ذلك بعد خلط مال الشريكين أو بعد الشراء بهما فإنها لا تبطل، ويعتبر القسم الهالك مضموناً على الشركة. وإن كان هلاكه قبل الشراء أو قبل الخلط، كان الهالك مضموناً على صاحبه خاصة، ثم إن كان المال الثاني لم يشتر به للشركة بطلت الشركة، وإن كان قد اشترى به قبل هلاك الأول، كان المشترى شركة، ويرجع صاحب المال على شريكه، بمقدار حصته في الشركة.

وإن كان قد اشترى به بعد هلاك المال الأول، فإن كان العاقدان صرحا في عقد الشركة بالوكالة، كان المشترى شركة بينهما على ما شرطا في أصل المال، وإن لم يكونا قد صرحا بالوكالة في عقد الشركة كان المشترى لصاحب المال الباقي خاصة.

شروط شركة العنان عند الشافعية:

لقد اشترط الشافعية لصحة شركة العنان شروطاً هي:

1- أن يكون هناك صيغة: وهي لفظ يدل على الإذن بالتصرف، من كلّ منهما للآخر، فلا يكفي الاقتصار على قولهم اشتركنا على الأصح، لاحتمال كون ذلك إخباراً عن حصول الشركة في المال، ولا يلزم من حصولها جواز التصرف بدليل المال الموروث، فإنه تقع فيه الشركة، ولا يقع فيه جواز التصرف، وعلى ذلك لا يصح لكل واحد من الشريكين أن يتصرف إلا في نصيبه.

والقول الثاني عند الشافعية أن يكفى ذلك لفهم المقصود منه عرفاً.

2- أن يكون كل من العاقدين أهلاً للتوكيل: لأن كل واحد منهما يتصرف في ماله بالملك، وفي مال الآخر بالإذن، فكل منهما موكِّل وموكِّل.

3- أن يكون المال مثلياً: كالدراهم والدنانير والبر والشعير والحديد وما أشبه ذلك. فلا تصح بمتقوِّم كالثياب وما أشبهها. ووجه الصحة فيما عدا النقدين من المثليات أنه إذا اختلط بجنسه ارتفع التمييز بينهما فأشبه النقدين.

ووجه عدم الصحة في المتقوّمات أنها أعيان متميزة فلا يمكن الخلط، وحينئذ فقد يتلف مال أحدهما أو ينقص فلا يمكن قسمة الآخر بينهما.

وهل التبر من المثلي أو المتقوم؟ الصحيح أنه من المثلي فيجوز أن يكون رأس مال للشركة.

وهناك قول عند الشافعية أنها لا تصح الشركة إلا بالنقد المضروب الخالص من الدراهم والدنانير.

4- خلط المالين بحيث لا يتميزان: ولابدّ من كون الخلط قبل العقد، فإن وقع بعد العقد ولو في المجلس لم يكف. وتكون الشركة فاسدة.

وعلى هذا لا يكفي الخلط مع اختلاف الجنس كدراهم بدنانير، أو الصفة كدنانير صحيحة ومكسرة، وحنطة جديدة وحنطة قديمة أو بيضاء وسوداء، لإمكان التمييز بين المالين. وإن كان يعسر التمييز في بعضها.

واشتراط الخلط مشروط إذا أخرجا مالين وعقدا عليهما، فإن ملكا مالاً مشتركاً مما تصح فيه الشركة أو مما لا تصح فيه الشركة كالعروض، إن ملكا ذلك بإرث أو شراء أو غيرهما وإذن كل منهما للآخر بالتجارة فيه تمت الشركة، لأن المقصود من الخلط حاصل وهو عدم التمييز.

ومن هنا يذكر الشافعية حيلة لصحة جريان الشركة في العروض، وهي أن يبيع كل واحد منهما بعض عرضه ببعض عرض الآخر ويأذن له في التصرف.

5- أن يكون الربح والخسران على قدر المالين: سواء تساويا في العمل أم تفاوتا، لأن الربح ثمرة المالين، فكان الربح على قدرهما، كما لو كان بينهما شجرة فأثمرت أو شاة فأنتجت.

والعبرة في المال بالقيمة لا بالأجزاء، فلو خلطا قفيزاً من حنطة متقوماً بمائة، بقفيز من حنطة متقوم بخمسين، فقسمة الربح بينهما تكون ثلثين للأول، وثلثاً للثاني. وكذلك الخسران.

فإن شرطا خلاف ذلك بأن اشترطا التساوي في الربح أو الخسران مع تفاوت المال، أو شرطا التفاوت في الربح أو الخسران مع التساوي في قيمة المال فسد العقد، ويرجع كل منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله، كشركة المضاربة إذا فسدت، وتنفذ التصرفات منهما لوجود الإذن، ويكون الربح على قدر المالين.

شروط شركة العنان عند الحنابلة:

اشترط الحنابلة لصحة شركة العنان ما يلي:

1- أن يكون كل من العاقدين أهلاً للتوكيل، لأن شركة العنان مبنية على الوكالة والأمانة، لأن كل واحد منهما بدفع المال إلى صاحبه أمّنه، وبإذنه له في التصرف وكّله.

2- أن يأذن كل واحد لصاحبه في التصرف، فإن أذن له مطلقاً في جميع التجارات تصرف فيها، وإن عين له جنساً أو نوعاً أو بلداً تصرف فيه دون غيره، لأنه متصرف بالإذن، فيتعين في حقه كالوكيل.

3- أن يكون رأس المال الدراهم والدنانير، لأنها قيم الأشياء وأثمان البياعات، وعلى هذا الشرط لا يصح أن يكون رأس مال الشركة واحداً مما يلي:

أ- عروض التجارة: فلا تجوز الشركة فيها في ظاهر المذهب، وعللوا ذلك بأن الشركة في العروض إما أن تقع على أعيانها أو قيمتها أو أثمانها.

لا يجوز وقوعها على أعيانها لأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله، وهذه لا مثل لها فيرجع إليه، وقد تزيد قيمة جنس أحدهما دون الآخر، فيستوعب بذلك جميع الربح أو جميع رأس المال، وقد تنقص قيمته فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.

ولا يجوز وقوعها على قيمتها، لأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع، وقد يقوَّم الشيء بأكثر من قيمته، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه، فيشاركه الآخر في العين المملوكة له.

ولا يجوز وقوعها على أثمانها، لأنها معدومة حال العقد ولا يملكانها، ولأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج الثمن عن ملكه وصار ملكاً للبائع وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط - وهو بيع الأعيان - ولا يجوز ذلك.

هذا وهناك رواية عن أحمد بجواز جعل العروض رأس مال للشركة، وتجعل قيمتها وقت العقد رأس مال.

ب- لا تصح الشركة بالنقرة، لأن قيمتها تزيد وتنقص، فحكمها حكم العروض.

جـ- لا تصح الشركة بالفلوس، وحكمها في الخلاف كحكم العروض، فإذا قلنا بجوازها فلا فرق أن تكون نافقة أو غير نافقة، فإن كانت نافقة كان رأس المال مثلها، وإن كانت كاسدة كانت قيمتها كالعروض.

د- لا تصح الشركة بالمغشوش من الدراهم والدنانير، لأن قيمتها تزيد وتنقص، اللهم إلا إذا كان الغش قليلاً جداً لمصلحة فلا يضر.

4- أن يكون رأس المال معلوماً: فلا يجوز أن يكون رأس مال الشركة مجهولاً أو جزافاً، لأنه لابدّ من الرجوع به عند الرجوع عند المفاصلة، ولا يمكن الرجوع مع الجهل والجزاف.

5- أن يكون رأس المال حاضراً: فلا يجوز بمال غائب ولا دين، لأنه لا يمكن التصرف فيه بالحال، وهو مقصود الشركة.

هذا ومن خلال ما تقدم من الشروط نستفيد الأمور التالية:

1- لا يشترط لصحتها اتفاق المالين في الجنس، ومن أجل ذلك لا يشترط خلط المالين، خلافاً ما ذهب إليه الشافعية، لأنهما من جنس الأثمان، فتصح الشركة فيهما كالجنس الواحد.

2- لا يشترط تساوي المالين في القدر، بل يجوز تفاوتهما.

3- يجوز أن يجعلا الربح على قدر المالين، ويجوز أن يتساويا في الربح مع تفاضلهما في المال، ويجوز أن يتفاضلا في الربح مع تساويهما في المال. وإلى هذا ذهب الحنفية كما مر، خلافاً للشافعي ومالك.

شروط شركة العنان عند المالكية:

اشترط المالكية لصحة شركة العنان ما يلي:

1- أن يكون كل من الشريكين أهلاً للتوكيل والتوكّل، وذلك بأن يكون حراً بالغاً رشيداً.

2- أن يكون هناك ما يدل على الشركة عرفاً من قول أو فعل، كأن يقول كل منهما اشتركنا أو يقوله أحدهما ويسكت الآخر، أو يقول شاركني ويرضى الآخر.

3- إذا كان رأس مال أحدهما ذهباً أو وَرِقاً اشترط في رأس مال الآخر أن يكون كذلك، فلا تصح الشركة على ذهب من أحدهما وورق من الآخر، ويشترط أيضاً بالإضافة إلى ذلك اتفاقهما في الصرف وفي الوزن، وفي الجودة أو الرداءة، وإنما شرط ذلك لتركيب هذه الشركة من البيع والوكالة.

4- أن يأذن كل واحد للآخر بالتصرف، وأن تطلق يد كل واحد منهما فيه، وذلك بأن تكون أيديهما عليه بأن يجعلاه في حانوت لهما، أو في يد وكيلهما.

5- أن يكون ربح كل منهما على مقدار رأس ماله، فلا يجوز اختلافهما في الربح مع تساويهما في رأس المال.

هذا ويستفاد من هذه الشروط الأمور التالية:

أولاً: تصح الشركة بعين من أحدهما وبعرض من الآخر.

ثانياً: تصح الشركة بعرضين، من كل واحد منهما عرض. مطلقاً سواء اتفقا في الجنس أو اختلفا، وتعتبر الشركة بقيمة العرض يوم أحضر للاشتراك.

ثالثاً: لا يصح أن يكون رأس مال كل منهما طعاماً، ولو اتفقا نوعاً وصفة وقدراً، لأنه يؤدي إلى بيع الطعام قبل قبضه، وذلك لأن كل واحد منهما باع نصف طعامه بنصف طعام الآخر، ولم يحصل قبض لبقاء يد كل واحد منهما على ما باع، فإذا باع لأجنبي كان كل واحد منهما بائعاً لما اشتراه قبل قبضه من بائعه.

رابعاً: لا يشترط خلط المالين، بل يكفي اشتراط التصرف في المال، كما أسلفنا.

Free Web Hosting