شركة المفاوضة

تعريف المفاوضة:

المفاوضة في اللغة: المساواة:

وسميت الشركة مفاوضة لاعتبار المساواة في رأس المال والربح وغير ذلك.

وقيل: هي مشتقة من التفويض، لأن كل واحد منهما يفوض أمر الشركة في مالٍ صاحبه على الإطلاق تصرفاً كاملاً.

المفاوضة في اصطلاح الفقهاء : أن يتعاقد اثنان فأكثر على أن يشتركا في مالٍ على عمل بشروط مخصوصة.

حكم المفاوضة وأدلة الجمهور على بطلانها:

آ- حكمها:

ذهب الحنفية إلى صحة شركة المفاوضة عندما تستجمع شرائطها.

وذهب الجمهور إلى عدم صحتها بمفهومها عند الحنفية.

ب- أدلة الجمهور:

استدل الجمهور لبطلانها بما يلي:

1- أنها تتضمن الكفالة إلى جانب الوكالة، وكل واحد منهما عند انفراده لا يجوز، فبالأولى أن لا يجوز عند اجتماعهما، بيان ذلك أن شركة المفاوضة تضمنت الوكالة والكفالة، والوكالة بمجهول الجنس لا تجوز، ألا ترى أنه لو قال: وكلتك بالشراء أو بشراء الثوب لا تصح الوكالة؟ والكفالة بمجهول لا تصح أيضاً.

2- أنها عقد لم يرد الشرع بمثله فلم يصح، ولأن فيه غرراً، فلم يصح كبيع الغرر، وبيان غرره أنه يلزم كل واحد منهما ما يلزم الآخر، وقد يلزمه شيء لا يقدر على القيام به، وقد أدخلا فيه الأكساب النادرة.

ومن هنا قال الشافعي رضي الله عنه: "إن لم تكن شركة المفاوضة باطلة فلا باطل أعرفه في الدنيا" أشار إلى كثرة الغرر والجهالات فيها.

أدلة الحنفية على صحتها:

استدل الحنفية على صحة شركة المفاوضة بما يلي:

1- الحديث: فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "فاوضوا فإنه أعظم بركة" وقال: "إذا تفاوضتم فأحسنوا المفاوضة".

2- أن المفاوضة عقد يتضمن أمرين مشروعين هما الوكالة والكفالة فتصح لذلك، وما فيها من الجهالة مغتفر، لأنها تثبت تبعاً، والتصرف قد يصح تبعاً ولا يصح مقصوداً كما في شركة المضاربة، فإنها تتضمن الوكالة بشراء مجهول الجنس، وكذلك شركة العنان فإنها تشتمل على الوكالة العامة، وإن كان لا يصح هذا التوكيل حالة الانفراد.

3- تعامل المسلمين بها من غير نكير، فكان ذلك دليلاً على جوازها.

شروط صحة شركة المفاوضة عند الحنفية:

لصحة شركة المفاوضة شروط، منها الشروط الثلاثة الأولى التي مرت في شركة العنان وهي:

1- أهلية الوكلة في كل من العاقدين

2- أن يكون الربح معلوم القدر

3- أن يكون الربح جزءاً شائعاً

وهذه الشروط عامة في كل شركة.

ويضاف إلى هذه الشروط الشروط التالية، وهي الشروط الخاصة بشركة المفاوضة وهي:

1- أهلية الكفالة في العاقدين. وذلك بأن يكونا حرين بالغين عاقلين راشدين غير محجور عليهما.

2- أن يكون رأس المال من النقدين: وهما المضروب من الذهب والفضة خاصة، وأما حصولها بالفلوس والتبر والنقرة ففيها ما مرّ في شركة العنان.

3- أن يتساوى الشريكان في مالهما الذي تصح به الشركة، فإذا كان المالان متفاضلين لم تصح مفاوضة، لأن المفاوضة تنبئ عن المساواة، فلا بدّ من اعتبار المساواة فيها ما أمكن، والمساواة في القدر باتفاق، وفي القيمة على المشهور، فلو كانا متساويين في القدر، ولكنهما مختلفان في القيمة، كأن كان أحدهما دنانير صحاصاً، والآخر مكسرة، واختلفت القيمة لم يصح على المشهور.

4- أن يتساوى الشريكان في الربح: فلو شرط أحدهما لنفسه زيادة من الربح لم تصح مفاوضة، وقد تصح عناناً.

5- أن تكون المفاوضة في جميع التجارات، فلا يختص أحد الشريكين بتجارة دون شريكه، لأن في الاختصاص إبطالاً لمعنى المفاوضة وهي المساواة.

6- أن يتساوى الشريكان في حق التصرف في أموالهما عامة: فلا تصح مفاوضة بين عبد وحرّ، ولو كان العبد مكاتباً أو مأذوناً، لأن المكاتب قد يعجز عن أداء بدل الكتابة، فيعود عبداً فاقداً للذمة والمأذون محدود التصرف بالإذن لا يتعداه، أما الحرّ فمطلق التصرف.

ولا تصح كذلك بين مسلم وغير مسلم، لأنهما مختلفان في حق التصرف، إذ إن غير المسلم يصح منه شراء الخمر، دون المسلم، وأجازها أبو يوسف مع الكراهة، لاستوائهما في أهلية الوكالة والكفالة.

7- أن لا يكون لأحد المتفاوضين مال مما تصح فيه الشركة ولا يدخل في الشركة، فإن كان لم تكن مفاوضة، لأن ذلك يمنع المساواة. وإن تفاضلا في الأموال التي لا تصح فيها الشركة كالعروض والعقار والدين جازت المفاوضة، وكذا المال الغائب لأن مالاً تنعقد عليه الشركة كان وجوده وعدمه سواء، وكان التفاضل فيه كالتفاضل في الزوجات والأولاد.

8- أن تكون الشركة بلفظ المفاوضة: لأن للمفاوضة شرائط لا يجمعها إلا لفظ المفاوضة ويقوم مقام لفظ المفاوضة ذكر جميع أحكامها وشروطها.

هذا ولا بدّ من البيان هنا أنه إذا فقد شرط من شروط المفاوضة انعقدت شركة عنان.

ما يترتب على شركة المفاوضة من الآثار:

إذا تمت المفاوضة مستوفية شرائطها جميعها نتج عنها حكمها، ويتلخص في الأمور التالية:

1- تطلق يد الشركاء جميعاً في مال الشركة على حد سواء، ويكن كل ما اشتراه أحد الشركاء مشتركاً بين الجميع، إلا طعام أهله وكسوتهم، وكذلك كل ما كان من حوائجه الخاصة، كاستئجار دار للسكن وشرائها لذلك، وما أشبه ذلك.

2- كل ما ينشأ عن تصرفات أحدهم فيما يخص الشركة من دين أو ضمان غصب، أو كفالة بمال أو غير ذلك، فإنه يلزم الآخرين بموجب عقد الشركة.

3- كل ما تحصل من ربح في الشركة يكون بين الشركاء بالتساوي، وكذلك الخسارة.

4- إذا حصل أحد الشركاء على مال من خارج الشركة مما تصح به الشركة، بطريق هبة أو إرث أو غير ذلك فقد فسدت شركة المفاوضة وانقلبت عناناً لاختلال أحد شروطها كما مرّ، لأن شرط التساوي في الأموال شرط صحة في الابتداء والبقاء على حد سواء.

5- إذا هلك مال الشركة جميعه بطلت الشركة.

شركة الأبدان

تعريف شركة الأبدان :

هي أن يعقد اثنان أو أكثر على أن يشتركا في تقبل أعمال معينة والقيام بها، على أن يكون ما يدخل عليهما من ربح بسببها مشتركاً بينهما.

وتسمى هذه شركة الأعمال والتقبل والصنائع.

حكم شركة الأبدان :

ذهبت الحنفية والمالكية والحنابلة إلى جوازها، إلا أن المالكية يشترطون في صحة هذه الشركة اتحاد الصنعة في الشركاء، فلا تجوز بين مختلفي الصنائع، إلا أن تكون إحداهما تسلتزم الأخرى، بأن يتوقف عمل أحدهما على عمل الآخر كغزال ونساج، فيجوز.

ويشترطون لها أيضاً اتفاق المكان الذي يعملان فيه، فإن كان الشريكان في موضعين لم يجز.

ويرى الحنابلة جواز هذه الشركة حتى في المباحات كالاحتطاب والاحتشاش ونحوهما.

ويرى الحنفية جوازها فيما تصح فيه الوكالة، فلا تصح في المباحات لأنها لا تصح الوكالة فيها فإنها تملك بالاستيلاء.

وذهب الشافعية إلى أنها باطلة، لأن الشركة عندهم تختص بالأموال لا بالأعمال، لأن العمل لا ينضبط فكان فيه غرر، إذ لا يدري أحدهما أن صاحبه يكسب أم لا، ولأن كل واحد متميز عن الآخر ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده، كما لو اشتركا في الاحتطاب والاحتشاش والاصطياد وسائر المباحات. وكما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة، ويكون الدر والنسل بينهما.

أدلة جواز شركة الأبدان:

استدل من يقول بجواز شركة الأبدان بالجملة بأدلة:

1- ما روي عن ابن مسعود أنه قال: "اشتركت أنا وعمار وسعد يوم بدر، فأصاب سعد أسيرين ولم أصب أنا وعمار شيئاً، فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم علينا". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.

2- الإجماع: وهو أن الناس كانوا يتعاملون بها في سائر الأعصار من غير نكير عليهم من أحد وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تجتمع أمتي على ضلالة".

3- القياس: فلقد قاسوا هذه الشركة على المضاربة وقالوا: إن العمل أحد جهتي المضاربة فصحت الشركة عليه كالمال.

4- المعقول: وهو أن شركة الأموال شرعت لتنمية المال، وشركة الأعمال شرعت لتحصيل أصل المال. والحاجة إلى تحصيل أصل المال فوق الحاجة إلى تنميته، فلما شرعت لتحصيل الوصف كانت مشروعيتها لتحصيل الأصل أولى.

شروط صحة شركة الأبدان:

شركة الأبدان "الأعمال" عند الحنفية إما أن تكون شركة مفاوضة وإما أن تكون شركة عنان، ولكلّ من هذين النوعين شروط تخصه:

أ- شروط شركة المفاوضة في الأبدان.

إذا كانت شركة الأبدان شركة مفاوضة اشترط لصحتها كل ما يشترط في شركة المفاوضة، ما عدا ما يخص الأموال، لأنه ليس فيها أموال، فيشترط فيها أهلية الكفالة والوكالة، وأن يتساويا في حق التصرف، وأن يتساويا في الربح والخسارة وأن تكون بلفظ المفاوضة أو ما يقوم مقامه.

ب- شروط شركة العنان في الأبدان:

إذا كانت شركة الأبدان شركة عنان فإنه يشترط فيها ما يشترط في شركة العنان سوى ما يتصل بالأموال أيضاً، فيشترط فيها الوكالة ليس غير، وعلى هذا فكل مفاوضة في شركة الأبدان فسدت لفقد بعض شروطها تنقلب عناناً. ويشترط بالإضافة لما ذكر سواء أكانت مفاوضة أم عناناً أن يكون العمل الذي يقوم به الشركاء من الأعمال التي تصح الإجارة عليها، وذلك كتقبل الخياطة والصباغة، وتعليم الكتابة والفقه وما أشبه ذلك، دون الغناء والموسيقى والشهادة لدى القاضي، فإنها لا تصح الإجارة عليها.

ما يترتب على شركة الأبدان من آثار:

إذا وقعت شركة الأبدان صحيحة ترتب عليها الأحكام التالية:

1- أن كل ما يحصل عليه أحد الشركاء من ربح نتيجة عمله بعد عقد الشركة فهو بين الشركاء إن كانت شركة مفاوضة وكذلك الخسارة، وإن كانت شركة عنان فالربح بينهما على حسب الاتفاق من مساواة أو تفاضل، والخسارة بالتساوي.

2- لكل من الشركاء أن يتقبل الأعمال، وكل ما يتقبله أحد الشركاء من عمل يكلف به الشركاء جميعاً، ويطالبون به جميعاً، لأنه يتقبله عن نفسه بالأصالة وعن شريكه بالوكالة فيجب عليهما.

3- يجوز لأي من الشركاء مطالبة صاحب السلعة بالأجر، ولو لم يكن هو المتقبل منه.

4- إذا دفع المستأجر الأجرة إلى أي من الشركاء جاز وبرئت ذمته، ولو لم يكن هو الصانع له.

شركة الوجوه

تعريف شركة الوجوه:

هي أن يشترك وجيهان عند الناس أو أكثر من غير أن يكون لهما رأس مال على أن يشتريا مالاً بالنسيئة "بمؤجل" ويبيعاه، ثم يوفون ثمنها لأصحابها، وما فضل عن ذلك من ربح يكون مشاعاً بينهما.

وسميت بشركة الوجوه أخذاً من الوجاهة، لأنه لا يشتري بالنسيئة إلا من له وجاهة عند الناس، وقيل لأنهما يشتريان من الوجه الذي لا يعرف، ويقال لها أيضاً شركة المفاليس، لانعدام رأس المال فيها. وتعرف هذه الشركة أيضاً بالشركة على الذمم من غير صنعة ولا مال.

حكم شركة الوجوه:

اختلف الفقهاء في صحة هذه الشركة.

فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنها شركة جائزة، ودليلهم في ذلك بعض ما ورد من الأدلة في شركة الأبدان.

وذهب الشافعي ومالك إلى بطلان هذه الشركة، لأن الشركة إنما تتعلق على المال أو العمل، وكلاهما معدومان في هذه المسألة، مع ما في ذلك من الغرر لأن كل واحد منهما عاوض صاحبه بكسب غير محدود بصناعة ولا عمل مخصوص.

شروك صحة شركة الوجوه عند من يقول بها:

شركة الوجوه على نوعين كشركة الأبدان: مفاوضة وعنان فيشترط فيهما ما يشترط في شركة الأبدان بنوعيها.

ما يترتب على شركة الوجوه من آثار:

إذا كانت شركة الوجوه مفاوضة ترتب عليها ما يترتب على شركة المفاوضة في الأبدان وإن كانت شركة عنان صح تفاوت الشريكين في حصتهما من الشيء المشتري، وأما استحقاق الربح فيكون بينهما على قدر الحصة في الملك، ولا يجوز أن يزيد أحدهما على ربح حصته شيئاً. لأن استحقاق الربح في شركة الوجوه بالضمان والضمان بقدر الملك في المشترى.

فساد عقد الشركة

فساد عقد الشركة عند الشافعية وما يترتب عليه:

بما أن الشافعية لا يصح عندهم من الشركات الأربع إلا شركة العنان بشروطها المذكورة - فشركة العنان نفسها عندهم إما أن تكون صحيحة - وهي الشركة التي استوفت جميع شروطها - وإما أن تكون فاسدة - وهي ما اختل فيها شرط من شروط الصحة -.

وإذا حكمنا على الشركة بأنها فاسدة لنقصان شرط من شروط صحتها ترتب على ذلك الأمور التالية:

أولاً: يقسم الربح على حسب مقدار المالين، لأنه مستفاد منهما وقد أبطلنا الشركة فيرجع إلى الأصل.

ثانياً: يعود كل منهما على الآخر بأجرة عمله في ماله كما في شركة المضاربة إذا فسدت.

ثالثاً: تنفذ التصرفات منهما لوجود الإذن في العقد.

فساد عقد الشركة عند الحنفية وما يترتب عليه:

عقد الشركة عند الحنفية من حيث الصحة وعدمها على ثلاثة أقسام:

القسم الأول أن تكون صحيحة من كل وجه وذلك بأن يستوفي كل نوع من أنواعها شروطه المذكورة، فهذا القسم تترتب عليه آثاره التي تحدثنا عنها.

القسم الثاني: أن تكون فاسدة من وجه وصحيحة من وجه آخر، وذلك كأن تفسد مفاوضة لنقصان شرط من الشروط الخاصة بها، ولكنها تصح عناناً، فإنها في هذه الحالة تعتبر صحيحة، وتأخذ حكم الشركة التي صحت فيها، وتترتب عليها آثارها.

القسم الثالث: أن تكون فاسدة من كل الوجوه، فهذه هي الشركة الفاسدة ويكون حكمها كما يلي:

أولاً: إذا كانت الشركة شركة أموال وزع الربح والخسارة على قدر رأس مال كل واحد من الشركاء، ولو كان الشرط على خلاف ذلك، فلو تشارك اثنان فدفع كل واحد منها خمسة آلاف واشترطا التفاضل في الربح قسم الربح بينهما مناصفة، ولو تشارك اثنان فدفع واحد منهم خمسة آلاف والآخر عشرة آلاف واشترطا المساواة في الربح قسم الربح بينهما أثلاثاً، ولا عبرة هنا للشرط الذي اشترطاه.

ثانياً: إذا كانت الشركة شركة أعمال وزع الربح فيها بين الشركاء على مقدار العمل، فإن كان أحدهما هو الذي عمل وحده أخذ الربح وحده، وإن عمل نصف العمل أخذ نصف الربح وإن عملاه معاً أخذ كل واحد نصف ربحه إن لم يعلم ما لكل واحد منهما، فإن علم استحق المعلوم. وإن كان العمل من أحدهما وأعانه الآخر إعانة، فالربح للعامل وللآخر أجر مثله بالغاً ما بلغ في قول عند الحنفية، لا يجاوز به نصف ثمن ذلك.

انتهاء عقد الشركة الصحيحة:

ينتهي عقد الشركة الصحيحة بالأمور التالية:

1- فسخ عقد الشركة من أحد الشريكين، لأن عقد الشركة عقد جائز غير لازم.

2- موت أحد الشريكين، فإن مات أحد الشريكين انفسخت الشركة لزوال الملك، وزوال أهلية التصرف بالموت، لأن الشركة تتضمن الوكالة. والوكالة تنتهي بالموت. أما لو كان الشركاء أكثر من اثنين فإن الشركة تنفسخ في حق الميت خاصة، وتبقى بالنسبة للباقين من الشركاء، لأن الوكالة باقية في حقهم.

والحكم لا يختلف سواء أعلم الشريك الآخر بالموت أم لم يعلم، لأن الموت عزل حكمي عن الوكالة.

3- ارتداد أحد الشريكين ولحوقه بدار الحرب، لأن ذلك في حكم الموت.

4- جنون أحد الشريكين جنوناً مطبقاً، ويقدر الإطباق بشهر أو بنصف حول على الخلاف في ذلك، وكالجنون والإغماء.

5- إنكار أحد الشركاء الشركة، وذلك بأن يقول لست شريكاً في هذه الشركة أو يقول لا أعمل معك.

شركة المضاربة "القراض"

تعريف شركة المضاربة لغة:

اشتقاق هذه التسمية:

هذه الشركة التي نتحدث عنها تسمى عند أهل الحجاز "القراض" ولفظ القراض مشتق من القرض وهو القطع، سميت هذه الشركة بذلك لأن المالك يقطع للعامل قطعة من ماله يتصرف فيها، وقطعة من الربح.

وتسمى عند أهل العراق "المضاربة" لأن كلاً منهما يضرب بسهم من الربح، ولما فيها من السفر، والسفر في اللغة يسمى ضرباً.

تعريف المضاربة شرعاً:

المضاربة: أن يدفع المالك إلى العامل مالاً ليتجر فيه، والربح مشترك بينهما.

مشروعية المضاربة ودليلها:

شركة المضاربة مشروعة وجائزة عند المسلمين، واستدل العلماء على مشروعيتها بالسنة والإجماع.

أما السنة:

1- فما روى ابن عباس عن أبيه العباس رضي الله عنهما "أنه كان إذا دفع مالاً مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحراً ولا ينزل به وادياً، ولا يشتري به دابة ذات كبد رطبة، فإن فعل ذلك ضمن، فبلغ شرطه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه". رواه البيهقي بإسناد ضعيف.

2- وما أخرجه ابن ماجه عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث فيهن البركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وخلط البرّ بالشعير للبيت لا للبيع".

3- ما رواه الدارقطني -ورجاله ثقات - عن حكيم بن حزام أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالاً مقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة، ولا تحمله في بحر. ولا تنزل به بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي".

وأما الأجماع: فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتعاملون بالمضاربة من غير نكير فكان إجماعاً.

حكمة مشروعية القراض "المضاربة":

حكمة مشروعيتها: هي مشروعة لشدة الحاجة إليها من الجانبين، فإن من الناس من هو صاحب مال ولا يهتدي إلى التصرف، ومنهم من هو بالعكس، فشرعت لتنتظم مصالحهم، فإنه عليه الصلاة والسلام بعث والناس يتعاملونها فتركهم عليها وتعاملها الصحابة رضي الله عنهم.

حكم عقد شركة المضاربة:

أجمع العلماء على أن عقد المضاربة لا يقتضي اللزوم بل هو عقد جائز، وأن لكل واحد منهما فسخه مالم يشرع العامل في العمل.

واختلف الفقهاء إذا شرع العامل:

فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد: العقد غير لازم، ولكل منهما الفسخ متى شاء، وليس هو عقداً يورث.

وقال مالك: هو لازم بعد الشروع، وهو عقد يورث، فإن مات وكان للمقارض بنون أمناء كانوا في القراض مثل أبيهم، وإن لم يكونوا أمناء كان لهم أن يأتوا بأمين.

ركن المضاربة وألفاظها وأنواع المضاربة:

أ- ركن المضاربة:

ركن عقد المضاربة هو الإيجاب والقبول بألفاظ تدل عليهما.

فألفاظ الإيجاب: هي ضاربتك وقارضتك وعاملتك، وما يؤدي معاني هذه الألفاظ فيقول مثلاً قارضتك بهذا المال الذي هو ألف ليرة على أن ما رزقنا الله منه من ربح يكون مناصفة أو غير ذلك من الأجزاء المعلومة المتفق عليها، وألفاظ القبول: هي أن يقول العامل المضارب: قبلت منك ذلك أو ما يدل على الرضا والقبول. ويشترط كون القبول متصلاً بالإيجاب.

فإذا وجد الإيجاب والقبول صح العقد.

هذا ولا يصح تعليق الصيغة على شرط كقول إذا جاء شهر رمضان فقد قارضتك لا يصح هذا عند الشافعي.

ب- أنواع المضاربة:

تكون المضاربة على نوعين مطلقة ومقيدة:

فالمطلقة: أن يدفع شخص المال إلى آخر دون تقييد بزمن أو نوع أو غير ذلك فهذه جائزة عند الجميع.

والمقيدة: أن يدفع لشخص مائة دينار ليعمل بها مدة معينة أو بضاعة معينة لم تصح عند الشافعي، لأنه قد لا يكون ربح في ذلك وتصح عند أبي حنيفة، ويعمل بالقيد إن كان مفيداً، وإلا لغا القيد.

شروط المضاربة:

1- شروط العاقدين: يشترط في العاقدين - رب المال والعامل - أهلية الوكالة والتوكيل، لأن المضارب يتصرف بإذن صاحب المال، وهذا معنى التوكيل.

وفي الحقيقة أن المضارب له عدة صفات: المضارب أمين، وبالتصرف وكيل، وبالربح شريك، وبالفساد أجير، وبالخلاف غاصب، وباشتراط كل الربح له مستقرض، وباشتراطه لرب المال مستبضع.

2- شروط رأس المال:

يشترط في رأس المال شروط هي:

أولاً: أن يكون رأس المال من النقود، فلا يجوز عروض وتبر وحلي وغير ذلك.

ثانياً: أن يكون رأس المال معلوم المقدار: فلا تصح على مجهول القدر دفعاً لجهالة الربح.

ثالثاً: أن يكون رأس المال معيناً: فلا تصح المضاربة على دين، إلا أنه إذا قارضه على نقد في ذمته ثم عينه في المجلس صح، وكذا لو كان في ذمة العامل وعينه في المجلس.

رابعاً: أن يكون رأس المال مسلماً إلى العامل: وليس المراد اشتراط تسلميه حال العقد أو في مجلسه وإنما المراد أن يستقل العامل باليد عليه والتصرف فيه، فلا يصح اشتراط أن يكون المال في يد المالك أو غيره ليوفي منه ثمن ما اشتراه العامل، ولا شرط مراجعته في التصرف لأنه قد لا يجده عند الحاجة.

خامساً: استقلال العامل بالتصرف.

وكذلك لا يصح اشتراط عمل رب المال معه، فإن شرط فسدت المضاربة، لأن شرط عمله معه شرط بقاء يده على المال. أما إذا لم يشترط ذلك إلا أنه استعان به على العمل، أو دفع إليه المال بضاعة جاز، لأن الاستعانة لا توجب خروج المال عن يده.

شروط الربح:

يشترط في الربح ما يلي:

أولاً: أن يكون الربح معلوم القدر بالجزئية: لأن المعقود عليه والمقصود من العقد الربح، وجهالة المعقود عليه توجب فساد العقد، والعلم بالجزئية كأن يقول قارضتك على أن يكون الربح بيننا مناصفة.

ثانياً: أن يكون الربح مشتركاً بينهما: فلو قال قارضتك على أن يكون كله لكفقراض فاسد، ويستحق العامل أجرة المثل هذا عند الشافعية .

وعند الحنفية والحنابلة ينعقد قرضاً، والربح للعامل.

ولو قال قارضتك على أن يكون الربح لي وقبل المضارب، لم يكن العقد مضاربة، ولكن يكون إبضاعاً. والإبضاع بعث المال مع من يتجر فيه متبرعاً.

ثالثاً: أن يكون مختصاً بهما: فلا يصح شرط شيء منه لثالث إلا إذا كان عبد المالك أو عبد العامل، فإن ما شرط له يضم إلى ما شرط إلى سيده.

رابعاً: أن يكون النصيب من الربح جزءاً مشاعاً: فإن شرطا عدداً مقدراً بأن شرطا أن يكون لأحدهما مائة دينار مثلاُ من الربح أو أقل أو أكثر. فسدت المضاربة، لجواز أن لا يربح المضارب إلا هذا القدر المذكور، فيكون لأحدهما دون الآخر فلا تتحقق الشركة، فلا يكون التصرف مضاربة.

وكذلك إن شرطا أن يكون لأحدهما النصف أو الثلث ومائة دينار، فإنه لا يصح.

يد المضارب:

اتفق أئمة المذاهب على أن يد الشريك المضارب يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتفريط، والمال عنده بمنزلة الوديعة.

وإذا اشترى المضارب به شيئاً صار بمنزلة الوكيل بالبيع والشراء، فتطبق عليه أحكام الوكالة.

وإذا فسدت المضاربة بسبب من الأسباب صارت إجارة، والمضارب بمنزلة الأجير لرب المال.

وإذا خالف المضارب شرط رب المال، كأن فعل ما ليس له فعله، صار بمنزلة الغاصب، ويصير المال مضموناً عليه للتعدي.

ما ليس للمضارب فعله:

أ- لا يشتري للقراض بأكثر من رأس المال وربحه، لأن المالك لم يرض أن يشغل العامل ذمته إلا بذلك، فإن اشترى شيئاً بالذمة وقع ذلك للعامل.

ب- لا يجوز لصاحب المال معاملة المضارب عند الشافعي . لأن هذا يفضي إلى بيع ماله بماله.

وأجازه أبو حنيفة .

جـ- لا يسافر بالمال إلا بإذن من رب المال، لأن السفر مظنة الخطر، فإن أذن له جاز بحسب الإذن، وإن أطلق الإذن سافر لما جرت به العادة من البلاد المأمونة، هذا عند الشافعية .

أما عند الحنفية في الرواية المشهورة فيصح السفر للمضارب لأن العقد مطلق، والمضاربة مشتقة من الضرب في الأرض وهذا دليل على جواز السفر.

د- لا يبيع نسيئة إلا بإذن المالك عند الشافعي .

وعند الحنفية يبيع نسيئة لأن مطلق العقد يتناول ذلك وغيره مما هو معتاد بين التجار.

هـ- لا يجوز في الأصح عند الشافعية أن يقارض العامل آخر ليشاركه في العمل والربح، ولو بإذن المالك، لأن موضوع القراض أن يكون أحد العاقدين مالكاً لا عمل له، والآخر عاملاً لا ملك له وهذا يدور بين عاملين.

وعند الحنفية يصح إن أذن له رب المال أو قال له: اعمل برأيك.

و- لا ينفق العامل المضارب من المال على نفسه حضراً وكذا سفراً في الأظهر، لأن له نصيباً من الربح فلا يستحق شيئاً آخر، ولأن النفقة قد تكون قدر الربح فيؤدي إلى انفراده به، وقد تكون أكثر فيؤدي إلى أن يأخذ جزاءً من رأس المال، وهو ينافي مقتضاه، فلو شرط له النفقة في العقد فسد، ومقابل الأظهر أنه ينفق بالمعروف ما يزيد بسبب السفر كالإداوة والخف والكراء وما أشبه ذلك، هذا هو مذهب الشافعي .

وذهب الحنفية إلى أنه ليس له نفقة في الحضر، أما إذا سافر فله النفقة.

لاشك أن الربح في شركة المضاربة الصحيحة يكون اقتسامه على حسب الاتفاق في العقد.

وأما إذا كانت هناك خسارة فهي على صاحب المال، وليس على العامل منه شيء إذا لم يكن مقصراً.

متى يملك العامل حصته من الربح:

يملك العامل حصته من الربح بالقسمة لا بالظهور في الأظهر، إذ لو ملك به لكان شريكاً في المال، حتى لو هلك منه شيء هلك من المالين، وليس كذلك، بل الربح وقاية لرأس المال. ومقابل الأظهر أنه يملك حصته بالظهور قياساً على المساقاة، وفرق الأول بأن الربح وقاية لرأس المال، بخلاف نصيب العامل من الثمار، فإنه لا يجبر به نقص النخل.

وعلى الأول له فيه قبل القسمة حق مؤكد يورث عنه، ويقدم به على الغرماء لتعلقه بالعين، ويصح إعراضه عنه، ويغرمه له المالك بإتلافه المال أو استرداده.

ما يطرأ من النقص على رأس المال:

بعد عقد القراض قد يطرأ نقص في رأس المال، فمن يتحمل هذا النقص؟

هناك أسباب متعددة لهذا النقص نعرضها فيما يلي مع أحكامها:

أولاً: إذا كان النقص حاصلاً بسبب الرخص أو العين فهو محسوب من الربح ما أمكن الحساب منه، ومجبور ذلك النقص من الربح، لاقتضاء العرف ذلك.

ثانياً: إذا تلف بعضه بآفة أو غصب أو سرقة بعد تصرف العامل، فجبر ذلك أيضاً في الربح على الأصح، قياساً على ما مرّ، ومقابل الأصح أنه على المالك، لأنه نقص لا تعلق له بتصرف العامل وتجارته بخلاف الحاصل بالرخص، وليس ناشئاً من نفس المال بخلاف المرض والعيب.

ثالثاً: إذا تلف بعضه بآفة أو غصب أو سرقة قبل تصرفه، فالأصح أنه يحسب من رأس المال. لأن العقد لم يتأكد بالعمل، ومقابل الأصح أنه يحسب من الربح لأنه بقبض العامل قد صار مال قراض.

أما إذا تلف رأس المال جميعه فقد انتهت المضاربة.

انتهاء عقد المضاربة:

ينتهي عقد المضاربة بواحد من الأمور التالية:

أولاً: الفسخ: بما أن عقد المضاربة عقد جائز، فينتهي بفسخهما أو فسخ أحدهما متى شاء من غير حضور الآخر ولا رضاه، لأن القراض في ابتدائه وكالة، وفي انتهائه إما شركة أو جعالة، وكلها عقود جائزة.

ويحصل الفسخ بقوله: فسخت عقد القراض أو رفعته أو أبطلته أو لا تتصرف بعد هذا، أو نحو هذا، كما يحصل الفسخ باسترجاع المال، فإن استرجع بعض المال انفسخ فيه، وبقي في الباقي.

وعند الحنفية لابدّ من علم المقارض بالفسخ، ويترتب على ذلك أنه إذا لم يعلم بالفسخ وتصرف نفذ تصرفه.

وإذا علم بالعزل، وكان المال عروضاً فله أن يبيعه إذا توقع فيه ربحاً كأن ظفر بسوق أو راغب.

وكذلك عليه أن يبيع العروض لينض رأس المال ويظهر الربح إذا طلب المالك منه ذلك.

ثانياً: موت أحد العاقدين: لأن المضاربة تشتمل على الوكالة، والوكالة تبطل بموت الموكل أو الوكيل.

إلا أن للمضارب إذا مات المالك التنضيض بغير إذن الورثة، اكتفاء بإذن العاقد كما في حال الحياة. بخلاف ما لو مات العامل، فإن ورثته لا تملك البيع بدون إذن المالك لأن صاحب المال لم يرض بتصرفهم.

وعند المالكية إن مات العامل لا تنفسخ المضاربة بل لوارثه الأمين أن يكمل على حكم ما كان مورثه، وإن لم يكن الوارث أميناً أتي بأمين كالعامل في الأمانة والثقة. وإن لم يأت بأمين سلم المال لصاحبه هدراً من غير شيء، لأن عمل القراض كالجعل لا يستحق العامل فيه شيئاً إلا بتمام العمل.

ثالثاً: جنون أحد العاقدين: فإذا جن أحدهما جنوناً مطبقاً بطلت المضاربة، لأن الجنون المطبق مبطل لأهلية التصرف والآمر. وحدَّ الحنفية الجنون المطبق بما يستوعب الشهر وفي قول ما يستوعب السنة.

أما الشافعية فقد ذكروا الجنون مطلقاً، وقالوا: وإن زال عن قرب، لأنه لو قارن منع الانعقاد، فإذا طرأ قطعه. وجعلوا الإغماء مبطلاً كالمجنون.

رابعاً: هلاك رأس مال المضاربة: سواء في ذلك أتلف بآفة سماوية أم بإتلاف المالك أم العامل أم أجنبي، لكن يستقر نصيب العامل من الربح فيما إذا أتلفه المالك، ويبقى القراض فيما إذا أتلفه أجنبي إذا أخذ منه البدل، والمطالب بالبدل هو المالك إن لم يكن ربح، فإن كان في المال ربح فالخصم في المطالبة المالك والعامل. وكذلك الحكم إذا أتلفه العامل فهو كالأجنبي.

خامساً: الردة، فإذا ارتد رب المال عن الإسلام ومات أو قتل على الردّة، أو لحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه بطلت المضاربة من يوم الردّة عند أبي حنيفة رحمه الله، لأن اللحاق بدار الحرب بمنزلة الموت، وهو يزيل أهلية رب المال، بدليل أن المرتد يقسم ماله بين ورثته.

وبعض الحنفية قالوا: لا تبطل لأن تصرفاته نافذة، وإذا كان المرتد هو المضارَب فالمضاربة على حالها في قولهم جميعاً، لأن وقوف تصرف رب المال بنفسه لوقوف ملكه، ولا ملك للمضارب فيتصرف فيه بل الملك لرب المال ولم توجد منه الردّة فبقيت المضاربة.

وإن مات المضارب أو قتل على الردّة بطلت المضاربة، لأن موته في الردّة كموته قبل الردّة، وكذا إذا لحق بدار الحرب وقضي بلحوقه، لأن ردّته مع اللحاق والحكم به بمنزلة موته في بطلان تصرفه.

1- شركة التضامن : وهي الشركة التي يعقدها اثنان أو أكثر بقصد الاتجار في جميع أنواع التجارات أو في بعضها، ويكون الشركاء فيها مسؤولين بالتضامن عن جميع التزامات الشركة، ليس في حدود رأس المال فقط، بل قد يتعدى ذلك إلى الأموال الخاصة لكل شريك.

ويلاحظ أن لعنصر الضمان (أو الكفالة أو الالتزام) في هذه الشركة شبهاً فيما تتميز به شركة المفاوضة التي لم يجزها غير الحنفية والزيدية، وهي التي تتطلب الاشتراك في عموم التجارات، بشرط التساوي بين الشركاء في رأس المال والتصرف والدين أي الملة، ويكن كل شريك كفيلاً عن الآخر فيما يلتزم به من التزامات تتعلق بالشركة. وبما أن تحقيق المساواة بين الشركاء أمر عسير، لاحتمال حدوث زيادة في أموال كل من الشركاء، فتصبح هذه الشركة نادرة الوجود، أو قصيرة الأجل وعديمة الاستمرار، مما يجعلها سريعة التحول والانقلاب إلى شركة عنان.

وشركة العنان لا تتطلب المساواة في المال ولا في التصرف ولا في الملة، وهي أن يشترك اثنان في مال لهما على أن يتجرا فيه، والربح بينهما. فيجوز أن يكون مال أحدهما أكثر من الآخر، كما يجوز أن يكون أحدهما مسؤولاً عن الشركة، والآخر غير مسؤول، فليس فيها كفالة، فلا يطالب أحدهما إلا بما عقده بنفسه من التصرفات، أما تصرفات شريكه فهو غير مسؤول عنها. ويقسم الربح بينهما حسب شرطهما الذي اتفقا عليه عند جمهور الفقهاء (خلافاً للشافعي فإن الربح عنده على قدر المال)، فيجوز أن يزيد ربح أحدهما عن الآخر بسبب خبرته في التجارة، مع التساوي في رؤوس الأموال أو التفاوت فيها، وتكون الوضيعة أو الخسارة على قدر رأس المال باتفاق المذاهب عملاً بالحديث "الربح على ما شرطا، والوضيعة على قدر المالين" ولا مانع من اشتراط الكفالة في شركة العنان، فيصبح كل شريك كفيلاً عن صاحبه وضامناً له، لأن الكفالة عقد تبرع، وقد شرطها الشريكان، وهي جائزة في غير الشركة، وإذا جازت الكفالة بين شخصين لا علاقة مالية بينهما، فلأن تجوز بين شخصين ارتبطاً بعقد الشركة أولى. ويؤكد ذلك أن الأصل في العقود هو التراضي، والشركة عقد يقوم على التراضي، فيلزم الوفاء بكل شرط لا يصادم النصوص الشرعية.

2- شركة التوصية البسيطة: هي الشركة التي تعقد بين شركاء بعضهم متضامنون، وبعضهم موصون، فالمتضامنون هم الذين لهم أموال ويقومون بأعمال إدارة الشركة، وهم مسؤولون عن الإدارة، متحملون لالتزاماتها، متضامنون في هذه المسؤولية وفي إيفاء ديون الشركة. والموصفون: يقدمون المال، ولا يسألون عن إدارتها، ولا يتحملون التزاماتها.

وهذه الشركة جائزة أيضاً، لأن فقهاءنا أجازوا في شركة العنان أن يشترط العمل لأحد الشريكين، ويسأل عنه دون غيره، ويجوز بناء على ذلك أن تشترط زيادة الربح للعامل، أو يقدر له مرتب خاص، ويكون أجيراً. ولا فرق بين أن يكون المسؤول عن إدارة الشركة شريكاً واحداً أو أكثر، وغير المسؤول واحداً أو أكثر، فاشتراط الكفالة والمسؤولية بين الفريق الأول دون الثاني جائز، كما بينّا في شركة التضامن.

كما أنه يمكن جعل هذه الشركة نوعاً من أنواع شركة المضاربة، الشريك المتضامن هو المضارب، المتصرف في الشركة، المسؤول عن الحقوق المتعلقة بها أمام الغير. والشريك الموصي هو رب المال في شركة المضاربة، وهو غير مسؤول عن إدارة الشركة، ولا يضمن لأصحاب الحقوق المتعاملين حقوقهم، ولا يتحمل من الالتزامات إلا خسارة رأس ماله في حالة الخسارة، ولا يسأل العامل المضارب عن الخسارة فيما يسمح له من التصرفات، ويكون المضارب حر التصرف بحسب عادة التجار، وتوزع الأرباح على حسب الاتفاق بين المتشاركين في شركة المضاربة.

والخلاصة: أن هذه الشركة تعتبر شركة مضاربة مع بعض الفروق الطفيفة بينهما في الأحكام الفقهية. ويلاحظ أن انتشار شركات المساهمة حدَّ كثيراً من انتشار شركات التوصية، لأن شركات المساهمة تمارس عادة نشاطاً واسعاً في الاستثمارات، وكثيراً ما يكون التوفيق حليفها لما يتوفر لها من رؤوس أموال كبيرة. ومزية شركة التوصية تتحقق في شركة المساهمة، وهذه المزية هي أن المساهم لا يكتسب صفة التاجر، ولا يسأل إلا في حدود قيمة الأسهم التي اكتتب فيها.

3- شركة المحاصة: هي عقد كباقي العقود، يلتزم شخصان أو أكثر بأن يساهم كل منهم في مشروع مالي، بتقديم حصة من مال، أو من عمل، لاقتسام ما قد ينشأ من ربح أو من خسارة، إلا أنها تمتاز بخفائها عن الجمهور، فليس لها رأس مال شركة، ولا عنوان شركة، فهي غير معروفة من الناس، وليس لها وجود ظاهر، وليس لها شخصية معنوية مستقلة كباقي الشركات. فهي شركة وقتية كالتي تنشأ في مزاد مثلاً أو في صفقة خاصة تنتهي بانتهائها، وتصفى الأرباح عقب الفراغ منها. فالذي يبرز منها شريك واحد يتعامل في الظاهر باسمه، وتبقى الشركة مستترة، ليس لها شخصية اعتبارية.

وهذه الشركة إجمالاً جائزة شرعاً، لأنها نوع من أنواع شركة العنان، ليست فيها مساواة، ولا تضامن، ولا تكافل، وهي معقودة على نوع خاص من أنواع التجارات، والربح يوزع فيها حسب الاتفاق، والخسارة تكون حسب رؤوس الأموال التي استعملت فيها.

وبصفة دقيقة تعد شركة المحاصة شركة عنان إذا كانت حصص الشركاء شائعة الملكية بين الشركاء. وتعد شركة عنان ومضاربة إذا احتفظ كل شريك بملكية حصته، لكنه سلمها لواحد لاستثمارها مع بقية الحصص لمصلحة الكل، على أن يقتسموا الربح أو الخسارة فيما بينهم بحسب الاتفاق أو الحصص. فالمال المقدم من أصحابه إلى أحدهم يعد مضاربة، ويكون الشريك المتصرف مضارباً، لكنه لما كان متقدماً بجزء من رأس المال فهو شريك عنان أيضاً، كما أنه إذا تصرف معه بعض الشركاء، كانت الشركة شركة عنان بينهم. وأما الذين لم يساهموا في الإدارة فهم شركاء مضاربون. ومن المعلوم أن شركة المفاوضة: هي اشتراك أنواع من شركة العنان والوجوه والأبدان، لأن ماصح بانفراده، صح مع غيره. فيجوز بناء عليه تعدد أنواع من الشركات في شركة واحدة.

4- شركة المساهمة: هي أهم أنواع شركات الأموال، وهي التي يقسم فيها رأس المال إلى أجزاء صغيرة متساوية، يطلق على كل منها سهم غير قابل للتجزئة، ويكون قابلاً للتداول. وتتحدد مسؤولية المساهم بقدر القيمة الاسمية لأسهمه. ويعتبر مدير الشركة وعمالها أجزاء عند المساهمين، لهم مرتبات خاصة، سواء أكان مساهمين أم غير مساهمين. وليس لمدير الشركة أن يستدين عليها بأكثر من رأس مالها، فإن فعل ضمن هو، ولا ضمان على المساهمين إلا في حدود أسهمهم. وتوزع الأرباح بنسبة الأسهم أي بنسبة رؤوس الأموال. وتسمى شركة مغْفَلة لإغفال الاعتبار الشخصي فيها، وإنما الاعتبار الأول في تكوينها هو للمال، وليس لشخصية الشركاء، بل لا يعرف الشركاء بعضهم بعضاً، ولا يعرفون شيئاً عن إدارة الشركة إلا ما تعرضه مجلس إدارتها على الجمعية العمومية عند اجتماعها كل سنة. ورأى المشرع الوضعي قصر نشاط الشركات المساهمة على المشروعات الكبيرة نسبياً التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة لا تتوافر عادة لدى الأشخاص، كصناعة الغزل والنسيج، والمنسوجات القطنية وغيرها، والحديد والصلب، والخزف ونحو ذلك.

وهذه الشركة جائزة شرعاً، لأنها شركة عنان، لقيامها على أساس التراضي، وكون مجلس الإدارة متصرفاً في أمور الشركة بالوكالة عن الشركاء المساهمين، ولا مانع من تعدد الشركاء، واقتصار مسؤولية الشريك على أسهمه المالية مشابه لمسؤولية رب المال في شركة المضاربة. ودوام الشركة أو استمرارها سائغ بسبب اتفاق الشركاء عليه، والمسلمون على شروطهم فيما هو حلال. وإصدار الأسهم أمر جائز شرعاً. أما إصدار السندات أي القروض بفائدة فلا يحل شرعاً.

5- شركة التوصية بالأسهم: هي التي تضم نوعين من الشركاء: متضامنين ومساهمين، والمساهمون كالشركاء الموصين في شركة التوصية البسيطة، لا يسأل الواحد منهم إلا في حدود الحصة التي يقدمها، إلا أن المساهمين عددهم أكثر بحيث يسمح بقيام جمعية عمومية منهم، ويختلف المساهم عن الموصي في أن الأول يملك أسهماً قابلة للتداول، بعكس الثاني. ولا اعتبار لأشخاص الشركاء، وإنما الاعتبار لأموالهم في هذه الشركة.

وهي شركة جائزة شرعاً، لأنها نوع من شركات العنان التي يشترط فيها التضامن بين بعض الشركاء، وتلك كفالة جائزة. وحرية الشريك المتضامن بالتصرف مستمدة من إذن الشركاء الآخرين. وعمل المتضامن في أموال المساهمين خاضع لأحكام شركة المضاربة، ولا مانع من كون بعض الشركاء مساهمين كما بينا في شركة المساهمة، لأن تقديم الحصة بالأسهم جائز شرعاً، خصوصاً إذا انحصر عدد المساهمين، وعرف بعضهم بعضاً.

6- الشركة ذات المسؤولية المحددة: هي شركة تجارية كباقي شركات الأموال، ولا اعتبار فيها لشخصية الشركاء، واشترط القانون فيها ألا يزيد عدد الشركاء فيها عن خمسين شريكاً، لا يكون كل منهم مسؤولاً إلا بقدر حصته. فهي تجمع بين خصائص شركات الأموال وشركات الأشخاص. ففيها من شركات الأموال أن مسؤولية الشريك محدودة بمقدار حصته، وأن حصته تنتقل إلى ورثته، وإدارتها كما في شركات المساهمة، يجوز أن يعين لها مدير من المساهمين أو من غيرهم بمرتب محدد، ويكون أجيراً، أو يديرها أحد الشركاء نظير جزء من الأرباح. وفيها من شركات الأشخاص أن الشريك يكون صاحب حصة في الشركة وليس مساهماً، ولا تكون حصص الشركاء قابلة للتداول كالأسهم التجارية. وأهم ما يميزها أنها تتم بالاشتراك الشخصي لا بالاكتتاب العام.

وكل ذلك جائز شرعاً، وتعتبر هذه الشركة من شركات العنان، وقد يكون فيها بعض خصائص المضاربة كما في تحديد مسؤولية الشريك بمقدار حصته، كما أن رب المال في المضاربة لا يسأل إلا في حدود رأسماله.

والخلاصة: أن هذه الشركات التي أقرها القانون المدني ليست غريبة عن قواعد الفقه الإسلامي، وإنما هي منسجمة مع أنظمة الشركات التي عرفها فقهاؤنا، ولكنها متطورة بحسب حاجة العصر وعرفه، فشركات الأشخاص تعتبر جميعها من قبيل شركة المضاربة في الفقه الإسلامي مع اختلاف في بعض الأحكام بين الشريعة والقانون حسبما تقتضيه مصلحة الناس وطبيعة التطور. وشركات الأموال تعتبر في الغالب من قبيل شركات العنان، مع بعض أوصاف شركة المفاوضة في حال التضامن، أو أوصاف شركة المضاربة في حال تحديد مسؤولية الشريك بمقدار حصته فقط. والإدارة توكيل في القيام بالأعمال، إذا كان المدير شريكاً مساهماً، والوكالة تصح بأجر أو بغير أجر أو أن المدير أجير بعقد الاستئجار أو التوظف إذا كان غير مساهم، فهو يعمل بأجر بحكم التوظف، لا بحكم المشاركة.

7- شركات السيارات : كثيراً ما تنعقد الشركة في ملكية سيارة شاحنة أو صغيرة سياحية أو لنقل الركاب، ويكون بعض الشركاء ملاكاً لحصص معينة، وواحد منهم سائق للسيارة وشريك يملك بعض الأسهم معاً، ويتقاضى السائق عادة أجراً أو راتباً شهرياً معيناً، وقد يوافق مالك السيارة على أن يتنازل عن ربعها مثلاً للسائق على أن تسدد قيمة الربع من الأرباح في المستقبل. وهذا كله جائز لتعارف الناس، لأن الشركة تنعقد على حسب العادة، وهي مبنية على التوسع والمسامحة، وتنعقد أيضاً على الضمان أو على ذمم الشركاء أو على عملهم، والشركة تنبني على الوكالة أو على الوكالة والكفالة. ويأخذ السائق حصته من الأرباح، كما يتقاضى الأجر المتفق عليه، ولا مانع من أن يكون الأجر مقطوعاً محدداً أو مسمى، أو جزءاً نسبياً من الربح. وقد بيّنا في بحث شركة المساهمة وشركة التضامن أنه لا مانع شرعاً من اعتبار مدير الشركة أجيراً موظفاً على العمل. ولا مانع من وجود صفتي الشركة والإجارة، في شيء واحد، لأن المنع من وجود عقدين في عقد أو شرطين في عقد يزول إذا زالت علته أو حكمته وهو عدم إثارة النزاع والجدال، وعدم المنازعات جرى عليه العرف والعادة، فلم يعد الشرط مفسداً، وللناس فيها حاجة.

8- شركة البهائم:

تقوم شركات متعددة في وقتنا الحاضر بين الناس لرعي الماشية أو لتربية الأبقار والأغنام، فيقدم المال من شريك، والعمل من الشريك الآخر، وقد يشترك الشريكان في دفع ثمن البهائم، ثم ينفرد أحدهما في العمل إما بالرعي أو بتقديم الطعام والشراب، والحراسة والتنظيف. وذلك كله جائز شرعاً بشرط انتفاء الجهالة الفاحشة المفضية للنزاع والخصام، ولا تضر الجهالة اليسيرة التي لا تفضي إلى التنازع، ويتسامح الناس فيها عادة. وبناء على هذا المبدأ يعرف حكم الصور الآتية:

1- إذا اشترى شخص بعض البهائم، ودفع ثمنها كله من ماله ‎ ، وتعهد شخص آخر بتربيتها وشراء الطعام لها، فهذه الشركة لا تصح، لأن ما يشتريه العامل من الطعام مجهول جهالة فاحشة تؤدي إلى المنازعة فيفسد أو يبطل العقد.

2- إذا كان ثمن العلق يستوفى مما تنتجه البهائم من ألبان، ويوزع باقي ربع اللبن على الشريكين، فلا تصح الشركة، إذ قد يكفي اللبن للطعام وقد لا يكفي. فإذا تكفل صاحب رأس المال بما قد تحتاجه من طعام، صح العقد.

3- إذا اقتصر عمل العامل على التربية والرعاية والإطعام. وتكفل أو تعهد رب المال بأثمان النفقات والطعام، صحت الشركة، وتكون شركة مضاربة. ولا يقال: إن تناول الحيوان طعامه باختياره أمر طبيعي، لا أثر له في نمو وزيادة الحيوان، كما تصور الحنفية، لأن عمل العامل ضروري من تقديم الطعام بنسب معينة وفي وجبات مخصصة، والقيام بالخدمة والإشراف والتنظيف والرعاية، وفي ذلك أثر ملحوظ في تسمين الحيوانات وزيادة سعرها وتحسين نتاجها.

4- إذا اشترك اثنان في دفع ثمن الحيوان ونفقة الطعام والشراب، وتبرع أحدهما بالخدمة، صحت الشركة، لأنها اقتصرت على المشاركة في رأس المال، دون العمل.

5- الصور الغالبة الآن: هي الاشتراك في أثمان الماشية، وأخذ الراعي أو العامل ألبان الماشية وأسمانها نظير القيام بما يلزمها من خدمة وعناية ورعاية، وأما النتائج من أولاد وأصواف فيقسم بين الشريكين مناصفة. هذه الشركة جائزة شرعاً كما قررت لجنة الفتوى بالأزهر عام 1948، لتعامل الناس بها وتعارفهم عليها، وحاجتهم إليها، ولم يوجد نص يحظرها من كتاب أو سنة أو إجماع، ولا يترتب عليها حدوث منازعات وعداوات، فتجوز تيسيراً على الناس، وأما الجهالة فهي يسيرة لا تفضي إلى المنازعة.

والخلاصة: أن دين الله يسر لا عسر، والأعراف الصحيحة التي لا تصادم الشريعة معتبرة، والاجتهاد في ذلك متعين، والتجديد والتطور أمران ضروريان.

Free Web Hosting