الفصل الثالث

8- كيفيات الحج إجمالاً

وإجمال صفة أداء الحج أن له ثلاث كيفيات يمكن أن تؤدي بها، نعرِّف بها موجزاً فيما يلي:

أ- الإفراد : وهو أن يُحْرِمَ الحاج أي : ينوي أداء الحج فقط، فيؤدي أعمال الحج، وأهمها بعد الإحرام : طواف القدوم، السعي بين الصفي والمروة، الوقوف بعرفة، الوقوف بالمزدلفة، طواف الافاضة، رمي الجمار، المبيت بمنى، طواف الوداع.

ب- القِران : وهو أن ينوي أداء الحج والعمرة معاً، فتدخل أعمالهما في بعضها، ويؤدي الأعمال السابقة نفسها، فتكفيه عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعية وأحمد. أما عند الحنفية فيجب عليه أن يؤدي طوافاً آخر وسعياً آخر لأجل العمرة، كما سنفصله إن شاء الله تعالى.

جـ- التمتع : وهو أن ينوي (يحرم) أولاً العمرة، فيؤدي أعمالها وهي الطواف والسعي والحلق أو التقصير، ويتحلل من الإحرام، ثم ينوي الحج يوم الثامن من ذي الحجة فيخرج إلى منى ثم يقف بعرفة إلى آخر أعمال الحج التي ذكرناها في الإفراد.

الباب الثاني

9- شُروط صِحَّة الحج

شروط صحة الحج أمور تتوقف عليها صحة الحج وليست داخله فيه، فلو اختلَّ شيء منها كان الحج باطلاً.

شروط صحة الحج خمسة :

الأول والثاني : الإسلام والعقل.

الشرط الثالث : الميقات الزماني.

وقت أعمال الحج ورد في قوله تعالى : { الحَجُّ أَشهُرٌ مَّعلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوَقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِ } [البقرة : 197].

فلو فعل شيئاً من أفعال الحج خارخها لا يجزيه، حتى لو صام المتمتع أو القارن ثلاثة أيام قبل أشهر الحج لا يجوز، وكذا السعي بين الصفا والمروة عقب طواف القدوم لا يقع عن سعي الحج إلا فيها.

ذهب الحنفية والمالكية والحنبلية إلى إجازة الإحرام بالحج قبلها مع الكراهة، لقوله تعالى { يسألونك عن الأَهِلَّةِ قل هي مَوَاقِيتُ للناس والحج } [البقرة: 189]. ولأن الإحرام عند الحنفية ليس من أركان الحج بل من شروطه.

وذهب الشافعية إلى أنه يصح الإحرام بالحج قبل وقته، فلو أحرم به في غير وقته انعقد عمرة على الصحيح عندهم.

ووقع الخلاف في نهار يوم النحر :

فقال الحنفية والحنابلة : هو من أشهر الحج.

وقال الشافعية : آخر أشهر الحج ليلة النحر، وليس نهار يوم النحر منها.

وقال المالكية : آخر أشهر الحج نهاية شهر ذي الحجة.

وامتداد الوقت بعد ليلة النحر إلى آخر ذي الحجة عند المالكية إنما هو بالنظر لجواز التحلل من الإحرام وكراهة العمرة فقط.

الشرط الرابع : الميقات المكاني :

هناك أماكن حددها الشارع لأداء أركان الحج لا تصح في غيرها، كالوقوف بعرفة مكانه: أرض عرفة، والطواف بالبيت مكانه: حول البيت، والسعي مكانه: المسافة بين الصفا والمروة.

الشرط الخامس : الإحرام :

الإحرام لغةَ: هو الدخول في الحرفة.

والمراد هنا الدخول في حرمة أداء الحج أو العمرة.

والإحرام: هو النية مع التلبية، فهو بالنسبة للحج كالنية للصلاة.

ذهب الحنفية إلى أنه لا بُدَّ فيه مع النية من التلبية.

وذهب الجمهور : إلى أن ركن الإحرام هو النية، والتلبية ليست بشرط في الإحرام بل هي سنة.

وذلك بأن ينوي في قلبه ما يريد من النسك : الحج، أو العمرة، أو هما معاً، ثم يقول : "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

وعلى كل فإن لبس ثياب الإحرام ليس هو الفرض، ولو اقتصر عليها دون نية لا يكون محرماً، أما لو نوى الحج أو العمرة ولبى في ثيابه المخيطة فإنه يصير محرماً ويجب عليه نزعها في الحال.

اختلف الفقهاء في الإحرام، هل هو ركن أو شرط ؟:

فذهب الحنفية إلى أنه شرط.

وذهب الشافعية إلى أنه ركن.

وعند الحنفية لا يصير محرماً بمجرد النية، لكن بالنية عند التلبية.

وعند الشافعي وأحمد مالك في الأصح يصير محرماً بمجرد النية.

ونسوق هنا مسائل تتعلق بالإحرام يُحتاج إلى معرفتها وهي :

أ- المسألة الأولى : إبهام الإحرام :

كثيراً ما يحدث للحجاج أن يلبس بعضهم ثياب الإحرام ويلبي بقصد النسك، ولا يعين في إحرامه حجاً ولا عمرة لا بقلبه ولا بلسانه:

ذهب الحنفية والمالكية إلى أنَّ هذا الإحرام صحيح وعليه التعيين، ثم إن عين ما يريده قبل الطواف فالعبرة لهذا التعيين، وإن لم يعين ثم طاف بالبيت جعل إحرامه للعمرة، فيتم مناسك العمرة ثم يحرم بالحج ويصير متمتعاً، أما إذا لم يعين ولم يطف بالبيت بل وقف بعرفة قبل أن يطوف ينصرف إحرامه للحج وعليه أن يتمم مناسك الحج.

وذهب الشافعية والحنبلية إلى أنه لا بُدَّ عندهم من التعيين، فلو عمل شيئاً من أركان الحج أو العمرة قبل التعيين لا يجزئه ولا يصح فعله.

ب- المسألة الثانية : الإحرام بإحرام الغير :

بأن يقصد المحرم الاقتداء بشخص من أهل العلم والفضل في أعماله ليرافقه ويحذو حذوه فيحرم بما أحرم به فلان، وهو لا يعلم ماذا أحرم به فلان، فهذا الإحرام صحيح، وينعقد إحرامه مثل إحرام ذلك الشخص عند الجمهور.

واستدلوا على ذلك بالحديث الصحيح عن علي رضي الله عنه، أنه قدم من اليمن ووافى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "بم أهللت؟" قال : "بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم" فقال : "لولا أن معي الهدي لأحللت".

زاد في رواية : "قال فاهْدِ وامكث حراماً كما أنت". أخرجه الشيخان.

د- المسألة الثالثة : فسخ الإحرام بالحج إلى العمرة :

اتفق جمهور الفقهاء على أنه متى انعقد الإحرام لزم متابعة أداء المناسك التي نواها حتى يتحلل، لا يجوز أن يلغيه أو يحوّله.

وذهب الحنابلة إلى خلاف الجمهور، وقالوا: إن من أحرم بالحج مُفْرِداً أو قارناً إذا لم يكن ساق الهدي، فأجازوا له إذا طاف وسعى أن يفسخ نيته بالحج ويجعله عمرة ويتحلل، ثم ينوي الحج بعد ذلك ويصير متمتعاً.

- مواقيت الإحرام :

ميقات الإحرام : هو مكان الإحرام وزمانه.

أما الميقات الزماني فقد سبق الكلام عليه.

وأما الميقات المكاني باختلاف التي يفد الحجاج والعمار منها.

أ- وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ميقات كل بلد :

ففي الصحيحين عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : "إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقَّتَ لأهلِ المدينةِ ذا الحُلَيْفَةَ، ولأهلِ الشام الجُحْفَةَ، ولأهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المنَازِل، ولأهل اليَمن يَلَمْلَمْ، هن لهن، ولم أتى عليَهن مِنْ غيرِ أهلهنّ ممنْ أرادَ الحجَّ والعمرة، ومَن كان دون ذلك فمن حيثُ أنشأ حتى أهلُ مكةَ من مكة".

والجُحْفَةُ هذه قد اندثرت، ويُهِلُّ حجاج بلاد الشام ومناطق الشمال من بلدة (رابغ) قبل الجُحْفَة بقليل.

أما العراق ومناطق الشرق فقد أخرج مسلم عن أبي الزبير عن جابر قال : سمعته - وأحسبه رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : مُهَلُّ أهل المدينة ... إلى أن قال : "ومُهَلُّ أهل العراق من ذاتِ عِرْقٍ".

هذه مواقيت أهل الآفاق، فإذا انتهى الآفاقي إلى الميقات وهو يريد الحج أو العمرة أو القِران حرم عليه مجاوزته غير محرم بالإجماع.

ب- ومن لم يمر من المكان المحدد نفسه يحرم إذا حاذى الميقات، لذلك تُعْلِمُ الطائرات والبواخر الحجاج قبل محاذاتها الميقات حتى يستعدوا ويحرموا، فإذا وصلت بمحاذاته أعلنت لهم حتى ينووا ويلبوا بالحج، أو العمرة، أو بهما معاً.

جـ- أما من كان في المناطق بين مكة والمواقيت فيهل بالحج من داره.

د- مَنْ أراد العمرة وهو في مكة عليه أن يخرج من منطقة الحرم إلى أدنى مكان من الحل، فيحرم بالعمرة.

دليل ذلك : "أنه صلى الله عليه وسلم أرسلَ عائشةَ بعد قضاءِ الحجِّ إلى التّنْعِيم فاعتمرت منه" أخرجه الشيخان.

والتنعيم أقرب أطراف الحل إلى مكة يبعد عنها حوالي (10) كيلو مترات تقريباً، واتصل بنيان مكة به حالياً.

هـ- مَن دخل منطقة المواقيت للعمل، أو الإقامة أي قاصداً إياها لأمر ما لا للنسك، ثم أراد الحج أو العمرة يُحرِمُ من موضعه الذي هو فيه.

و- الإحرام قبل الميقات :

يجوز تقديم الإحرام على الميقات المكاني إجماعاً.

ذهب الحنفية إلى أنَّ الأفضل تقديم الإحرام على الميقات المكاني إذا أمن على نفسه مخالفة أحكام الإحرام.

وذهب مالك والشافعي في رواية والإمام أحمد إلى أن الأفضل أن لا يحرم قبل ميقاته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا من الميقات، ولا يفعلون إلا الأفضل. ولأنه يشبه الإحرام بالحج قبل أشهره فيكون مثله في الكراهة.

10- الحرم وأحكامه :

المراد بالحرم عند الإطلاق المنطقة المحرمة المحيطة بمكة.

أ- الحرم: بمعنى المسجد الحرام المبني في مكة حول الكعبة المشرفة.

ب- الحرم: منطقة محرمة تحيط بمكة يحرم صيدها وقطع شجرها. وهذا المعنى هو المراد إذا اطلقت كلمة "حرم".

ج- منطقة المواقيت، وهي أبعد عن دائرة الحرم.

والحرم المكي أي المحيط بمكة له حرمة جليلة وأحكام خاصة به منذ غابر الأزمان في عهد إبراهيم عليه السلام، وقد زاده الإسلام حرمة وقرر له أحكاماً خاصة، وأهم هذه الأحكام في هذا المقام ما يلي :

أ- حظر دخول الحرم بغير نسك :

ذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنبلية إلى أنَّ مَن مرَّ بالمواقيت يريد دخول الحرم لحاجة له، فيجب أن يكون محرماً وعليه العمرة إن لم يكن محرماً بالحج، لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تجاوزوا الوقت إلا بإحرام" رواه ابن أبي شيبة، ولأن وجوب الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوي فيه الحاج والمعتمر وغيرهما. ومن خالف كان حكمه حكمَ من جاوز الميقات بغير إحرام.

وعند الحنفية من كان في الميقات له أن يدخل مكة بغير إحرام لحاجته، وعلى ذلك لو سافر الحاج من مكة إلى جدة - مثلاً - لبيع أو شراء أو حجز مكان للسفر أو نحو ذلك، ثم عاد إلى مكة يقصد استمرار الإقامة فيها فلا يجب عليه الإحرام بالعمرة عند الحنفية.

وذهب الشافعية إلى أنه إذا قصد منطقة الحرم أو مكة نفسها لحاجة غير النسك فإن الدخول بالإحرام سنة له ويجوز له ألا يحرم، ووافقهم الحنابلة فيمن له حاجة متكررة، كالحطاب وناقل الميرة وغيرهما، استدلوا بما صح أنه صلى الله عليه وسلم "دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام".

ب- تحريم صيد الحرم :

يحرم الصيد في مكة والحرم المحيط بها على الحَلاَل كما يحرم على المحرم أيضاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا البلدَ حَرّمه الله، لا يُعْضَدُ شَوْكُه، ولا يُنَفَّرُّ صَيْدهُ، ولا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إلا مَنْ عَرَّفها" أخرجه الشيخان.

ج- تحريم نبت الحرم :

فلا يجوز قطع شجر الحرم والزروع التي تنبت فيه بنفسها، كالحشيش ونحوه، لا يجوز ذلك للمحرم ولا لغير المحرم، لما سبق في الحديث فقد صرح بالنهي "لا يعضد شوكه" يعني لا يقطع، وورد في مسلم: "ولا يُخْتَلَى خلاها" يعني لا يقطع ولا يقلع. والخلا هو النبات الرطب الرقيق.

أما الذي يزرعه الناس ويستنبتونه بأنفسهم كالحبوب والأشجار المثمرة فليس بحرام.

د- جواز صلاة النافلة فيه مطلقاً :

ذهب الشافعية إلى جواز صلاة النافلة فيه مطلقاً، مثل ركعتي الإحرام وركعتي الطواف فرضاً أو نفلاً وغيرهما من النوافل والتطوع، في كل الأوقات ولو في أوقات الكراهة.

وذهب الحنفية إلى عدم جواز النافلة في الحرم في الوقت المكروه، وذلك يشمل صلاة الطواف وجوباً ونفلاً ويوافقهم المالكية في الأوقات الثلاثة: شروق الشمس واستوائها واصفرارها.

11- سنن الإحرام :

أ- الاغتسال :

وهو سنة مؤكدة عند الأئمة الأربعة ، ويقوم الوضوء مكانه في تحصيل أصل السنة عند الحنفية، لكن الاغتسال هو السنة الكاملة.

عن زيد بن ثابت : "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل" رواه الترمذي.

واتفق الفقهاء على أن الغُسْلَ سنة لكل محرم صغير أو كبير ذكر أو أنثى، ويطلب من المرأة الحائض والنفساء.

وفي حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت عُمَيْس لمّا ولدت: "اغتسلي واسْتَثْفِري بثوب وأحرمي".

وعن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إن النفساءَ والحائضَ تغتسلُ وتحرمُ وتَقْضِي المناسكَ كلها غير أنْ لا تطوفَ بالبيت حتى تطهُرَ".

وحكمة هذا الغسل أنه للنظافة، لأن المحرم يستعد لعبادة يجتمع لها الناس، فيسن له الغسل كما يسن لصلاة الجمعة.

ب- التطيب :

1) التطيب في البدن :

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ التطيب استعداداً للإحرام سنة.

وذهب الحنفية إلى أنه مستحب.

والأصل فيه ما ورد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت : "كنت أُطَيِّبُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" متفق عليه.

وذهب المالكية إلى تحريم الطيب عند الإحرام للبدن.

2) أما تطييب ثوب الإحرام :

ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى جواز تطييب ثوب الإحرام عند الحنفية والشافعية والحنابلة عند إرادة الإحرام ولا يضر بقاء الرائحة في الثوب بعد الإحرام، كما لا يضر بقاء الرائحة الطيبة في البدن اتفاقاً، قياساً للثوب على البدن، لكن نصوا على أنه لو نزع ثوب الإحرام أو سقط عنه، فلا يجوز أن يعود إلى لبسه مادامت الرائحة فيه، بل يزيل منه الرائحة ثم يلبسه.

وذهب المالكية إلى تحريم الطيب عند الإحرام تحريماً باتاً للبدن وللثوب.

ج- ركعتا الإحرام :

يُسَنُّ أن يصلي ركعتين قبل الإحرام :

اتفق الفقهاء المذاهب الأربعة أن صلاة ركعتين قبل الإحرام سنة، عن ابن عمر : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركع بذي الحُلَيْفَة ركعتين" رواه مسلم.

ولا يصليهما في الوقت المكروه اتفاقاً بين المذاهب الأربعة، إلا من كان في الحرم عند الشافعية.

وتجزئ المكتوبة عنهما اتفاقاً بين المذاهب الأربعة، كتحية المسجد.

د- التلبية :

وهي أن يقول الصيغة المأثورة "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".

وقد اتفق الفقهاء على سنيتها واستجاب الإكثار منها إجمالاً، واختلفوا في حكمها عند الإحرام بالحج أو العمرة.

ذهب الحنفية إلى أنها جزء من الإحرام لا يصح ولا يعتبر ناوياً للنسك إلا إذا قرنه بالتلبية، ويحل محلها عمل خاص بالحج كسَوْق الهدي أو تقليده.

وذهب المالكية إلى أنها أبيض.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنها أبيض، لأنها ذكر فلا تجب في الحج كسائر أذكار الحج.

والأفضل أن يلبي عقب صلاة الإحرام ناوياً الحج أو العمرة، أو كليهما معاً، وإن لبى بعد الركوب جاز.

عن ابن عمر " أنه صلى الله عليه وسلم أهَلَّ حين استوت به راحلته قائمة" رواه البخاري ومسلم.

لكن التلبية عقب الصلاة افضل، إذا فعل المحرم ذلك الذي فصلناه فقد تم إحرامه بشروطه وسننه.

12- محرمات الإحرام :

محرمات الإحرام كثيرة متعددة، تنقسم إلى الأنواع التالية :

النوع الأول : المحرمات من اللباس.

النوع الثاني : المحرمات المتعلقة ببدن المحرم.

النوع الثالث : الصيد وما يتعلق به.

النوع الرابع : الجماع ودواعيه.

النوع الخامس : الفسوق والجدال.

النوع الأول : المحرمات من اللباس :

يختلف تحريم الملبس في حق الرجال عن تحريم الملبس في حق النساء :

أ- إحرام الرجل في حق الملبس :

يلبس الرجل للإحرام إزاراً "مئزراً" ورداء "يلف على نصفه العلوي". وَيَحْرُم عليه ما تضمنه الحديث الصحيح : عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يلبس المحرم من الثياب ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تلبسوا القُمُصَ، ولا العمائمَ، ولا السَّراويلاتِ، ولا البَرَانِسَ، ولا الخِفافَ، إلا أحدٌ لا يجدُ النَّعلين فَلْيَلْبِس الخفين وَلْيَقْطَعْهُما أسفَل من الكعبين، ولا تلبِسوا من الثياب شيئاً مسَّه الزعفرانُ ولا الوَرْس". متفق عليه.

والمقصد من تحريم هذه الثياب الامتناع عن لبس المخيط او المحيط لبساً معتاداً، فلو وضع القميص على جسمه بوضع غير معتاد كانْ يلفّ به جسمه لا يكون ممنوعاً. وكذا لو لف قماشاً على بعض جسمه غير معتاد لم يمنع. ولو ترك لبس الرداء وظل أعلاه فوق السرة عارياً لم يمنع.

وهذا بيان هام لحكم ربط الرداء والإزار :

مذهب الحنفية : يكره للمحرم أن يربط طرفي الإزار أو يشد عليه رباطاً أو يشبكه بدبوس أو زر، لكن لا يجب عليه شيء لو فعل ذلك، وكذلك الرداء عندهم.

فذهب الشافعية والحنبلية : فإنهم فرقوا بين الإزار والرداء، فأجاز الشافعية للمحرم أن أن يعقد الإزار ويشد عليه خيطا ليثبت، وأن يجعل له مثل الحُجْزة ويدخل فيها التكة إحكاماً، أو يزرّه بالزر، أو بأزرار متباعدة، وأن يغرز طرف ردائه في إزاره، ولا يجوز له أن يثبِّت الإزار بشوكة، أو إبرة، أو دبوس. ولا يجوز عقد الرداء ولا خله بخلال أو مسلة (كالدبوس والإبرة) ولا ربط طرفه إلى طرفه بخيط أو نحوه، فإن فعل شيئاً مما ذكرنا حظره لزمته الفدية.

وقال الحنابلية : "له أنْ يعقد إزاره، وأنْ يشدّ وسطه بحبل ولا يعقده لكنه يدخل بعضه في بعض، ولا يجوز له عقد ردائهن ولا أن يزره عليه ولا يخله بشوكة ولا غيرها (كالإبرة والدبوس)، ولا يغرز طرفيه في إزاره.

ومذهب المالكية : فقد أوجبوا الفدية في ذلك كله سواء كان في الإزار أو الرداء.

والنهي عن العمامة يشمل كل شيء يوضع على الرأس لتغطيته، أما إذا ظلل رأسه بشيء لا يلامس الرأس كالمظلة فلا بأس به.

ومثل العمامة ستر الوجه عند الأئمة الثلاثة، خلافاً للشافعية فلم يحرموه على المحرم.

والنهي عن ثوب الزعفران يندرج تحته كل ثوب مسه طيب فلا يجوز لبسه.

وإذا كان لبس الخفين ممنوعاً، فالمنع للقفازين من باب أولى، لأن الحاجة للخف أعظم والرفاهية في القفاز ظاهرة جداً.

وقطع الخف أسفل من الكعبين: فسره الحنفية بالعظم الناتئ وسط ظاهر القدم.

وفسره بقية الفقهاء بالكعبين في جانبي القدم اللذين هما حد الغسل في الوضوء.

ونصوا على إباحة وضع الخاتم، لأنه لا يعتبر لبساً، ولعل أن يلتحق به وضع الساعة في اليد الآن، لأنه لا يعتبر لبساً أيضاً، ولأن الحاجة لذلك ماسة أكثر من الخاتم.

ب- إحرام المرأة في الملبس :

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنَّ المرأة إحرامها بكشف وجهها فقط فيحل لها لبس المخيط والقفاز وتغطية الرأس.

وذهب مالك وأحمد وهو الأظهر المعتمد في مذهب الشافعية إلى أنه يحرم عليها ما نص عليه حديث ابن عمر السابق فقد رواه البخاري بزيادة : "ولا تَنْتَقِبُ المرأةُ، ولا تَلْبَسُ القُفَّازَيْن".

لكن إذا سترت وجهها بساتر لا يمسه لا يحرم، وهكذا تصنع الكثيرات فيجعلن في جبهتهن إطاراً عريضاً ينزل الحجاب فوقه فيحجب الوجه ولا يمسه.

وأجاز الحنابلة أن تستر المحرِمة وجهها بثوب تلقيه عليه من فوق رأسها على وجهها إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريباً منها، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها بأن يلقى الثوب إلقاء في هذا الحال فقط.

ولابأس أن تلبس المرأة المحرمة الذهب والحرير وتتحلى بالحلي عند عامة العلماء، لكن يحرم عليها إظهار الزينة أمام الأجنبي في الإحرام وغيره، ولا يكون الحج مبروراً.

النوع الثاني : المحرمات المتعلقة ببدن المحرم :

وهي كل شيء يرجع إلى تطييب الجسم، أو إزالة الشَّعَثِ، أو قضاء التَّفَث، والأصل في هذا النوع قوله تعالى: { وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } [البقرة: 196].

فتحرم بالإحرام الأشياء الآتية :

أ- حلق الرأس بنفسه أو بواسطة غيره محرماً كان أو حلالاً، عملاً بنص الآية. وكذا حلقُ المحرم رأسَ محرم آخر، وذلك ما لم يفرغ الحالق والمحلوق من أداء نسكهما ويصبح الحلق حلالاً لهما، فعندئذ لا يدخلان في الحظر ويجوز لهما أن يحلقا لبعضهما باتفاق المذاهب.

ب- إزالة الشعر من أي موضع من الجسم قياساً على شعر الرأس، ولو شعرة واحدة.

ج- إزالة الظفر بالتقليم أو غيره قياساً على الشعر بجامع الترفه في الجميع.

د- الطيب:

1) يحرم استعمال الطيب في ثوبه أو بدنه ولو كان للتداوي اتفاقاً.

فعلى المحرمين أن يجتنبوا أنواع الصابون المطيب، والصابون المستورد من الخارج الذي له رائحة عطرية، كما يجب عليهم الاحتياط عند شرائهم شيئاً من الطبيب والامتناع من النوم على شيء مطيب.

2) أما شم الطيب فقط دون مس.

فذهب الحنفية والمالكية والشافعية إلى كراهة ذلك، ولا فداء فيه عندهم.

وذهب الحنبلية إلى أنه يحرم تعمد شم الطيب كالمسك والكافور ويجب فيه الفداء، ويجوزشم الفواكه وكل نبات صحراوي كالشِّيح والقَيْصوم ...

3) وأما أكل الطيب الخالص أو شربه فلا يحل للمحرم اتفاقاً في المذاهب الأربعة.

4) أما إذا خلطه بطعام قبل الطبخ وطبخه معه فلا شيء عليه قليلاً كان أو كثيراً عند الحنفية والمالكية . وكذا عند الحنفية لو خلطه بطعام مطبوخ بعد طبخه. أما إذا خلطه بطعام غير مطبوخ فإن كان الطعام أكثر فلا شيء ولو وجدت الرائحة، غير أنه إذا وجدت معه الرائحة يكره، وإن كان الطيب أكثر وجب فيه الدم وإن لم تظهر رائحته.

أما عند المالكية فالكل محظور وفيه الفداء عندهم.

وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه خلط الطيب بمشروب كماء الورد وغيره وجب فيه الجزاء قليلاً كان الطيب أو كثيراً.

وذهب الشافعية والحنبلية إلى أنه خلط الطيب بغيره من طعام أو شراب ولم يظهر له ريح ولا طعم فلا حرمة ولا فدية، وإلا فهو حرام وفيه الفدية.

5) أما أكل الفواكه ذات الرائحة الطيبة كالتفاح والسفرجل والنارنج والليمون وغيرها فهو جائز عند الجميع. والله أعلم.

هـ- ذهب الحنفية والمالكية إلى تحريم دهن شعر الرأس أو أي شعر في الجسم بدهن ولو كان غير مطيب كالزيت مثلاً، لما فيه من التزيين والتحسين للشعر، وذلك ينافي الشأن الذي يجب أن يكون عليه المحرم من الشعث والغبار افتقاراً وتذللاً لله تعالى.

وذهب الشافعية إلى عدم تحريم دهن شعر البدن بدهن ليس بطيب إلا في الرأس واللحية فيحرم الدهن الذي ليس بطيب في الرأس واللحية ولو كان حليقاً، فليحذر المحرم أن ينتقل إليهما شيء من السمن أو الدهن أو الزيت بواسطة يده أو بغير ذلك.

وذهب الحنابلة إلى إباحة الدهن غير المطيب للمحرم في رأسه ولحيته وسائر بدنه.

وثمة أمور يظنها الناس ممنوعة على المحرم وليست ممنوعة مثل : الاغتسال وحك الرأس أو البدن، لكي ينبغي أن يترفق حتى لا يسقط شيء من شعره فتلزمه فديته. وكذا الاكتحال إذا كان غير مطيب.

النوع الثالث : الصيد :

أ- الصيد هو المستوحش النافر من الناس في أصل خلقته، أما المستأنس في أصل الخلقة فليس بصيد. فلا يحرم على المحرم ذبح المواشي والدجاج لأنها مستأنسة.

والأصل في حرمة الصيد قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمُُ } [المائدة : 95]. يعني لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون.

وقوله تعالى : { وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيْدُ البَرِّ مَا دُمْتُم حُرُماً } [المائدة : 96].

ويحرم الصيد أيّاً كان نوع الحيوان، ولو كان غير مأكول اللحم، ويحرم مساعدة من يريد الصيد أيضاً بأي وجه من الوجوه : كالدلالة عليه، وإعارة سكين، ومناولة سوط، وكذا تنفير الصيد، وكسر بيضه، وكسر قوائمه وجناحه، وحلبه، وبيعه، وشرؤاه، يحرم ذلك على المحرم سواء كان ذلك في داخل الحرم أو خارجه، وأباح الشافعية غير مأكول اللحم وكرهه الحنبلية.

ويحرم على المحرم أكل صيد البر الذي صاده محرم آخر، أو ساعد فيه حلالاً، أو صاده لأجله حلال أيضاً.

ب- جواز قتل الدواب الفواسق:

وقد نصوا على جواز قتل خمسة من الحيوانات للحلال والحرام في الحِلِّ والحرم أخذاً بالحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" خمسٌ مِن الدوابِّ كُلُهُنَّ فاسقٌ يُقْتَلْن في الحرم: الغرابُ، والحِدَأَةُ، والعَقْرَبُ، والفأرةُ، والكلبُ العَقُور". متفق عليه.

وفي رواية عند مسلم ذكر : "الحية" ولم يذكر "العقرب".

ووقع عند أبي داود بزيادة : "السبع العادي" يعني الحيوان المفترس.

وقد اتفقوا على إباحة قتل هذه المذكورات جميعاً.

النوع الرابع : الجماع ودواعيه :

والأصل في هذا النوع قوله تعالى :

{ فَمَنْ فَرَضَ فيهنَّ الحجَّ فلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ في الحجّ } [البقرة: 197].

الرَّفَث محركة الجِماع وغيره مما يكون بين الرجل وامرأته من التقبيل والمغازلة ونحوهما مما يكون في حالة الجماع، وهو أيضاً الفحش وكلام النساء في الجماع، أو ما وُوِجهْن به من الفحش.

فيندرج تحت هذا النوع المسائل التالية:

أ) تحريم الجماع على المحرم، وقد أجمع على ذلك العلماء عملاً بالآية، وأجمعوا على أن الجماع مفسد للحج.

ب) يحرم على المحرم أيضاً جميع دواعي الجماع كاللمس بشهوة والتقبيل.

ج) الكلام الفاضح في المسائل الجنسية محظور على المحرم أيضاً لأنه من دواعي الجماع، فيكون محظوراً عليه.

ومثل هذا الكلام مستقبح، مخل بالمروءة، فكيف وهو في الإحرام !!

النوع الخامس : الفسوق والجدال:

الفسوق: هو الخروج عن الطاعة، وذلك حرام في كل حال، فما أشنعه إذا صدر عن المحرم.. ؟!

والجدال : أن يجادل رفيقه حتى يغضبه، وكذلك المنازعة والسباب.

فليشتغل المحرم بالتلبية، وذكر الله تعالى، أو قراءة القرآن، أو تعليمٍ لجاهل، أو أمرٍ بمعروف، أو نهي عن منكر.

Free Web Hosting