القسم الثاني

كيفية أداء الحج والعُمْرَة والزيارة وأدعيتها المأثورة

الفصل الأول

في 77- أنواع الحج وَالعُمْرة

يؤدى هذان النسكان على أربعة أوجه ثبتت في السنة الصحيحة والإجماع :

الوجه الأول: الإفراد للحج، وهو أن يهل الحاج أي ينوي الحج فقط عند إحرامه.

الوجه الثاني: القِران ُ، وهو أن يُهِلّ في إحرامه بالحج والعمرة جميعاً.

الوجه الثالث: التَّمَتُّع، وهو أن يهل بالعمرة فقط في أشهر الحج، حتى إذا جاء مكة أدى مناسك العمرة، وتحلل بعد ذلك، ومكث بمكة حلالاً، ثم يحرم بالحج.

الوجه الرابع: إفرادُ العمرة، وهو أن يهل بالعمرة فقط.

78- التَّمَتُّع:

أ- اتفق الفقهاء على أن التمتع اتيان بعملين كاملين : العمرة أولاً يحرم بها من الميقات، ويتحلل بعدها، ثم يأتي بالحج كاملاً يحرم به من مكة، ويجب عليه الدم.

ب- وإنما يكون متمتعاً عند الحنفية بالشروط الآتية وهي عند غيرهم شروط وجوب دم التمتع:

1) أن يكون آفاقياً ، فليس لأهل مكة ولا لأهل منطقة المواقيت تمتع عند الحنفية.

أما الشافعية فعندهم ليس التمتع لأهل مكة ومن مساكنهم دون مرحلتين - مسافة القصر - من مكة في أحد القولين. والصحيح أنهم من مساكنهم دون الحرم بمرحلتين.

وأصل هذا الشرط قوله تعالى: { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } [البقرة: 196].

وجه الاستدلال: أن الله جعل التمتع خاصاً بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، فألحق الحنفية به منطقة المواقيت لمساواتها منطقة الحرم في الشرف من حيث حظْرُ مجاوزتها بدون إحرام، وقال المالكية : هم أهل مكة وكل مكان له حكم مكة.

وقال الشافعية والحنبلية : المراد بالمسجد الحرام: الحَرَمُ والقريب من الشيء يقال إنه حاضره، وذلك ما دون مسافة القصر.

2) أن تقع عمرته في أشهر الحج قبل أداءه للحج من عامه الذي يحج فيه، فلو اعتمر قبل أشهره ثم حج من عامه ذاك لم يلزمه دم التمتع اتفاقاً .

3) أن لا يعود إلى أهله فيما بين العمرة والحج:

ذهب الحنفية إلى أنه سافر بعد العمرة من مكة إلى بلد غير بلده لا يسقط تمتعه، لأنه لم يُلِمَّ بأهله إلماماً صحيحاً.

وذهب المالكية إلى اشتراط ألا يعود إلى أفقه - أي بلده - أو مثل أَفُقه في البعد ولو كان من أهل الحجاز.

وذهب الشافعية إلى أنه يشترط ألا يعود لإحرام الحج إلى الميقات الذي أحرم منه بالعمرة، وعلى ذلك يسقط تمتع مَنْ ذكرنا، ولا يجب عليه الدم.

وذهب الحنبلية إلى أنه يشترط ألا يسافر من مكة مسافة تقصر فيها الصلاة.

79- القِرَانُ:

أ- هو أن يجمع الآفاقي بين الحج والعمرة:

ويلحق به عند الحنفية التمتع إذا ساق المتمتع الهدي، فلا يتحلل بعد العمرة كما هو الحال في المتمتع، بل يظل محرماً حتى ينحر الهدي يوم النحر عند الحنفية. لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر: "لو أني اسْتَقَبَلْتُ مِن أَمْرِي ما اسْتَدْبَرْتُ لم أسُقِ الهَدْيَ وجعلْتُها عمرة" فهذا يفيد: "أن التحلل لا يتأتى إلا بما يتضمنه كلامه من إفراد العمرة، وعدم سوق الهدي، فلو كان التحلل يجوز مع سوق الهدي لاكتفى بقوله: لجعلتها عمرة".

وفرقوا بين القران والتمتع، فلم يشترطوا في القران عدم الإلمام بأهله.

وهو قول عند الشافعية.

ولكن الأظهر عند الشافعية سقوط دم القران عمن عاد إلى الميقات فقطع المسافة محرماً وكذا عند المالكية إذا عاد القارن إلى بلده أو مثله في البعد وعند الحنابلة إذا خرج من مكة مسافة القصر، يسقط الدم عند هؤلاء عن القارن، خلافاً للحنفية.

والراجح عند الحنفية أن المكي يكره له القران، وإذا فعله جاز وأساء وعليه دم جبر لإساءته، خلافاً للتمتع، فإنه لا يتحقق من المكي مطلقاً.

وسوَّى الجمهور بينهما فلم يوجبوا على المكي الدم للمتمتع ولا القران، لعدم صحتهما منه عندهم.

ب- وصفة القِران عند الحنفية أن يُهل بالعمرة والحج معاً من الميقات، وهو أن يقول: عقيب صلاة الإحرام: اللهم إني أريد الحج والعمرة فيسرهما لي وتقبلهما مني .. لبيك اللهم لبيك" الخ. فإذا دخل مكة ابتدأ فطاف بالبيت سبعة أشواط، يرمل في الثلاثة الأول منها، ويضطبع فيها كلها. ثم يسعى بعدها بين الصفا والمروة، وهذه أفعال العمرة، ثم يبدا بأفعال الحج فيطوف طواف القدوم سبعة أشواط ويسعى بعده كما في الإفراد.

ويقدم أفعال العمرة لقوله تعالى: { فَمَنْ تَمَتَّع بالعمرةِ إلى الحَجِّ } ، والقِرَانُ في معنى التمتع، ولا يحلق بين العمرة والحج ولا يتحلل، لأن ذلك جناية على إحرام الحج، وإنما يحلق في يوم النحر كما يحلق المفرد، ويتحلل بالحلق أو التقصير عند الحنفية كما يتحلل المفرد.

وخالف المالكية والشافعية والحنبلية في تكرار الطواف والسعي فقالوا: القارن يطوف طوافاً واحداً، ويسعى سعياً واحداً.

ج- هدي التمتع والقران:

وقد اتفق العلماء على أن المتمتع والقارن يلزمهما الهدي ، لقوله تعالى:

{ فَمَنَ تَمَتّعَ بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ فما اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدْيِ } .

1) واختلف العلماء في وقت ذبح الهَدْيِ للتمتع والقران.

فذهب الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنه يوم النحر بمنى.

قال الحنفية : بعد رمي الجمرة وقبل الحلق، لما سبق من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد نحر هديه على هذه الصفة. ويمتد إلى مغرب اليوم الثالث من أيام النحر.

وذهب الشافعية إلى أن وقت وجوبه الإحرام بالقران للقارن، والإحرام بالحج في التمتع، لأنه حينئذ يصير متمتعاً بالعمرة إلى الحج، والأظهر عندهم جواز ذبحه إذا تحلل من العمرة، ولا يتأقت ذبحه بوقت كسائر دماء الجبرانات، ولكن الأفضل ذبحه يوم النحر، للاتباع، وخروجاً من خلاف من أوجبه فيه.

3) إن لم يجد هَدْيا يجب عليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، باتفاق العلماء ، لقوله تعالى: { فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } [البقرة: 196] .

واتفقوا على أنه لا يصح صيامُ الأيام الثلاثة قبل أشهر الحج للقارن والمتمتع، ولا قبل الإحرام بالحج والعمرة في حق القارن، ولا قبل إحرام العمرة في حق المتمتع.

ذهب الحنفية والحنابلة إلى إجازة تقديم صيام الأيام الثلاثة على إحرام الحج في حق المتمتع، لأنه وَقْتٌ كاملٌ جاز فيه نحر الهَدْي فجاز فيه الصيام، كَبَعْدَ إحرام الحج.

وذهب المالكية والشافعية إلى منع ذلك.

أما الأيام السبعة الباقيةُ على مَنْ عجز عن هدي القِرَان أو التمتع فلا يصح صيامها إلا بعد أيام التشريق. ثم يجوز صيامها بعد الفراغ من أفعال الحج ولو في مكة إذا مكث بها عند الحنفية والمالكية والحنبلية ، لكن الأفضل المستحب أن يصومها إذا رجع إلى أهله وهو قول عند الشافعية . لكن الأظهر عند الشافعية أنه يصوم الأيام السبعة إذا رجع إلى أهله، ولا يجوز أن يصومها في الطريق، إلا إذا أراد الإقامة بمكة صامها بها.

4) ذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أنَّ من لم يصم الأيام الثلاثة في الحج يقضيها.

ثم عند المالكية وهو قول عند الحنبلية : إن صام بعضها قبل يوم النحر كَمَّلها أيام التشريق. وإن أخَّرها عن أيام التشريق صامها متى شاء، وسواء وصلها بالسبعة أوْ لم يَصِلْها.

ولا يجوز صيام شيء منها يوم النحر بالاتفاق.

ولم يجز الشافعية والحنبلية في القول الآخر عندهم صيامها أيام النحر والتشريق، بل يؤخرها إلى ما بعد، ويجب عند الشافعية في الأظهر في قضاء الأيام الثلاثة: أن يفرق في قضائها بينها وبين السبعة بقدر أربعة أيام : يوم النحر وأيام التشريق، ومدة إمكان السير إلى أهله على العادة الغالبة كما في الأداء، فلو صام عَشَرَةَ أيام ولاء حصلت الثلاثة، ولا يُعْتَدُّ بالبقية، لعدم التفريق.

ويتفرع على هذا المسألة:

ذهب الحنفية إلى أن من تمتع أو قرن إذا عجز عن الهدي وتأخر عن الصيام إلى يوم النحر فتحلل فعليه دمان: دم التمتع أو القران ودم التحلل قبل ذبح الهدي.

وذهب الجمهور إلى أنه لا يلزمه سوى قضاء صومها على الكيفية التي عرفتها.

80- مشروعية أنواع الحج وأيها أفضل:

اتفق الأئمة الأربعة على جواز أداء الحج بأي وجه من الأوجه التي ذكرناها.

ثم وقع خلاف في أي أنواع الحج أفضل:

فذهب المالكية والشافعية إلى أن الإفراد بالحج أفضل.

وذهب الحنابلة إلى أن التمتع أفضل.

فقد أمر أصحابه بالتمتع وتمناه لنفسه، ولا يأمر أصحابه ولا يتمنى إلا الأفضل.

وذهب الحنفية إلى أن الأفضل هو القران.

الفصل الثاني

كيفية أداء الحج والعمرة

عرفنا أن أداء الحج والعمرة له حالات ثلاثة : الإفراد، التمتع، القران.

81- أولاً- كيفية الإفراد : الإفراد أن يحرم بالحج وحده، دون عمرة.

وكيفيته: أن يغتسل أو يتوضأ قبل الإحرام، والغسل أفضل، ويلبس ثوبين جديدن أو غسيلين إزاراً ورداء، ويتطيب، ويصلي ركعتي الإحرام، في غير وقت الكراهة، ويقول : اللهم إني أريد الحج فيسِّره لي وتقبله مني، ثم يلبي عقب صلاته، ناوياً بتلبيته الحج، ويكثر من التلبية عقيب الصلوات، وفي الصعود والنزول والركوب ولقاء الرفقة، وبالأسحار.

فإذا لبى ناوياً فقد أحرم، فيمتنع عما نهى الله عنه من الرَّفث والفسوق والجدال، ولا يقتل صيداً ولا يشير إليه، ولا يدل عليه، ولا يلبس مخيطاً ولا خفاً، ولا يغطي رأسه ولا وجهه، ولا يمس طيباً، ولا ينتف أو يقص شعراً ولا ظفراً.

ولا بأس أن يغتسل بغير صابون، لأنه نوع طيب، وله أن يستظل بالبيت والمظلمة، وأن يشد في وسطه الهِمْيان (وهو ما يجعل فيه الدراهم ويشد على الوسط) ومثله المنطقة.

فإذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام بعد تأمين أمتعته، داخلاً - كما ذكر الحنفية - من باب السلام خاشعاً متواضعاً، ملاحظاً عظمة البيت وشرفه، فإذا عاين البيت كبر الله تعالى وهلل ثلاثاً ودعا بما أحب، فإنه من أرجى مواضع الإجابة.

ثم يطوف غير المكي طواف القدوم، لأنه تحية البيت، مبتدئاً بالحجر الأسود، مستقبلاً له، مكبراً مهللاً، رافعاً يديه كرفعهما للصلاة، مستلماً له بباطن كفيه، ثم مقبلاً له إن استطاع من غير أن يؤذي مسلماً، ثم يدور حول الكعبة عن يساره، ويطوف بالبيت سبعة أشواط، من وراء الحطيم (الحِجْر)، ويستلم الحجر والركن اليماني في كل شوط يمر بهما، ويختم الطواف بالاستلام كما ابتدأ به، ثم يصلي عند مقام إبراهيم أو حيث تيسر من المسجد، في وقت مباح غير مكروه.

وليس على أهل مكة طواف القدوم، وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفات ووقف بها، سقط عنه طواف القدوم، ولا شيء عليه لتركه.

ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعاً، يصعد على كل منهما، ويستقبل البيت، مكبراً مهللاً، مصلياً على النبي صلى الله عليه وسلم، داعياً الله تعالى بحاجته، ويرمل بين الميلين الأخضرين، مبتدئاً بالصفا، مختتماً بالمروة.

ثم يقيم بمكة محرماً، يطوف بالبيت كلما بدا له.

ثم يخرج في سابع ذي الحجة إلى منى، فيبيت فيها، ويصلي فيها خمس صلوات (الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر).

وفي اليوم الثامن يتوجه إلى عرفات، فيصلي مع الإمام أو منفرداً في مسجد نمرة صلاة الظهر والعصر مقصورتين مجموعتين جمع تقديم، مستمعاً للخطبة بأذان واحد وإقامتين. ويستحب أن يغتسل قبل الوقوف.

ثم يتوجه إلى الموقف، فيقف بقرب الجبل، وعرفات كلها موقف إلا بطن عُرَنة، وينبغي للإمام أن يقف بعرفة على راحلته، ويدعو، ويعلم الناس المناسك، ويستحب أن يجتهد في الدعاء. ومن أدرك الوقوف بعرفة ما بين زوال الشمس من يوم عرفة إلى طلوع الفجر من يوم النحر، فقد أدرك الحج. ومن مرَّ بعرفة وهو نائم أو مغمى عليه، أو لم يعلم أنها عرفة، أجزأه ذلك عند الحنفية عن الوقوف.

فإذا غربت الشمس، أفاض الإمام والناس معه على هينتهم على طريق المأزمين، حتى يأتوا المزدلفة، فينزلوا بها. والمستحب أن ينزل بقرب جبل قُزَح وهو المشعر الحرام. ويصلي الإمام بالناس بالمغرب والعشاء جمع تأخير مع قصر العشاء، بأذان واحد، وإقامة واحدة عند الحنفية، ولا يجوز عند أبي حنيفة أن يصلي المغرب في الطريق إلى المزدلفة، وعليه إعادتها مالم يطلع الفجر.

فإذا طلع الفجر يوم النحر، صلى الإمام بالناس الفجر بغَلَس لأجل الوقوف، ثم وقف بمزدلفة وجوباً عند الحنفية ولو لحظة، ووقته من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ووقف الناس معه، فدعا وكبر وهلل ولبى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ويلتقط حصى الرمي سبعين من المزدلفة.

والمزدلفة كلها موقف إلا بطن مُحَسِّر (وهو وادٍ بين منى ومزدلفة).

ثم أفاض الإمام والناس معه قبل طلوع الشمس حتى يأتوا منى، فيرمي جمرة العقبة من بطن الوادي بسبع حَصَيات مثل حصى الخذف، ويكبر مع كل حصاة، ولا يقف عندها، لأنه لا رمي بعدها، ويقطع التلبية مع أول حصاة (1) ، إن رمى قبل الحلق، فإن حلق قبل الرمي قطع التلبية، لأنها لا تثبت مع التحلل.

ثم يذبح تطوعاً إن أحب لأنه مفرد، ثم يحلق أو يقصر بمقدار الأنملة، والحلق أفضل من التقصير، فيحل له حينئذ كل شيء إلا النساء، وإلا الصيد والطيب عند المالكية.

ثم يأتي مكة يوم العيد أو بعده بيوم أو يومين، فيطوف طواف الزيارة (وهو طواف الفرض) سبعة أشواط، ثم يسعى بين الصفا والمروة، إن لم يكن سعى عقيب طواف القدوم، ويرمل الذكر في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، ويضطبع فيه إن سعى الآن، لأن الرمل والاضطباع مشروعان في كل طواف بعده سعي.

______________________

(1) هذا رأي الجمهور، وقال المالكية : تقطع التلبية بزوال شمس يوم عرفة.

ويكره تأخير الطواف عن الأيام الثلاثة (وهي يوم العيد ويومان بعده)، فإن أخره عنها، لزمه دم عند أبي حنيفة.

ثم يعود إلى منى، فيقيم بها لأجل الرمي ووقته ما بعد الزوال من اليوم الثاني من أيام النحر، مبتدئاً برمي الجمرة التي تلي مسجد الخَيْف بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عندها ويدعو، لأن بعده رمي، ثم يرمي الجمرة الوسطى، ويقف عندها ويدعو، ثم يرمي جمرة العقبة، ولكنه لا يقف عندها، لأنه ليس بعدها رمي.

ثم يرمي في اليوم الثالث الجمار الثلاث بعد زوال الشمس، وله أن يتعجل النفر إلى مكة بعدئذ أو يقيم لرمي الجمار الثلاث في اليوم الرابع بعد زوال الشمس. ويجوز عند أبي حنيفة الرمي في هذا اليوم قبل الزوال بعد طلوع الفجر. وينزل بالمُحَصَّب عند نفره إلى مكة.

وإذا أراد الحاج مغادرة مكة، طاف بالبيت سبعة أشواط لا يرمل فيها طواف الوداع أو الصَّدَر، وهو واجب عند الجمهور غير المالكية إلا على أهل مكة، ثم يعود إلى أهله، لفراغه من أعمال الحج.

والمرأة والخنثى المشكل في جميع ما سبق كالرجل، غير أنها لا تكشف رأسها، وتكشف وجهها، ولا ترفع صوتها بالتلبية، ولا ترمُل في الطواف، ولا تهرول بين الميلين الأخضرين، ولا تحلق رأسها، ولكن تقصِّر، وتلبس المخيط والخفين. وإذا كانت حائضاً أو نفساء فعلت كل أفعال الحج غير الطواف بالبيت، فإنها تنتظر حتى تطهر.

وإن حاضت المرأة عند الإحرام اغتسلت وأحرمت، وإن حاضت بعد الوقوف بعرفة وطواف الزيارة، انصرفت من مكة، ولا شيء عليها لترك طواف الصدر.

82- ثانياً: كيفية التمتع:

التمتع لغة: الانتفاع.

وشرعاً عند الحنفية: الجمع بين إحرام العمرة وأفعالها، أو أكثرها، وإحرام الحج وأفعاله، في أشهر الحج، من غير إلمام صحيح بأهله.

والمتمتع نوعان عند الحنفية : متمتع يسوق الهدي، ومتمتع لا يسوق الهدي. وحكم الأول كالقارن إذا دخل مكة طاف وسعى، ولا يتحلل بعد العمرة، بل يظل محرماً، حتى يحرم بالحج يوم التروية، وينحر الهدي يوم النحر. وإذا أراد المتمتع أن يسوق الهدي، أحرم، وساق هديه.

وصفة التمتع: أن يبتدئ من الميقات، فيحرم بعمرة، ويدخل مكة، فيطوف للعمرة، ويسعى، ويحلق أو يقصر، ويتحلل من عمرته بما فعل. ويقطع التلبية إذا ابتدأ بالطواف، ويقيم بمكة حلالاً.

فإذا كان يوم التروية (الثامن من ذي الحجة) أحرم بالحج من المسجد الحرام ندباً، ويشترط أن يحرم من الحرم، لأن المتمتع في معنى المكي، وميقات المكي في الحج: الحرم، كما تقدم في المواقيت. ثم يفعله الحاج المنفرد.

والأفضل أن يقدم الإحرام قبل يوم التروية، لما فيه من المسارعة وزيادة المشقة.

وعليه دم المتمتع، فإن لم يجد الدم، صام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع : أي فرغ من أداء نسكه، ولو قبل وصوله إلى أهله.

فإذا حلق يوم النحر، فقد حل من الإحرامين جميعاً، لأن الحلق مُحلِّل في الحج كالسلام في الصلاة، فيتحلل به عنهما.

وليس لأهل مكة عند الجمهور تمتع ولا قران، وإنما لهم الإفراد خاصة، وقال الحنفية : يكره القران للمكي.

بطلان التمتع: ويبطل تمتع المتمتع إذا عاد إلى بلده بعد فراغه من العمرة، ولم يكن ساق الهدي، لأنه ألم بأهله بين النسكين إلماماً صحيحاً. أما إذا كان قد ساق الهدي، فلا يكون إلمامه صحيحاً، ولا يبطل تمتعه عند أبي حنيفة لأنه يجب عليه العود إلى الحرم لأجل الحلق، لأنه مقيد بالحرم، والعود يمنع صحة الإلمام.

أما القارن فلا يبطل قرانه بالعود إلى بلده باتفاق الحنفية. فيكون الفرق بين القران والتمتع عند الحنفية : هو أن التمتع يشترط فيه عدم الإلمام بأهله، والقران لا يشترط فيه عدم الإلمام بأهله.

متى يكون المحرم بالعمرة قبل أشهر الحج متمتعاً؟

قال الحنفية : من أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج، فطاف لعمرته أقل من أربعة أشواط ثم لم يتمها حتى دخلت أشهر الحج، فتَّممها في أشهره، وأحرم بالحج، كان متمتعاً، لأن الإحرام عندهم شرط لا ركن، فيصح تقديمه على أشهر الحج، وإنما يعتبر أداء الأفعال في أشهر الحج، وقد وجد الأكثر، وللأكثر حكم الكل.

أما إن كان طاف لعمرته قبل أشهر الحج أربعة أشواط فصاعداً، ثم حج من عامه ذلك، لم يكن متمتعاً، لأنه أدى الأكثر قبل أشهر الحج، فصار كما إذا تحلل منها قبل أشهر الحج.

والحاصل أن الأكثر له حكم الكل عند الحنفية، فإذا حصل الأكثر قبل أشهر الحج، فكأنها حصلت كلها، والمتمتع: هو الذي يتم العمرة والحج في أشهر الحج.

ثالثاً: كيفية القران:

القران لغة: الجمع بين الشيئين مطلقاً.

وشرعاً : الجمع بين إحرام العمرة والحج في سفر واحد.

وصفة القران: أن يهل بالعمرة والحج معاً من الميقات، إما حقيقة بنية الأمرين معاً، وإما حكماً عند الحنفية خلافاً لغيرهم : بأن أحرم بالعمرة أولاً، ثم بالحج قبل أن يطوف لها أكثر الطواف، لأن الجمع قد تحقق، لأن الأكثر منها قائم، ويصح العكس عند الجمهور : بأن يحرم بالحج، ثم يدخل العمرة عليه، لكنه مكروه عند الحنفية.

وإدخال الحج على العمرة عند الجمهور (غير الحنفية) يكون قبل شروع المحرم في الطواف، فإن شرع فيه ولو بخطوة، فلا يجوز إدخال الحج على العمرة.

ويلحق بالقران عند الحنفية التمتع إذا ساق المتمتع الهدي، فلا يتحلل بعد العمرة، كما هو شأن المتمتع، بل يظل محرماً حتى ينحر الهدي يوم النحر.

ويقول القارن عقيب صلاة ركعتي الإحرام : "اللهم إني أريد الحج والعمرة، فيسرهما ليه، وتقبَّلهما مني" لبيك اللهم لبيك ... إلخ.

فإذا دخل القارن مكة، طاف بالبيت سبعة أشواط، يرمل في الثلاث الأُول منها، ويسعى بعدها بين الصفا والمروة. وهذه أفعال العمرة.

ثم يشرع عند الحنفية بأفعال الحج كالمُفرِد، ويطوف بعد السعي المذكور طواف القدوم، ويطوف طواف الإفاضة للحج، ويسعى أيضاً بين الصفا والمروة كالمفرد، لقوله تعالى: { وأتموا الحج والعمرة لله } وتمامهما أن يأتي بأفعالهما على الكمال، ولم يفرق بين القارن وغيره.

وقال الجمهور: يكفي للقارن طواف واحد وسعي واحد.

دم التمتع والقران: اتفق العلماء على أن المتمتع والقارن يلزمهما إذا أحرما بالحج الهدي، لقوله تعالى: { فَمَنْ تَمَتَّع بالعمرةِ إلى الحَجِّ فما استيسر من الهدي } .

ودم القران والتمتع: دم شكر فيأكل منه صاحبه عند الحنفية، ولا يأكل منهما عند الشافعية. وإن لم يدخل القارن مكة، وتوجه إلى عرفات، فقد صار عند الحنفية رافضاً لعمرته بالوقوف، وسقط عنه دم القران، وعليه دم لرفضه عمرته، وهو دم جبر لا يجوز أكله منه، ووجب عليه قضاؤها، لأنه بشروعه فيها أوجبها على نفسه، ولم يوجد منه الأداء، فلزمه القضاء.

ويسقط عند الشافعية دم التمتع إن عاد لإحرام الحج إلى الميقات.

Free Web Hosting