· زكاة المعادن والركاز:

- صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة.

- قدر الواجب في المعدن وصفته.

- نصاب المعادن.

- وقت وجوب الزكاة في المعدن.

- شروط إخراج الزكاة في المعادن.

- معادن البحر.

- الركاز.

- صفة الركاز الذي فيه الخمس.

- زكاة المستخرج من البحار.

اختلف الفقهاء في معنى المعدن، والركاز أو الكنز، وفي أنواع المعادن التي تجب فيها الزكاة، وفي مقادير الزكاة في كل من المعدن والركاز.

1- مذهب الحنفية:

المعدن، والركاز أو الكنز بمعنى واحد، وهو كل مال مدفون تحت الأرض، إلا أن المعدن هو ما خلقه الله تعالى في الأرض يوم خلق الأرض، والركاز أو الكنز هو المال المدفون بفعل الناس الكفار.

والمعادن ثلاثة أنواع:

أ- جامد يذوب وينطبع بالنار كالنقدين (الذهب والفضة) والحديد والنحاس والرصاص، ويلحق به الزئبق، وهذا هو الذي يجب فيه الزكاة وهي الخمس، وإن لم يبلغ نصاباً.

ب- جامد لا يذوب ولا ينطبع بالنار كالجص والنورة (حجر الكلس) والكحل، والزرنيخ وسائر الأحجار كالياقوت والملح.

جـ- مائع ليس بجامد: كالقار (الزفت) والنفط (البترول).

ولا يجب الخمس إلا في النوع الأول، سواء وجد في أرض خراجية أو عشرية (1) ويصرف الخمس مصارف خمس الغنيمة، ودليلهم الكتاب والسنة الصحيحة والقياس.

أما الكتاب : فقوله تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } [الأنفال: 41] ويعد المعدن غنيمة، لأنه كان في محله من الأرض في أيدي الكفرة، وقد استولى عليه المسلمون عنوة.

وأما السنة : فقوله صلى الله عليه وسلم: "العجماء جُبَار -أي هدر لا شيء فيه- والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس". متفق عليه والركاز يشمل المعدن والكنز، لأنه من الركز أي المركوز، سواء من الخالق أو المخلوق.

وأما القياس : فهو قياس المعدن على الكنز الجاهلي، بجامع ثبوت معنى الغنيمة في كل منهما، فيجب الخمس فيهما.

والزائد عن الخمس: إن وجد في أرض مملوكة فهو لمالكه، وإن وجد في أرض غير مملوكة لأحد كالصحراء والجبل فهو للواجد.

ووجوب الخمس في المعدن: هو إن كان عليه علامة الجاهلية كوثن أو صليب ونحوهما، فإن كان عليه علامة الإسلام مثل كلمة الشهادة، أو اسم حاكم مسلم، فهو لقطة لا يجب فيه الخمس.

(1) الأر ض الخراجية : هي كل أرض فتحت عنوة وأقر أهلها عليها، أو صالحهم الإمام على دفع الخراج (ضريبة أهل الكفار) إلا أرض مكة، فإنها فتحت عنوة وتركت لأهلها، ولم يوظف عليها الخراج. والأرض العشرية : هي كل أرض أسلم أهلها عليها قبل أن يقدر عليها، أو فتحت عنوة وقسمت بين الغانمين، وأرض العرب كلها أرض عشر، يجب فيها العشر الذي هو وظيفة أرض المسلمين فالأولى للدولة، والثانية مملوكه.

وكذلك لا يجب الخمس عند أبي حنيفة إن وجد المعدن أو الركاز في دار مملوكة، لأنه جزء من أجزاء الأرض مركب فيها، ولا مؤنة (ضريبة) في سائر الأجزاء، فكذا في هذا الجزء. وفي قول آخر عند الحنفية: فيه الخمس، لإطلاق الحديث السابق: "وفي الركاز الخمس" من غير تفرقة بين الأرض والدار. وفرق أبو حنيفة بينهما بأن الدار ملكت خالية عن المؤن (التكاليف) دون الأرض، بدليل وجوب العشر والخراج في الأرض دون الدار، فتكون هذه المؤنة (الخمس) واجبة مثلهما في الأرض دون الدار.

ولا زكاة في النوعين الآخرين من المعادن (مالا ينطبع بالنار، والمائع) إلا الزئبق من المائع، فإنه يجب فيه الخمس، لأنه كالرصاص.

ولا زكاة في الفيروز الذي يوجد في الجبال.

ولا زكاة في اللؤلؤ والعنبر ولا في جميع ما يستخرج من البحر من الحلي ولو ذهباً كنزاً، لأنه لم يرد عليه القهر، فلم يكن غنيمة، إلا إذا أعد للتجارة.

وأما الكنز أو الركاز: فيجب فيه الخمس إذا وجد في أرض لا مالك لها، للحديث السابق: "وفي الركاز الخمس" ويلحق به كل ما يوجد تحت الأرض من الأمتعة من سلاح وآلات وثياب ونحو ذلك، لأنه غنيمة بمنزلة الذهب والفضة.

ومن دخل دار الحرب بأمان، فوجد في دار بعضهم ركازاً، رده عليهم تحرزاً عن الغدر، لأن ما في الدار في يد صاحبها خاصة، وإن لم يرده وأخرجه من دار الحرب ملكه ملكاً خبيثاً، فيتصدق به. وإن وجده في صحراء دار الحرب، فهو للواجد، لأنه ليس في يد أحد على الخصوص، فلا يعد غدراً، ولا شيء فيه، لأنه بمنزلة المتلصص في دار الحرب غير المجاهر إذا أخذ شيئاً من أموال الحربيين، وأحرزه بدار الإسلام.

2- مذهب المالكية:

المعدن غير الركاز، والمعدن: هو ما خلقه الله في الأرض من ذهب أو فضة أو غيرهما كالنحاس والرصاص والكبريت، ويحتاج إخراجه إلى عمل وتصفية.

ملكية المعادن: المعادن أنواع ثلاثة:

الأول- أن تكون في أرض غير ممتلكة: فهي للإمام (الدولة) يقطعها لمن شاء من المسلمين، أو يجعلها في بيت المال لمنافعهم، لا لنفسه.

الثاني- أن تكون في أرض مملوكة لشخص معين: هي للإمام أيضاً، ولا يختص بها رب الأرض. وقيل: لصاحبها.

الثالث- أن تكون في أرض ممتلكة لغير شخص معين كأرض العنوة والصلح: أرض العنوة للإمام، ومعادن أرض الصلح لأهلها، ولا نتعرض لهم فيها ما داموا كفاراً، فإن أسلموا رجع الأمر للإمام.

والخلاصة أن حكم المعدن مطلقاً للإمام (أي السلطان أو نائبه) إلا أرض الصلح ما دام أهلها كفاراً.

الواجب في المعدن: تجب الزكاة في المعدن، وهي ربع العشر إن كان نصاباً، وبشرط الحرية والإسلام كما يشترط في الزكاة، لكن لا حول في زكاة المعدن، بل يزكى لوقته كالزرع، والمعدن الذي تجب فيه الزكاة هو الذهب والفضة فقط، لا غيرهما من المعادن من نحاس ورصاص وزئبق وغيرها إلا إذا جعلت عروض تجارة.

ويضم في الزكاة المعدن المستخرج ثانياً لما استخرج أولاً، متى كان العِرْق واحداً، أي متصلاً بما خرج أولاً، فإن بلغ الجميع نصاباً فأكثر، زكاه، وإن تراخى العمل.

ولا يضم عِرْق لآخر، كما لا يضم معدن لآخر، وتخرج الزكاة من كل واحد على انفراده.

ويستثنى من ذلك ما يسمى بالنَّدْرَة : وهي القطعة الخالصة من الذهب أو الفضة التي يسهل تصفيتها من التراب، فلا تحتاج إلى عناء في التخليص، ويخرج منها الخمس، ولو دون نصاب، وتصرف مصارف الغنيمة وهو مصالح المسلمين.

وأما الركاز أو الكنز: فهو دفين الجاهلية من ذهب أو فضة أو غيرهما، فإن شك في المال المدفون، أهو جاهلي أم غيره، اعتبر جاهلياً.

ملكيته: يختلف حكم ملكية الركاز باختلاف الأرض التي وجد فيها، وذلك أربعة أنواع:

الأول- أن يوجد في الفيافي، ويكون من دفن الجاهلية: فهو لواجده.

الثاني- أن يوجد في أرض مملوكة: فهو لمالك الأرض الأصلي بإحياء أو بإرث منه، لا لواجده، ولا لمالكها بشراء أو هبة، بل للبائع الأصلي أو الواهب إن علم، وإلا فلقطة.

الثالث- أو يوجد في أرض فتحت عنوة: فهو لواجده.

الرابع- أن يوجد في أرض فتحت صلحاً: فهو لواجده.

هذا كله ما لم يكن بطابع المسلمين، فإن كان بطابع المسلمين، فحكمه حكم اللقطة : يُعرَّف عاماً ثم يكون لواجده.

زكاته: يجب الخمس في الركاز مطلقاً، سواء أكان ذهباً أم فضة أم غيرهما، وسواء وجده مسلم أو غيره. ويصرف الخمس كالغنائم في المصالح العامة، إلا إذا احتاج إخراجه إلى عمل كبير أو نفقة عظيمة، فيكون الواجب فيه ربع العشر، ويصرف في مصارف الزكاة.

ولا يشترط في الواجب في الركاز في الحالين بلوغ النصاب.

ولا زكاة فيما لفظه (طرحه) البحر مما لم يكن مملوكاً لأحد، كعنبر ولؤلؤ ومرجان وسمك، ويكون لواجده الذي وضع يده عليه أولاً، بلا تخميس، لأن أصله الإباحة. فإن سبق ملكه لأحد من أهل الجاهلية، فهو لواجده بعد تخميسه، لأنه من الركاز. وإن علم أنه لمسلم أو ذمي لقطة، يعرَّف عاماً.

3- مذهب الشافعية:

المعدن غير الركاز، فالمعدن: ما يستخرج من مكان خلقه الله تعالى فيه، وهو خاص بالذهب والفضة، كما قال المالكية.

ويجب فيه ربع العشر إن كان ذهباً أو فضة، لا غيرهما كياقوت وزبرجد ونحاس وحديد، سواء وجد في أرض مباحة أو مملوكة لحر مسلم، لعموم أدلة الزكاة السابقة، كخبر : "وفي الرقة ربع العشر"، بشرط كونه نصاباً، كما قال باقي الأئمة، ولا يشترط حولان الحول على المذهب، لأن الحول إنما يعتبر لأجل تكامل النماء، والمستخرج من المعدن نماء في نفسه، فأشبه الثمار والزروع.

ويضم بعض المستخرج إلى بعض إن اتحد المعدن المخرج، وتتابع العمل، كما يضم المتلاحق من الثمار، ولا يشترط بقاء الأول على ملك المستخرج، ويشترط اتحاد المكان المستخرج منه، فلو تعدد لم يضم، لأن الغالب في اختلاف المكان استئناف العمل. وإذا قطع العمل بعذر كإصلاح الآلة وهرب الأجراء والمرض والسفر، ثم عاد إليه، ضُمَّ، وإن طال الزمن عرفاً لعدم إعراضه. وإذا قطع العمل بلا عذر فلا يضم، لإعراضه عن العمل.

ويضم الخارج الثاني إلى الأول، كما يضم إلى ما ملكه بغير المعدن في إكمال النصاب وتخرج زكاته عقب تخليصه وتنقيته، فلو أخرج قبل تصفيته لا تجزئ.

وأما الركاز فهو دفين الجاهلية، ويجب فيه الخمس، حالاً بشروط الزكاة من حرية وإسلام وبلوغ نصاب، وكونه من النقدين (الذهب والفضة المضروب منهما والسبيكة)، لأنه مال مستفاد من الأرض، فاختص بما تجب فيه الزكاة قدراً ونوعاً كالمعدن، ولا يشترط حولان الحول، ويصرف مصرف الزكاة على المشهور. ودليل قدر الواجب فيه حديث أبي هريرة المتقدم: "وفي الركاز الخمس".

فإن لم يكن دفين الجاهلية: بأن كان إسلامياً بوجود علامة عليه تدل على إسلاميته، أو لم يعلم أهو جاهلي أو إسلامي: فهو لمالكه أو وارثه إن علم، لأن مال المسلم لا يملك بالاستيلاء عليه. وإن لم يعلم مالكه، فلقطة، يعرفه الواجد، كما يعرف اللقطة الموجودة على وجه الأرض.

وإذا وجد الركاز في أرض مملوكة لشخص أو لموقوف عليه، فللشخص إن ادعاه، يأخذه بلا يمين، كأمتعة الدار، وإن لم يدعه بأن نفاه أو سكت، فلمن سبقه من المالكين، حتى ينتهي الأمر إلى محيي الأرض.

وإذا وجد الركاز في مسجد أو شارع، فلقطة على المذهب، يفعل فيه ما يفعل باللقطة مما سبق، لأن يد المسلمين عليه، وقد جهل مالكه، فيكون لقطة.

ولو تنازع في ملك الركاز بائع ومشتر، أو مُكْر ومكتر، أو معير ومستعير، صُدِّق ذو اليد (أي المشتري والمكتري والمستعير) بيمينه، كما لو تنازعا في أمتعة الدار.

4- مذهب الحنابلة:

المعدن غير الركاز، والمعدن: هو ما استنبط من الأرض مما خلقه الله تعالى وكان من غير جنسها، فليس هو شيء دفن، سواء أكان جامداً أم مائعاً.

ملكيته: المعادن الجامدة كالذهب والفضة والنحاس تملك بملك الأرض التي هي فيها، لأنها جزء من أجزاء الأرض، فهي كالتراب والأحجار الثابتة، بخلاف الركاز، فإنه ليس من أجزاء الأرض. فعلى هذا ما يجده الواجد في ملك أو في موات، فهو أحق به، وإن سبق اثنان إلى معدن في موات فالسابق أولى به مادام يعمل، فإذا تركه جاز لغيره العمل فيه، وما يجده في مملوك يعرف مالكه، فهو لمالك المكان.

أما المعادن السائلة كالنفط والزرنيخ ونحو ذلك، فهي مباحة على كل حال، إلا إنه يكره له دخول ملك غيره إلا بإذنه.

صفة المعدن الذي تجب فيه الزكاة: هو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها، فإذا أخرج من المعادن من الذهب عشرين مثقالاً، أو من الفضة مائتي درهم (نصاب الزكاة)، أو قيمة ذلك من الحديد والرصاص والنحاس والزئبق والياقوت والزبرجد والبلور والعقيق والكحل والزرنيخ، وكذلك المعادن السائلة كالقار (الزفت) والنفط والكبريت ونحو ذلك، مما يستخرج من الأرض، ففيه الزكاة فوراً أي من وقت الإخراج.

ودليلهم عموم قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ } [البقرة: 267] ولأنه معدن، فتعلقت الزكاة بالخارج منه كالأثمان (الذهب والفضة). وأما الطين فليس بمعدن، لأنه تراب، والمعدن: ما كان في الأرض من غير جنسها.

قدر الواجب في المعدن وصفته : قدر الواجب في المعدن هو ربع العشر، وصفته أنه زكاة، كما قال الشافعية، لما روى أبو عبيد: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القَبَلية في ناحية الفُرْع، قال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم" ولأنه حق يحرم على أغنياء ذوي القربى، فكان زكاة كالواجب في الأثمان التي كانت مملوكة له.

نصاب المعادن: هو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالاً، ومن الفضة مائتي درهم، أو قيمة ذلك من غيرهما، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس فيما دون خمس أواق صدقة" وقوله: "ليس في تسعين ومائة شيء" وقوله: "ليس عليكم في الذهب شيء حتى يبلغ عشرين مثقالاً".

ولا يشترط له الحول لحصوله دفعة واحدة، فأشبه الزروع والثمار.

ويعتبر إخراج النصاب دفعة واحدة، أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك إهمال. وترك العمل ليلاً أو للاستراحة أو لعذر من مرض أو لإصلاح الأداة ونحوه لا يقطع حكم العمل.

ويضم ما خرج في العملين بعضه إلى بعض في إكمال النصاب. ولا يضم أحد الأجناس إلى جنس آخر، ويعتبر لكل معدن نصاب مستقل بانفراده، لأن المعادن أجناس، فلا يكمل نصاب أحدهما بالآخر كغير المعدن، إلا في الذهب والفضة، فيضم كل منهما إلى الآخر في تكميل النصاب، كما يضم إلى كل منهما معدن آخر، وكما تضم عروض التجارة إلى الأثمان (الذهب والفضة).

وقت الوجوب: تجب الزكاة في المعدن حين الإخراج وبلوغ النصاب، ولا يعتبر له حول باتفاق المذاهب الأربعة، لأنه مال مستفاد من الأرض، فلا يعتبر في وجوب حقه حول، كالزرع والثمار والركاز.

- شروط إخراج الزكاة في المعادن: يشترط شرطان:

الأول- أن يبلغ بعد سبكه وتصفيته نصاباً إن كان ذهباً أو فضة أو تبلغ قيمته نصاباً إن كان غيرهما.

الثاني- أن يكون مخرجه ممن تجب عليه الزكاة، فلا يجب على الذمي أو الكافر أو المدين أو نحو ذلك.

- معادن البحر: ولا زكاة في المستخرج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر والسمك ونحوه، كما قرر باقي المذاهب، لقول ابن عباس : "ليس في العنبر شيء، إنما هو شيء ألقاه البحر" وعن جابر نحوه، ولأنه قد كان يخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، فلم يأت فيه سنة، ولا عن أحد من خلفائه، ولأن الأصل عدم الوجوب فيه، ولا يصح قياسه على معدن البر، لأن العنبر إنما يلقيه البحر، فيوجد ملقى في البر على الأرض من غير تعب، فأشبه المباحات المأخوذة من البر، وأما السمك فهو صيد، فلم يجب فيه زكاة كصيد البر.

وأما الركاز: فهو دفين الجاهلية، أي مال الكافر المأخوذ في عهد الإسلام، قل أو كثر، ويلحق به ما وجد على وجه الأرض وكان عليه علامة الكفار. وفيه الخمس. للحديث المتفق عليه: "العجماء جُبَار، وفي الركاز الخمس".

فإن وجد عليه أو على بعضه علامة الإسلام كآية قرآن أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من خلفاء المسلمين أو وال لهم، فهو لقطة، تجري عليه أحكامها، لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه.

وخمس الركاز يوضع في بيت المال ويصرف في المصالح العامة، وباقيه لواجده إن وجده في أرض مباحة، ولمالك الأرض إن وجد في أرض مملوكة، وهو للواجد إن وجده في ملك غيره إن لم يدّعه المالك، فإن ادعاه مالك الأرض فهو له مع يمينه.

وإن وجد الركاز في دار الحرب: فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين، فهو غنيمة لهم، وإن قدر عليه بنفسه، فهو لواجده، كما لو وجده في موات في أرض المسلمين.

صفة الركاز الذي فيه الخمس: هو كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه من الذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس والآنية وغير ذلك، لعموم الحديث: "وفي الركاز الخمس".

- زكاة المستخرج من البحار:

ذهب جمهور العلماء الحنفية والمالكية والشافعية وهي إحدى روايتين عن أحمد إلى أن المستخرج من البحر من اللؤلؤ والعنبر والمرجان ونحوها لا شيء فيه من زكاة أو خمس، لما روي عن ابن عباس: ليس في العنبر شيء، إنما هو شيء ألقاه البحر. وروي مثله عن جابر، ولأنه قد كان يستخرج على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يأت فيه سنة عنه ولا عنهم.

وفي رواية عن أحمد فيه الزكاة، لأنه يشبه الخارج من معدن البر. وروي أن ابن عباس قال في العنبر: "إن كان فيه شيء ففيه الخمس"، وكتب يعلى بن أمية إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عنبرة وجدها على ساحل البحر فاستشار الصحابة، فأشاروا أن يأخذ منها الخمس. فكتب عمر إليه بذلك.

وقال المالكية : ما خرج من البحر كعنبر إن لم يتقدم عليه ملك فهو لواجده ولا يخمس كالصيد، فإن كان تقدم عليه ملك فإن كان لجاهلي أوشك فيه فركاز، وإن كان لمسلم أو ذمي فلقطة.

إخراج الزكاة:

- تعجيل الزكاة عن وقت الوجوب.

تأخير إخراج الزكاة عن وقت وجوبها.

- حكم من ترك إخراج الزكاة حتى مات.

تراكم الزكاة لسنين.

- حكم من شك هل أدى الزكاة أم لم يؤدها.

- صورة إخراج الزكاة.

- الإخراج بإسقاط المزكي دينه عن مستحق الزكاة.

- احتساب المكس ونحوه عن الزكاة.

- ما ينبقي لمخرج الزكاة مراعاته في الإخراج.

- اختيار المزكي من يعطيه الزكاة:

التوكيل في أداء الزكاة.

- تلف المال كله أو بعضه بعد وجوب الزكاة.

- تلف الزكاة بعد عزلها.

من وجبت عليه الزكاة إما أن يخرجها بإعطائها مباشرة إلى الفقراء وسائر المستحقين، وإما أن يدفعها إلى الإمام ليصرفها في مصارفها.

الزكاة فريضة من فرائض العبادات، كالصلاة، ولذلك فإن النية شرط فيها عند عامة العلماء ولأن إخراج المال لله يكون فرضاً ويكون نفلاً، فافتقرت الفريضة إلى النية لتمييزها عن النفل.

ومعنى النية: المشترطة في الزكاة أن يقصد بقلبه أن ما يخرجه هو الزكاة الواجبة عليه في ماله، وإن كان يخرج عمن تحت يده من صبي أو مجنون أن يقصد أنها الزكاة الواجبة عليهما. ويعتبر أن يكون الناوي مكلفاً، لأنها فريضة.

وينوي عند دفعها إلى الإمام أو إلى مستحقها، أو قبل الدفع بقليل.

فإن نوى بعد الدفع لم يجزئه على ما صرح به المالكية والشافعية .

أما عند الحنفية فالشرط مقارنة النية للأداء ولو حكماً، كما لو دفع بلا نية ثم نوى والمال لا يزال قائماً في ملك الفقير بخلاف ما إذا نوى بعدما استهلكه الفقير او باعه فلا تجزئ عن الزكاة.

وذهب الحنفية والمالكية والشافعية : إن عزل الزكاة عن ماله ونوى عند العزل أنها زكاة كفى ذلك، ولو لم ينو عند الدفع، لأن الدفع يتفرق، فيتحرج باستحضار النية عند كل دفع، فاكتفي بذلك، للحرج.

وإن دفع الزكاة إلى وكيله ناوياً أنها زكاة كفى لك، والأفضل أن ينوي الوكيل أيضاً عند الدفع إلى المستحقين أيضاً ولا تكفي نية الوكيل وحده.

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه لو دفع الإنسان كل ماله إلى الفقراء تطوعاً بعدما وجبت فيه الزكاة لم تسقط عنه الزكاة، بل تبقى في ذمته، لأنه لم ينو الفرض.

وذهب الحنفية : إلى أنه تسقط عنه الزكاة في هذه الحال استحساناً لأنه لما أدى الكل زالت المزاحمة بين الجزء المؤدى وسائر الأجزاء، وبأداء الكل لله تعالى تحقق أداء الجزء الواجب.

ولا يجب تعيين المال المخرج عنه، لكن لو عينه تعين.

فلو أخرج الزكاة ونوى عن ماله الغائب الذي لا يعلم سلامته جاز، لأن الأصل بقاؤه ثم إن تبينت سلامته أجزأه، وإن تبين تلفه لم يجز أن يصرف الزكاة إلى مال آخر، وإن نوى عن مالي الغائب أو الحاضر، فتبين تلف الغائب أجزأت عن الحاضر، وإن نوى بالمخرج أن يكون زكاة المال الموروث الذي يشك في موت مورثه لم تجزئه، لأنه متردد والأصل عدم الموت.

ولا يشترط علم آخذ الزكاة أنها زكاة.

تعجيل الزكاة عن وقت الوجوب:

ذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية والشافعية والحنابلة، إلى أنه يجوز للمزكي تعجيل إخراج زكاة ماله قبل ميعاد وجوبها، لما ورد "أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل، فرخص له في ذلك" رواه الترمذي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "إنا قد إخذنا زكاة العباس عام الأول للعام" رواه الترمذي.

وذهب الشافعية إلى أنه: يجوز التعجيل لعام واحد ولا يجوز لعامين في الأصح لأن زكاة العام الثاني لم ينعقد حولها.

واشترطوا لجواز ذلك أن يكون النصاب موجوداً، فلا يجوز تعجيل الزكاة قبل وجود النصاب، بغير خلاف، وذلك لأن النصاب سبب وجوب الزكاة، والحول شرطها ولا يقدم الواجب قبل سببه، ويجوز تقديمه قبل شرطه، كإخراج كفارة اليمين بعد الحلف وقبل الحنث، وكفارة القتل بعد الجرح وقبل الزهوق.

وذهب الحنفية إلى أنه: إن كان مالكاً لنصاب واحد جاز أن يعجل زكاة نصب كثيرة لأن اللاحق تابع للحاصل.

وذهب الشافعية إلى إجازة ذلك في مال التجارة لأن النصاب فيها عندهم مشترط في آخر الحول فقط لا في أوله ولا في أثنائه.

وقال الحنابلة : إن ملك نصاباً فقدم زكاته وزكاة ما قد يستفيده بعد ذلك فلا يجزئه عندهم.

وقال الحنفية، وهو المعتمد عند الشافعية : إن قدم زكاته وزكاة ما قد ينتج منه، أو يربحه منه، أجزأه لأنه تابع لما هو مالكه الآن.

وذهب المالكية إلى أنه إن أخرج زكاة الثمار أو الزروع قبل الوجوب، بأن دفع الزكاة من غيرها لم يصح ولم تجزئ عنه. وكذا لا تجزئ زكاة الماشية إن قدمها وكان هناك ساع يأتي لقبضها فأخرجها قبل قدومه. أما زكاة العين والماشية التي ليس لها ساع فيجوز تقديمها في حدود شهر واحد لا أكثر، وهذا على سبيل الرخصة، وهو مع ذلك مكروه والأصل عدم الإجزاء لأنها عبادة موقوتة بالحول.

تأخير إخراج الزكاة عن وقت وجوبها:

ذهب جمهور العلماء (الشافعية والحنابلة) إلى أن الزكاة متى وجبت، وجبت المبادرة بإخراجها على الفور، مع القدرة على ذلك وعدم الخشية من ضرر.

واحتجوا بأن الله تعالى أمر بإيتاء الزكاة، ومتى تحقق وجوبها توجه الأمر على المكلف بها، والأمر المطلق يقتضي الفور عندهم، ولأنه لو جاز التأخير لجاز إلى غير غاية فتنتفي العقوبة على الترك، ولأن حاجة الفقراء ناجزة، وحقهم في الزكاة ثابت، فيكون تأخيرها منعاً لحقهم في وقته. وسئل أحمد: إذا ابتدأ في إخراجها فجعل يخرجها أولاً فأولاً؟ قال: لا، بل يخرجها كلها إذا حال الحول. وقال: لا يجري على أقاربه من الزكاة كل شهر، أي مع التأخير.

ثم قال الشافعية والحنابلة: ويجوز التأخير لعذر. ومما ذكره الشافعية من الأعذار: أن يكون المال غائباً فيهمل إلى مضي زمن يمكن فيه إحضاره، وأن يكون بإخراجها أمر مهم ديني أو دنيوي، وأن ينتظر بإخراجها صالحاً أو جاراً.

ومما ذكره الحنابلة أن يكون عليه مضرة في تعجيل الإخراج، مثل من يحول عليه الحول قبل مجيء الساعي، ويخشى إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرة أخرى.

وكذا إن خشي في إخراجها ضرراً في نفسه أو مال له سواها، لأن مثل ذلك يجوز تأخير دين الآدمي لأجله، فدين الله أولى.

وذهب المالكية إلى أن الحاضر يجب عليه أن يخرج زكاة ما حضر من ماله وما غاب دون تأخير مطلقاً، ولو دعت الضرورة لصرف ما حضر، بخلاف المسافر فله التأخير إن دعته الضرورة أو الحاجة لصرف ما معه في نفقته.

وذهب الحنفية : إلى أن افتراض الزكاة عمريّ، أي على التراخي ففي أي وقت أدى يكون مؤدياً للواجب، ويتعين ذلك الوقت للوجوب، وإذا لم يؤد إلى آخر عمره يتضيق عليه الوجوب حتى لو لم يؤد يأثم إذا مات. واستدل له بأن من عليه الزكاة إذا هلك نصابه بعد تمام الحول والتمكن من الأداء لا يضمن، ولو كانت على الفور لضمن، كمن أخر صوم رمضان عن وقته فإن عليه القضاء.

حكم من ترك إخراج الزكاة حتى مات:

من ترك الزكاة التي وجبت عليه، وهو متمكن من إخراجها، حتى مات ولم يوص بإخراجها أثم إجماعاً.

ذهب جمهور الفقهاء منهم مالك والشافعي، وأحمد إلى أن من مات وعليه زكاة لم يؤدها فإنها لا تسقط عنه بالموت كسائر حقوق الله تعالى المالية، ومنها الحج والكفارات، ويجب إخراجها من ماله سواء أوصى بها أو لم يوص، وتخرج من كل ماله لأنها دين لله، فتعامل معاملة الدين، ولا تزاحم الوصايا في الثلث، لأن الثلث يكون فيما بعد الدين. واستدلوا بأنه حق واجب في المال، فلم تسقط بالموت كدين الآدمي.

ثم قال الشافعية: إذا اجتمع دين الله مع دين الآدمي يقدم دين الله للحديث "دين الله أحق أن يقضى" رواه البخاري.

ثم عند المالكية تخرج زكاة فرض فيها من رأس ماله إن تحقق أنه لم يخرجها، أما إن كان ذلك بمجرد إقراره في مرض موته وأشهد على بقائها في ذمته، وأوصى بإخراجها فهي من الثلث، وإلا فلا تخرج أصلاً.

وأما زكاة عام موته فإن اعترف بحلولها وأوصى بإخراجها أخرجت من رأس المال.

وذهب أبو حنيفة إلى أن الزكاة تسقط بالموت بمعنى أنها لا يجب إخراجها من تركته، فإن كان قد أوصى بها فهي وصية تزاحم سائر الوصايا في الثلث، وإن لم يوص بها سقطت، لأنها عبادة من شرطها النية، فسقطت بموت من هي عليه كالصلاة والصوم، فإن أخرجها الورثة فهي صدقة تطوع منهم.

ويستثنى من هذا عند الحنفية عشر الخارج من الأرض، فيؤخذ من تركة الميت لأنه عندهم في معنى مؤونة الأرض.

- تراكم الزكاة لسنين:

إذا أتى على المكلف بالزكاة سنون لم يؤد زكاته فيها وقد تمت شروط الوجوب، لم يسقط عنه منها شيء اتفاقاً، ووجب عليه أن يؤد الزكاة عن كل السنين التي مضت ولم يخرج زكاته فيها.

- حكم من شك هل أدى الزكاة أم لم يؤدها:

ذهب الحنفية إلى أنَّ من شك هل أدى زكاته أو لا يجب عليه أن يزكي بخلاف ما لو شك بعد الوقت أنه هل صلى أم لا، لا يعيد. قالوا: لأن وقت لا زكاة لا آخر له، بل هو العمر، فالشك فيها كالشك في الصلاة في الوقت.

وقواعد المذاهب الأخرى تقتضي مثل ذلك فإن اليقين لا يزول بالشك.

صورة إخراج الزكاة:

الزكاة إما أن تخرج من أعيان المال وهو الأصل في غير زكاة العروض التجارية وقد تقدم. وإما أن تخرج القيمة.

ذهب الشافعية والحنابلة خلافاً للحنفية إلى أن الواجب في زكاة عروض التجارة إخراج القيمة، ولا يجزئ إخراج شيء من أعيان العروض عندهم.

ويجزئ إخراج الذهب عن الفضة بالقيمة وعكسه، وهو مذهب الحنفية والمالكية .

وذلك لأن المقصود من هذين الجنسين الثمينة، والتوسل بها إلى المقاصد، وذلك موجود في الجنسين جميعاً، ومن هنا فرق من فرق بينهما وبين سائر الأجناس، فإن لكل جنس مقصوداً مختصاً به لا يحصل بالجنس الآخر. ولأن إخراج القيمة هنا قد يكون أرفق بالآخذ والمعطي. وقد يندرئ به الضرر عنهما، فإنه لو تعين إخراج زكاة الدنانير منها شق على من يملك أقل من أربعين ديناراً ذهباً إخراج جزء من دينار، لأنه يحتاج إلى قطعة أو بيعه أو مشاركة الفقير له فيه، وفي كل ذلك ضرر.

وأما ما عدا ذلك كزكاة المواشي والزروع وإخراج زكاة الذهب أو الفضة عن غيرهما أو العكس، فقد اختلف الفقهاء في إخراج القيمة على مذاهب:

فذهب الجمهور (الشافعية، والمالكية على قول، والحنابلة) إلى أنه لا يجوز إخراج القيم في الزكاة، واستثنى بعض أصحاب هذا القول نحو إخراج بنت لبون عن بنت مخاض.

واحتجوا بحديث "في أربعين شاة شاة، وفي مائتي درهم خمسة دراهم" رواه أحمد فتكون الشاة المذكور والدراهم المذكورة هي المأمور بها، والأمر يقتضي الوجوب.

وبحديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: "خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر" رواه أو داود.

قالوا: ولأن الزكاة فرضت دفعاً لحاجة الفقير، وحاجاته متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليتنوع ما يصل إليه، ووجبت شكراً لنعمة المال، ويحصل ذلك بالمواساة مما أنعم الله به عليه. ولأن الزكاة قربة لله تعالى وما كان كذلك فسبيله الاتباع، ولو جازت القيمة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم.

وذهب الحنفية، وهو القول المشهور عند المالكية ، إلى أن إخراج القيمة جائز. لكن قال المالكية: يجوز، ويجزئ مع الكراهة، لأنه من قبيل شراء الإنسان الصدقة التي أخرجها لله تعالى.

ولأن الغرض منها صد خلة المحتاج، وذلك معنى معقول، ولأن حاجاته مختلفة، وبالقيمة يحصل ما شاء من حاجاته. وقياساً على الجزية فإن القيمة مجزئة فيها اتفاقاً، والغرض منها كفاية المقاتلة، ومن الزكاة كفاية الفقير.

واحتجوا بما في حديث أنس المرفوع "من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقه فإنها تؤخذ منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له، أو عشرين درهماً" رواه البخاري.

فانتقل إلى القيمة في موضعين، فعلمنا أن ليس المقصود خصوص عين السن المعين وإلا لسقط إن تعذر، أو لوجب عليه أن يشتريه فيدفعه.

ثم قال المالكية: إن أكره على دفع القيمة فدفعها أجزأت، قولاً واحداً.

الإخراج بإسقاط المزكي دينه عن مستحق للزكاة:

ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا يجوز للدائن أن يسقط دينه عن مدينه الفقير المعسر الذي ليس عنده ما يسد به دينه ويحسبه من زكاة ماله.

ووجه المنع أن الزكاة لحق الله تعالى، فلا يجوز فللإنسان أن يصرفها إلى نفع نفسه أو إحياء ماله، واستيفاء دينه.

وذهب الشافعي إلى جواز ذلك، لأنه لو دفع إليه زكاته ثم أخذها منه عن دينه جاز، فكذا هذا.

فإن دفع الدائن زكاة ماله إلى مدينه فردها المدين إليه سداداً لدينه، أو استقرض المدين ما يسد به دينه فدفعه إلى الدائن فرده إليه واحتسبه من الزكاة، فإن لم يكن ذلك حيلة، أو تواطؤا، أو قصداً لإحياء ماله، جاز عند الجمهور .

وإن كان على سبيل الحيلة لم يجز عند المالكية والحنابلة، وجاز عند الشافعية ما لم يكن ذلك عن شرط واتفاق، بل بمجرد النية من الطرفين.

لكن صرح الحنفية بأنه لو وهب جميع الدين إلى المدين الفقير سقطت زكاة ذلك الدين ولو لم ينو الزكاة، وهذا استحسان.

احتساب المكس ونحوه عن الزكاة:

ذهب الحنفية : إلى أنه إذا نوى أن يكون المكس زكاة فالصحيح أنه لا يقع الزكاة.

وذهب المالكية فيمن يملك نصاباً من الأنعام، فجعل عليه الحاكم نقداً معلوماً كل سنة، يأخذه بغير اسم الزكاة، فلا يسوغ له أن ينوي به الزكاة، وإن نواها لا تسقط عنه.

وذهب الشافعية والحنابلة : بأن ما يؤخذ من التاجر من المكس لا يحسب عنه زكاة، ولو نوى به الزكاة، لأن الإمام لم يأخذه باسم الزكاة.

- ما ينبغي لمخرج الزكاة مراعاته في الإخراج:

أ- يستحب للمزكي إخراج الجيد من ماله، مع العلم بأن الواجب في حقه الوسط، وذلك لقول الله تبارك وتعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ } [البقرة: 267] وقوله: { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ } [آل عمران: 92].

ب- إظهار إخراج الزكاة وإعلانه، قال ابن عباس: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها، يقال: بسبعين ضعفاً، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها، يقال: بخمسة وعشرين ضعفاً، قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الأشياء كلها.

وأجمع العلماء على أن إظهار الواجب أفضل . وأما قوله تعالى: { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [البقرة: 271] فهو في صدقة التطوع، نظيرها الصلاة، تطوعها في البيت أفضل، وفريضتها في المسجد ومع الجماعة أفضل.

ج- الحذر من المن والرياء والأذى، وهذه الأمور محرمة في كل ما يخرج من المال مما يقصد به وجه الله تعالى، وتحبط الأجر لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى } [البقرة: 264] ومن هنا استحب المالكية للمزكي أن يستنيب من يخرجها خوف قصد المحمدة.

- اختيار المزكي من يعطيه الزكاة:

إعطاء المستحقين الزكاة ليس بدرجة واحدة من الفضل، بل يتمايز.

نص المالكية على أنه يندب للمزكي إيثار المضطر أي المحتاج، على غيره، بأن يزاد في إعطائه منها دون عموم الأصناف.

التوكيل في أداء الزكاة:

يجوز للمزكي أن يوكل غيره في أداء زكاته، سواء في إيصالها للإمام أو نائبه، أو في أدائها إلى المستحق، سواء عين ذلك المستحق أو فوض تعينه إلى الوكيل.

وقد نص الشافعية على أن إخراج المزكي الزكاة بنفسه أفضل من التوكيل، أنه بفعل نفسه أوثق.

وقال المالكية : التوكيل أفضل خشية قصد المحمدة، ويجب لمن يعلم من نفسه ذلك القصد، أو يجهل المسنحقين. قالوا: وليس للوكيل صرفها المزكي الذي تلزمه نفقته، فإن لم تلزمه نفقته كره.

ثم قال الشافعية : إن كان الوكيل بالغا عاقلا، جاز التفويض إليه، فإن كان صبيا أو سفيهاً لم يصح التوكيل، إلا إن نوى الموكل وعين له من يعطيه المال.

- تلف المال كله أو بعضه بعد وجوب الزكاة:

من وجبت عليه الزكاة فلم يخرجها ثم ضاع المال كله أو بعضه، أو تلف بغير فعل المزكي فقد اختلف الفقهاء في ذلك .

وذهب الحنفية : إلى أنَّه تلف المال سقطت الزكاة، لان الواجب جزء من النصاب فيسقط بهلاك محله.

قالوا: وإذا هلك بعض المال يسقط من الزكاة بقدره أي بنسبة ما هلك.

وقالوا: إن تلف من مال الزكاة بعد الحول ما كان به الباقي أقل من نصاب قبل إمكان الأداء بلا تفريط سقطت الزكاة، فإن أمكن الأداء وفرط ضمن.

وذهب المالكية والشافعية : إلى أن ضياعه بتفريطه في حفظه وجبت عليه زكاة كل المال، وكذا إن فرط في الإخراج بعد التمكن، بأن وجد المستحق، سواء طلب الزكاة أم لم يطلبها، لتقصيره بحبس الحق عن مستحقه.

قال الشافعية : إن لم يكن فرط زكى الباقي فقط بقسطه، ولو كان أقل من نصاب.

وقال المالكية : إن كان الباقي أقل من نصاب سقطت الزكاة.

وذهب الحنابلة إلى أنه يجب عليه زكاة كل المال، حتى لو ضاع كله بعد الحول فالزكاة في ذمته لا تسقط إلا بالأداء، لأنها حق للفقراء ومن معهم لم يصل إليهم، كدين الآدمي.

- تلف الزكاة بعد عزلها:

لو عزل الزكاة ونوى أنها زكاة ماله فتلفت فالحكم كذلك عند كل من المالكية والحنابلة . وذكر المالكية صورة ما لو عزل الزكاة فتلف المال وبقيت الزكاة، فإنه يجب عليه إخراجها ولا تسقط بتلف المال.

القسم الرابع: مصارف الزكاة:

1- الفقراء.

2- المساكين.

3- العاملون.

4- المؤلفة قلوبهم.

5- في الرقاب.

6- الغارمون.

7- ابن سبيل.

8- في سبيل الله.

مصارف الزكاة محصورة في ثمانية أصناف.

والأصناف الثمانية قد نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 60].

و"إنما" التي صدرت بها الآية أداة حصر، فلا يجوز صرف الزكاة لأحد أو في وجه غير داخل في هذه الأصناف، وقد أكد ذلك ما ورد"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال: إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك". رواه أبو داود.

- بيان الأصناف الثمانية:

الصنفان الأول والثاني: الفقراء والمساكين:

الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة الذين لا يجدون ما يكفيهم، وإذا أطلق لفظ(الفقراء) وانفرد دخل فيهم(المساكين)، وكذلك عكسه، وإذا جمع بينهما في كلام واحد، كما في آية مصارف الزكاة، تميز كل منهما بمعنى.

وقد اختلف الفقهاء في أيهما أشد حاجة:

فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الفقير أشد حاجة من المسكين، واحتجوا بأن الله تعالى قدم ذكرهم في الآية، وذلك يدل على أنهم أهم وبقوله تعالى: { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ } [الكهف: 79]. فأثبت لهم وصف المسكنة مع كونهم يملكون سفينة ويحصلون نولا.

وذهب الحنفية والمالكية إلى أن المسكين أشد حاجة من الفقير، واحتجوا بأن الله تعالى قال: { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } [البلد: 16]. وهو المطروح على التراب لشدة جوعه.

واختلف الفقهاء في حد كل من الصنفين:

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ الفقير من لا مال له ولا كسب يقع موقعا من حاجته، كمن حاجته عشرة فلا يجد شيئا أصلا، أو يقدر بماله وكسبه وما يأتيه من غلة وغيرها على أقل من نصف كفايته. فإن كان يجد النصف أو أثر ولا يجد كل العشرة فمسكين.

ذهب الحنفية والمالكية إلى أنَّ المسكين من لا يملك شيئاً أصلاً فيحتاج للمسألة وتحل له.

فقال الحنفية : الفقير من له أدنى شيء وهو ما دون النصاب، فإذا ملك نصابا من أي مال زكوي فهو غني لا يستحق شيئا من الزكاة، فإن ملك أقل من نصاب فهو غير مستحق، وكذا لو ملك نصابا غير نام وهو مستغرق في الحاجة الأصلية، فإن لم يكن مستغرقاً منع، كمن عنده ثياب نساوي نصابا لا يحتاجها، فإن الزكاة تكون حراماً عليه، ولو بلغت قيمة ما يملكه نُصُبا فلا يمنع ذلك كونه من المستحقين للزكاة إن كانت مستغرقة بالحاجة الأصلية كمن عنده كتب يحتاجها للتدريس، أو آلات حرفة، أو نحو ذلك.

وقال المالكية : الفقير من يملك شيئاً لا يكفيه لقوت عامه.

- الغنى المانع من أخذ الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة:

الأصل أن الغنى لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، وهذا اتفاقي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا حظ فيها لغني".

ولكن اختلف في الغنى المانع من أخذ الزكاة:

ذهب الجمهور من المالكية والشافعي وهو رواية عن أحمد قدمها المتأخرون من أصحابه : إلى أنَّ الأمر معتبر بالكفاية، فمن وجد من الأثمان أو غيرها ما يكفيه ويكفي من يمونه فهو غني لا تحل له الزكاة، فإن لم يجد ذلك حلت له ولو كان ما عنده يبلغ نصباً زكوية، وعلى هذا، فلا يمتنع أن يوجد من تجب عليه الزكاة وهو مستحق للزكاة.

وذهب الحنفية إلى أنَّ الغنى الموجب للزكاة، فمن تجب عليه الزكاة لا يحل له أن يأخذ الزكاة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم"، رواه البخاري. ومن ملك نصابا من أي مال زكوي كان فهو غني، فلا يجوز أن تدفع إليه الزكاة ولو كان ما عنده لا يكفيه لعامه، ومن لم يملك نصاباً كاملاً فهو فقير أو مسكين، فيجوز أن تدفع إليه الزكاة.

وفي رواية أخرى عند الحنابلة : إن وجد كفايته، فهو غني، وإن لم يجد وكان لديه خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب خاصة، فهو غني كذلك ولو كانت لا تكفيه، لحديث"من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح. قالوا يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب"رواه الترمذي.

- إعطاء الزكاة لمن لا يملك مالا وله مورد رزق:

ذهب الجمهور إلى أنَّ من لم يكن له مال أو له مال لا يكفيه فإنه يستحق من الزكاة، إلا أن من لزمت نفقته مليئا من نحو والد لا يعطى من الزكاة، وكذا لا تعطى الزوجة لاستغنائها بإنفاق زوجها عليها. ومن له مرتب يكفيه لم يجز إعطاؤه من الزكاة. وكذا من كان له صنعة تكفيه وإن كان لا يملك في الحال مالا.

فإن كان واحد من هذه الأسباب يأتيه منه أقل من كفايته يجوز إعطاؤه تمام الكفاية.

وأن كان له ضيعة(بستان) تغل بعض كفايته أنه لا يلزمه بيعها لتحل له الزكاة، وكذلك آلات المحترفين وكسب العالم.

وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع الزكاة إلى من عنده دخل سنوي أو شهري أو يومي من عقار أو نحو ذلك، إن لم يملك نصاباً زكوياً، ويجوز دفعها إلى الولد الذي أبوه غني إن كان الولد كبيرًا فقيرًا، سواء كان ذكرا أو أنثى، لأنه لا يعد غنياً بيسار أبيه وإن كانت نفقته عليه، أما الولد الصغير الذي أبوه غني فلا تدفع إليه الزكاة لأنه يعد غنياً بيسار أبيه، وسواء كان الصغير في عيال أبيه أم لا، ويجوز دفع الزكاة إلى رجل فقير له ابن موسر.

قالوا: وكذلك المرأة الفقيرة إن كان لها زوج غني يجوز إعطاؤها من الزكاة، لأنها لا تعد غنية بيسار زوجها، وبقدر النفقة لا تصير موسرة، واستيجابها النفقة بمنزلة الأجرة.

ومن كان مستغنياً بأن تبرع أحد من الناس بأن ينفق عليه، فالصحيح عند الحنابلة أنه يجوز إعطاؤه من الزكاة، ويجوز للمتبرع بنفقته أن يدفع إليه من الزكاة ولو كان في عياله، لدخوله في أصناف الزكاة، وعدم وجود نص أو إجماع يخرجه من العموم.

- إعطاء الفقير والمسكين القادرين على الكسب:

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّ من كان من الفقراء والمساكين قادرا على كسب كفايته وكفاية من يمونه، أو تمام الكفاية، لم يحل له الأخذ من الزكاة، ولا يحل للمزكي إعطاؤه منها، ولا تجزئه لو أعطاه وهو يعلم بحاله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقة: "لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب"رواه أبو داود. وفي لفظ"لا تحل الصداقة لغني ولا لذي مرة سوي"رواه ابن ماجه.

وذهب الحنفية إلى أنه يجوز دفع الزكاة إلى من يملك أقل من نصاب، وإن كان صحيحا مكتسبا، لأنه فقير أو مسكين، وهما من مصارف الزكاة، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها، فأدير الحكم على دليلها، وهو فقد النصاب. واحتجوا بما في قصة الحديث المذكور سابقاً، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الصدقات فقام إليه رجلان يسألانه، فنظر إليهما فرآهما جلدين فقال:"إنه لا حق لكما فيه وإن شئتما أعطيكما". لأنه أجاز إعطاءهما، وقوله:"لا حق لكما فيه"معناه لا حق لكما في السؤال.

وذهب المالكية في القول المعتمد عندهم مثل ما ذهبت إليه الحنفية إلا أن الحد الأدنى الذي يمنع الاستحقاق عندهم هو ملك الكفاية لا ملك النصاب.

إعطاء الزكاة لمن له مال أو كسب وامتنع عنه ماله أو كسبه:

من كان عنده مال يكفيه فلا يستحق من الزكاة، لكن إن كان ماله غائبا أو كان ديناً مؤجلا، فقد صرح الشافعية بأنه لا يمنع ذلك من إعطائه ما يكفيه إلى أن يصل إلى ماله أو يحل الأجل.

والاقتدار على كسب إن شغله عن الكسب طلب العلم الشرعي لم يمنع ذلك من إعطائه من الزكاة، لأن طلب العلم فرض كفاية بخلاف التفرغ للعبادة. واشترط بعض الشافعية في طالب العلم أن يكون نجيباً يرجى نفع المسلمين بتفقهه.

ومن كان قادراً على كسبلكن ذلك الكسب لا يليق به، أو يليق به لكن لم يجد من يستأجره، لم يمنع ذلك استحقاقه من الزكاة.

جنس الكفاية المعتبرة في استحقاق الزكاة:

الكفاية المعتبرة عند الجمهور هي للمطعم والمشرب والمسكن وسائر ما لا بد منه على ما يليق بالحال من غير إسراف ولا تقتير، للشخص نفسه ولمن هو في نفقته.

وصرح المالكية وغيرهم بأن مال الزكاة إن كان فيه سعة يجوز الإعانة به لمن أراد الزواج.

القدر الذي يعطاه الفقير والمسكين من الزكاة:

ذهب الجمهور(المالكية وهو قول عند الشافعية وهو المذهب عند الحنابلة) إلى أن الواحد من أهل الحاجة المستحق للزكاة بالفقر أو المسكنة يعطى من الزكاة الكفاية أو تمامها له ولمن يعوله عاماً كاملاً، ولا يزاد عليه، إنما حددوا العام لأن الزكاة تتكرر كل عام غالباً، ولأن "النبي صلى الله عليه وسلم ادخر لأهله قوت سنة". رواه البخاري. وسواء كان ما يكفيه يساوي نصاباً أو نصباً.

وإن كان يملك أو يحصل له بعض الكفاية أعطي تملم الكفاية لعام.

وذهب الشافعية في قول منصوص والحنابلة في رواية إلى أن الفقير والمسكين يُعطَيان ما يخرجهما من الفاقة إلى الغنى وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام، لحديث قبيصة مرفوعاً "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال: سداداً من عيش.."الحديث. رواه مسلم.

قالوا: فإن كان من عادته الاحتراف أعطي ما يشتري به أدوات حرفته قَلَّت قيمتها أو كثرت بحيث يحصل له من ربحه ما يفي بكفايته غالباً تقريباً، وإن كان تاجرا أعطي بنسبة ذلك، وإن كان من أهل الضياع يشترى له ضيعة تكفيه غلتها على الدوام. قال بعضهم: يشتريها له الإمام ويلزمه بعدم إخراجها عن ملكه.

وذهب الحنفية إلى أن من لا يملك نصاباً زكوياً كاملاً يجوز أن يدفع إليه أقل من مائتي درهم أو تمامها. ويكره أكثر من ذلك.

وهذا عند الحنفية لمن لم يكن له عيال ولا دين عليه، فإن كان له عيال فلكل منهم مائتا درهم، والمدين يعطى لدينه ولو فوق المائتين كما يأتي في الغارمين.

وإن ادعى أن له عيالاً وطلب من الزكاة لأجلهم.

فعند الشافعية والحنابلة لا يقبل قوله إلا ببينة، لأن الأصل عدم العيال، ولا تتعذر إقامة البينة على ذلك.

وكذا من كان معروفاً باليسار لا يعطى من الزكاة، لكن إن ادعى أن ماله تلف أو فقد كلف البينة.

وقيل عندهم: يقبل قول اثنين فقط كسائر الحقوق، والحديث وارد في المسألة، لا في الإعطاء دون مسألة. رواه مسلم.

الصنف الثالث: العاملون على الزكاة:

يجوز إعطاء العاملين على الزكاة منها.

ولا يشترط فيمن يأخذ من العاملين من الزكاة الفقر، لأنه يأخذ بعمله لا لفقره.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة..."فذكر منهم"العامل عليها". رواه ماجه.

ذهب الحنفية : إلى أنه يدفع إلى العامل بقدر عمله فيعطيه ما يسعه ويسع أعوانه غير مقدر بالثمن، ولا يزاد على نصف الزكاة التي يجمعها وإن كان عمله أكثر.

وذهب الشافعية والحنابلة : إلى أنَّ للإمام أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم، إما على مدة معلومة، أو عمل معلوم.

ثم قال الشافعية : لا يعطى العامل من الزكاة أكثر منثمن الزكاة، فإن زاد أجره على الثمن أتم له من بيت المال. وقيل من باقي السهام.

ويجوز للإمام أن يعطيه أجره من بيت المال وله أن يبعثه بغير إجارة ثم يعطيه أجر المثل.

وإن تولى الإمام، أو والي الإقليم أو القاضي من قبل الإمام أو نحوها أخذ الزكاة وقسمتها لم يجز أن يأخذ من الزكاة شيئا، لأنه يأخذ رزقه من بيت المال وعمله عام.

الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم:

اختلف الفقهاء في صنف المؤلفة قلوبهم:

ذهب الجمهور المالكية والشافعية والحنبلية إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم باق لم يسقط. وفي قول عند كل من المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة: أن سهمهم انقطع لعز الإسلام، فلا يعطون الآن، لكن إن احتيج لاستئلافهم في بعض الأوقات أعطوا.

وذهب الحنفية : إلى أنَّه انعقد الإجماع على سقوط سهمهم من الزكاة لما ورد أن الأقرع بن حابس وعيينة بن بن حصن جاءا يطلبان من أبي بكر أرضا، فكتب لهما بذلك، فمرا على عمر، فرأى الكتاب فمزقه، وقال: هذا شيء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيكموه ليتألفكم، والآن قد أعز الله الإسلام وأغنى عنكم، فإن ثبتم على الإسلام، وإلا فبيننا وبينكم السيف، فرجعا إلى أبي بكر، فقالا، ما ندري: الخليفة أنت أم عمر ؟ فقال : هو إن شاء، ووافقه. ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك. رواه البيهقي.

ثم اختلفوا:

ففي قول للمالكية : المؤلفة قلوبهم كفار يعطون ترغيباً لهم في الإسلام لأجل أن يعينوا المسلمين، فعليه لا تعطى الزكاة لمن أسلم فعلاً.

وقال الشافعية : لا يعطى من هذا السهم لكافر أصلاً، لأن الزكاة لا تعطى لكافر، للحديث: "تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم" بل تعطى لمن أسلم فعلاً.

وقال الحنابلة : يجوز الإعطاء من الزكاة للمؤلف مسلماً كان أو كافراً.

فالمؤلفة قلوبهم ضربان: كفار ومسلمون، وهم جميعاً السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم.

ثم المسلمون منهم فجعلهم أربعة أضرب :

1- سادة مطاعون في قومهم أسلموا ونيتهم ضعيفة فيعطون تثبيتاً لهم.

2- قوم لهم شرف ورياسة أسلموا ويعطون لترغيب نظرائهم من الكفار ليسلموا.

3- صنف يراد بتألفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار، ويحموا من يليهم من المسلمين.

4- صنف يراد بإعطائهم من الزكاة أن يجبوا الزكاة ممن لا يعطيها.

ثم الكفار ضريان:

1- من يرجى إسلامه فيعطى لتميل نفسه إلى الإسلام.

2- من يخشى شره ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه.

الصنف الخامس: في الرقاب:

وهم ثلاثة أضرب:

الأول: المكاتبون المسلمون.

ذهب الجمهور إلى جواز الصرف من الزكاة إليهم، إعانة لهم على فك رقابهم.

وذهب مالك إلى عدم جواز ذلك، كما لم يجز صرف شيء من الزكاة في إعتاق من انعقد له سبب حرية بغير الكتابة، كالتدبير والاستيلاء والتبعيض.

فعلى قول الجمهور : إنما يعان المكاتب إن لم يكن قادراً على الأداء لبعض ما وجب عليه، فإن كان لا يجد شيئاً أصلاً دفع إليه جميع ما يحتاج إليه للوفاء.

الثاني: إعتاق الرقيق المسلم.

وقد ذهب المالكية وأحمد في رواية إلى جواز الصرف من الزكاة، وعليه فإن كانت الزكاة بيد الإمام أو الساعي جاز له أن يشتري رقبة أو رقاباً فيعتقهم، وولاؤهم للمسلمين.

وذهب الحنفية والشافعية وأحمد في رواية أخرى إلى أنه لا يعتق من الزكاة، لأن ذلك كدفع الزكاة إلى القنّ، والقن لا تدفع إليه الزكاة، ولأنه دفع إلى السيد في الحقيقة.

وقال الحنفية : لأن العتق إسقاط ملك، وليس بتمليك، لكن إن أعان من زكاته في إعتاق رقبة جاز عند أصحاب هذا القول من الحنابلة.

الثالث: أن يفتدي بالزكاة أسيراً مسلماً من أيدي المشركين.

وقد صرح الحنابلة بجواز هذا النوع، لأنه فك رقبة من الأسر، فيدخل في الآية بل هو أولى من فك رقبة من بأيدينا.

وصرح المالكية بمنعه.

الصنف السادس: الغارمون:

والغارمون المستحقون للزكاة ثلاثة أضرب:

الضرب الأول:

من كان عليه دين لمصلحة نفسه.

وهذا متفق عليه من حيث الجملة، ويشترط لإعطائه من الزكاة ما يلي :

1- أن يكون مسلماً.

2- أن لا يكون من آل البيت، وعند الحنابلة قول: بجواز إعطاء مدين آل البيت منها.

3- واشترط المالكية أن لا يكون قد استدان ليأخذ من الزكاة، كأن يكون عنده ما يكفيه وتوسع في الإنفاق بالدين لأجل أن يأخذ منها، بخلاف فقير استدان للضرورة ناوياً الأخذ منها.

4- وصرح المالكية بأنه يشترط أن يكون الدين مما يحبس فيه، فيدخل فيه دين الولد على والده، والدين على المعسر، وخرج دين الكفارات والزكاة.

5- أن لا يكون دينه في معصية، وهذا عند المالكية والشافعية والحنابلة ، كأن يكون بسبب خمر، أو قمار، أو زنى، لكن إن تاب يجوز الدفع إليه، وعد الشافعية الإسراف في النفقة من باب المعصية التي تمنع الإعطاء من الزكاة.

6- أن يكون الدين حالاً، صرح بهذا الشرط الشافعية ، قالوا : إن كان الدين مؤجلاً، إن كان الأجل تلك السنة أعطي، وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة.

7- أن لا يكون قادراً على السداد من مال عنده زكوي أو غير زكوي زائد عن كفايته، فلو كان له دار يسكنها تساوي مائة وعليه مائة، وتكفيه دار بخمسين فلا يعطى حتى تباع، ويدفع الزائد في دينه على ما صرح به المالكية ، ولو وجد ما يقضي به بعض الدين أعطي البقية فقط، وإن كان قادراً على وفاء الدين بعد زمن بالاكتساب، فعند الشافعية قولان في جواز إعطائه منها.

الضرب الثاني : الغارم لإصلاح ذات البين :

فمذهب الشافعية والحنابلة إلى أن هذا النوع من الغارمين يعطى من الزكاة سواء كان غنياً أو فقيراً، لأنه لو اشترط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة، وصورتها أن يكون بين قبيلتين أو حيين فتنة، يكون فيها قتل نفس أو إتلاف مال، فيتحمله لأجل الإصلاح بينهم، فيعطى من الزكاة لتسديد حمالته.

وقيد الحنابلة الإعطاء بما قبل الأداء الفعلي، ما لم يكن أدى الحمالة من دين استدانة، لأن الغرم يبقى.

وقال الحنفية : لا يعطى المتحمل من الزكاة إلا إن كان لا يملك نصاباً فاضلاً عن دينه كغيره من المدينين.

الضرب الثالث : الغارم بسبب دين ضمان وهذا الضرب ذكره الشافعية ، والمعتبر في ذلك أن يكون كل من الضامن والمضمون عنه معسرين، فإن كان أحدهما موسراً ففي إعطائه الضامن من الزكاة خلاف عندهم.

الدين على الميت :

قال الجمهور : إن مات المدين ولا وفاء في تركته لم يجز سداد دينه من الزكاة.

وقال المالكية : يوفى دينه منها ولو مات، وهو أحق بالقضاء لليأس من إمكان القضاء عنه.

الصنف السابع : في سبيل الله :

وهذا الصنف ثلاثة أضرب :

الضرب الأول : الغزاة في سبيل الله تعالى، والذين ليس لهم نصيب في الديوان، بل هم متطوعون للجهاد. وهذا الضرب متفق عليه عند الفقهاء من حيث الجملة، فيجوز إعطاؤهم من الزكاة قدر ما يتجهزون به للغزو من مركب وسلاح ونفقة وسائر ما يحتاج إليه الغازي لغزوه مدة الغزو وإن طالت.

ولا يشترط عند الجمهور في الغازي أن يكون فقيراً، بل يجوز إعطاء الغني لذلك، لأنه لا يأخذ لمصلحة نفسه، بل لحاجة عامة المسلمين، فلم يشترط فيه الفقر.

وقال الحنفية : إن كان الغازي غنياً، وهو من يملك خمسين درهماً أو قيمتها من الذهب كما تقدم في صنف الفقراء فلا يعطى من الزكاة، وإلا فيعطى، وإن كان كابساً، لأن الكسب يقعده عن الجهاد.

وصرح المالكية بأنه يشترط في الغازي أن يكون ممن يجب عليه الجهاد، لكونه مسلماً ذكراً بالغاً قادراً، وأنه يشترط أن يكون من غير آل البيت.

وأما جنود الجيش الذين لهم نصيب في الديوان فلا يعطون من الزكاة، وفي أحد قولين عند الشافعية : إن امتنع إعطاؤهم من بيت المال لضعفه، يجوز إعطاؤهم من الزكاة.

الضرب الثاني : مصالح الحرب :

وهذا الضرب ذكره المالكية ، فالصحيح عندهم أنه يجوز الصرف من الزكاة في مصالح الجهاد الأخرى غير إعطاء الغزاة، نحو بناء أسوار للبلد لحفظها من غزو العدو، ونحو بناء المراكب الحربية، وإعطاء جاسوس لنا على العدو، مسلماً كان أو كافراً.

وأجاز بعض الشافعية أن يشتري من الزكاة السلاح وآلات الحرب وتجعل وقفاً يستعملها الغزاة ثم يردونها، ولم يجزه الحنابلة .

وظاهر صنيع سائر الفقهاء - إذ قصروا سهم سبيل الله على الغزاة، أو الغزاة والحجاج، أنه لا يجوز الصرف منه في هذا الضرب، ووجهه أنه لا تمليك فيه، أو فيه تمليك لغير أهل الزكاة، أو كما قال أحمد : لأنه لم يؤت الزكاة لأحد، وهو مأمور بإيتائها.

الضرب الثالث : الحجاج :

ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والشافعية) ورواية عن أحمد إلى أنه لا يجوز الصرف في الحج من الزكاة لأن سبيل الله في آية مصارف الزكاة مطلق، وهو عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، لأن الأكثر مما ورد ذكره في كتاب الله تعالى قصد به الجهاد، فتحمل الآية عليه.

وذهب أحمد في رواية ، إلى أن الحج في سبيل الله فيصرف فيه الزكاة، لما روي أن رجلاً جعل ناقته في سبيل الله، فأرادت امرأته أن تحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : "فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله"رواه أبو داود.

فعلى هذا القول لا يعطى من الزكاة من كان له مال يحج به سواها، ولا يعطى إلا لحج الفريضة خاصة.

وفي قول عند الحنابلة : يجوز حتى في حج التطوع.

Free Web Hosting