الفَصل الرَّابع الإنابة في الطلاق:

وهذه الإنابة نوعان:

توكيل: وهو أن يقيم الزوج غيره مقام نفسه في تطليق امرأته وهو لا يكون إلا لأجنبي سواء صدر بلفظ الوكالة أو غيرها كطلق امرأتي، لأن المرأة لا تكون وكيلة في تطليق نفسها حيث إن الوكيل يعمل للغير، أما المرأة التي تطلق نفسها فهي عاملة لنفسها، فتوكيلها يكون تفويضاً لها أي تمليكها الطلاق.

وتفويض: وهو تمليك الغير الطلاق، وهو يكون للزوجة بأي لفظ يفيده ولو كان بلفظ الوكالة، ويكون للأجنبي إذا علق إنابته على مشيئة ذلك الغير كقوله له: طلق امرأتي إن شئت.

ومن هنا عرف فقهاء الحنفية تفويض الطلاق: بأنه تمليك الزوج زوجته حق تطليق نفسها أو تمليك غيرها هذا الحق بلفظ يفيده كما إذا علقه على مشيئته.

والفرق بين التفويض والتوكيل يظهر في أمور:

1- أن الزوج المفوض لا يملك الرجوع بعد التفويض، لأن تفويض الطلاق في معنى إنشاء طلاق معلق على إرادة المفوض إليه واختياره، والمعلق من الطلاق كالمنجز لا يجوز الرجوع عنه، فلو قال الزوج بعد التفويض: قد رجعت أو عزلتك لا يكون مانعاً للمفوض إليه من إيقاع الطلاق، أما الموكل فيملك الرجوع وعزل الوكيل بالقول قبل أن يوقع الطلاق، وكذلك بالفعل بأن يخالط امرأته مخالطة جنسية، فإذا قال أو فعل ذلك بطل التوكيل.

2- أن التفويض لا يبطل بجنون الزوج بخلاف التوكيل فإنه يبطل به حيث أن الوكيل يعمل لموكله ويتصرف فيما يملكه، فإذا بطلت أهلية الموكل بطلت تصرفاته، فلم يبق للوكيل سلطان يتصرف به.

3- أن التفويض يتقيد بالمجلس إذا كان مطلقاً عن التقييد بوقت معين أو بعمومه في جميع الأوقات فإذا انتهى المجلس دون إيقاع الطلاق من المفوض إليه بطل التفويض، بخلاف التوكيل فإنه لا يتقيد بالمجلس، فله أن يطلق في المجلس وبعده إلى أن يعزله الموكل إلا إذا قيده به.

4- إن التفويض يتم بعبارة المفوض ولا يحتاج إلى قبول من المفوض إليه، أما التوكيل فلا بد لتمامه من القبول من الوكيل.

ومن هنا قالوا: إن المفوض يعمل بمشيئة نفسه وعلى حسب اختياره لأنه يملك ما فوض فيه وله الخيار في الفعل وعدمه، والوكيل يعمل بمشيئة الموكل وعلى حسب ما يراه موكله فهو مكلف أن يفعل ما وكل به وليس له اختيار أن يفعل وأن لا يفعل بعد قبوله الوكالة، وهو لا يكون ممتثلاً إلا إذا فعل ما وكل به.

والملكية التي يفيدها التفويض ليست ملكية خالصة تنقل الحق من مالك إلى آخر، لأنها لا تسلب الزوج حقه في التطليق، بل لا تزال ملكيته قائمة بعد التفويض لأن ملك الطلاق حكم من أحكام الزواج وهو قائم فيبقى حقه في الطلاق قائماً، فله بعد أن يفوض الطلاق إلى غيره أن يطلق زوجته فهو ليس تمليكاً محضاً كسائر التمليكات الأخرى بل لا يزال فيه شبه بالتوكيل، ولو قلنا إنه وسط بين التمليك والتوكيل أو أنه خليط منهما لما بعدنا عن الحقيقة.

صيغة التفويض:

أكثر ما يكون التفويض للمرأة، وهو تمليك لها سواء كان بلفظ الوكالة أو بغيره.

وصيغة التفويض إما أن تصدر مطلقة عن التقييد أو مقيدة بوقت معين ، كطلقي نفسك في مدة شهر من الآن، أو مقترنة بما يفيد التعميم. كطلقي نفسك متى شئت، فإن كان مقيداً بوقت تقيد به، فإذا مضى الوقت بطل التفويض فلا تملك تطليق نفسها بعد ذلك الوقت حتى ولو فوض إليها وكانت غائبة ولم تعلم بالتفويض إلا بعد انتهاء مدته، وإن كان مقيداً بما يفيد الدوام ثبت على الدوام. فلها أن تطلق نفسها في أي وقت ما دامت الزوجية قائمة ما لم ترده، وإن كان مطلقاً عن التقييد بشيء منهما تقيد حقها بالمجلس إذا كانت حاضرة، وبمجلس علمها به إذا كانت غائبة، فإذا انتهى المجلس انتهت معه ملكية المفوض إليه حق الطلاق، وكذلك بردها إياه وإعراضها عنه، لأن التفويض تمليك، والتمليك يقتضي جواباً في المجلس كما في عقد الزواج، ولأن المأثور عن الصحابة أنهم جعلوا الخيار للمخيرة مدة مجلسها ينتهي بانتهائه.

وقت التفويض:

التفويض قد يكون بعد تمام عقد الزواج، وهذا صحيح إذا وقع ترتبت عليه آثاره بلا خلاف، وقد يكون قبل العقد أو مقارناً له.

فإذا كان قبل العقد، كأن يقول الرجل للمرأة: إن تزوجتك فأمرك بيدك تطلقين نفسك متى شئت ثم تزوجها، كان لها حق تطليق نفسها متى شاءت عند الحنفية، لأنهم يجوزون تعليق الطلاق على الزواج، وهذا التفويض تعليق للطلاق على الزواج ومشيئتها الطلاق حيث لا فرق بين قول الرجل إن تزوجتك فأنت طالق وقوله: إن تزوجتك فأنت طالق إن شئت.

وإذا كان مقارناً للعقد صح إذا صدر إيجاب عقد الزواج من المرأة مشروطاً بتفويض الطلاق إليها وقبل الزوج ذلك، كأن تقول المرأة للرجل: تزوجتك على أن أطلق نفسي متى شئت فيجيبها بقوله قبلت، فيصبح العقد ويكون لها حق تطليق نفسها متى شاءت، أما إذا بدأ الرجل بالإيجاب مشروطاً بتفويض الطلاق إلى المرأة. كأن يقول لها: تزوجتك على أن تطلقي نفسك متى شئت، وتقول له قبلت. فإنه يصح العقد ويبطل التفويض، لأنه فوض إليها الطلاق قبل أن يتم العقد فيكون قد ملكها طلاقاً لم يملكه بعد، بخلاف الصورة الأولى فإن قبول الرجل كان للزواج أولاً ثم للشرط المتضمن للتفويض ثانياً، فكان التفويض واقعاً بعد تمام العقد وبتمام العقد يملك الطلاق فيقع تمليكه لها صحيحاً.

ألفاظ التفويض:

عدَّ الحنفية للتفويض إذا كان للزوجة ألفاظاً ثلاثة : طلقي نفسك وأمرك بيدك واختاري، وهذه الألفاظ منها الصريح وهو اللفظ الأول، والكناية وهي الثاني والثالث. والصريح لا يحتاج إلى نية لا من الزوج ولا من الزوجة عند إيقاعها الطلاق، وأما الكناية فلا يثبت بها التفويض إلا مع النية أو ما يقوم مقامها من القرائن أو دلالة الحال، وكذلك لا يقع بها الطلاق من المفوض إليه إلا بالنية أو ما يقوم مقامها، لأن الطلاق الذي يصدر من الزوجة بمقتضى التفويض يقع به ما يوقعه الزوج، لأنه ملكها ما يملكه باللفظ الذي أصدر منه لها.

ولهذا قرروا أنه يقع بالصريح طلقة واحدة رجعية إلا إذا كان قبل الدخول وكان التفويض في مقابلة مال فإنه يقع بائناً وإن كان مكملاً للثلاث وقعت به بينونة كبرى.

ويقع بالكناية طلاقاً بائناً لأنه لا يتم لها اختيارها لنفسها أو يكون أمرها بيدها إلا بالبينونة، وإذا نوى به الثلاث وقع إذا كان بلفظ أمرك بيدك، أما في اختياري فلا تصح نية الثلاث غير أنه يشترط في إيقاع الطلاق بلفظ اختاري أن يذكر الزوج أو المرأة أحد لفظين إما النفس أو الاختيارة بأن يقول لها الزوج: اختاري نفسك أو يقول لها: اختاري فتقول: اخترت اختيارة، لأن ذكر اختيارة يقوم مقام ذكر النفس، وكذلك لو قالت اخترت أبي أو أمي أو أهلي فإنه يقوم مقام النفس فيقع به البائن، أما إذا قال لها اختاري فقالت اخترت لا يقع به شيء.

ما يملكه المفوض إليه بالتفويض:

وليس لها أن تطلق نفسها بالتفويض إلا مرة واحدة إلا إذا صدر التفويض بصيغة تدل على التكرار، كأن يقول لها: طلقي نفسك كلما شئت، أو قال لآخر طلق زوجتي كلما شئت.

الفَصل الخامِس

الطلاق بعوض "الخلع":

شروط الخلع.

بدل الخلع وشروطه.

أحكام الخلع.

المبحث الأول

في التعريف بالخلع وتكييفه الفقهي

الخَلع بفتح الخاء يستعمل في الأمور الحسية كخلع ثوبه خلعاً أزاله عن بدنه، وفي الأمور المعنوية كخلع الرجل امرأته خلعاً إذا أزال زوجيتها، وخلعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه.

والخلع بالضم يستعمل في الأمرين أيضاً لكن الخلاف في أنه حقيقة في إزالة الزوجية أو مجاز باعتبار أن المرأة لباس للرجل وبالعكس "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، هذا وقد قال الفقهاء: إن العرف خص استعمال الخلع بالفتح في إزالة غير الزوجية، والخلع بالضم في إزالة الزوجية، وعرفه فقهاء الحنفية بأنه: إزالة ملك النكاح بلفظ الخلع أو ما في معناه نظير عوض تلتزم به الزوجة.

وهذا التعريف يفيد أن الخلع عندهم لا يتحقق إلا إذا توفرت فيه الأمور الآتية:

1- أن يكون ملك المتعة قائماً حتى يمكن إزالته. بقيام الزوجية حقيقة أو حكماً، فإذا لم تكن قائمة لا يتحقق كما لا يكون في النكاح الفاسد خلع لأنه لا يفيد ملك المتعة.

2- أن يكون بلفظ الخلع أو ما في معناه كالإبراء والافتداء، كأن يقول لها: خالعتك على كذا أو بارأتك على كذا أي فارقتك على كذا، أو افتدي نفسك بكذا، وتقول المرأة: قبلت، ولو قال لها: طلقتك على مائة مثلاً لم يكن خلعاً بل طلاقاً على مال، والخلع والطلاق على مال يختلفان في بعض الأحكام فكان لابد من التمييز بينهما في الصيغة التي يقع بها كل منهما.

3- أن يكون في نظير عوض من جهة الزوجة سواء كان مالاً أو غير مال كما سيأتي تفصيله فإن ذكر العوض فالأمر ظاهر، وإن لم يذكر بأن قال لها: خالعتك أو بارأتك فقط يرجع إلى نيته فإن نوى به الخلع وقع وانصرف البدل إلى مهرها وتوقف على قبولها، وإن نوى به الطلاق كان طلاقاً بائناً بدون توقف على قبول الزوجة، وإن لم ينو به شيئاً ولم توجد قرينة تدل على إرادة أحدهما لا يقع به شيء.

4- رضا الزوجة به إذا صدر من الزوج، ورضا الزوج إذا صدر من الزوجة، لأنه ليس إسقاطاً محضاً كما في الطلاق المجرد بل فيه معنى المعارضة وبخاصة من جهة المرأة، فلو صدر من الزوج ولم تقبل الزوجة لا يقع به شيء، وكذلك لو قالت المرأة خالعني على مائة مثلاً ولم يقبل الزوج.

أبو حنيفة يرى أن الخلع يعتبر يميناً من جانب الزوج لأن الزوج الذي يقول لزوجته خلعتك على مائة دينار يكون هذا القول منه تعليقاً للطلاق على قبولها دفع المائة، وكأنه قال لها : إن دفعت مائة دينار خلعتك، والتعليق يسمى يميناً في اصطلاح الفقهاء، ولهذا يأخذ الخلع أحكام اليمين بالنسبة للزوج، ويكون معوضة من جهة المرأة، لأنها بقبولها التزمت بما أوجبه الزوج في نظير افتداء نفسها وخلاصها من قيود الزوجية، وكأنها قالت رضيت أن اشتري عصمتي منك بهذا البدل غير أنها ليست معاوضة خالصة بل لها شبه بالتبرعات لأن المعاوضات الخالصة يكون كل من البدلين مالاً أو شيئاً يقوم بالمال، وما يخلص للمرأة في نظير المال ليس إلا خلاص نفسها وهو ليس بمال ولا في حكم المال، ولهذا يأخذ الخلع أحكام المعاوضات بالنسبة للزوجة.

وقد انبنى على اعتبار الخلع يميناً من جانب الزوج الأحكام الآتية:

1- إذا صدر إيجاب الخلع من جانب الزوج بأن قال لها: خالعتك على مائتي دينار فليس له أن يرجع عن هذا الإيجاب قبل قبول الزوجة، لأن قوله في معنى تعليق الطلاق، والطلاق المعلق كالمنجز لا يصح الرجوع عنه.

2- إنه لو قام من المجلس الذي أوجب الخلع فيه قبل قبول الزوجة لا يبطل إيجابه فلو قبلت في مجلسها بعد قيامه تم به الخلع لأنها مقيدة بمجلسها هي، ولأن قيامه يعتبر رجوعاً عن الإيجاب دلالة، وإذا لم يملك الرجوع صراحة لا يملكه دلالة من باب أولى.

3- يجوز للزوج أن يعلق الخلع على أمر سيحدث في المستقبل أو يضيفه إلى زمن مستقبل. كأن يقول لها: إن تزوجت عليك فقد خالعتك على كذا، أو خالعتك على كذا غداً فقبلت عند تحقق الشرط أو مجيء الغد تم الخلع، أما إذا قبلت قبل تحقق الشرط أو مجيء الوقت المضاف إليه يكون قبولها لغواً، لأن التعليق بالشرط والإضافة إلى الوقت إيجاب عند وجود الشرط والوقت.

4- لا يجوز له أن يشترط الخيار لنفسه في الخلع، كأن يقول لها: خالعتك على كذا على أنى بالخيار ثلاثة أيام، لأن الخلع يمين من جانبه والخيار لا يكون في الأيمان لأنه لا يملك الرجوع فيها، أو أنه إسقاط من جانبه والإسقاطات لا تقبل الخيار.

وانبنى على اعتباره معاوضة من جانب الزوجة الأحكام الآتية:

1- أن الزوجة لو ابتدأت بالإيجاب في الخلع جاز لها أن ترجع عنه قبل قبول الزوج، لأن الإيجاب في المعاوضات يصح فيه الرجوع قبل قبول الطرف الآخر.

2- إذا ابتدأت هي بالمخالعة تقيدت بالنظر إلى كل منهما، فلو قام أحدهما من المجلس قبل تمام الخلع بطل، فإذا قامت قبل قبول الزوج بطل إيجابها، لأن المجلس قد انتهى بقيامها حيث تبطل المعاوضات بتفرق المتعاقدين، وكذلك يبطل إيجابها بقيامه قبل قبوله بهذا المعنى، وإذا ابتدأ بالإيجاب كان عليها القبول في المجلس إن كانت حاضرة، وفي مجلس علمها بالخلع إن كانت غائبة، فلو قامت منه ثم قبلت لا يتم الخلع لأن هذا شأن المعاوضات.

3- لا يجوز لها أن تعلق الخلع على شرط أو تضيفه إلى زمن مستقبل، لأن المعاوضات لا تقبل واحداً منها.

4- يجوز لها أن تشترط لنفسها الخيار سواء كانت هي الموجبة، كأن قالت: اختلعت منك بكذا ولي الخيار ثلاثة أيام، أو كانت قابلة: كأن قال لها: خالعتك على كذا. فقالت قبلت ولي الخيار ثلاثة أيام. وفي كلتا الحالتين لها أن ترفض الخلع في تلك المدة أو تقبله فيها فإن رفضته بطل الخلع ولا يلزمها البدل، وإن قبلته فيها أو مضت المدة بدون قبول أو رفض تم الخلع ولزمها البدل عند الإمام. وكذلك لو شرط لها الخيار وقبلته. هذا ما يترتب على كون الخلع من جانبها معاوضة، أو كونها تشبه التبرعات فيترتب عليها أنه لا بد أن تكون من أهل التبرعات بأن تكون بالغة عاقلة غير محجور عليها.

هل يجوز الرجوع عندهم؟

إذا صدر الإيجاب منه لا يصح له الرجوع عنه في كل من الخلع والمبارأة قبل قبول الزوجة، ولا يبطل بقيامه من المجلس قبل قبولها ولكنه يبطل بقيامها منه، أو إعراضها عنه، وإذا بطل لا يترتب عليه أثر إلا إذا ذكر لفظ الطلاق معه فإنه يقع به الطلاق دون أن يلزمها البدل لأنه أصبح طلاقاً مجرداً بإعراضها عنه.

أما إذا صدر الإيجاب منها فلها الرجوع عنه قبل قبول الزوج لما فيه من معنى المعاوضة منها، وإذا تم الخلع كان لازماً بالنسبة للزوج ليس له أن يرجع عنه ابتداء، وغير لازم بالنسبة لها فلها أن ترجع في البدل ما دامت في العدة، بشرط أن يعلم برجوعها قبل انقضاء عدتها، فإذا رجعت كان لزوجها أن يرجع تطليقها بشرط ألا يكون تزوج بأختها أو برابعة، فإذا رجع عادت زوجتيه لها كما كانت، وإن لم يرجع بقي الطلاق، ولكن هل يبقى بائناً أو يصير رجعياً؟ رأيان عند الحنفية :

أولهما: يبقى بائناً لأنه حين وقع وقع بائناً فلا يتغير ببطلان العوض.

و ثانيهما: أنه يتحول إلى طلاق رجعي لأن الأصل في الطلاق أن يكون رجعياً ما لم يوجد ما يجعله بائناً كالعوض مثلاً. وهنا وقع بائناً لوجود العوض أولاً، فإذا بطل العوض عاد الطلاق إلى أصله وهو الرجعي.

المبحث الثالث

في شروط الخلع:

يشترط في الزوج أن يكون أهلاً لإيقاع الطلاق. بأن يكون بالغاً عاقلاً. فكل من لا يصح طلاقه لا يصح منه الخلع، لأن من جاز تطليقه بلا عوض جاز تطليقه بعوض بطريق الأولى، فلا يصح الخلع من الصبي والمجنون والمعتوه. ومن اختل عقله بسبب المرض أو كبر السن، ويشترط في المختلعة أن تكون محلاً للطلاق وأهلاً للتبرع إذا كانت هي الملتزمة ببدل الخلع بأن تكون بالغة عاقلة رشيدة غير محجور عليها، لأن الخلع بالنسبة إليها معاوضة فيها شبه بالتبرعات، وأن تكون راضية غير مكرهة عليه عالمة بمعنى الخلع فإن كانت غير عربية ولقنها زوجها بالعربية كلمات: اختلعت منك بالمهر ونفقة العدة فقالت هذه الكلمات وهي لا تعرف معناها وقبل الزوج طلقت طلاقاً بائناً ولا شيء له من البدل.

خلع من لم تتوافر فيها الشروط لعدم الأهلية أو نقصانها أو الحجر عليها للسفه أو الإكراه، لكل واحدة من هؤلاء أحكام خاصة، وإليك بيانها:

خلع عديمة الأهلية كالصغيرة غير المميزة والمجنونة.

إذا تولت الخلع بنفسها فالخلع باطل لا يترتب عليه أي أثر، لأنه علق خلعها على قبولها. وهو غير معتبر فلم يتحقق الشرط الذي علق عليه الطلاق، أما إذا تولى أبوها الاتفاق مع الزوج على خلعها أو طلاقها في نظير مال التزم به فيقع الطلاق بائناً في الحالتين، لأن الزوج علقه على قبول الأب وقبوله معتبر هنا، ويلزمه المال للزوج، ولا يسقط بهذا الخلع شيء من حقوق الزوجة التي تسقط بالخلع عند أبي حنيفة .

أما إذا قبل الأب الخلع أو الطلاق على مال ولكنه لم يلتزم دفع البدل من مال نفسه بل أضافه في قبوله إلى مال ابنته وقع الطلاق في الخلع بائناً وفي الطلاق على مال رجعياً، لأنه علق على قبوله وقبوله معتبر على أصح الروايتين عند الحنفية ولا يلزم المال لا الأب لأنه لم يلتزم به ولا الصغيرة لأن الأب أضافه إلى مال لا يملك التبرع منه.

خلع ناقصة الأهلية كالصغيرة المميزة:

إذا تولت الخلع بنفسها وهي تفهم معنى الخلع وآثاره وقبلت ذلك وقع عليها طلاق بائن، لأنه علقه على قبولها وما دامت مميزة فقبولها معتبر في حق وقوع الطلاق وإنما وقع بائناً لأنه كناية والكنايات يقع بها البائن.

ولذلك قالوا: إذا طلقها على مال وقبلت وقع به رجعياً إن كانت مدخولاً بها ولم يكن مكملاً للثلاث لكونه صريحاً، ولا يلزمها البدل في الحالين لأنها ليست من أهل التبرع. ومثلها في ذلك السفيهة المحجور عليها يصح خلعها ويقع عليها الطلاق ولا يلزمها المال. وإذا تولى الخلع أبو الصغيرة المميزة أو القيم على المحجور عليها فحكمه على التفصيل السابق في عديمة الأهلية.

خلع المكرهة:

إذا أكرهت الزوجة على الخلع لا يلزمها المال، لأن الالتزام بالمال مع الإكراه غير صحيح بالإتفاق، أما الطلاق فيقع عليها لأنه علق على مجرد قبولها وقد وجد منها القبول ويقع به طلاق بائن عند الحنفية .

خلع الأجنبي:

إذا باشر الخلع أجنبي ليس وكيلاً عن الزوجة ولا ولاية له عليها فإن أضاف البدل إلى نفسه بحيث يفهم منه التزامه به، كأن يقول للزوج: أخلع زوجتك على مائة دينار من مالي مع الخلع ووقع به الطلاق وكان البدل على ذلك الملتزم، وإن لم يضفه إلى نفسه فإن أضافه إلى غيره بأن قال: أخلعها على كذا يلتزم به فلان فإنه يتوقف على إجازة من أضافه إليه. فإن أجازه صح الخلع ووقع الطلاق ولزمه المال ولا دخل للزوجة في هاتين الحالتين فلا يشترط رضاها، لأنه يشترط عندما تكون هي الملتزمة بالبدل، والطلاق من الحقوق التي يستقل بها الزوج، وإن لم يضف البدل إلى أحد توقف الخلع على قبول الزوجة لأنها الأصل في الخلع، فإن قبلت صح ولزمها البدل، وإذا لم تقبل لم يلزمها المال، أما الطلاق ففيه رأيان في المذهب الحنفي .

خلع المريضة مرض الموت:

إذا خلع الزوج زوجته وهي مريضة مرض الموت كان خلعه صحيحاً يقع به الطلاق البائن ويثبت به البدل، وكذلك لو طلقها على مال وقبلت، غير أن هذا البدل لما كان شبيهاً بالتبرع وهو في هذه الحالة يأخذ حكم الوصية لتعلق حق الورثة والدائنين بالتركة من أول المرض الذي كان سبباً للموت فلا ينفذ إلا في حدود ثلث التركة، لأنها لا تملك التبرع بأكثر من الثلث، فإن ماتت الزوجة في مرضها أثناء عدتها، فالحنفية يوجبون للزوج الأقل من أمور ثلاثة : بدل الخلع ، وثلث التركة ، ونصيبه من الميراث ، لو افترض بقاء الزوجية وورثها بالفعل، وإنما وجب له أقل هذه الأمور الثلاثة احتياطاً ومحافظة على حقوق ورثتها لاحتمال أن يكون الزوجان قد اتفقا على الخلع في هذا المرض ليحصل الزوج على أكثر من نصيبه في الميراث لو بقيت زوجيته إلى وقت وفاتها، وفي هذه الحالة لا يجوز لها أن تحابيه بطريق التبرع لأنه وصية وهي لا تجوز للوارث عند الجمهور ولا تنفذ عند الحنفية إلا بإجازة باقي الورثة. أو يحصل على أكثر مما يمكن لها أن تعطيه له بطريق الوصية لو كان غير وارث بأن انقطعت الزوجية قبل وفاتها لتوقف نفاذ الوصية بما زاد على الثلث على إجازة باقي الورثة. فلو وجب كل البدل لأمكن أن يأخذ أكثر مما يستحقه بطريق الميراث لو كان وارثاً ومن ثلث التركة بطريق الوصية لو لم يكن وارثاً، فمعاملة لهما بنقيض مقصودهما وجب له أقل هذه الأمور الثلاثة، وإن ماتت في مرضها بعد انقضاء عدتها يجب له الأقل من بدل الخلع ومن ثلث تركتها لأن احتمال الإرث منتف في هذه الحالة لانقطاع كل آثار الزوجية التي هي سبب الميراث، ولم يبق إلا احتمال محاباته بأكثر مما يستحق بطريق الوصية وهو الثلث، وإن ماتت بعد أن شفيت من مرضها الذي حصل فيه الخلع استحق الزوج الخالع بدل الخلع كله لظهور أن الخلع تم في حالة الصحة.

المبحث الرابع

بدل الخلع وشروطه:

تحت هذا العنوان نتكلم عن أمور ثلاثة:

أولها: ما يصح أن يكون بدلاً للخلع وما يشترط فيه.

ثانيهما: هل يشترط أن يكون مذكوراً في المخالعة؟.

ثالثها: حكم أخذ الزوج لذلك البدل في الأحوال المختلفة.

ما يصح أن يكون بدلاً للخلع وشروطه:

كل ما صح أن يكون مهراً صح أن يكون بدلاً في الخلع ولا تقدير فيه باتفاق الحنفية ، فيصح أن يكون من النقدين أو العقار أو المنقول، كما يصح أن يكون ديناً في ذمة الزوج، أو منفعة تقوم بالمال، كما يصح أن يكون الخلع على إرضاع ولدها منه مدة معينة، أو على حضانته المدة المقررة لها دون أن تأخذ منه نفقة عليها، أو على أن تقوم بالإنفاق عليه مدة معينة وعليها الوفاء بذلك، فإن امتنعت عن القيام بما التزمته أو عجزت عن الوفاء به، أو خرجت عن أهلية الحضانة، أو مات الطفل قبل انتهاء مدة الرضاعة أو الحضانة المتفق عليها كان لمن خالعها الرجوع عليها بما يقابل المدة الباقية، لكنها لا تدفعه إليه أقساطاً، كما كان يستحق عليها لو وفت به المدة كلها.

كما أن له الرجوع على ورثتها لو ماتت قبل الوفاء بما التزمته إلا إذا شرطت عليه ألا يرجع عليها بشيء إذا مات الولد أثناء مدة الرضاعة أو الحضانة، وإذا كانت الزوجة التي خالعت على نفقة ولدها معسرة لا تستطيع الإنفاق جاز لها أن تطالب الزوج بالإنفاق من ماله، ويجبر على إجابة طلبها، وكان ذلك ديناً عليها إذا أيسرت، لأن النفقة حق الولد، وهي في الأصل واجبة على الأب، ولكنها انتقلت إلى الأم لما جعلتها بدلاً في خلعها، فإذا عجزت قام الأب مقامها إحياء للولد من الهلاك وليس في ذلك ضرر به لأنه سيرجع عليها بالنفقة عند ميسرتها.

الشروط في بدل الخلع:

يشترط في بدل الخلع إذا كان مالاً: أن يكون متقوماً، فإذا كان غير متقوم لم يلزم الزوجة شيء ويقع الطلاق البائن عند الحنفية.

وصح عند الحنفية وانصرف البدل إلى مهرها إذا لم يمكن تقديره، فإن أمكن وجب المذكور في العقد، وهذا نظير ما لم يذكر بدلاً واللفظ ينبيء عن إيجاب البدل، ووجهه أن الخلع طلاق، وفي الطلاق معنى الإسقاط، لأنه يؤدي إلى إسقاط حق الزواج في المتعة والإسقاطات يدخلها المسامحة، كما يشترط في بدل الخلع ألا يكون فيه عدوان على حق الشارع أو على حق الغير، فإن كان فيه ذلك وجب البدل في حدود ما لا يتضمن العدوان.

فلو خالعها على ألا نفقة لها ولا سكنى صح البدل في النفقة دون السكنى، لأنها حق الشارع عند الحنفية، لما لم يوجبوا لها السكنى فذكرها عندهم وعدم ذكرها سواء، ولو خالعها على أن تبقى حضانتها للصغير إلى وقت بلوغه لم يصح البدل إلا آخر مدة الحضانة المقررة شرعاً وبطل في الباقي، لأن الصغير بعد فترة الحضانة محتاج إلى التربية والتعليم والتخلق بأخلاق الرجل وبقاؤه في حضانة أمه إلى وقت البلوغ عدوان ضار به يجب رفعه شرعاً.

ولهذا قرر فقهاء الحنفية أن الخلع إذا وقع على حضانة الصغيرة إلى البلوغ صح البدل في المدة كلها، وعللوا ذلك بأن بقاءها في حضانة أمها بعد سن الحضانة المقررة شرعاً لا يضر بها لأنها محتاجة إلى أن تعرف آداب النساء وتتعلم شئونهن وتتخلق بأخلاقهن، والنساء أقدر على ذلك من الرجال.

أخذ الزوج البدل ومتى يحل والمقدار الذي يحل أخذه؟

عرفنا أن الخلع مشروع عندما يقع النزاع بين الزوجين المؤدي إلى الشقاق بينهما الذي يخافا معه ألا يقيما حدود الله كما هو صريح القرآن.

لكن هذا الشقاق قد يكون المتسبب فيه الزوج وحده، وقد يكون سببه من قبل الزوجة، وقد يكون منهما معاً، وحل أخذ البدل يختلف باختلاف هذه الأحوال، فإن كان من قبل الزوج فلا يحل له أخذ شيء من الزوجة في نظير فراقها لقوله تعالى: { وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [النساء: 20، 21].

فهذا النص الكريم ينهي الزوج عن أخذ شيء مما أعطاه للزوجة عند إرادة الاستبدال، وهذا طبعاً لا يكون إلا عندما تكون الكراهة منه وحده، وأكد النهى بما جاء في آخره {أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً}، وقوله تعالى: { وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ } [النساء: 19]، فإنه نهى الأزواج عن عضل الزوجات بإلحاق الأذى بهن ليكون وسيلة إلى أخذ بعض المهر، لكنه استثنى حالة الإتيان بفاحشة مبينة - التي فسرت بالزنا أو بالنشوز - فأباح فيها الأخذ، وهذا يقتضي أن الأخذ عند عدم السبب منها حرام.

وهنا يقرر جمهور الفقهاء ، أن هذا هو حكم الديانة بينه وبين الله المعبر عنه بالحل والحرمة، أما في القضاء فيجوز له الأخذ بناء على حكم القاضي به. لأن الزوج أسقط حقه في نظير عوض رضيت به الزوجة وهو من أهل الإسقاط وهي من أهل المعاوضة، أما إذا كان السبب من قبلها وحدها أو اشتركا فيه فيحل له أخذ البدل، لقوله تعالى: { وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ } [البقرة: 229].

فهذه الآية نفت الجناح عن الزوج في أخذ الفداء، وعن الزوجة في الإعطاء في حالة خوفهما ألا يقيما حدود الله، وهذا الخوف يكون عندما تكون الكراهة من المرأة وحدها، أو منهما معاً.

وإذا حل له البدل في هذه الحالة: فهل يتقيد بمقدار المهر أو تجوز الزيادة؟

في المذهب الحنفي روايتان:

أولاهما: أن أخذ الزيادة جائز لا شيء فيه لإطلاق الآية السابقة { فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ به } فإنها رفعت الجناح عنهما في الأخذ والعطاء من الفداء من غير فصل بين ما إذا كان المعطى مساوياً للمهر أو زائداً عليه، ولأن الخلع معاوضة، والبدل فيها يرجع إلى تراضى الطرفين، وحينما أعطت الزيادة أعطتها من مالها بطيب من نفسها. وقد قال تعالى: { فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا } [النساء: 4].

وثانيتهما: أن أخذ الزيادة مكروه للآية السابقة، فإن قوله تعالى: { فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ به } رفع الجناح عنهما فيما افتدت به من المهر، لأن آخر الآية مردود إلى أولها، وأول الآية ينهى الأزواج عن أن يأخذوا من الزوجات شيئاً مما أتوهن من المهور، واستثنى من الأخذ في حالة خوفهما ترك إقامة حدود الله، فكان المراد من قوله فيما افتدت به أي مما آتاها، ويؤيد ذلك ما جاء في حديث قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "أتردين عليه حديقته" فقالت: نعم وزيادة، قال: "أما الزيادة فلا"، نهى عن الزيادة مع كون النشوز من قبلها، وقد عرضت الزيادة بطيب من نفسها.

المبحث الخامس

أحكام الخلع:

يترتب على الخلع آثار بعضها متفق عليه وبعضها مختلف فيه:

فاتفق الفقهاء على ما يلي:

1- أنه يقع به طلاق بائن.

2- أنه لا يتوقف على قضاء القاضي ككل طلاق يقع من الزوج.

3- أنه لا يبطل بالشروط الفاسدة، كأن تشترط أن تكون لها حضانة الطفل ولو تزوجت بغير ذي رحم محرم منه، أو أن تسقط حضانتها له، فالشرط يبطل وحده ويصح الخلع.

4- يجب به ما اتفقا عليه من البدل قليلاً كان أو كثيراً، ولا يسقط به شيء من الديون أو الحقوق التي لأحد الزوجين على الآخر مما لا يرتبط بعقد الزواج كثمن مبيع أو وديعة وغيرها.

واختلف الفقهاء في الحقوق التي ترتبط بالزواج ولم تذكر في الخلع ضمن الاتفاق:

فأبو حنيفة يسقط به كل حق ثابت بالفعل لكل من الزوجين على الآخر. كالمهر والنفقة المتجمدة للزوجة سواء أكان الخلع بهذا اللفظ أو كان بلفظ المبارأة. لأن المقصود بالخلع قطع الخصومة والمنازعة بين الزوجين، وهذا لا يتحقق إلا بإسقاط كل حق يتعلق بالزواج، فليس للزوجة أن تطالب بمهرها الذي لم تقبضه، ولا بالنفقة المتجمدة لها، وليس للزوج أن يطالبها بالمهر الذي قبضته إلا إذا كان الخلع واقعاً عليه.

Free Web Hosting