البَاب الثاني التفريق بين الزوجين بواسطة القضاء

الفَصل الأول

في التفريق لعدم الإنفاق

إذا لم تحصل الزوجة على نفقتها الواجبة بسبب من قبل الزوج كعسره أو امتناعه عن الإنفاق، فإن كان له مال ظاهر أو عند شخص آخر، وأثبتت الزوجة ذلك بأي وسيلة لم يكن لها طلب التفريق بهذا السبب لإمكان حصولها على حقها.

أما إذا لم تتمكن من الحصول عليه لعسره أو لغيبته التي لا يعلم معها مكان ماله، أو لامتناعه عن الإنفاق مع قدرته، فهل يكون لها حق طلب التفريق في هذه الحالة؟

اختلف الفقهاء في ثبوت هذا الحق لها،

ذهب الحنفية إلى عدم ثبوته، بل لها أن تطلب من القاضي الإذن لها بالاستدانة عليه إن كان معسراً أو غائباً، وجبره على الإنفاق إن كان ممتنعاً عن الإنفاق وتهديده بالحبس أو بالتعزيز إن لم يفعل.

وذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أنَّ للزوجة حق طلب التفريق، وعلى القاضي إجابتها لطلبها متى ثبتت صحة دعواها، على اختلاف بينهم في التفصيلات.

الفَصل الثّاني

في التفريق للعيب:

اتفق الفقهاء على أنَّه ليس كل عيب يصلح سبباً لطلب التفريق بل العيوب التي تخل بالمقصود الأصلي من الزواج، أو يترتب عليها ضرر لا يحتمله الطرف الآخر اختلفُوا في أمور:

الأول: من يثبت له هذا الخيار. أهو كل من الزوجين أم الزوجة وحدها؟

فذهب الحنفية إلى أنه يثبت للزوجة فقط، لأن الزوج يستطيع دفع الضرر عن نفسه بالطلاق الذي ملكه الله إياه، ولا داعي لرفع الأمر للقضاء لما فيه من التشهير بالمرأة أما الزوجة فلا تملك الطلاق فيتعين إعطاؤها حق طلب التفريق لتدفع به الضرر عن نفسها.

وذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد إلى أن هذا الحق يثبت لكل من الزوجين فيجوز للزوج طلب التفريق إذا وجد بزوجته عيباً يمنع الاتصال الجنسي كالرتق والقرن والعفل والإفضاء (1) أو وجدها مجنونة أو بها جذام أو برص، لأنه يتضرر بذلك ولا يستطيع معاشرتها مع وجود تلك العيوب كما يثبت لها هذا الحق إذا وجدت بزوجها عيباً.

الثاني: في عدد العيوب الموجبة للتفريق:

فذهب الحنفية في رواية إلى أنها العيوب التي تمنع التناسل وهي ثلاثة: أن يكون الرجل عنيناً أومجبوباً او خصياً (2) . لأن الغاية من الزواج حفظ النسل، فإذا لم يكن الزوج صالحاً للتناسل استحال تحقيق المقصود من العقد أما غير هذه العيوب فهي لا تمنع تحقق هذا المقصود ويكفي تحققه في الجملة.

وزاد في رواية أخرى ثلاثة عيوب أخرى وهي : الجنون والجذام والبرص.

والأئمة الثلاثة وافقوا الحنفية وزادوا غيرها.

فعدها المالكية ثلاثة عشر بعضها خاص بالرجل وبعضها خاص بالمرأة، وبعضها مشترك بينهما.

وزاد الحنابلة عيوباً أخرى.

الثالث: في نوع التفريق الواقع بالعيب. هل هو فسخ أو طلاق؟

ذهب الحنفية والمالكية إلى أنه طلاق بائن، لأن فعل القاضي يضاف إلى الزوج فكأنه طلقها بنفسه، وإنما جعل بائناً لأن المقصود منه دفع الضرر عن المرأة ولا يحصل ذلك إلا بالطلاق البائن.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه فسخ، لأن الفرقة جاءت من قبل الزوجة.

أما إذا كان العيب في الزوج فظاهر، وأما إذا كان فيها والزوج هو الذي طلب التفريق فقد كانت السبب في طلبه، والفرقة إذا جاءت من قبل الزوجة تعتبر فسخاً لا طلاقاً ويظهر أثر هذا الخلاف في نقصان عدد الطلاق به إذا جعل طلاقاً، وعدم نقصانه به إن كان فسخاً، وفي وجوب نصف المهر لها إذا كان قبل الدخول وعدم وجوبه.

الرابع: ذهب المالكية والشافعية إلى أن هذا الحق يثبت لصاحبه على الفور بمجرد العلم به

(1) الرتق: انسداد موضع الاتصال الجنسي سواء كان الانسداد بعظم أو بغدة لحم، والقرن: شيء يبرز في هذا الموضع كقرن الشاة يمنع من الاستعمال، والعفل: لحم يبرز من موضع الاتصال يشبه الأدرة للرجل، والإفضاء: اختلاط المسلكين بالمرأة.

(2) العنين: من له آلة صغيرة أو كبيرة لا يستطاع المخالطة بها، والمجبوب: مقطوع الذكر والخصيتين، والخصي: مقطوع الأنثيين فقط، وقيد الشافعية كونه عيباً بما إذا كان لا ينتصب.

فيسقط بسكوته عنه فترة من الزمن يستطيع فيها رفع الأمر إلى القاضي.

وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه ثابت على التراخي فلا يسقط بمجرد السكوت بل لابد من الرضى به صراحة أو دلالة.

حتى لو رفعت الدعوى ثم تركتها مدة لا يسقط حقها ويكون لها رفعها من جديد إلا إذا خيرها القاضي بعد ثبوت حقها في التفريق وسكتت فإنه يسقط حقها لأن عليها الاختيار في مجلس التخيير.

الخامس: هل يشترط فيمن يطلب التفريق بالعيب أن يكون خالياً من العيوب أو لا يشترط ذلك؟

من الفقهاء من جعله شرطاً كالحنفية، ومنهم من لم يجعله شرطاً كالمالكية والشافعية.

ما يتبع في طلب التفريق والتأجيل:

إذا طلبت الزوجة التفريق بسبب العنة أو الخصاء فادعت أنه لم يصل إليها لهذا العيب فإن اعترف الزوج بما تدعيه وصدقها في دعواها أجله القاضي سنة سواء كانت المرأة عند الزواج بكراً أو ثيباً، فإن انتهت السنة وأصرت الزوجة على طلبها لأنه لم يصل إليها وصدقها الزوج في عدم الوصول أمره أن يطلقها فإن لم يفعل طلقها عليه، وإن أنكر دعواها فإن كانت الزوجة حين العقد عليها ثيباً فالقول قوله مع يمينه لأنه ينكر استحقاقها الفرقة وهي تدعيها والظاهر يشهد له، لأن الأصل في الإنسان السلامة من العيوب، فإن حلف رفضت دعواها، وإن نكل عن اليمين اعتبر مصدقاً لها في دعواها أجله سنة كما إذا اعترف من أول الأمر.

وإن كانت بكراً حين العقد عين القاضي امرأتين من الموثوق بهن للكشف عليها، فإن ثبت أنها ثيب فالقول قوله مع يمينه حتى لو ادعت أنه أزال بكارتها بغير المخالطة لما قلنا إن الظاهر يشهد له فيحلف أنه أزال بكارتها بالمخالطة.

وإن تبين أنها لا تزال بكراً أجله سنة، فإن مضت السنة وعادت تدعي عدم الوصول يعاد الكشف عليها فإن وجدت بكراً أمره بالطلاق فإن طلقها انتهت المسألة، وإن امتنع عن الطلاق طلقها القاضي عليه.

وإن وجدت ثيباً فالقول قوله مع اليمين فإن حلف رفضت دعواها، وإن نكل عن اليمين كان مصدقاً لها وخيرها القاضي بين البقاء معه أو التفريق فإن اختارت التفريق في المجلس طلب منه أن يطلقها فإن لم يفعل طلقها عليه.

ولو قامت بدون اختيار اعتبرت متنازلة عن دعواها حتى ولو أقامها أعوان القاضي من المجلس لأنه يمكنها الاختيار بكلمة بسيطة.

وإنما وجب التأجيل بهذين العيبين دون غيرهما، لأن عدم وصول الزوج إلى زوجته مع أحدهما يحتمل أن يكون لعيب مستحكم من أصل الخلقة فيكون سبباً للتفريق، ويحتمل أن يكون لأمر عارض يزول بمرور الزمن فلا يكون سبباً موجباً للتفريق، ولا يستطيع الأطباء القطع بأحدهما فيؤجل سنة للوقوف على حقيقته، لأن الأمر العارض قد يزول في فصل من فصول السنة، وإذا حكم القاضي بالتفريق بينهما بعيب من العيوب كان طلاقاً بائناً ووجب عليها العدة احتياطاً ويجب لها كل المهر في العنة والخصاء بإتفاق أئمة المذهب لأنه تفريق بعد خلوة صحيحة، أما إذا فرق بينهما بسبب الجب فيجب لها كمال المهر أيضاً عند الإمام ويجب لها نصف المهر في قول عند الحنفية ، لأن الخلوة جعلت كالدخول في العنة والخصاء لاحتماله معهما، أما المجبوب فلا يتصور منه دخول فلا تكون خلوته موجبة تمام المهر.

والطلاق الواقع هنا طلاق بائن لأنه طلاق قبل الدخول حقيقة، ولأنه لا يرتفع الضرر عنها إلا به.

الفَصْلُ الثَّالِث

في التفريق للضرر

يراد بالضرر هنا ما يلحقه الزوج بزوجته من أنواع الأذى التي لا تستقيم معها العشرة الزوجية كضربه إياها ضرباً مبرحاً وشتمها شتماً مقذعاً، وإكراهها على فعل ما حرم الله، وهجرها لغير التأديب مع إقامته في بلد واحد معها أو أخذ مالها وما شاكل ذلك.

فإذا حدث ذلك فهل للزوجة أن تطلب أو لا؟

اختلف الفقهاء في ذلك بناء عل اختلافهم في المراد بآية بعث الحكمين وصحة بعض الآثار عن فقهاء الصحابة.

فذهب الحنفية والشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أنه ليس لها طلب التفريق، لأن الحياة الزوجية لا تخلو من ذلك عادة، فعليها أن تطلب من القاضي زجره ليمتنع عن ذلك أو تعزيره بما يراه رادعاً له إن لم يمتنع، فإن اشتد النزاع وخيف وقوع الشقاق بينهما بعث القاضي حكمين ليقوما بالإصلاح بينهما عملاً بقوله تعالى: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا } [النساء:35].

قالوا: إن هذه الآية قصرت عمل الحكمين على محاولة الإصلاح بين الزوجين ولم تجعل لهما حق التفريق، فيبقى هذا على الأصل للزوج وحده إلا إذا وكلهما بذلك حيث لا كتاب ولا سنة ولا أثر يدل على ثبوت هذا الحق لغيره.

وذهب المالكية والشافعي في قوله الآخر وأحمد في الرواية الأخرى إلى أن لها الحق في طلب التفريق، وليس في الآية ما يمنع ذلك، بل من يمعن النظر فيها يجدها جعلت لهما هذا الحق، لأن الله سماهما حكمين وجعل حق بعثهما لغير الزوجين فليسا مجرد وكيلين إذ لو أراد ذلك لقال: " فابعثوا وكيلاً عنه ووكيلاً عنها، ولما قصرهما على أهله وأهلها، لأن الموكل له أن يوكل عنه من يشاء، وإذا كانا حكمين فهما بمعنى الحاكمين فيثبت لهما حق الحكم ولا حكم هنا إلا بالتفريق إذا تعذر الإصلاح، وقد ثبت أن عثمان أرسل حكمين وقال لهما: إن رأيتما أن تفرقا ففرقا.

وكذلك روي عن علي أنه بعث حكمين بين زوجين وقال لهما: عليكما إن رأيتما أن تجمعا فاجمعا وإن رأيتما أن تفرقا ففرقا.

وروي عن ابن عباس أنه قال في الحكمين: فإن اجتمع أمرهما على أن يفرقا أو يجمعا فأمرهما جائز.

الفَصْل الرَّابع

في التفريق لغيبة الزوج

إذا غاب الزوج عن زوجته مدة تتضرر بها وتخشى على نفسها الفتنة فطلبت من القاضي التفريق بينها وبين زوجها فهل تجاب إلى طلبها؟

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يحق لها هذا الطلب ولا تجاب لطلبها لعدم وجود ما يصلح سبباً للتفريق في نظرهم.

وذهب المالكية والحنابلة إلى جواز التفريق بالغيبة إذا طالت حتى ولو ترك لها زوجها مالاً تنفق منه، ولكنهم اختلفوا في حدِّالغيبة الطويلة.

فحددها الحنابلة بستة أشهر استناداً إلى ما روي عن عمر في قصة المرأة التي تضررت من غياب زوجها في الغزو وسمعها عمر في إحدى الليالي تشكو منشدة بيتين من الشعر (1) وسأل ابنته حفصة عن المدة التي تصبر فيها المرأة عن زوجها فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر.

وحددها المالكية في الراجح عندهم بسنة وقيل بثلاث سنين.

كما اختلفوا في تلك الغيبة هل هي التي تكون بغير عذر كما يرى الحنابلة أو مطلقاً بعذر

(1) تطاول هذا الليل واسوَدَّ جانبه وطال عليَّ ألا خليلُ ألاعبــه

والله لولا خشية الله وحـــده لحرَّك من هذا السرير جوانبه

وبغير عذر كما يرى المالكية، لأن المرأة تتضرر بها في الحالتين، والمقصود بالتفريق رفع الضرر عنها، واتفقوا على أن الغيبة إذا كانت بعيدة لا يمكن وصول الرسائل إليه أو يمكن بعد زمن طويل موجبة للتفريق في الحال بدون إعذار ولا إمهال.

وإن كانت قريبة فلا يصح التفريق إلا بعد الإعذار إليه بأن يقدم أو ينقل امرأته إليه أو يطلق فإن فعل وإلا فرق بينهما بعد أن يتريث مدة باجتهاده رجاء عودته.

ذهب مالك إلى أن هذا التفريق طلاق بائن.

وذهب الحنبلي إلى أنه فسخ لأنها لم تصدر من الزوج، ولا ينفويض منه.

الفَصْل الخامِسْ

في التفريق لحبس الزوج

ذهب الحنفية والشافعية إلى أنه لا يفرق بين الزوج وزوجته بسبب حبسه مهما طال.

وذهب المالكية والحنابلة الذين يرون التفريق لغيبة الزوج إلى عدم التصريح بالتفريق لحبس الزوج.

ولم يصرح بذلك إلا بعضُ من الحنابلة في فتاويه، ولكن المذهب المالكي صرح بأن لزوجة الأسير الحق في طلب التفريق لأن مناط التفريق عندهم هوُ بعدُ الزوج عن زوجته سواء كان باختياره أو قهراً عنه كما في الأسير، لأن الضرر يلحق الزوجة من هذا البعد، وهذا المعنى متحقق في زوجة المحبوس.

البَاب الثالث

اللعان والإيلاء والظهار:

الفَصْل الأولْ

المبحث الأول

- التعريف به وكيفيته وشروطه والامتناع عنه:

اللعان في اللغة : هو مصدر لاعن من اللعن وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله تعالى.

وفي الاصطلاح : اسم لما يجري بين الزوجين من الشهادات بالألفاظ المعروفة مقرونة باللعن من جانب الزوج وبالغضب من جانب الزوجة.

وقد شرع الله الحد لمن يقذف امرأة محصنة بالزنى ولم يثبت دعواه بشهادة أربعة شهود زجراً له ولأمثاله عن انتهاك أعراض العفيفات. فيجلد ثمانون جلدة بقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } [النور : 4].

وكان هذا هو الواجب في قذف كل محصنة ولو كانت زوجة، ولكن الله خفف عن الأزواج ورفع الحرج عنهم بشرعية اللعان في حق من قذف زوجته بقوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ } [النور: 6-9].

فلما نزلت هذه الآيات أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم اللعان بين زوجين اتهم الزوج زوجته بالزنى مع شخص معين بعد أن وعظهما وبين أن لهما عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة لأن أحدهما كذب بيقين، فصار ذلك هو الحكم المقرر فيما إذا أتهم الزوج زوجته بالزنى أو نفى نسب ولدها إليه ولم تكن له بينة على دعواه ولم تصدقه الزوجة وطلبت إقامة حد القذف عليه.

- كيفية اللعان:

طريقة اللعان بعد حدوث سببه كما جاء في الآيات السابقة أن يأمر القاضي الزوج بملاعنتها بأن يقول: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة هذه ويشير إليها إن كانت حاضرة، وإن لم تكن حاضرة بالمجلس سماها ونسبها بما تتميز به، ويكرر ذلك أربع مرات وفي الخامسة يقول: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنى أو نفى الولد حسب موضوع الدعوى.

فإذا انتهى أمر الزوجة بملاعنته فتقول: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به من الزنى أو نفي الولد حسبما جاء في دعواه، وتكرر ذلك أربع مرات، ثم تقول في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماني به، ويكون ذلك بمحضر جماعة من الرجال أقلهم أربعة لأنه بينة على الزنى.

وإنما وجب الابتداء بالرجل لأنه المدعي فبينته بينة إثبات وبينتها بينة إنكار لأنها منكرة، وإنما كانت أربع شهادات لأن الزنى لا يثبت إلا إذا شهد عليه أربعة من الرجال أو أقرَّ به صاحبه أربع مرات، فكانت هذه الشهادات منه قائمة مقام شهادة الشهود الأربعة.

فإذا فعل ذلك سقط عنه حد القذف، وإذا عارضته بشهاداتها سقط عنها حد الزنى.

- حكم الامتناع عن الملاعنة بعد وجود سببها:

إذا امتنع الرجل عن الملاعنة بعد اتهامه زوجته بالزنى أو بنفي ولدها حبسه القاضي حتى يلاعن أو يكذب نفسه فيقام عليه حد القذف بمجرد امتناعه.

وسبب هذا الاختلاف هو اختلافهم في الموجب الأصلي لقذف الزوج زوجته:

فذهب الحنفية إلى أن موجبه اللعان لأن قوله تعالى: { فشهادة أحدهم } معناه فالواجب شهادة أحدهم، وهذا يفيد أن الواجب في قذف الزوجات اللعان فلا يجب غيره إذا لم يوجد، ثم قالوا إن آيات اللعان نسخت آية القذف في حق الأزواج أو خصصتها بغير الأزواج.

وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أن الموجب الأصلي لقذف الزوجات هو حد القذف واللعان مسقط له، لأن آية القذف عامة في حكمها لكل قاذف زوجاً كان أو غير زوج وجاءت آيات اللعان مخففة عن الأزواج فجعلت لهم طريقاً لرفع الحد عنهم باللعان، فإذا امتنع عن اللعان ثبت الموجب الأصلي وهو الحد، ويدل لهذا أن الرسول قال لهلال بن أمية -لما قذف زوجته بالزنى مع شريك بن شحماء-: "البينة أو حد في ظهرك"، وعندما نزلت آية اللعان وجاء يلاعن قال له الرسول: "عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة"، ولو لم تكن الحد بهذا القذف واجباً لما كان لهذا القول معنى.

ولأن الزوج لو أكذب نفسه أقيم عليه الحد بالاتفاق.

وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه إذا امتنعت الزوجة عن اللعان بعد أن لاعنها الزوج حبست حتى تلاعن أو تصدق الزوج فيما ادعاه، فإن صدقته لا تحد حد الزنى حتى تقر به صريحاً أربع مرات، لأن تصديقها ليس إقراراً بالزنى قصداً، ولأنها لو أقرت بالزنى ثم رجعت عن إقرارها لم تحد.

وذهب المالكية والشافعية إلى أنها إذا امتنعت عن اللعان يقام عليها حد الزنى وهو الرجم، لأن الواجب الأصلي هو الحد واللعان يدرأ عنها الحد لقوله تعالى: { وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ } فقد جعلت الشهادات وهي اللعان من جانبها دافعا عنها العذاب وهذا العذاب هو الحد المصرح به في قوله تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ }.

شروط اللعان:

لا يجب اللعان إلا بعد قذف الزوج ومطالبة الزوجة بموجب القذف أمام القاضي وتوفرت الشروط الآتية:

1- ذهب الحنفية إلى أن تكون الزوجية الصحيحة قائمة بينهما حقيقة أو حكماً عند القذف سواء أضاف الزوج الزنى إلى زمن الزوجية أو قبلها، لأن العبرة عندهم بالوقت الذي وقع فيه القذف سواء كان القذف قبل الدخول أو بعده.

وذهب الجمهور إلى أن الشرط أن يضيف القذف إلى زمن الزوجية فلو أضافه إلى ما قبل الزواج لا يلاعن ويقام عليه حد القذف، لأن العبرة عندهم بالوقت الذي يضيف إليه الزنى فلا بد أن يكون حال قيام الزوجية.

فلو كان الزواج فاسداً لا يلاعن لأن الزوجة فيه تعتبر كالأجنبية ويقام عليه حد القذف إذا كانت المقذوفة عفيفة.

وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يلاعن في الزواج الفاسد إذا كان القذف بنفي الولد لأن الرجل مضطر إلى نفي نسب هذا الولد ولا طريق له إلا باللعان.

2- أن يكون كل من الزوجين أهلاً للشهادة على المسلم بأن يكون كل منهما مسلماً بالغاً عاقلاً حراً قادراً على النطق غير محدود في قذف، فإذا تخلف قيد من ذلك لا يقام بينهما اللعان. وهذا عند الحنفية ، لأن اللعان عندهم شهادات مؤكدات بالأيمان. حيث سميت الآية الأزواج شهداء وسمت ملاعنتهم شهادات. وجعلها كشهادة الزنى في العدد.

وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنابلة- إلى أنها أيمان بلفظ الشهادة فيشترط فيه أن يكون كل منهما أهلاً لليمين والزوج أهلا للطلاق فصححوا اللعان من كل زوجين سواء كانا مسلمين أو كافرين، عدلين أو فاسقين محدودين في قذف أو لا ما دامت الزوجة محصنة يحد قاذفها، ودليلهم على ذلك أنه يذكر فيه اسم الله ويجب تكراره والمعروف في الشهادة أنها لا تكرر لكن القسم قد يكرر كما في القسامة، ولأنه يكون من الجانبين والشهادة تكون من جانب واحد، وتسميته شهادة باعتبار قول كل منهما أشهد، ولأن الرسول قال بعد أن ولدت امرأة هلال بن أمية: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن".

3- ألا يقيم الزوج بينة على ما ادعاه بالاتفاق، فلو أقام بينة وجب عليها الحد ولا لعان، لأن اللعان حجة ضعيفة فلا تقاوم بالبينة.

4- أن تكون الزوجة عفيفة عن الزنى.

5- أن تنكر الزوجة ما رماها به زوجها.

المبحث الثاني

في الآثار المترتبة على اللعان:

إذا توفرت شروط اللعان ووقع أمام القاضي ترتب عليه الآثار الآتية:

1- سقوط الحد عنهما.

2- يحرم بمجرد اللعان استمتاع كل من الزوجين بالآخر حتى قبل تفريق القاضي بينهما.

3- تقع الفرقة بين الزوجين بالإتفاق.

ولكن اختلف الفقهاء في وقوعها ، هل تقع بمجرد اللعان ولا تتوقف على تفريق القاضي أو لا تقع إلا بتفريقه؟

فذهب أبو حنيفة إلى أنها لا تقع إلا بتفريق القاضي، فلو تلاعنا وتأخر تفريق القاضي كانت الزوجية باقية بينهما في بعض الأحكام، فلو مات أحدهما ورثه الآخر، ولو طلقها وقع عليها الطلاق، ولو أكذب نفسه حلت له من غير تجديد عقد الزواج، واستدلوا بما روي عن ابن عباس في قصة المتلاعنين: ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وهذا يفيد أن التفريق حصل بفعل رسول الله لا قبله.

وذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه إلى أن الفرقة تقع بمجرد الملاعنة، وحكم القاضي منفذ لها، لأن سبب الفرقة هو اللعان وقد وجد ولولاه ما وقعت، وقول ابن عباس السابق ليس نصاً في إنشاء الفرقة بل يحتمل ذلك ويحتمل أنه إعلام لهما بها أو تنفيذها حساً بينهما، ومع الاحتمال لا يدل على توقف الفرقة على حكم القاضي.

وذهب أبو حنيفة إلى أنها إذا وقعت الفرقة بينهما اعتبرت طلاقاً بائناً تحتسب من عدد الطلقات لأن سبب الفرقة جاء من جانب الرجل لأنه المتسبب فيها، فلا يحل له أن يتزوجها قبل أن يكذب نفسه أو تصدقه في دعواه أو يكون من أحدهما ما يخرجه عن أهلية الشهادة، كأن يقذف أحدهما غيره فيحد به أو يرتد عن الإسلام، لأن تكذيبه لنفسه يعتبر رجوعاً عن الشهادة، والشهادة لا حكم لها بعد الرجوع عنها وحينئذ يحد حد القذف، ويثبت نسب الولد فيه إن كان القذف لنفيه، وبتصديقها له يرتفع سبب اللعان أيضاً، لكنها لا تحد حد الزنى إلا إذا أقرت أربع مرات.

وذهب الجمهور -المالكية والشافعية والحنبلية- إلى أن الفرقة باللعان تكون فسخاً لا طلاقاً لأنها فرقة مؤبدة كحرمة الرضاع فلا يمكنها إعادة الزواج بينهما حتى ولو أكذب نفسه أو صدقته الزوجة لحديث "المتلاعنان لا يجتمعان أبداً".

ولأن سبب التفريق وهو اللعان قد وجد، وتكذيبه نفسه أو تصديقها له لا ينفي وجوده فيبقى حكمه، ولأنه لو كان صادقاً في اتهامه لها فلا ينبغي له أن يرجع إلى معاشرة زوج بغي، وإن كان كاذباً فقد أساء إليها إساءة بالغة فلا يمكن من معاشرتها بعد ذلك.

3- إذا كان اللعان بنفي الولد ينتفي نسبه منه ويلحق بأمه فيكون أجنبياً في بعض الأحكام كالتورات والنفقة، فلا توارث بينهما إذا مات أحدهما، كما لا يرث الولد قرابة أبيه وإنما ترثه أمه وأقرباؤها، ولا تجب لأحدهما نفقة على الآخر، لأن كلاً منهما لا يثبت إلا بسبب متيقن.

وتبقى أحكام البنوة في الأحكام الأخرى التي يراعى فيها الاحتياط لاحتمال أنه ابنه حقيقة فلا يحل لأحدهما إعطاء زكاته للآخر، ولا تقبل شهادة أحدهما للآخر.

ولا يقتل الأب به قصاصاً إذا قتله، كما لو قتل ابنه الثابت النسب.

وتثبت بينهما حرمة المصاهرة فلا يجوز أن يزوجه من أولاده، كما لا يجوز له أن يتزوج امرأته التي عقد عليها وبالعكس.

ولا يعتبر الولد بهذا النفي مجهول النسب، فلو ادعاه غير الملاعن لا يصح ولا يثبت نسبه منه لاحتمال أن يكذب الملاعن نفسه فيعود نسب الولد له.

ولهذا قيل لو ادعاه أجنبي بعد موت الملاعن صحت الدعوى وثبت نسبه من المدعي إذا توافرت شروط ثبوت النسب، وهذا عند الحنفية .

الفَصْل الثّاني

الإيلاء:

المبحث الأول

- التعريف وركنه وألفاظه وشروطه:

الإيلاء لغة عبارة عن اليمين مطلقاً. يقال: آلى يولي إيلاء إذا حلف سواء كان على ترك قربان زوجته أو غيره.

وفي الشريعة عبارة عن حلف الزوج على ترك قربان امرأته أربعة أشهر سواء كان حلفاً بالله أو بتعليق القربان على فعل يشق على النفس إتيانه.

قال الله تعالى: { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 226-227].

- ركن الايلاء:

يوجد الايلاء بالعبارة الدالة على منع الزوج نفسه من قربان زوجته أربعة أشهر فأكثر منعاً مؤكداً باليمين بالله أو بصفة من صفاته أو بالتزام ما يشق عليه إثباته. كأن يقول: والله لا أقربك أربعة أشهر، أو وقدرة الله لا أقربك عاماً، أو لا أقربك أبداً، وكذلك لو أطلق عن التقييد بزمن: كوالله لا أقربك، لأن الإطلاق ينصرف إلى التأبيد، ومثل ذلك لو قال: إن قاربتك في هذا العام فعلي صوم شهرين متتابعين أو حج أو صلاة ألف ركعة مثلاً، ففي كل هذه الصور يكون مولياً يلزمه حكم الإيلاء.

وعلى ذلك لا يكون مولياً من حلف على تركها أقل من أربعة أشهر، أو قال لها : لا أقربك أربعة أشهر دون أن يلتزم بأمر يشق عليه، لأن الشرط لتحققه كون المنع مدة لا تقع عن أربعة أشهر مع تأكيده باليمين أو بالتزام أمر يشق عليه، فإذا خلا من أحدهما لا يكون إيلاء، هذا عند الحنفية .

وذهب مالك والشافعي والحنبلي إلى خلاف الحنفية في المدة فشرطوا أن تكون أكثر من أربعة أشهر أو مطلقة عن التقييد.

لأن الآية وضعت لعدم قربان المرأة حداً لا ينبغي للزوج أن يتعداه وهو الأربعة الأشهر وهو لا يطالب فيها بشيء فلا بد أن يزيد عليها ليطالب فيها بالفيء أو الطلاق.

كما خالفهم الحنابلة في المؤكد فشرطوا أن يكون بإسم الله أو بصفة من صفاته، فمن حلف بالطلاق أو التزم ما يشق عليه لا يكون مولياً، لأنه لا يمين إلا ما عده الشارع يميناً، ولأن الحلف عند إطلاقه ينصرف إلى القسم الذي تعورف في عصر نزول الوحي أنه يمين تلزم الكفارة بالحنث فيه " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين... الآية.

- ألفاظه:

تتنوع ألفاظ الإيلاء إلى نوعين صريح وكناية.

فالصريح: هو ما دل على المقصود من غير احتمال شيء آخر، نحو والله لا أقربك. أو لا أجامعك، أو لا أغتسل لك من جنابة وما شاكل ذلك، وهذا يكون إيلاء ولا يصدق في أنه قصد به شيئاً آخر.

والكناية: ما احتمل معنى آخر، نحو لا أغشاك، ولا أمسّك، ولا أدخل عليك، ولا أجمع رأسي ورأسك، وهذا لا يكون إيلاء إلا بالنية، فلو ادعى أنه أراد به غير المخالطة صدق قضاءً.

وكما يكون باللفظ المنجز يكون بالمعلق على حدوث أمر آخر، وبالمضاف إلى زمن مستقبل، وتبدأ مدة الإبلاء في المنجز عقب التلفظ به وفي المعلق من وقت تحقق الشرط، وفي المضاف لزمن بدخول أول لحظة منه عند الحنفية والشافعية والمالكية .

وذهب الحنابلة إلى أنه لا يكون إلا منجزاً.

- شروط الإيلاء:

1- يشترط في المولي "الزوج" أن يكون بالغاً عاقلاً قادراً على المخالطة الجنسية، وبعبارة أخرى أن يكون أهلاً للطلاق عند أبي حنيفة.

2- يشترط في المولي منها: أن تكون زوجة حقيقة أو حكماً بأن تكون في عدة الطلاق الرجعي عند الحنفية، لأن كلاً منهما يحل مخالطتها حتى صحت الرجعة بالفعل باتفاقهم.

وتبتدئ المدة من وقت الحلف وتحتسب مدة العدة منها. فإن انتهت العدة قبل مدة الإيلاء سقط لفوات محله، وإن امتدت العدة إلى نهاية مدة الإيلاء كان صحيحاً وطبق الحكم عليه، وامتداد العدة يتصور فيما إذا كانت عدتها بالقروء وامتد بها الطهر فطالت مدة الحيضات الثلاث حتى نهاية الأشهر الأربعة.

وقد يراجعها أثناء العدة فيعتمد الإيلاء إلى ما بعد الرجعة فيما إذا اعتدت بالأشهر، أما المعتدة من طلاق بائن فلا يصح الإيلاء منها باتفاقهم، لأنه لا يحل له قربانها حتى يحلف على امتناعه منه، ولأنها ليست من نسائه حتى تدخل تحت قوله تعالى: { لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } ... [البقرة: 226] الآية.

ولم يشترط الحنفية في المرأة المولى منها أكثر من هذا، فيصح الإيلاء من الزوجة دخل بها أو لم يدخل بها صغيرة كانت أو كبيرة يمكن مخالطتها أو لا كأن كانت قرناء أو رتقاء أو في مكان بعيد لا يمكنه الوصول إليها في مدة الإيلاء، قالوا: والفيء في هذه الأحوال التي يتعذر فيها المقاربة يكون بالقول وهو قول مالك.

المبحث الثاني

حكم الإيلاء

إذا حلف الرجل على عدم قربان زوجته على الوجه السابق فإما أن يفيء إليها بأن يفعل المحلوف عليه في مدة الإيلاء أو لا يفعل.

فإن فعل قبل مضي الأشهر الأربعة بطل الإيلاء ولزمه كفارة اليمين إن كان الحلف باسم الله أو بصفة من صفاته، أو الوفاء بما التزم من صلاة أو صوم أو حج أو تصدق.

هذا إذا كان يقدر على مقاربتها، فإن كان عاجزاً عنها من وقت الإيلاء لعذر كمرضه أو مرضها أو صغرها أو بعده عنها وامتد عجزه إلى آخر مدة الإيلاء يكون فيئه بالقول، كأن يقول: فئت إلى زوجتي أو رجعت عما قلت، وبهذا القول ينحل يمينه بالنسبة للطلاق فلا يقع بمضي المدة بدون مخالطة، كما أنه لا تلزمه كفارة اليمين ولا الأمر الملتزم به بالتعليق لأن المحلوف عليه لم يقع منه فلا حنث، وإنما اعتبر الفيء بالقول لأن وقوع الطلاق لرفع الظلم عنها، وعند العجز يكفي رفع الظلم بالقول حيث لا يستطيع سواه.

وإن لم يفعل ولم يقل ذلك القول حتى انتهت المدة كان باراً في يمينه فلا كفارة عليه ولكنها تطلق منه طلقة بائنة بمضي المدة عند الحنفية ، ولا يحتاج الطلاق لإيقاع منه أو لحكم القاضي به، وبعد وقوع الطلاق ينتهي الإيلاء إذا كان عين هذه المدة عند الحلف.

وإنما وقع بائناً عندهم لأن وقوعه هنا لتخليص المرأة من الظلم، والرجعي لا يفيد ذلك حيث يملك مراجعتها ثم يعيد الإيلاء وتتكرر المسألة فلا يخلصها إلا البينونة.

وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى موافقة الحنفية في أن الفيء في المدة ينهي الإيلاء ويلزمه الكفارة لهذا الحنث، ولكنهم خالفوهم في وقوع الطلاق بمضي المدة.

فذهبوا إلى أن الزوج إذا لم يفيء إلى زوجته بعد انقضاء الشهور الأربعة فعليه الطلاق، فإن طلق انتهى الأمر، وإن أبى الطلاق طلق عليه القاضي جبراً إذا طلبت الزوجة ذلك والطلاق الواقع هنا رجعي سواء كان من الزوج أو القاضي، لأن الأصل في الطلاق أن يكون رجعياً حتى يكون من الشارع ما يدل على أنه بائن.

فهم يخالفون الحنفية في أمرين. في أن الطلاق لا يقع بمضي المدة بل لا بد من إيقاعه من أحدهما، وفي أن الطلاق لا يكون بائناً.

Free Web Hosting