14- طفلي عدواني كثير الحركة

رزقني الله بطفل عمره الآن عامان، وهو سليم الجسم معافى والحمد لله، إلا أنه كثير الحركة بشكل مزعج، فهو يرمي أي شيء في يده على أي شخص، فيعرضني للحرج الشديد. أحياناً يرمي لعبته في وجه جده، أو يرمي الكرة على خالته، أو يفتح الدواليب ويخرج الصحون... إلخ. وكلما نهرته عن شيء ذهب إلى عمل آخر، فلا يجلس هادئاً أبداً. لديه الكثير من الألعاب لكنه لا ينشغل بها إلا قليلاً، وسرعان ما يتركها ويعود إلى أعماله المزعجة. أوبخه على هذه الإفعال وربما ضربته ضرباً بسيطاً على تكرارها، وقد أشدد عليه في الضرب إذا كرر هذه الأفعال فيوجعه الضرب، ويبكي من أثره فيوجع قلبي، فأنا لا أحب الضرب أبداً وألجأ إلى آخر الدواء، فأقوم بربط قدمه بقطعة قماش طويلة إلى قاعدة السرير، أو حبسه في غرفة لمدة ربع ساعة، تمتد أحيانأ إلى نصف ساعة، أو أكثر.. يبكي في البداية ثم يسكت، وينشغل بألعابه، أو ينام.

مشاكساته مع أخيه الصغير (9 أشهر) لا تتوقف فهو يسرع إليه كلما رآه ليضربه، أو يعضه، وقد يتظاهر في بعض الأحيان أنه يقبله، ولكنها قبلة بعضة من أسنانه.. بالرغم من أني وأباه لا نبدي اهتماما كبيراً بأخيه الصغير أمامه، ونكتفي بمجرد تقبيلة أو مداعبته، ولكنه مع ذلك يضربه، كثيراً ما أتجاهل ضربه لأخيه الصغير، وأشجعه وأصفق له إذا قبله، أو احتضنه مرة، لكن ذلك لم يغير من عدوانه على أخيه.

أما سلوكه مع أبناء أقاربنا فهو أشد عدواناً ، فخلال زيار تنا العائلية إذا رأى طفلاً في سنه أو أقل ضربه، أو عضه. أو ألقى به على الأرض.

ما هو تفسير هذه الحالة العدوانية لدى طفلي؟ وكيف أتغلب عليها؟

أم عبد الله - جدة

* يختلف الطفل عن الكبير في قدراته العقلية؛ لأن دماغ الطفل لم ينضج بعد، ولم يكتمل نمو خلاياه واتصالاته العصبية، ولذا فالتفكير لدى الطفل غالباً ما يكون محدوداً، وغير منطقي، تحكمه الرغبات الذاتية واللذات الآنية الحاضرة، التي تلح على الطفل بتحقيقها حالاً دون النظر في عواقب الأمور، فلا غرابة إذن أن يصدر من طفلك أفعال تنطوي على خطورة أو ضرر يناله، أو ينال غيره، كما أن الطفل يجهل أسرار البيئة المحيطة به؛ لأنها جديدة بالنسبة له، فيظل يبحث، ويفتش في الأشياء من حوله، ساعياً إلى اكتشاف ماهيتها، ومتلذذاً بمعرفتها، وكثيراً ما يستخدم فمه في ذلك حتى مع الأدوات والأشياء الضارة.

إن دماغ الطفل في نمو سريع مستمر، خصوصاً في السنوات الأولى، (يبلغ متوسط وزن دماغ المولود 350 غراماً تتضاعف ثلاث مرات عندما يصل عمره إلى سنة ونصف)، هذا النمو تطورات كبيرة في القدرات العقلية والجسدية، وتصاحبه تغيرات، وتقلبات سريعة في السلوك والتصرف قد يستنكرها الأبوان.

ربما تقولين في قرارة نفسك، "إن ابني مختلف عن أقرانه ممن هم في مثل سنه، ويكاد يكون هذا الاختلاف علامة مرض فيه " إن تصرفات طفلك وإن كانت حقاً لافتة للنظر وتدعو إلى الاهتمام، لا أظنها، (في هذه الحدود التي ذكرت) تصل إلى أن تكون حالة مرضية، فاختلافه عن كثير من أقرانه أمر متوقع لتفاوت الأطفال في نموهم العقلي، والجسدي والاجتماعي، وهذا يرجع إلى عدة عوامل ومؤثرات (وراثية واجتماعية ونفسية) منها:

* شعور الطفل بحنان والديه (الأم والأب وليس أحدهما فقط) من خلال الاحتضان، والتقبيل، والتبسم، والملاطفة، والملاعبة، وطريقة المعاقبة على الخطأ، ونحو ذلك.

* البيت ومن فيه واتساعه لحركة الطفل ونشاطه (فالشقة مثلاً لا تتيح للطفل فرصة اللعب، والحركة، والنشاط، كما لو كان في بيت فيه فناء مناسب لذلك) ومثل ذلك يقال في وجود أطفال آخرين من حوله يشاركهم اللعب ، والمرح والنشاط.

* وقت الفطام (سواء عن رضاعة الثدي، أو الرضاعة الصناعية أو المصاصة الملهية)، يتميز بتغيرات نفسية مؤثرة في الطفل، وغالباً ما يكون ذلك قرابة السنة الثانية، (عمر طفلك الآن).

* مجيء مولود آخر يراه يومياً في حضن أمه تهتم به، وترضعه، وتغير ملابسه، وتقبله، حتى وإن اجتهدت الأم (وكذا الأب) في إخفاء ذلك عنه، أو تخفيفه فيبقى لذلك أثر ولو كان يسيراً.

إن قذف الطفل للأشياء التي بيده (لعب أو غيرها) بعجلة دون تقدير أمر طبيعي ومعروف، ويبدأ غالباً في عمر سنة ونصف، ويزول بالتدريج، أما القدرة على اللعب مع الأطفال بتأقلم وانتظام، فهذا لا يصل إليه الطفل في المتوسط إلا في عمر ثلاث سنوات ونصف تقريباً، وأما العدوان على الأطفال الآخرين بالطريقة التي ذكرت فأمر يصعب الحكم عليه، هل هو في الحدود المعقولة أم خارج عنها.

هناك حالة مرضية عصبية نفسية تصيب ما بين 3-5% من الأطفال (في الذكور أكثر) تتميز بإفراط في الحركة والنشاط الزائد جداً اللافت للنظر، بحيث لايكاد الطفل يستقر في مكان أكثر من ثوان معدودة، ويظل في حركة كثيرة دون تركيز وتكثر مشاكسات الطفل لمن حوله والتنكيد عليهم، وعنادهم ببلاهة وغفلة، وأكثر ما تتضح بعد السنة الرابعة عند دخول الطفل المدرسة، حيث لا يتمكن من الاستيعاب والفهم، ويشكو المعلمون كثرة حركته في الفصل، وعدم استقراره على الكرسي أثناء الدرس.

هذه الحالة متعلقة بضعف في أداء الفص الأمامي من الدماغ (المسؤول عن ضبط الحركة والنشاط) وقد يكون لها ارتباط بتعسر ولادة الطفل.

أعراض هذه الحالة أشد بكثير مما وصفته في طفلك، ولكن للاحتياط، إذا استمرت مع طفلك الأعراض إلى ما بعد السنة الرابعة في ازدياد رغم إصلاح العوامل الاجتماعية، والطرائق التربوية، فعندها يفضل عرضه على مختص لتقويم حالته.

أما خطوات إصلاح وضع ابنك فتشمل:

* الإكثار من الدعاء له بأن يصلح الله تعالى أحواله كلها وأن يعينك على تربيته التربية التي يجعله الله بها قرة عين لوالديه.

* خففي من إسلوب الترهيب الذي تعاملينه به "الضرب والربط والحبس " فطفل العامين لا يزال صغيراً على هذه الشدة، والصرامة، وهو أحوج إلى الحنان، والحب، والعطف، والتفهم، والتوجيه بالحسنى.

* استخدمي معه أسلوب الترغيب المشروط، بحيث تربطين بين إعطائه ما يرغبه من هدايا أو جوائز وبين السلوك المرغوب.

ومن الطرائق النافعة في ذلك وربما تكون في مستوى من فوق سنة، أن تضعي في صالة البيت لوحة يراها بتكرار وفيها اسمه وأمامه خانة تضعين فيها نجمة، (أو نحوها) عندما يقوم بأمر مرغوب فيه وتخبرينه حالاً أن هذه النجمة مكافأة له على فعلته المحمودة، وفي الوقت نفسه تعطينه هدية صغيرة مناسبة (قطعة حلوى مثلاً) وهكذا إذا فعل أمراً آخر محموداً تضعين له نجمة أخرى ومكافأة أخرى، إلى أن يجمع خمس نجمات مثلاً، ثم تعطينه جائزة أكبر (لعبة ذات قيمة) وتكررين هذا الأمر إلى أن يعتاد الأعمال المرغوبة المحمودة دون أن يتطلع بلهفة إلى الجوائز. أما إذا وقع منه فعل غير محمود فيمكنك التغاضي عنه أول الأمر، وإن استمر وازداد فاجعلي في مقابله إزالة إحدى النجمات. (وقد لا يدرك الطفل هذا الأسلوب إلا بعد تكراره عدة مرات برفق ولطف).

لا تتعجلي نتائج هذه الطريقة، فإنها تحتاج إلى وقت وجهد، ولكنها مجربة ونافعة.

* يحسن بك الاطلاع على بعض المراجع المتعلقة بالتربية والسلوك وهي كثيرة جداً، ومنتشرة في المكتبات، وفيها معلومات تربوية ونفسية واجتماعية مفصلة، وأساليب عملية ناجحة تفيدك وأباه... إن شاء الله.

أعانك الله، وأصلح ذريتك.

Free Web Hosting