15- مرض التوحد

ابني عمره أربع سنوات ونصف السنة، بدأت ألاحظ عليه تغيرات كثيرة في تصرفاته خلال السنتين الأخيرتين، فبعد أن كان مرحاً يلعب مع الأطفال ويحادثهم ويندمج معهم صار منعزلاً معظم الوقت، لا يبالي بأحد حتى أنا ووالده وجدته، نناديه ونلاعبه فلا يبدي أي مشاعر. في البداية ظننا ذلك أمراً عابراً، ولكن استمرت حالته كذلك وتأثر كلامه أيضاً، فلم يعد يتكلم كما كان ونسي كثيراً من المفردات والأسماء، وأصبح سريع البكاء لأسباب غير واضحة أحياناً.

كثيراً ما يلازم سجادة الصلاة وينقلها معه أينما ذهب ولا ينام إلا وهي تحت رأسه ولا يأكل إلا وهي في حجره. إذا أخذتها منه صرخ وأخذ يضرب برأسه الأرض.

أمي تؤكد أن مرضه بسبب عين قريبة لنا أصابته، وقد دعوت تلك المرأة مرة لزيارتنا وأخذت من بقايا شرابها (القهوة والشاي) وأسقيته الطفل عدة مرات ومع ذلك لم يتغيرشيء في حالته.

أختي ترى أن سبب حالته قلة تواجدي معه لأني مدرسة وأتركه للشغالة معظم الوقت.

حاولت تشجيعه بألعاب وحلويات يحبها ومع ذلك لم يتحسن.

لا أدري هل هذه الحالة ستستمر معه أم هي عارضة وسرجع إلى وضعه الطبيعي؟!

أم سليمان- الرياض

* هذه الأعراض تشير إلى مرض التوحد، وهو أحد اعتلالات النمو النفسي والعقلي يظهر في الطفولة المبكرة قبل سن الثالثة وتشمل أعراضه:

* غياب التواصل العاطفي للطفل مع الأشخاص المحيطين بما فيهم الوالدان والإخوة فلا يبتسم ولا يضحك لهم ولا يستجيب للملاعبة والضم ويتجنب النظر في أعينهم، كما أنه لا يخاف ولا يجفل من الغرباء.

* الميل للوحدة والانفراد وعدم مشاركة الأطفال في اللعب، والتواصل مع الأشياء بدل الأشخاص، فينهمك ببعض أدوات اللعب وقتاً طويلاً دون ملل وكأنها صديق حميم، وتستهويه الأشياء التي لها حركات نمطية متكررة كالمروحة والساعة ذات البندول، ونحو ذلك.

* خلل في القدرات اللفظية: فقد تغيب القدرة الكلامية من البداية وقد تنمو إلى حد ما، ويتمكن الطفل من النطق ببعض الكلمات والجمل ثم تنحدر قدراته اللفظية بعد ذلك وظهر لديه مشكلات متنوعة في التخاطب مثل تكرار كلمات وألفاظ دون معنى، وترديد كلام الآخرين كالصدى لهم، والاستعمال الخاطئ (المقلوب) للضمائر ((أنت) (أنا)).

وتضعف قدرته على التعبير عن حاجاته ورغباته. وقد يظن الأهل أن الطفل أصيب بصمم أو بكم .

* مقاومة أي تغيير في أموره المعتادة والحرص على نمط معين في أموره (في الأكل واللبس واللعب...) والتمسك به بدرجة شديدة لافتة للنظر (ومن ذلك ملازمة طفلك لسجادة الصلاة دائماً) والتأثر عندما يحدث خلل في ذلك.

* سرعة الانفعال أحياناً وكثرة الحركة وتكرار حركات غريبة مثل: رفرفة اليدين أو الدوران حول نفسه أو القفز. وقد يضعف إحساسه بالألم، وقد يؤذي نفسه ببعض التصرفات خصوصاً إذا ضايقه أحد.

هذا المرض يصيب الذكور أكثر من الإناث، ويصيب واحداً من بين كل خمسة آلاف طفل في العالم، ولم تعرف له أسباب محددة تفسر أعراضه، وقد كان يظن أن أحد أهم أسبابه عوامل نفسية ناتجة عن خلل في التربية ونقص في الحنان والعاطفة. لكن الدراسات العلمية الدقيقة نفت ذلك، وأظهرت احتمالات خلل عضوي في الدماغ (إما في مرحلة التخلق داخل الرحم، وإما بعد الولادة) لا تظهر أعراضه إلا بعد أن يكون الطفل استطاع المشي والكلام، وتعلم بعض المهارات الاجتماعية (بعد سنتين إلى ثلاث سنوات).

وقد يصاحب التوحد أمراض أخرى كالتخلف العقلي والصرع.

علاج هذه الحالة يكون في مراكز التربية الخاصة، حيث يخضع الطفل لبرنامج علاجي سلوكي مفصل، ويدرب على السلوكيات المقبولة، وتنمي لديه المهارات اللغوية والتواصل والاندماج الاجتماعي بالتدرج. كما يدرب الوالدان على التفاهم معه ومساعدته في التكيف الاجتماعي والتعبير عن حاجته ورغباته.

لا توجد علاجات دوائية لهذه الحالة، وإنما توجد أدوية مساعدة تخفف بعض الاضطرابات السلوكية المصاحبة للتوحد: كسرعة الاستثارة وكثرة الحركة (من ذلك دواء: هالوبيريدول).

هذه الحالة مزمنة، والتحسن فيها بطيء (في الغالب) لذا عليك بالصبر والاحتساب ، وبذل الأسباب وعدم استعجال النتائج. وعسى الله أن يرزقك ذرية طيبة أصحاء في أبدانهم وعقولهم. ولعل في هذا الطفل لك من الأجر الشيء الكثير.. أعانك الله.

Free Web Hosting