18- أمي لا تزال تعاملني كطفلة

منذ سن مبكرة وأنا ألجأ إلى وسادتي، فقد كانت خير منصت لحديثي المر المؤلم. كنت دوماً أناجي ظلمة الليل وأهمس لوسادتي، وحينما أضع رأسي عليها فكأني أضعها على صدر أمي الحنون التي افتقدتها رغم وجودها إلى جانبي.

كانت الأحاديث الجميلة عن الأم يشنف أذني سماعها. كثيراً ما سمعت أن الأم هي الصدر الحنون لابنتها، ولكن لم أجد ذلك ولم أحسه يوماً مع أمي، كانت قريبة مني وبعيدة عني! طالما احتجت لها ولم أجدها بجانجي. أواجه مشكلاتي وحدي. لم تأت يوماً تسألني ما الذي أعانيه من قسوة الحياة. كان شغلها الشاغل معدتي ومظهري، هذه هي الحقيقة!

ومضت الأيام يجر بعضها بعضاً والفجوة بيني وبينها تطول آماداً وأميالاً. أنا حائرة في أمر أمي ولا أدري ما أسباب كل هذا.. لماذا لا تحبني؟ لماذا تكثر لومي وعتابي.. ولماذا تعنفني لأتفه الأسباب ويعلو صوتها بالتهديد والوعيد؟ لماذا تمتلئ نظراتها إلي عتاباً وتأنيباً بدل أن يملؤها الحب والحنان مثل كل الأمهات؟

ها أنا أخطو نحو عامي السادس عشر ولم ألحظ أي تغيير! لماذا أنا وليس إخوتي؟ لماذا تعاملني كطفلة صغيرة؟ لقد فهمت شيئاً من الحياة، وأصبحت لي مشاعر وأحاسيس عليها أن تراعيها. ومع هذا وذاك فأنا أحبها وأتوقع منها معاملة أفضل حتى ولو كنت مقصرة في حقها. ماذا أفعل مع أمي؟

غادة - الرياض

* رسالتك تضمنت جوانب مشكلتك مع أمك، لكن هذه الجوانب ليست واضحة الترابط ،بحيث تكون مشكلة واحدة ذات أصل واحد وتفرعات نابعة منه، لذا أرى أن ألخص جوانب المشكلة في النقاط التالية (كما تعرضينها مم! وجهة نظرك):

* فقد حنان الأم واهتمامها بك وحبها لك.

* قسوتها عليك ورفعها صوتها أحيانأ بالوعيد.

* معاملتها لك كطفلة صغيرة.

* إحساسك بالوحدة الشعورية وعدم وجود من يشاركك المشاعر.

* وجود مشكلة (أو مشكلات) خاصة تريدين من أمك أن تبادر هي لتسألك عنها وتساعد في حلها.

من الصعب أن أحكم على والدتك (صفاتها وطريقة تعاملها معك) من خلال تصوراتك أنت فقط، ولكن لنفترض أنها كما وصفت فعلاً، وأن وصفك للمشكلة يطابق الواقع تماماً. فإذا كان الأمر كذلك فإن الإجابة من وجهين:

الأول: باعتبار أن هذه مشكلة عامة (تقع لك ولغيرك).

الثاني: باعتبارها مشكلة خاصة (تتناول أموراً خاصة بك وبأمك).

الوجه الأول: لتعلمي أن فترة الانتقال من الطفولة إلى سن الرشد (وتسمى فترة المراهقة)يصاحبها تغيرات كثيرة في حياة الشخص ذكراً كان أم أنثى، من ذلك تغيرات في المشاعر والمزاج وفي الأفكار والتطلعات والطموحات وفي التعامل مع الآخرين (الوالدين والأقربين أو الزميلات والمدرسات) هذه التغيرات ينبغي مراعاتها من قبل الشخص نفسه (بتهذيبها وحسن توجيهها والحذر من أن تقوده إلى ما يضر كالعناد الزائد والعجب والغطرسة وعقوق الوالدين والعجلة.. إلخ) كما ينبغي مراعاتها أيضاً من قبل الوسط المحيط، من الآباء والأقارب والمدرسات وغيرهم، وذلك أيضاً بحسن توجيهها ومراعاة مشاعر المراهقة وأفكارها، وتطلعاتها وحسن معاملتهابطريقة تليق بعمرها وعقلها.

الوجه الثاني: يفضل أن تبادري بإبداء ملاحظاتك لمن حولك على الطريقة التي يتعاملون بها معك خاصة أمك التي قد تكون غافلة عن هذه الجوانب ولكن لديها القدرة والقابلية للتفاهم والتعاون ومستعدة للاستماع لك. فلماذا لا تجلسين معها على انفراد وتحاديثينها بكل وضوح عن كل ما تريدين وكل ما تشعرين به؟ ولماذا تبدأين بعرض مشكلتك على صفحات المجلة قبل أن تحاولي حلها مع أمك؟ إذا لم تجدي من والدتك التجاوب أول مرة فأعيدي الكرة مرة أخرى في أوقات وظروف أفضل وأدعى للإجابة والتقبل. فإذا لم توفقي فاستعيني من ترينه مناسباً من الأقارب (من أخواتك وإخوانك أو خالاتك).

عباراتك: "أواجه مشكلاتي وحدي " "قسوة الأيام " "لحديثي المؤلم " وهي وإن كانت تحتمل أن تكون تعبيراً عن المشكلة نفسها (عدم تفهم الأم لمشاعرك..) إلا إن الاحتمال الأقرب- في نظري- أنها متعلقة بمعاناة خاصة وظروف خاصة جعلتك تعانين مما أسميته (قسوة الأيام) (وبالمناسبة فالحياة ليس في قدرتها أن تقسو على أحد) وتشعرين بألم مر وبمشكلات تواجهينها وحدك.

لا أظنه مناسباً أن تشكو البنت مشكلة خاصة بها مع أمها عبر المجلة قبل محاولة حلها مباشرة مع الأم (إلا إذا أردت التنبيه على وجود هذه المشكلة عند غيرك ومن ثم عرضها كمشكلة عامة وقفية مشتركة تساهمين عبر المجلة في عرضها ونشرها).

يصعب الإدلاء بإجابة واضحة لهذه المشكلة لأنها لا تزال غير واضحة المعالم والأبعاد وعموماً أرى أن تشركي أمك معك في حل المشكلة فتصارحينها بكل ما تعانين سواء بسبب تعاملها أو بسبب آخر، وأن تطلبي منها الوقوف معك ومساعدتك في ظروفك الصعبة المؤلمة التي تذكرين، ولا أظن الأم مهما كانت قسوتها ترفض أن تقف مع ابنتها لحل أي مشكلة تواجهها البنت مهما كانت شدة المشكلة وتعقيدها.

فإذا لم تجدي ذلك مجدياً فإنه يمكنك الاستعانة بمن تثقين بها من المدرسات أو الصديقات أو القريبات ممن يغلب على ظنك أنها تقف معك وتساعدك في حل مشكلاتك.

أخيراً: ينبغي للآباء والأمهات الاهتمام بأبنائهم عموماً ومن في سن المراهقة منهم خصوصاً، وأن يتلمسوا معاناتهم وظروفهم ويساعدوهم في التغلب على العقبات التي يواجهونها خلال هذه المرحلة الحرجة من العمر، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالمدرسين والمدرسات والموجهين التربويين عموماً.

كما أنصح بالاطلاع على المراجع التي تهتم بهذه القضية (قضية المراهقة). ومن ذلك (على سبيل المثال لا الحصر) كتاب (تربية المراهق) د. محفد الزعبلاوي. وكتاب (المراهقون د. عبدالعزيز النغيمشي. وشريط: "المراهقون الوجه الآخر" للشيخ محمد الدويش. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

Free Web Hosting