27- مكتئب يتوهم أنه مصاب بعين

شاب عمره خمس وعشرون سنة تخرج في كلية شرعية. يعمل في سلك التدريس جاء مع أخيه إلى العيادة النفسية وهو غير مقتنع بجدوى العلاج النفسي ويخاف استخدام الأدوية النفسية.

لخص أخوه المشكلة بقوله:

"أخي كثير الخوف من العين إلى درجة الوهم والوسوسة، كثير الشكوى الجسدية،سريع التعب، رقيق العاطفة، سريع البكاء، ضعفت شهيته للأكل، أصبح منفرداً معظم وقته. راجع مجوعة من الرقاة خلال السنتين الماضيتين في الرياض وخارج الرياض، بعضهم يرىمعيون ويقول البعض: ((به نفس قوية)) ومنهم من يرى أنه ليس فيه سوى الوهم. استمر استعمال الرقية والعزائم والعسل والحبة السوداء مع مواظبته على الأذكار والأوراد يتحسن فترات قصيرة ثم يعود كما كان. الآن اشتدت عليه الحالة وأثرت على عمله كمدزس فحرصت على المبادرة في علاجه رغم أنه غير مقتنع بذلك ويمكنك أن تسمع منه "

- نسمع منك يا أخ..

محمد . خ

((نعم الأمر كما قال لك أخي وأكاد أجزم أني مصاب بعين، والعين حق يا دكتور أليس كذلك؟ أنا أعاني معاناة لا يعلم بها إلأ الله تعالى وأحمل في نفسي الشيء الكثير و وصلت إلى الإحباط والقنوط- والعياذ بالله- أتمنى الراحة ولو بالموت وأخاف عذاب الآخرة.

وذنوبي، حياتي ل صارت بلا طعم ولا حول ولا قوة إلا با لله )).

وبعد جلسة معه ومع أخيه دامت أكثر من نصف ساعة اتضح أن الشاب لديه صفات الشخصية الموسوسة وأنه مر بضغوط اجتماعية نفسية كثيرة لم يتحملها وظهر معه الاكتئاب بالتدريج ولم يبادر بعلاجه بالطريقة المناسبة فتفاقم إلى أن وصل إلى هذا الحد.

مبالغته في الخوف من العين ليس لها مبرر لاسيما وقد واظب على الرقية فترة طويلة ولم يشف من معاناته.

وبعد شرح طبيعة الاكتئاب له ولأخيه ازداد تقبله وتجاوبه وأخذ يسأل أسئلة متعددة، ؛منها

- هل يمكن أن يؤدي الاكتئاب إلى هذه الشكاوى الجسدية والتعب؟!

- هل يمكن أن يعالج الاكتئاب بحبوب؟!

- أليست الحبوب النفسية مهدئة، تنسي الهموم فقط؟!

وبعد نقاش وحوار اتفقنا على أن يتناول نوعين مق الأدوية مضادات الاكتئاب:

(1- بروزاك: كبسولة صباحاً 2- ليديوميل حبة 25 ملجم مساءً)

وطمأنته بأنها أدوية مأمونة ومتوفرة في معظم الصيدليات وتصرف دون وصفة خاص: وحددنا موعداً للمراجعة بعد شهر الأن التحسن يحتاج بعض الوقت).

وبعد أيام اتصل وهو منزعج: ((يا دكتور ودي أوقف العلاج ما شفت تحسن قلت لك أنا معيون... )).

ثم بعد محاورة لمدة خمس عشرة دقيقة (تقريباً) اتفقنا على أن يواصل الدواء ولا يستبل النتائج وأن يستمر في الرقية (سواء على نفسه وهو الأفضل أو يوقيه من يتوسم فيه الخير والصلاح).

ثم بعد أسبوعين اتصل مرة أخرى وهو محتار متردد: ((حسنت مع الرقية (الحمدلله) لكن الشيخ يقول اقطع الدواء... )).

وبعد حوار ونقاش طويل اتفقنا على أن يواصل الدواء وأن يرقي نفسه بنفسه وأن يترك شيخه هذا إلى أن يحين الموعد.

وعندما جاء الموعد حضر معه أخوه وأكد أن هناك تحسناً واضحاً بنسبة 50% تقريباً، فقد قلت الشكاوى البدنية والبكاء والانفراد وإن كان لايزال يتحدث عن الأمراض ويتوهم أنه مصاب بمرض بسبب عين، ولكن حديثه عن ذلك أقل من ذي قبل بكثير.

طلب منه المواظبة على الدواء ورقية نفسه بنفسه وأن يراجع بعد شهرين.

ثم قبل موعده بأيام اتصل يقول: ((تركت العلاج قبل أسبوع لأني تحسنت تماماً ولاأريد المواظبة على دواء نفسي ولن أحضر للموعد القادم لأني متحسن بدون دواء))

لم يدع فرصة لابداء أي وجهة نظر (وكنت أود تنبيهه أن هذه المدة العلاجية غيركافية مهما كان التحسن، وأن النكسة واردة).

وبعد أربعة أشهر تقريباً جاء به أخوه مرة أخرة بالحالة النفسية السابقة إن لم تكن أشد وقال: "عودنا على طير ياللي.. )) وبدأنا المشوار من جديد (1 قناع- شرح- توضيح...إلخ). وهذه حال كثير من المرضى في مجتمعنا اليوم. أعاننا الله وإياهم على أنفسنا.

Free Web Hosting