30- اكتئاب وقلق ومشكلات أسرية

أنا زوجة وأم في الخامسة والثلاثين من عمري. عشت طفولة معذبة، فقد كان عمري 8 سنوات عندما بدأت أعي ما تعانيه أسرتي بسبب إدمان أخي كان الشجار لا ينتهي بين أمي وأبي، وكنا نخجل من الناس والمجتمع بسبب فضائح أخي التي لا تتوقف، كنا نراه كالثور الهائج وهو يهدد والدي بالسكين أمامنا. كبرت وتزوجت وأنجبت طفلين ونسيت- أو هكذا ظننت- هذه المشكلة منذ تسع سنوات وأنا أعيش حياة هادئة مع زوجي وأبنائي لكن حدث وأن أخافتني امرأة من "التهاب " في الرحم أصبت به، وحذرتني أنه قد يتطور إلى مرض مميت خلال يومين، فانتابني خوف شديد لدرجة الرعب، وأصبحت الحياة بالنسبة لي كابوساً لا يطاق. امتد خوفي من الموت إلى الخوف من كل شيء حتى فقدت شهيتي، وهجرني النوم فأصبحت الأفكار السوداوية تهاجمني ليلاً فأحس بألم شديد في رأسي كأنني ضربت عليه بآلة حادة. في النهار لا أستطيع التركيز، ولا أشعر بالأمان حتى لو كان أهلي جالسين حولي. تحول خوفي من الموت إلى تمن له، لأتخلص من هذه المخاوف، والأفكار. ذهبت إلى طبيب نفسي في السنة الأولى من المرض فأوصاني بدواء "انفرانيل " فتحسنت حالتي قليلاً، لكن المخاوف تعاودني عند مواجهة أي مشكلة، فخوفي على أبنائي من المرض والانحراف، وخوفي على نفسي من أي مرض- ولو كان بسيطا- يتحول إلى رعب، وأغرق في دوامة الأعراض السابقة. لم أستطع الاستمرار في تناول الدواء لأني أخاف العقاقير الطبية- وخاصة النفسية منها- لخشيتي أن تسبب لي إدماناً، وأكرر تجربة أخي القاسية. أضطر إلى العودة للعلاج عندما تزداد مخاوفي، وفي حالات الحمل أو النفاس. ماهي حالتي وبماذا تنصحني؟

أم محمد- الرياض

* يبدو من رسالتك أن الحالة التي تعانين منها تشمل أعراض القلق والاكتئاب والوسواس أما القلق: فيتضح من عدم شعورك بالأمان( حتى مع وجود الآخرين) والرعب والهلع الشديدين، والخوف الزائد من كل شيء، سواء على نفسك (من الموت أو الأمراض الخطيرة) أو على أبنائك(من الانحراف والأمراض).

وأما الاكتئاب: فمظهره الأفكار السوداوية التي ذكرت، وتحول الخوف من الموت إلى تمن له (وربما كانت لديك أعراض اكتئابية أخرى لم تذكريها كالبكاء المتكرر، والشعور بالحزن العميق، وضيق الصدر وتأنيب الضمير، وتحقير الذات، ونحو ذلك).

وأما الوسواس: فيبدو في اضطراب تفكيرك المتعلق بالمخاوف الوسواسية من الإصابة بأمراض خطيرة، ومما وصفه الطبيب النفسي من دواء.

ولعل أبرز هذه الأمور هو القلق الذي قد تعد أعراض الاكتئاب والوسواس ثانوية وتابعة له، وهو الأساس في ظهورها.

أما أبرز أسباب حالتك مما ذكرت في عرضك للمشكلة، فهو عدم استقرارك النفسي في مرحلة الطفولة: بسبب المشاكل داخل العائلة والتي كان لأخيك الدور الرئيس في ظهورها. فهذا (وربما عوامل أخرى غيره) جعلك مهيأة للإصابة بالقلق والرعب والمخاوف التي تعانين منها.

ومما فاقم الحالة لديك ظهور التهاب في الرحم وخوفك الزائد من مضاعفاته، خاصة بعد سماعك لكلام تلك المرأة ويبدو أنك من النوع الذي يبالغ جداً في الاهتمام بصحته إلى درجة الوسوسة، وتوقع كل مرض خطير.

فيما يتعلق بالعلاج فأنت بحاجة إلى الصبر والاحتساب والتوكل على الله تعالى، وإلى بذل الأسباب المشروعة في التداوي بالعلاجات النفسية المباحة سواء الدوائية، أو غير الدوائية، ويكون ذلك بإشراف المختصين في هذا المجال، والتعاون معهم بالانتظام في البرنامج العلاجي.

ولا ينبغي أن تقلقي من الأدوية النفسية فهي علاجات فاعلة تعمل لتحقيق توازن في النواقل العصبية في الدماغ تزول بسببه الأعراض المرضية بإذن الله، وقد أجريت عليها دراسات وأبحاث عديدة في معظم الدول المتقدمة طبياً، وأثبتت جدواها الطبية في معالجة الاكتئاب والقلق والوسواس، وغير ذلك من الأمراض النفسية، ولذا أقرتها المنظمات الطبية العالمية، ووضعت الضوابط اللازمة لاستخدامها. أما الأعراض الجانبية فلا يكاد يخلو منها دواء، ولا تقارن بالآثار الإيجابية لهذه الأدوية.

ولا مجال للتخوف من الإدمان على الأدوية النفسية، أو الخلط بينهما وبين المخدرات كالحشيش والأفيون وغيرها من المخدرات المحظورة طبياً على مستوى العالم (فضلاً من كونها محرمة شرعاً)، ولكن من أسباب اللبس بينهما أن بعض مدمني المخدرات يحصلون على بعض أنواع الأدوية النفسية ويتناولونها بكميات كبيرة جداً، عندما يفقدون المواد المخدرة، لأنها تخفف من الأعراض الناتجة عن فقد تأثير المخدر في الجسم، كما إن من أسباب اللبس أيضاً أن بعض الأدوية النفسية تؤدي إلى النعاس والكسل عند بعض الأشخاص، وهذا ما يحدث مع أدوية أخرى كأدوية الكحة وغيرها مثل: "الأكتفيد".

كما يتخوف البعض من الأدوية النفسية، ويخشى الإدمان عليه، بسبب عودة الأعراض إلى المرضى عندما يتوقفون فجأة عن أخذ الدواء النفسي، مما يجعل المريض يرجع للدواء متوهماً أنه لا يستطيع التخلص منه، ويكمن الخطأ هنا في عدم الأخذ بمشورة الطبيب في توقيت وكيفية إيقاف الدواء النفسي.

لا تترددي في تناول العلاجات الدوائية واطمئني فكثير مثلك تحسنوا بصورة كبيرة، واظبي على الأدعية والأذكار وأكثري من ذكر الله تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

Free Web Hosting