32- اكتئاب ما بعد الولادة

إحدى قريباتي عمرها سبع وثلاثون سنة، لديها أربعة أطفال، تسكن مع زوجها وأطفالها في مسكن مستقل، حالتهم المادية ميسورة، وليس لديها أمراض جسدية سابقة.

مشكلتها أنها بعد كل ولادة تصاب باضطرابات نفسية تبقى معها قرابة ثلاثة أشهر، يغلب عليه الحزن والضيق، والشرود، وضعف الشهية للطعام، واضطراب النوم، وعدم الاهتمام بمظهرها أو بوليدها، ثم تزول الحالة بالتدرج دون علاج.

خلال هذه الفترة يبقيها زوجها عند أهلها، ولا يكاد يسأل عنها إلا بعد أن تتحسن تماماً، وعندما تعرض عليه الذهاب إلى المستشفيات أو العيادات للمراجعة يتردد وأحياناً يرفض.

آخر ولادة لها كانت قبل شهر ونصف، ومنذ اليوم العاشر بعد الولادة ووضعها النفسي يسوء، حيث عاودتها الحالة بشدة.

بعد إلحاح إخوانها وضغطهم راجعت في مركز طبي، ولم يتضح لديها مرض عضوي سوى فقر الدم بدرجة يسيرة، وهي تستخدم داوء الحد بانتظام.

فماذا عسى أن تكون هذه الحالة؟ وهل لها علاج؟

م. غ- الطائف

* هناك عدة حالات وتغيرات نفسية تحدث للعديد من النساء عقب الولادة- سيما الولادة الأولى- منها ما هو طفيف، ومنها ما هو متوسط أو شديد.

الحالات الطفيفة تحدث بنسبة كبيرة قد تصل إلى 50% أو أكثر في بعض المجتمعات ويحصل فيها تغير في المزاج خلال الأيام الثلاثة الأولى عقب الولادة، تشعر النفساء خلالها بنوبات من البكاء، والضيق، والخور النفسي والبدني، وضعف التركيز، والإجهاد الذهني ،وشعور بحاجز نفسي بينها وبين وليدها. ولا تلبث هذه الحالات سوى أيام يسيرة، تزول بعدها تماماً دون حاجة إلى علاج طبي، ولم يعرف لها سبب محدد رغم أن بعض الفرضيات تعزو هذه التغيرات في المزاج إلى تغير نسبة الهرمونات في جسم النفساء بعد الولادة.

أما الحالات الأشد فنسبتها ما بين 3-16% وتبدأ ما بين اليوم الثالث واليوم الرابع عشر بعد الولادة، ويحصل فيها كالأعراض التي ذكرت في سؤالك تماماً، وقد يصاحبها قلق، وارتباك، ومخاوف إما من أمراض معينة، وإما موت المولود، وإما مخاوف غير محددة.

ولا يوجد سبب محدد لهذه الحالة، ولكن هناك عدة عوامل متداخلة تؤثر في حدوث الحالة، أو زيادتها منها: التعب والإرهاق الجسدي، والنفسي خلال الحمل والولادة وبعد الولادة، وعدم الاستقرار الأسري- سيما التفاهم بين الزوجين- وتكثر مثل هذه الحالة في بعض العائلات نتيجة لعوامل وراثية.

تستمر هذه الحالة بضعة أشهر (من 3-6 أو أكثر) إذا لم تعالج، وقد تطول مع تكرار حدوثها وتزداد شدتها، كما تكون المريضة عرضة لنوبات اكتئاب في المستقبل في أوقات غير مرتبطة بالحمل والولادة. أما مع العلاج فإن الحالة قابلة للتحسن والزوال إذا شملت خطة العلاج الجوانب الأسرية والاجتماعية عموماً.

وهناك حالات تحتاج إلى دخول المستشفى للمتابعة الطبية، والنفسية لمصلحة الأم والمولود.

وفي حالة قريبتك هذه يفضل إعطاء زوجها معلومات عن الحالة، وإفهامه أنها مرض يحتاج إلى علاج، ومتابعة، وعليه التعاون مع زوجته سواء في النواحي الطبية، أو في المواساة النفسية، والجوانب الاجتماعية فهي بحاجة إلى حنانه واهتمامه وكلماته الرقيقة في مثل هذه الظروف.

Free Web Hosting