35- نوبات الهلع (الفزع)

زوجتي عمرها ثمان وعشرون سنة، متعلمة، وذات خلق، ودين، ولي منها ثلاثة أطفال، منذ تزوجتها (قبل سبع سنوات) وهي تشكو نوبات متكررة من خوف مفاجئ يداهمها دون مقدمات، تكون فيه مذعورة جداً، وتشعر بدنو الأجل، وتحس بضيق في التنفس، وخفقان في القلب.

هذه النوبات ليس لها وقت محدد، وغير مرتبطة بمكان دون غيره، فقد تصيبها وهي في المطبخ، أو أثناء تنظيف أولادها، أو في السوق. إذا أصابتها النوبة تضطرها إلى الانزواء في ركن من أركان البيت (إن كانت في البيت) وتبقى فيه فتره- قد تصل إلى نصف ساعة- إلى أن تهدأ، وتطمئن.

أجريت لها العديد من الفحوصات الطبية، ولكن لم يتبين إلى الآن أي مرض عضوي. أخذتها لبعض الذين يعالجون بالرقية، فقال أحدهم إنها مصابة بمس شديد، واستمرت الرقية لمدة سنة ولم تتحسن، فأخذتها إلى آخر فأكد أنها مصابة بسحر وضعته الخادمة، ولا تزال تستعمل ما يصفه هذا المعالج منذ سبعة ألف ولكن لم تتغير الحالة، إن لم تكن أسوأ.

فماذا يمكن أن تكون هذه الحالة؟ وما هو علاجها؟

أبو سعد- الأردن

* دماغ الإنسان دقيق التركيب، ويوجد فيه الكثير من المراكز العصبية التي تحكم الوظائف العقلية، والجسدية المختلفة، ومن هذه الوظائف وظيفة إدراك الخطر، والاستعداد اللازم له والتفاعل معه بما يناسبه، وذلك من خلال شبكة أعصاب معقدة، منتشرة عبر الجسم كله، تقوم باستقبال المثيرات المختلفة عن طريق أجهزة الحس، ثم تترجم هذه المثيرات الخارجية إلى عمليات وظيفية (شعورية، وفكرية، وجسدية) بحيث يدرك الشخص أن هناك خطراً قادماً يتطلب المواجهة بالأسلوب المناسب ويستعد له بدنياً ونفسياً.

هذه الوظيفة الدماغية توجد عند كل إنسان، وتؤدي دورها بدرجات متفاوتة من حيث السرعة، والدقة، ونوعية الاستجابة، بحسب اختلاف عوامل الوراثة والبيئة وغيرها.

قد يحدث خلل في هذه الوظيفة (لأسباب مختلفة) يؤدي إلى حدوث استثارة تلقائية (دون وجود مستثير خارجي) فتظهر الأعراض المذكورة في سؤالك، وأعراض أخرى مثل: الارتجاف، والرعشة، والغثيان، وآلام في البطن، وإحساس بالحرارة، أو البرودة الشديدة، وشعور بعدم الثبات، وفقد الاتزان، وفقد السيطرة على النفس.

وتتصاعد شدة الأعراض المذكورة خلال دقائق معدودة، ثم تزول تماماً خلال فترة وجيزة، ويعود الشخص إلى حاله، ولكنه يظل بين النوبات خائفاً يترقب حدوث نوبة جديدة، وتتفاوت هذه النوبات في الشدة، والتكرار بحسب عوامل كثيرة.

هذه الحالة معروفة في الطب النفسي، ومنتشرة في أنحاء العالم وتسمى اضطراب الهلع، وهي تصيب ما بين 1-3% من الناس في المجتمع ذكوراً، وإناثاً، وتشكل ما يقارب 15% من الحالات في العيادات النفسية، وقد يصاحبها خوف من الأماكن المتسعة كخوف الأسواق، والحفلات، ونحو ذلك.

وقد أوجدت دراسات نفسية كثيرة أن هؤلاء الأشخاص لديهم استعداد وراثي لهذا الاضطراب، وأن نسبة منهم لديهم أقارب مصابون بحالة مشابهة.

ويشمل العلاج جوانب نفسية، واجتماعية، ودوائية، وإضافة إلى الجوانب الإيمانية. تحتاج زوجتك إلى أن يراعي حالتها كل من حولها، بحيث لا تلام أو تنتقد إذا بدر منها- بسبب حالتها- تصرف يثير التساؤل، أو يلفت النظر، كما تحتاج إلى تخفيف الأعباء الاجتماعية، والنفسية عليها. توجد علاجات دوائية أثبتت فاعليتها في تقليل عدد النوبات، وتكرارها، وتخفيف شدتها.

أما الجوانب الإيمانية فلا أظنه يخفى عليك أنها تشمل الصبر، والاحتساب، والدعاء، والتوكل، وبذل الأسباب المشروعة في التداوي. ومن الأفضل والأولى أن ترقي نفسها (أو تقوم أنت برقيتها) بنية طلب الشفاء من الله تعالى (بغض النظر عن السبب)، فهذا أقوى، وأنفع لتأثير الرقية، وأدعى للاستجابة، وأما التنقل بين المعالجين بالرقية ففيه ما فيه من المحذورات التي لا تخفى على مثلك، إضافة إلى استعجالهم في تشخيص المس، والسحر، والعين، وعدم تبصرهم، وجشع الكثير منهم، وسفهه، واستغفاله للناس، وربما ترى هي وتشاهد عندهم من الحالات ما يزيد قلقها، وخوفها. أعانها الله وشفاها. وينبغي أن لا يراها الأطفال في حالتها تلك (عند حدوث نوبات الهلع) لئلا يتأثروا بوضعها.

Free Web Hosting