43- اضطراب الوجدان ((نوبة هوس))

ابنتي الكبرى عمرها تسعة عشر عاماً. تعثرت في دراستها الثانوية، فرسبت مرتين متتاليتين، عانت خلالهما حزناً شديداً وألماً وحرقة سيما أن أختها التي تصغرها بسنتين تفوقت عليها وتخطتها.

منذ شهر ونصف الشهر تقريباً بدأنا نلاحظ عليها تصرفات غريبة متقلبة، لم نكن نعتادها عنها من قبل. فقد أصبحت عصبية المزاج جداً، ترفع صوتها، وتتحدث بعناد، وتحد، لا تهدأ في مكان واحد، كثيرة الحركة، سريعة الكلام،تضحك ، وتقهقه بصوت مرتفع دون سبب. وأحياناً تميل إلى المزاح، والسخرية، والتهكم بالآخرين، وتتعالى على من حولها، وتعطي الأوامر للصغير، والكبير،وكأنهم خدم لها. ولا تنام إلا وقتاً يسيراً.

إحدى خالاتها لديها اضطراب أعصاب مزمن، لذلك فقد بادر خالها بعرضها على واحد ممن يعالجون من السحر في بلدة مجاورة، فعمل لها أبخرة، وأخذ يردد بعض الكلمات غير المفهومة لمدة ربع ساعة تقريباً، فاستشاطت وأخذت تشتم، وتتلفظ بألفاظ نابية، وخرجت تجري نحو السيارة،ولم تتغير حالتها، بل ازدادت سوءاً.

اقترح جارنا على والدها أن نعرضها على أطباء الأعصاب في المستشفيات، ونحن لا نزال مترددين في إدخالها المستشفى خصوصاً أنها في مقتبل العمر،وقد يعتبرونها مجنونة، أو يصرفون لها علاجات مخدرة، قد تفقدها فرصتها في الزواج فيما بعد .

ن.س.

* حالة ابنتك حالة معروفة، وموصوفة بالتفصيل في مراجع الأمراض النفسية، وتصيب الكثير من الإناث، والذكور في كل المجتمعات تقريباً، وتبدأ في عمر العشرينات (أو قبلها بقليل أو بعدها بقليل)، وهي اضطراب في ضبط الوجدان، والمشاعر التي تعد من وظائف الدماغ الأساسية، ولها مراكز عصبية، ونواقل كيميائية حيوية تتحكم في ضبطها لتكون متوافقة مع المثيرات العاطفية سلباً وإيجاباً، وعند اختلال هذه الوظيفة تظهر اعتلالات، واضطرابات وجدانية كثيرة متنوعة كالحزن، والكآبة، والفرح الزائد، والابتهاج الشديد، أو العصبية، وسرعة الاستثارة، وتبعاً لاضطرابات الوجدان يضطرب السلوك، والتصرف، والتفكير؛ فتظهر أعراض ذلك على الشخص المصاب مثل كثرة الحركة، وسرعة الكلام، وتسارع التفكير دون تركيز، والعناد، والمجادلة، والغضب، وغير ذلك.

لقد أجريت دراسات طبية كثيرة لمعرفة أسباب تلك الحالة، وتم الكشف عن عوامل كثيرة، منها عوامل وراثية (كثير من هؤلاء لهم أقارب مصابون بالمرض نفسه)، وأخرى اجتماعية ونفسية متنوعة، كما توصلت الدراسات إلى علاجات دوائية فاعلة.

ابنتك بحاجة ماسة إلى علاج داخل مستشفى تتوافر فيه خدمات صحية نفسية تحت إشراف المختصين النفسيين الذين سيقومون بتقويم حالتها من مختلف الجوانب (الجسدية، والنفسية، والاجتماعية) ولن يصرفوا لها من العلاجات إلا ما تحتاج إليه، وليس في ذلك أدوية مخدرة، ولن يعتبروها مجنونة، وأحب أن أطمئنك، وغيرك (من خلال المشاهدة والتجربة) أن هذه الحالات تستجيب استجابة جيدة للعلاج، والغالب أن المريض، أو المريضة يعود إلى صحته النفسية، واستقراره، وإن كان ذلك يحتاج إلى بعض الوقت، ويتطلب المداومة على العلاج فترة من الزمن خشية الانتكاسة.

أما النواحي الإيمانية في علاج ابنتك فأهمها الحذر من الذهاب إلى المشعوذين، والكهنة، أصحاب الأبخرة، والكلمات الغامضة، فإن عقيدة التوحيد أغلى ما يملك المسلم، ويمكنك رقيتها، أو يرقيها والدها، أو غيركما ممن يتوسم فيه الخير، والصلاح، والنفع، وبإمكانها أن ترقي نفسها. أعانكم الله وشفاها.

Free Web Hosting