50- شخصية هستيرية

أختي عمرها ثلاث وعشرون سنة تقيم مع والديها وإخوتها، نشأت وهي موضع دلال الوالدين، لم تتزوج بعد.

توقفت عن دراستها الجامعية منذ سنتين تقريباً بسبب حالتها النفسية، حيث إنها ذات مزاج متقلب، وسريعة التأثر والإنفعال، تبالغ في عرض ما لديها من مشاعر، وتضخم الأمور والأحداث، تقلق وتغضب، وتحبط سريعاً لأدنى سبب، تهتم كثيراً بطريقة لباسها، وتحب لفت الأنظار إليها، ويبهجها حديث الأخريات عنها وعن لباسها، وسرعان ما يحدث العكس إذا انصرفت عنها الأنظار. ازدادت حالتها سوءاً بعد دخولها الجامعة، وكثرت شكاواها وتقلبات مزاجها، واضطراب تصرفاتها سيما قرب الامتحانات.

أحياناً تسقط أمامنا في البيت دون مبرر فنفزع لإنقاذها، وإنعاشها، وفي بعض المرات نسمعها تتمتم ببعض الكلمات وتقول إنها سحرت في الجامعة.

ذهبنا بها إلى واحد ممن يعالجون بالقرآن والرقية، وقرأ عليها لمدة عشر دقائق، فأخذت تتمايل وتصدر أصواتاً عالية، وكادت تسقط على الذي كان يرقيها عدة مرات لولا أن أمسكناها. لا نزال نواصل متابعة الرقية يومياً (تقريباً) منذ شهرين ولم يحدث تحسن يذكر. ترى ماذا تكون حالتها؟، وكيف نتعامل معها.

ن. م- الدمام

* لكل منا شخصيته التي تميزه عن غيره، وتتكون من سمات وطباع متنوعة تشمل عدة محاور: المشاعر (كميتها وطريقة التعبير عنها والتحكم فيها)، والتفكير (أبعاده وعمقه وسرعته) والتصرف، والسلوك، والتعامل مع النفس والأشخاص، والأحداث، والقدرة على الصبر والتحمل والمثابرة وغير ذلك.

تبدو ملامح الشخصية في أواخر مرحلة المراهقة، وتتحدد أكثر بعد سن العشرين.

وقد يحدث لكثير من الناس خلل في بعض سمات الشخصية، وطباعها (لأسباب متعددة متنوعة). مما يوجد اعتلالاً في الشخصية ويؤثر في استقرارها وتوازنها (في المشاعر والأفكار والسلوك) وينعكس ذلك على علاقة الشخص، وتأقلمه مع نفسه والمحيطين به من أشخاص وأحداث.

إن الطباع التي ذكرتها في أختك تشير إلى أحد هذه الاعتلالات التي تكثر في النساء عنها في الرجال، وتصيب ما بين 2-3% تقريباً في بعض المجتمعات، وفيها يغلب على الشخص الولع بجذب أنظار الحاضرين، والاستحواذ على انتباههم واهتمامهم سواء بطريقة التحدث، أو بالتصرف والسلوك ولو بأسلوب مستهجن تعوزه اللباقة. إذ المهم لدى الشخص أن يكون موضعاً للانتباه، مما يشعره براحة نفسية، ولكنها سرعان ما تنقلب إلى قلق وارتباك حالما ينصرف اهتمام الحضور إلى أمر آخر.

ويميل أصحاب هذه الشخصية إلى المبالغة في استخدام الجسد، والتصرفات لضعف قدراتهم اللفظية، وعجزهم عن التعبير عن المشاعر والوجدان، وشرح الدوافع والرغبات النفسية، وكثيراً ما يكون هؤلاء معتمدين على آراء الآخرين ويقبلونها، ويتأثرون بها دون تمحيص، كما تغلب عليهم البساطة، والسذاجة في التفكير. ويثقون بالآخرين إلى درجة التقليد الأعمى (أحياناً)، وتكون علاقاتهم الاجتماعية سطحية، أو سريعة التقلب. ويفقدون الصبر، والمثابرة، ولا يتحملون إبطاء النتائج، ولا يطيقون أن يحدث في الواقع مالا يأملون مهما كان صغيراً وتافهاً.

عند التعرض لضغوط نفسية (كالامتحانات مثلاً) تبرز الأرضية الهشة لهذه الشخصية، وتكثر التصرفات الجسمية اللافتة لأنظار الحاضرين (كالإغماء المصطنع، أو الارتجاف، أو نحو ذلك) وهي إشارات غير مباشرة تطلب بها من الآخرين الانتباه، والاهتمام، والمتابعة لاسيما أن الحضور يبدون (في الغالب) نجدتهم الفورية بحماس وحرص وقلق، مما يحقق لهذه الشخصية مرادها الأعظم، ومقصودها الأهم (وهو اهتمام الآخرين). ويزيد تكرار هذه التصرفات الذهاب بالشخص إلى المعالجين بالرقية سيما أن معظمهم يرقون المرضى بصورة جماعية تتيح الفرصة أكثر لاستمرار هذا النمط من السلوك وتوجد مبرراً سهلاً للأهل والأقارب والزميلات من حولها لأن يعذروها في قصورها الدراسي وغيره.

للسحر حقيقة وتأثير وتنفع فيه الرقية بإذن الله تعالى، ولا أظن أن أختك مسحورة وهناك العشرات (إن لم يكن المئات) مثلها في المجتمع ممن هن بحاجة إلى تفهم طبيعة مشكلاتهن، والتعامل معهن بشيء من الواقعية والحزم المناسب، مع الإرشاد والتوجيه للطريقة المناسبة للتعبير عن المشاعر والدوافع النفسية، خصوصاً أن كثيرات من هؤلاء من المطلقات اللاتي لم يستطعن التأقلم مع الحياة الزوجية بكل متطلباتها.

قد يكون لدلال الأبوين في طفولتها أثر في ذلك (كما ذكرت) ولذا فإشراك الوالدين في حل مشكلتها ضروري.

يأتي التحسن بالتدرج وعلى مهل، وهناك أمل في الانتقال للأفضل بمرور الوقت وتقدم العمر، واكتساب الخبرة في الحياة.. فلا تتعجل النتائج.

Free Web Hosting