قيـــام دَولَة الممَاليك

كان الترك الذين يؤسرون في الحروب يشكلون أكبر نسبة للرقيق وكانوا يجلبون من بلاد ما وراء النهر إذ كانت تلك الجهات مسرحاً دائماً للقتال وتمتد بلاد الترك إلى ما بعد تلك المناطق كثيراً حيث تتوغل إلى منغوليا وغيرها من بلدان أواسط آسيا، وتصل إلى بلاد الأفغان اليوم ونواحي واسعة من سيبيريا، وتتجه تلك الأقوام باستمرار نحو الغرب وتصطدم مع المسلمين، وتكون أعداد من الأسرى كبيرة، وإن كانت جموع أخرى تدخل ديار الإسلام ثم لا تلبث أن تدين بديانة أهل البلاد، وتعمل بعدئذٍ على نشر الإسلام ومحاربة أبناء جلدتها أيضاً، ومن هؤلاء السلاجقة والتركمان العز ثم العثمانيون و....

ثم غدا الصقالبة مصدراً آخر للرقيق، وكان يؤتى بهم من شرقي أوروبا إلى ألمانيا وفرنسا وايطاليا والأندلس حيث يباعون، وعمل اليهود في تجارة الرقيق وحصلوا على أموال وفيرة من وراء هذه التجارة، وغدت بعض الأسواق في أوروبا لهذا الرقيق الذاهب إلى البلدان الإسلامية وبيزنطة. "فإذا قدم بالمملوك تاجره، عرضه على السلطان فيشتريه ويجعله في طبقة جنسه، ويسلّمه إلى المختص برسم الكتابة، فأول ما يبدأ به تعليمه ما يحتاج إليه من القرآن الكريم. ولكل طائفة فقيه يأتيها كل يوم، ويأخذ في تعليمها القرآن، ومعرفة الخط والتمرين بآداب الشريعة الإسلامية، وملازمة الصلوات والأذكار. وصار الرسم إذ ذاك ألا تجلب التجار إلا المماليك الصغار، فإذا شبّ الواحد من المماليك، علّمه الفقيه شيئاً من الفقه، وأقرأه فيه مقدمة، فإذا صار إلى سن البلوغ أخذ في تعليمه فنون الحرب من رمي السهام ولعب الرمح ونحو ذلك، فيتسلّم كل طائفةٍ معلم حتى يبلغ الغاية في معرفة ما يحتاج إليه. وإذا ركبوا إلى لعب الرمح أو رمي النشاب، لا يجسر جندي ولا أمير أن يحدّثهم أن يدنو منهم، عند ذلك ينقل إلى الخدمة، وينتقل في أطوارها رتبةً بعد رتبةٍ إلى أن يصير من الأمراء، فلا يبلغ هذه إلا وقد تهذّبت أخلاقه، وكثرت آدابه، وامتزج تعظيم الإسلام وأهله بقلبه، واشتدّ ساعده في رماية النشاب، وحسن لعبه بالرمح، ومرن على ركوب الخيل. وقد كان لهم خدام وأكابر من النواب يفحصون الواحد منهم فحصاً شافياً ويؤاخذونه أشد المؤاخذة، ويناقشونه على حركاته وسكناته، فإن عثر أحد مؤدبيه الذي يعلمه القرآن، أو رأس النوبة الذي هو حاكم عليه، على أنه اقترف ذنباً، أو أخلّ برسم، أو ترك أدباً من آداب الدين أو الدنيا قابله على ذلك بعقوبةٍ شديدةٍ بقدر جرمه. فلذلك كانوا سادةً يدبّرون الممالك، وقادةً يجاهدون في سبيل الله، وأهل سياسةٍ يبالغون في إظهار الجميل ويردعون من جار أو تعدّى".

كان هذا الوضع أيام الأيوبيين، ولم يختلف عند أيام المماليك إذ أخذوا عنهم كثيراً من تقاليدهم ونظمهم ولا غرابة في ذلك فهم ساداتهم.

وكان الملك الصالح نجم الدين أيوب الملك الأيوبي السابع قد استكثر من المماليك الذين نسبوا إليه كالعادة - فهم المماليك الصالحية، وذلك خوفاً من اجتماع الملوك الأيوبيين عليه وخاصةً عمه اسماعيل، وقد أعطى هذا الملك الصالح الحرية لمماليكه هؤلاء حتى ضجّ منهم الناس فاضطر أن يبعدهم عن السكان فبنى لهم قلعةً خاصةً بجريرة الروضة عام 638، واتخذ من هذه القلعة مقراً لحكمه، وقد عرف هؤلاء المماليك بالبحرية إضافةً إلى الصالحية، والبحرية نسبةً إل جزيرة الروضة، وإن كانت هذه النسبة ليست خاصةً بهم إذ أطلقت على كثيرين غيرهم إذ جلبوا مما وراء البحار وخاصةً الصقالبة الذين جيء بهم عن طريق البحر.

توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب وهو يقاتل الصليبيين عام 647، وكتمت زوجته شجرة الدر نبأ وفاته حتى وصل إلى مصر ابنه توران شاه الذي استدعته حيث قاد بنفسه قتال الصليبيين، على حين كانت هي تدير أمور المملكة وشؤون القتال باسم زوجها المتوفى ولا يعلم أحد خبر وفاته. ووصل الصليبيون إلى المنصورة، وجيوش المسلمين تتراجع، فجمع الأمير بيبرس البندقداري جماعة من المسلمين وقادهم وتمكن من إبادة الصليبيين الغزاة. كما قاد الأمير فارس الدين أقطاي المملوكي المماليك وهاجم الصليبيين وانتصر عليهم حتى أيقنوا بعدم إمكانية البقاء فانسحبوا إلى دمياط.

كان توران شاه قد وصل من بلاد الشام وقد الجيوش بنفسه واضطر لويس التاسع ملك فرنسا إلى طلب المهادنة والصلح بعد أن وقع أسيراً بأيدي المسلمين، وانتهت الحملة الصليبية السابعة حيث انسحب الملك لويس التاسع إلى عكا، ودفع جزيةً كبيرةً وفداءً له.

اختلف توران شاه مع المماليك فقتله الأميران فارس الدين أقطاي وبيبرس البندقداري عام 648، كما كان قد اختلف مع زوجة أبيه شجرة الدرّ التي عادت السلطة إليها بعد مقتل ابن زوجها، فعيّنت عزالدين أيبك، ثم تنازلت له بعد أن تزوجت به. وفي هذه الأثناء انسحب الفرنسيون من دمياط.

غضب الأيوبيون من سيطرة عزالدين أيبك، وسار الملك الناصر يوسف (1) صاحب حلب إلى دمشق فدخلها، وزحف نحو مصر غير أن عزالدين أيبك قد تمكن من ردّه وتحالف مع الملك لويس التاسع خوفاً من مداهمة الأيوبيين لمصر.

_______________________________________

(1) الملك الناصر يوسف ابن الملك العزيز محمد ابن الملك الظاهر غازي ابن الملك الناصر صلاح الدين يوسف الأيوبي.

أرسل هولاكو وفداً إلى عزالدين أيبك وفي الوقت نفسه أرسل إلى الملك الناصر يوسف.

عمل عزالدين أيبك الملك المعزّ على إنهاء معارضة الأيوبيين، بأن جعل أميراً أيوبياً بجانبه وقد اختار لهذه الإمرة طفلاً لا يزيد على السادسة من عمره، وهو الأشرف موسى بن يوسف بن المسعود بن الكامل، وكان جده المسعود صاحب اليمن، وهو المعروف باقسيس، أما أبوه فقد عاش في كنف الملك الصالح نجم الدين أيوب، لكن هذا الطفل لم يلبث أن توفي، غير أن هذه الطريقة لم تنطل على الأيوبيين فاستمرت المعارضة فأعلن أيبك ارتباط مصر بالخلافة العباسية وأن يحكمها نيابةً عن الخليفة العباسي المستعصم الذي بدأ يخطب له.

استمر الملك الأيوبي الناصر يوسف في معارضته لعزالدين، وعرض على ملك فرنسا لويس التاسع المقيم في عكا مساعدته مقابل تسليمه بيت المقدس غير أن الملك المعز قد هدد لويس التاسع بقتل الأسرى الصليبيين في مصر جميعهم إن اتفق مع الناصر يوسف، وفي الوقت نفسه عرض عليه التحالف معه مقابل أن يتنازل له عن نصف الفدية المقررة عليه، فرأى بعدئذٍ الملك لويس التاسع أن يقف على الحياد بين الطرفين مستفيداً من خصومتهما بعضهما لبعض أو عمل على التحريض بينهما.

زحف الملك الأيوبي الناصر يوسف على مصر، والتقى مع المماليك عند بلدة العباسة وأحرز النصر في بداية الأمر غير أنه قد هزم في الجولة الثانية إذ انضم جزء من مماليكه إلى المماليك، وفر الأيوبيون من الميدان، ورأى الملك المعز عزالدين أيبك ملاحقتهم، وعرض على ملك فرنسا الصليبي لويس التاسع دعمه مقابل تسليمه بيت المقدس إن أخذها، ورأى لويس التاسع الصليبي رجحان جانب المماليك فانضم إليهم حيث لم يرغب أن تفوته هذه الفرصة واحتل يافا بينما سار المماليك بإمرة فارس الدين أقطاي إلى غزة وكذا سار الملك الناصر يوسف نحو غزة ولكن لم تحدث لقاءات لأن الخليفة المستعصم قد أصلح بين الطرفين بحيث تكون مصر وجنوبي فلسطين بما فيها غزة وبيت المقدس للمماليك وتكون بقية بلاد الشام للأيوبيين وذلك عام 651، وبذا لم يسلّم المماليك بيت المقدس للصليبيين فلم خاب أمل الملك لويس التاسع عاد إلى فرنسا عام 652 وقد اضطر إلى ذلك إذ توفيت والدته التي كانت تحكم له فرنسا وباسمه.

قامت في هذه الأثناء حركة في الصعيد ضد المماليك وقد تزعمها شريف يُدعى حصن الدين إلا أن أيبك قد وجّه لهم قوةً بإمرة فارس الدين أقطاي فاستطاع أن يقمعها.

أصبح الأمير فارس الدين أقطاي أكبر الأمراء وأكثرهم شهرة، وينافس الملك المعز عزالدين أيبك، ويحمل عليه بعض تصرفاته في تعهده للملك الصليبي بتسليمه بيت المقدس، وتلقب فارس الدين أقطاي باسم الملك الجواد، وتزوج إحدى الأميرات الأيوبيات هي ابنة الملك المظفر تقي الدين محمود صاحب حماه، لكن الملك المعز عزالدين أيبك قد استدعى أقطاي لاستشاراته في بعض الموضوعات فسار إليه مع مجموعةٍ من مماليكه فلما وصل إلى القلعة دخلها إلا أن الباب قد أغلق دون مماليكه، وانهال عليه مماليك المعز أيبك بالضرب، وعلى رأسهم سيف الدين قطز، وقتلوه وأسرع أنصار أقطاي عندما علموا بالخبر لإنقاذه وعلى رأسهم الظاهر بيبرس البندقداري وقلاوون الإلفي ظناً منهم أنه لم يقتل بعد، ولكنهم لم يلبثوا أن أخبروا أن أمره قد انتهى، وهكذا انقسم المماليك إلى معزية وهم مماليك الملك المعز عزالدين أيبك، وصالحية أو بحرية، وهم مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب.

بدأ بعض أمراء المماليك البحرية يفرّون إلى ملوك بني أيوب في بلاد الشام وخاصةً إلى الملك الناصر يوسف الذي كان الخصم الأيوبي الأول لعزالدين أيبك والمتصالح معه حالياً لذا فإن الناصر يوسف قد طلب من الملك المعز أيبك أن يعطي هؤلاء المماليك جنوبي بلاد الشام فيكون قد أبعدهم خوفاً من شرّهم وفي الوقت نفسه يكون قد أرضاهم فلا تتفتت قوة المسلمين تجاه أعدائهم إلا أن هذا الطلب من الملك الناصر يوسف قد أخافه، واعتقد دعمه للمماليك البحرية، واتفاقه معهم على أمر، لذا فقد استعد وأقام بالعباسة استعداداً لأي طارئ، وبقي على حالة استعداده أو استنفاره مدة ثلاث سنوات، وعاد بعدها إلى القاهرة بعد أن تمّ حيث أرسل الخليفة العباسي المستعصم رسولاً هو نجم الدين البادراني فأصلح بينهما على أن يكون للملك المعز عزالدين أيبك مصر وساحل بلاد الشام. ولجأ المماليك البحرية بعد هذا الصلح الذي دارت بنوده بين الملك المعز عزالدين أيبك المملوكي والملك الناصر يوسف الأيوبي لجؤوا إلى الملك المغيث عمر (1) صاحب الكرك الذي كان يطمع أيضاً ببلاد مصر.

أراد الملك المعز عزالدين أيبك أن يحصر المغيث عمر فراسل صاحب الموصل بدرالدين لؤلؤ وخطب ابنته فوقعت الغيرة في نفس شجرة الدر زوجة أيبك وعملت على التخلص من زوجها فراسلت الملك الأيوبي الناصر يوسف تحرّضه على غزو مصر وتتعهد له بدعمه للتخلص من أيبك ولكن لمتجدعنده ذلك الحماس، فعملت مع المماليك واستطاعت قتله عام 655هـ.

اختلف المماليك بعضها مع بعض فالصالحية منهم تناصر شجرة الدر، والمعزية تعارضها، وأصبح الأمير علم الدين سنجر الحلبي مقدم المماليك الصالحية غير أن المماليك المعزية قد قبضوا عليه وسجنوه وتغلبوا على الأمر وبدأت المماليك الصالحية تفرّ إلى ملوك الأيوبيين في بلاد الشام وخاصة إلى المغيث عمر صاحب الكرك وتحرّضه على أخذ مصر، وقد حاول مرتين 655 و 656 غير أنه فشل في كلتا المحاولتين بجهود سيف الدين قطز. أما المماليك المعزية فقد قدموا عليهم نورالدين علي بن عزالدين أيبك الذي غدا سلطاناً لمصر، أما الذي يقوم بالنيابة عنه فهو الأمير سيف الدين قطز، ولكن لم يلبث قطز أن عزل نورالدين علي وتسلم السلطنة بنفسه بحجة أن الأول كان ضعيفاً

(1) المغيث عمر : ابن الملك العادل محمد ابن الملك الكامل محمد ابن الملك العادل سيف الدين محمد ابن نجم الدين أيوب.

وظروف البلاد تقتضي رجلاً قوياً، فالأيوبيون لا يزالون يطمعون في مصر والخطر الخارجي على ديار الإسلام يتمثّل في عدوين شرسين هما التتار والصليبيون.

استولى التتار بقيادة هولاكو على بغداد عام 656 وخاف الملك الناصر يوسف فراسل هولاكو يجامله، ويطلب منه الدعم لأخذ مصر غير أنه لم يحدث بين الطرفين ما يدعو إلى التفاهم. وزحف التتار إلى بلاد الشام ووجد الناصر يوسف نفسه ضعيفاً أمام جحافل التتار فاتصل بالمماليك وطلب منهم المساعدة.

استولى التتار على حلب في صفر عام 658، ثم استولوا على ميافارقين بإمرة يشموط بن هولاكو بعد أن دافع عنها أهلها دفاعاً مستميتاً لم يعرفه المغول من قبل، واستشهد صاحبها الملك الأيوبي الكامل محمد (1) ، وخضع الملك الأشرف موسى (2) صاحب تل باشر فأعطاه هولاكو إمارة حمص مكافأةً له، وكان الملك الناصر يوسف قد انتزعها منه منذ عام 646، وزحف هولاكو نحو دمشق ففرّ منها الناصر يوسف واتجه إلى غزة فاستقبله سيف الدين قطز ومن معه، وبدأ قطز يتقرّب من جيش الناصر يوسف ويضم أمرؤه إليه، حتى لم يبقى مع الناصر يوسف إلا قليل فذهب بهم إلى جنوب الأردن حيث استقر قرب الجفر ليعيش منزوياً بمن معه منعزلاً عن الأحداث التي تدور في بلاده، وعلم هولاكو بهذا فأرسل مجموعة من الجند إلى الجفر وأحضرت الناصر يوسف، فاستقبله هولاكو استقبالاً كريماً ورأى فيه ضالته، ومنّاه بالتربع على عرش دولةٍ أيوبية تشمل مصر والشام تحت حمى التتار، وقدّمه على الأشرف موسى إذ وجد في الأول خيراً له لما عنده من إمكانات وطاقات.

حاصر هولاكو دمشق في ربيع الأول عام 658 وشدّد الحصار حتى استسلمت في ربيع الثاني أما القلعة فقد صمدت حتى 21 جمادى الآخرة من العام نفسه غير أنها سلمت من التهديم لالتماس أعيانها لديه، واتجه هولاكو نحو انطاكية بعدها.

وصل إلى هولاكو نبأ وفاة أخيه مانغو خان التتار الأعظم، لذا فقد ترك بلاد الشام بعد أن ولّى عليها مكانه القائد كتبغانوين، واتجه إلى قره قورم حاضرة التتار لحضور اجتماع رؤساء التتار لانتخاب الخان الأعظم لهم، وهو يطمع أن يحصل على هذا المنصب لما قدم من خدمات لهم بمد نفوذهم إلى العراق والشام، فلما وصل إلى تبريز بلغه خبر انتهاء الاجتماع وإتمام عملية الانتخاب، واختيار أخيه قوبلاي خاناً أعظم للتتار، فسكت احتراماً لأخيه.

أما المماليك البحرية الذين فرّوا إلى بلاد الشام خوفاً من المماليك المعزية وأميرهم سيف الدين

(1) الكامل محمد : ابن الملك المظفر غازي بن الملك العادل سيف الدين محمد ابن نجم الدين أيوب.

(2) الأشرف موسى : ابن المنصور ابن الملك المجاهد أسدالدين شيركوه ابن ناصر الدين محمد بن أسدالدين شيركوه بن شادي، ولم يكن ليسيطر إلا على تل باشر قرب الرها.

قطز، واتجهوا إلى الملوك الأيوبيين وخاصةً إلى الناصر يوسف والمغيث عمر فقد رجع بعضهم إلى مصر خوفاً من المغول، وترك بعضهم الآخر الناصر يوسف الذي تفاهم مع التتار على كرهٍ منه، أو اعتزل بعد فراره من التتار وانضمام جيشه في غزة إلى سيف الدين قطز هؤلاء قد ساروا إلى المغيث عمر صاحب الكرك ومنهم الظاهر بيبرس البندقداري، وبدؤوا يُغيرون على أملاك الناصر يوسف الجديدة، وهذا ما جعل الناصر يوسف يسير بجيش إلى الكرك ويحاصرها ووجد المماليك أنفسهم في وضع خطير وخاصةً الذين كانوا بجانب الناصر يوسف وفرّوا من عنده مغاضبين لموقفه حتى ليقال إن الظاهر بيبرس كان قد عرض على الناصر يوسف إعطاءه أربعة آلاف مقاتل للوقوف في وجه التتار عندما أرادوا عبور نهر الفرات لمنعهم من ذلك لكن الناصر يوسف لم يستجب لهذا الطلب، في هذا الوقت عفا قطز عن المماليك البحرية فبدؤوا يتجهون نحوه من بلاد سلاجقة الروم، ومن الكرك، ومن دمشق وغدا المماليك مرة أخرى مجموعة واحدة، واستقبل قطز هؤلاء استقبالاً لائقاً وخاصةً بيبرس إذ أنزله بدار الوزارة وذلك عام 658.

بعد أن سقطت دمشق بيد التتار أرسل هولاكو وفداً إلى الأمير سيف الدين قطز يحمل رسالةً كلها تهديد ووعيد، فعقد قطز اجتماعاً ضمّ أمراء المماليك فكان الرأي العزم على الحرب، فقبض قطز على رجال وفد هولاكو وأعدمهم، وعرض أجسادهم للناس، وأخذ قطز يحشد الحشود، ويفرض الضرائب فوجد معارضةً من العلماء على هذه الضرائب وعلى رأسهم العز بن عبد السلام الذي أعلن أن على الأمير إذا أراد فرض الضرائب أن يأخذ قبل ذلك الحلي التي في بيته وبيت أمثاله من الأمراء وأن يضربها نقوداً فإن لم تف بالحاجة يفرض بعضها الضرائب فامتثل قطز بذلك وفعل ما وجّه إليه.

وتمّ الاستعداد، وأرسل قطز حملةً استطلاعيةً بإمرة الظاهر بيبرس البندقداري إلى جهات غزة فانتصر على حملة تتارية متقدمة، وبقي يناور التتار كي لا يعلموا بتحرك الجيش الرئيسي الذي يقوده سيف الدين قطز.

سار سيف الدين قطز بجيشه مع الساحل الشامي باتجاه عكا، وهدد الصليبيين إن بدرت منهم أية بادرة شرّ، وطلب منهم أن يكونوا على الحياد إن لم ينصروا المسلمين، ولم يكن وضعهم يومئذٍ بالذي يساعدهم على التحرك سواء أكان بجانب المسلمين أم بجانب التتار. ووافى الأمير سيف الدين قطز قائده الظاهر بيبرس عند عين جالوت، وتدفق التتار إلى ذلك الميدان، واحتدمت المعركة وهجمت ميمنة التتار على ميسرة المسلمين، فتقدم أمير الجيش الإسلامي سيف قطز والقى بخوذته على الأرض أمام الأمراء وصاح بأعلى صوته "وإسلاماه" واندفع نحو التتار يقاتل والتف حوله جنود المسلمين، انقضوا على التتار فأفنوهم، وقُتل قائد التتار كبتغا في ميدان المعركة وأُسر ابنه.

ووصلت أخبار معركة عين جالوت إلى دمشق فابتهج المسلمون وانطلقوا يهاجمون التتار ويعملون بهم ذبحاً، وشملت هذه المذبحة النصارى أيضاً الذين وقفوا فجانب التتار وأعانوهم على المسلمين، واستأسدوا على المسلمين أثناء حكم التتار، ولم يستتب الأمن بدمشق إلا بدخول قطز إليها في 27 رمضان عام 658 أي بعد استسلام قلعتها بثلاثة أشهر وستة أيام وهذه المدة لتي حكم التتار فيها دمشق. وبدأ التتار يفرون من بلاد الشام خوفاً من انتقام المسلمين منهم، وتمكن قطز من فتح بلاد الشام بعدة أسابيع، وأعاد بعض الملوك الأيوبيين إلى ممالكهم بعد أن أخذ المواثيق والعهود عليهم بالولاء ودفع الإتاوات السنوية للسلطان في مصر، وكذلك أقطع أمراء المماليك إقطاعاتٍ واسعةً إذ أعطى علم الدين سنجر الحلبي نيابة يحكمها باسمه، ومنح حلب إلى الملك السعيد علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل، وكان الظاهر بيبرس يرغب بها، وقد طلبها من قطز لملاحقة التتار فلم يقبل منه فأصبح بنفسه شيء عليه.

عاد المماليك إلى مصر، وقتل الظاهر بيبرس أميره سيف الدين قطز وربما كان للخلاف السابق بين المماليك البحرية الذين منهم بيبرس والمماليك المعزية الذين منهم قطز، وقد اضطر المماليك البحرية للعودة إلى مصر بعد أن فرّوا منها عندما لم يجدوا لهم مقاماً في الشام لهجوم التتار فكان لابدّ من الاتفاق لحماية ديار الإسلام، فلما أصبحت ديار الإسلام في أمان من هجوم التتار عاد الخلاف وظهر من جديد، وقتل قائد جناح المماليك البحرية أمير المماليك المعزية، وربما كان سبب هذا القتل ما بقي في نفس بيبرس من قطز عندما رفض إعطاءه ولاية حلب، وهو يريد أن يتابع التتار ويستعيد للمسلمين أرضهم، وعلى كل فقد قتل الأمير سيف الدين قطز، واتفق أمراء المماليك على تعيين الظاهر بيبرس سلطاناً على مصر.

إن انتصار المماليك في عين جالوت قد جعل دعايةً واسعةً لهم وخاصةً أن الناس كانوا لا يتصورّون هزيمةً كهذه الهزيمة تلحق بالتتار بسبب الرعب الذي أصابهم والهلع الذي ملأ قلوبهم.

إن الهجوم الصليبي الشرس من الغرب على ديار الإسلام والغزو التتاري الوحشي من الشرق ودعم النصارى الذين عاشوا في كنف المسلمين منذ فجر الإسلام إلى كلا العدوين الصليبي والتتاري والحقد الواضح الذي بدا منهم كل هذا جعل المسلمين يعودون قليلاً إلى دينهم، كما كانت دعوة حكامهم بالدرجة الأولى إلى وحدة صفوف المسلمين للوقوف في وجه الأعداء وخاصةً أولئك التي تعرّضت بلادهم للتخريب الصليبي أو للتدمير التتاري، لذلك اعترف المماليك بسلطة الخلافة العباسية عليهم، والخلافة هي محطّ أنظار المسلمين في كل مكان، ويمكن أن يلتفّ حولها المسلمون، وتتوحد كلمتهم بها، ولا يوجد في ديار المسلمين سوى خليفةٍ واحدٍ لذا فهو الذي يمكن أن يحمل راية الجهاد ويقاتل المسلمون جميعاً تحت هذه الراية. وهذا الاعتراف بالخلافة العباسية قد أكسبهم الصفة الشرعية التي اعترف العباسيون بحكمهم، وفي الوقت نفسه فقد أكسبهم القوة، وعندما سقطت بغداد بيد التتار عام 656 قام المماليك يحملون عبء الجهاد، وقد وفقوا في ذلك فأنزلوا بالتتار هزيمة عين جالوت عام 658.

كان الملك المظفر سيف الدين قطز قد استناب على دمشق الأمير علم الدين سنجر الحلبي فلما قتل قُطز نادى سنجر بنفسه سلطاناً، وتلقّب بالملك المجاهد، وأخذ شعار السلطنة بعد مقتل قطز بشهر واحد، وطلب من الملك الأشرف موسى الأيوبي، والملك المنصور صاحب حماه الأيوبي أيضاً، والأمير حسام الدين لاجين العزيزي صاحب حلب مساعدته فلم يوافقوه، وسيّر الظاهربيبرس حملةً إلى دمشق حملت سنجر إلى القاهرة مقيداً بالأغلال ولم يمض على سلطنته المحلية أكثر من شهر.

وقام رجل شيعي بالقاهرة يدعى الكوراني يدعو لنفسه ويرغب في عودة النفوذ العبيدي مرةً أخرى أو الشيعة كما يسميها واستطاع الظاهر بيبرس القضاء عليها بسرعة.

ومع استقرار الوضع للظاهر بيبرس وقفت دولة المماليك على أقدامها، كما أن الخلافة قد عادت من جديد.

ولما كان المماليك هم السلاطين، وهم ولاة الأمور إذ لهم الدور الأول في تسيير شؤون الدولة سواء أكان في الداخل أم في الخارج لذا كان لا بد من بحث أمور هؤلاء السلاطين على نطاق أوسع من بحث الخلفاء، فالسلاطين هم الذين نسب إليهم العهد، ولم ينسب إلى العباسيين، وهم الخلفاء أو أمراء المؤمنين بالنسبة إلى المسلمين في جهات الأرض.

ففي مرحلة قيام دولة المماليك تولّى أمر مصر أربعة من السلاطين هم :

1- شجرة الدر 648 80 يوماً

2- المعز عزالدين أيبك 648 - 655

3- نورالدين علي 655 - 657

4- سيف الدين قطز 657 - 658

وبعد أن تولى السلطنة الظاهر بيبرس السلطنة بمدة أصبحت الخلافة أو حملة الدولة اسم الخلافة من جديد، واتجهت إليها أنظار المسلمين أكثر من السابق.

وتولى أمر المماليك نوعان من السلاطين يعودون في أصولهم إلى جهتين وهما :

1- المماليك البحرية 648 - 792

2- المماليك الجراكسة أوالبرجية 792 - 923

عصر الممَاليك البحرية

648 - 792

1- شجرة الدر : 80 يوماً 648-648

2- عزالدين أيبك : 7 سنوات 648-655 قتل

3- نورالدين علي : 2 سنة 655-657 ابن أيبك خلع

4- سيف الدين قطز : 1 سنة 657-658 قتل

5- الظاهر بيبرس : 18 سنة 658-676 توفي

6- السعيد بركة : 2 سنة 676-678 ابن بيبروس خلع

7- العادل بدرالدين : أقل من سنة 678-678 ابن بيبرس خلع

8- المنصور قلاوون : 11 سنة 678-689 توفي

9- الأشرف خليل : 4 سنوات 689-693 ابن قلاوون قتل

10- الناصر محمد : 1 سنة 693-694 ابن قلاوون خلع

11- العادل كتبغا : 2 سنة 694-696

12- المنصور لاجين : 2 سنة 696-698 قتل

أعيد 13- الناصر محمد : 10 سنوات 698-708 ابن قلاوون اعتزل

14- المظفر بيبرس ابي شنكير : 1 سنة 708-709 قتل

عاد 15- الناصر محمد : 32 سنة 709-741 ابن قلاوون توفي

16- المنصور أبو بكر : أقل من سنة 741-742 ابن الناصرمحمد خلع

17- الأشرف كجك : أقل من سنة 742-742 ابن الناصرمحمد خلع

18- الناصر أحمد : أقل من سنة 742-743 ابن الناصرمحمد خلع

19- الصالح اسماعيل : ثلاث سنوات 743-746 ابن الناصرمحمد توفى

20- الكامل شعبان : أقل من سنة 746-747 ابن الناصرمحمد قتل

21- المظفر أمير حاج : أقل من سنة 747-748 ابن الناصرمحمد قتل

22- الناصر حسن : 4 سنوات 748-752 ابن الناصرمحمد خلع

23- الصالح صالح : 3 سنوات 752-755 ابن الناصرمحمد خلع

أعيد 24- الناصر حسن : 7 سنوات 755-762 ابن الناصرمحمد قتل

25- المنصور محمد : 2 سنة 762-764 ابن المظفر أمير حاج خلع

26- الأشرف شعبان : 14 سنة 764-778 ابن حسين قتل

27- المنصور علي : 5 سنوات 778-783 ابن الأشرف شعبان توفى

28- الصالح حاجي : 1 سنة 783-784 ابن الأشرف شعبان خلع

برقوق

29- الصالح حاجي : أقل من سنة 791-792 ابن الأشرف شعبان خلع

وهم مماليك السلطان الصالح نجم الدين أيوب الذين كثر عددهم، وزادت تعدياتهم فضجّ منهم السكان فبنى لهم قلعة في جزيرة الروضة عام 638 فعرفوا بالمماليك البحرية، وإن كان هذا الاسم ليس خاصاً بهم إذ كثيراً ما أطلق على غيرهم بسبب حملهم عن طريق البحر، وإن لحق بهم هذا الاسم فيما بعد وأصبح دلالةً عليهم، كما عرفوا أيضاً باسم الصالحيين نسبة إلى لقب سيدهم الصالح نجم الدين أيوب، وأقل من هذا الاسم وذاك أطلق عليهم النجميين لاسم اليد نفسه.

حكم هؤلاء المماليك البحرية مصر مدة أربع وأربعين ومائة سنة 648-792، وقد تمثّل هذا الحكم في أسرتين فقط، وهما أسرة الظاهر بيبرس البندقداري، وقد دام حكمها مدة عشرين سنة (658-678) وقد حكم هو وولداه، ودام حكمه ثماني عشرة سنة، وحكم ابنه الأول السعيد بركة ما يقرب من سنتين، ثم خلع، وحكم ابنه الثاني العادل بدرالدين سلامش عدة أشهر وخلع بعدها. وكان الظاهر بيبرس قد حرص على بقاء أسرته في الحكم من بعده، وهيأ الأسباب لذلك، وكان خوفه من المماليك أنفسهم، وقد برز منهم يومذاك المنصور قلاوون لذا فقد سعى إلى ضمان قلاوون بل فكر بأن يجعله يقف بجانب أولاده من بعده، وزوّج ابنه وخليفته السعيد بركة من ابنة قلاوون غازية، وظنّ بأن هذه المصاهرة سيقف قلاوون بجانب ابنه السعيد بركة، عندما حاصر المماليك السعيد بركة اتصل بالمنصور قلاوون وطلب دعمه فنصحه بالتنازل عن السلطنة، وقد فعل ذلك، ووافق قلاوون على استلام العادل بدر الدين سلامش أخي السعيد بركة وابن الظاهر بيبرس السلطنة وذلك لأنه صغير ويمكن ان يتصرف بالأمر، ولم تمض عدة أشهر، حتى دعا المنصور قلاوون أمراء المماليك وبسط لهم الوضع القائم، وأن الأمر يتطلب رجلاً حكيماً يدبر شؤون الدولة، وأن الصغير يعيق الأمر ولا يصلح للأمر فانفق الجميع على خلع العادل بدر الدين سلامش وسلطنة المنصور قلاوون.

أما الأسرة الثانية فهي أسرة المنصور قلاوون نفسه، وقد استمر أمرها أربع عشرة ومائة سنة (678-792) وحكم هو وأولاده وأحفاده، لم يتخللها سوى خمس سنوات خرج أمر مصر من أيديهم، إذ تسلم العادل كتبغا والمنصور لاجين والمظفر بيبرس الجاشنكير وقد قتل ثلاثتهم، حكم الأوليان منهم مدة أربع سنوات 694-698، وحكم الثالث ما يقرب من سنة (708-709).

أما أفراد الأسرة فقد حكم المنصور محمد أبو ناصر قلاوون احدى عشرة سنة توفي بعدها (678-689)، ورجع الحكم بعده ضعيفاً إذ حكم ابنه الأشرف صلاح الدين خليل مدة أربع سنوات (689-693) وقتل بعدها، وجيء بأخيه الناصر محمد، ولم يطل عهده بأكثر من سنة حتى خلع، وتسلطن العادل كتبغا مدة سنتين ثم علا السلطة المنصور لاجين عندما كان العادل في زيارة لدمشق لكن المنصور لاجين لم يلبث أن قتل، وأعيد إلى السلطنة الناصر محمد ابن قلاوون، وبقي عشر سنوات 689-708 غير أنه اعتزل، فتسلم السلطة المظفر بيبرس الجاشنكير، وشعر الناصر محمد بن قلاوون أنه هضم حقه فاستعاد السلطنة بالاتفاق مع بعض الأمراء، واستمر أمره حتى توفي وقد أحبه الناس، لذا فقد حكم أبناؤه من بعده رغم ضعفهم وصغر سنهم، إذ تلسم السلطنة ثمانية من أبنائه.

كان الأول منهم المنصور سيف الدين أبو بكر وخلع قبل مرور عام على حكمه.

وكان أمر الثاني الأشرف علاء الدين كجك كالأول لم يصل عهده إلى العام.

ويشبههما الثالث الناصر أحمد.

أما الرابع فهو الصالح اسماعيل وقد حكم ثلاث سنوات (743-746) ومات بعدها.

وجاء الخامس الكامل شعبان وقتل قبل أقل من عام.

وكذا السادس المظفر أمير حاج كان مصيره القتل ولم يصل أمره إلى العام.

وحكم السابع الناصر حسن أربعة أعوام (748-752) وخلع بعدها.

وخلع الثامن الصالح صالح بعد ثلاث سنوات من حكمه (752-755).

وأعيد الناصر حسن فاستمر سبع سنوات (755-762) وقتل بعدها.

وتولّى الأمر بعدئذ المنصور محمد بن السلطان المظفر أمير حاج وخلع بعد عامين من حكمه 762-764.

وجاء بعده ابن عمه الأشرف شعبان فحكم أربع عشر عاماً 764-778 وقتل بعدها.

وخلفه ابنه المنصور علي لمدة خمس سنوات توفي بعدها 778-783، وخلفه أخوه الصالح حاجي.

فلم يمض عليه سوى سنة حتى خلع وتسلطن الأمير برقوق من المماليك الجراكسة.

غير أنه أعيد الصالح حاجي بعد سبع سنوات (784-791) وحكم مدة سنة واحدة (791-792).

ثم أخرج السلطان برقوق من سجنه وأعيد إلى سلطانه، وانتهى أمر المماليك البحرية بشكل دائم وجاء عهد المماليك الجراكسة أو البرجية.

ونلاحظ أن أسرة المنصور قلاوون قد حكم منها خمسة عشر سلطاناً توفي منهم أربعة وفاة طبيعية أو تركوا الحكم نتيجة الوفاة الطبيعية بينما خلع سبعة منهم خلعاً، وقتل خمسة منهم، وأن بعضهم وهو الناصر محمد قد خلع مرة واعتزل مرة وعاد حتى توفي، وأن الناصر حسن قد خلع وأعيد ثم قتل...

الممَاليك الجَراكِسَة "البرجية"

(792 - 923 هـ)

1- الظاهر برقوق : 9 سنوات 792-801 للمرة الثانية توفي

2- الناصر فرج : 7 سنوات 801-808 ابن برقوق خلع

3- المنصور عبد العزيز : ثلاثة أشهر 808-808 ابن برقوق خلع

أعيد 4- الناصر فرج : 7 سنوات 808-815 للمرة الثانية ابن برقوق قتل

الخليفة خمسة أشهر

5- المؤيد : 9 سنوات 815-824 شيخ الاصطبل توفي

6- المظفر أحمد : عدة أشهر 824-824 ابن المؤيد خلع

7- الظاهر ططر : عدة أشهر 824-824 توفي

8- الصالح محمد : عدة أشهر 824-825 ابن الظاهر ططر خلع

9- الأشرف برسباي : 16سنة 825-841 توفي

10- العزيز يوسف : عدة أشهر 841-842 ابن برسباي خلع

11- الظاهر جقمق : 15 سنة 842-857 توفي

12- المنصور عثمان : أقل من 857-857 ابن الظاهر خلع

شهر ونصف جقمق

13- الأشرف اينال : 7 سنوات 857-865 توفي

14- المؤيد أحمد : أقل من سنة 865-865 ابن الأشرف اينال خلع

15- الظاهر خشقدم : 7 سنوات 865-872 توفي

16- الظاهر بلباي : شهرين 872-872 خلع

17- الظاهر تمربغا : شهرين 872-872 خلع

18- خير بك : ليلة واحدة 872-872 خلع

19- الأشرف قايتباي : 29 سنة 872-901 توفي

20- الناصر محمد : سنة واحدة 901-902 ابن الأشرف قايتباي خلع

21- قانصوه : 902-903 قتل

أعيد22- الناصر محمد : 903-904 للمرة الثانية ابن الأشرف قيتباي قتل

23- الظاهر قانصوه : 904-905 خلع

24- جانبلاط : 905-906 قتل

25- العادل طومان باي : عدة أشهر 906-906 قتل

26- الأشرف قانصوه الغوري : 17 سنة 906-922 قتل

27- طومان باي : أقل من سنة 922-923 قتل

لقد حكم المماليك الجراكسة مصر والشام والحجاز مدة تزيد على إحدى وثلاثين ومائة سنة (792-923)، وتعاقب في هذه المدة أكثر من سبعة وعشرين سلطاناً.

وفي عام 795 دخل تيمورلنك بغداد وهدد المنطقة، فتشكّل حلف من سلطان المماليك الظاهر برقوق، وأمير سيواس، ومغول القفجاق، والعثمانيين ضد تيمورلنك زعيم التتار، وخرج الظاهر برقوق على رأس حملة عام 797 باتجاه بغداد، ومعه أحمد بن أويس صاحب بغداد والذي فرّ منها عند دخول تيمورلنك إليها والتجأ إلى القاهرة، فسار برقوق لإعادته إلى عاصمة ملكة، إلا أنه لم يحدث قتال لأن تيمورلنك كان قد ترك بغداد وعاد إلى الشرف فما كان من الظاهر إلا أن رجع هو الآخر.

منشأ آل عثمان وظهور دولتهم

ظهور آل عثمان.

اعلم أنه لما أغار جنكيز خان سلطان المغول سنة هـ م على بلاد آسيا الغربية آتياً من الشمال خرج سليمان شاه بن قيا ألب من سبط قايي خان وكان نازلا في أواسط آسيا بصحراء ماهان بجهات مرومها جرامع نحو 50 ألفاً من قبيلته وماز زالوا يسيرون يتخيرون المنازل والأعشاب حتى استقروا بجهات أذربيجان وبعد أن أقاموا تلك الجهات نحو ست سنوات هاجم السلاجقة خراسان وخوارزم وفتحوهما فقفل سليمان شاه راجعاً إلى وطنه ولما وصلوا إلى نهر الفرات وأرادوا عبوره غرق سليمان شاه بالنهر المذكور قضاء وقدراً هـ م فأخرجوه ودفنوههـناك عند قلعة جعبر ولا يزال قبره يوجد للآن ويدعى (ترك مزارى) .

وكان لسليمان شاه المذكور أربعة أولاد وهم سنقور زنكي وكون طوغدي وأرطغرل وكوندوز وقع بينهم الاختلاف في الرحلة أو المقام بعد موت والدهم فمنهم من اختار متابعة المسير إلى بلاده ومنهم من فضل البقاء مع أرطغرل الذي قصد بلاد الأناضول مع أربعمائة بيت من قومه منهم نحو 440 فارساً فساروا حتى نزلوا غرباً بجهة سرمهلووياسين وضربوا بها خيامهم ولما كانت تلك الجهات غير موافقة لسكناهم بالمرة أرسل أرطغرل سنة 630 هـ ولده صاروباتي بك إلى سلطان الروم علاء الدين السلجوقي يطلب منه الحماية ويستعطفه في أن يمنح عشيرته بعض الأراضي الخصبة فدله السلطان جناح الرأفة وأقطعهم أراضي قرهجهطاغ قرب أنقرة وكان بها ما يلزمهم من الدفء شتاء والمراعي صيفاً فأقاموا هناك قريري العين.

وبينما كان أرطغرل يرود بعض الجهات يوماً مع فرسان من قبيلته إذ صادفوا جيشين في حومة الميدان يستعدان للقتال وكان أحدهما أقل عدداً من الآخر فانضم أرطغرل بقومه إلى الجانب الضعيف لأنه كان يميل دائماً لمساعدة الضعفاء ويقال إنه وجدهما يتقاتلان وكان أقلهما عدداً أشرف على الهرب فحركته حينئذ الغيرة على الضعيف فانضم إليه مساعداً له وكان أحد هذين الجيشين وهو الضعيف للسلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو السلجوقي، والثاني لهولاكوخان من أعقاب جنكيز خان ملك المغول، فلما قامت الحرب بينهما ويسّر الله الظفر للسلجوقيين بمساعدة أرطغرل وعشيرته وانقضى القتال وعلم السلطان السلجوقي بذلك استدعى إليه أرطغرل رئيس أولئك الغرباء وبعد أن وقف منه على حالته وحالة عشيرته أظهر له عظيم ارتياحه ومزيد شكره وخلع عليه وعلى أخيه وأقطعهم الأراضي الواقعة بجهتي طومانيج واسكيشهر 663 هـ 264م .

وبعد ذلك أخذ أرطغرل في مساعدة علاء الدين السلجوقي في أكثر وقائعه الحربية ضد المغول ودولة بوزنطية فكان له أثر مشهور ولهذا زاد السلطان علاء الدين في الاقطاعات لأرطغرل وتنازل له عن قطعة من بلاده الأصلية وقطعة مما فتحه من دولة القسطنطينية وهي الجهة المسماة الآن سلطانية أو (صيراجق) من ولاية قونية فكانت تلك الأراضي بما فيها جهة سكود مهّد الدولة العثمانية، ولما وقعت الحرب بعد ذلك بين السلطان علاء الدين والمغول لتعرضهم لبلاده فوض أمر المحافظة على قلعة كوتاهية التي استولى عليها المغول للأمير أرطغرل فاستردها بعد قتال شديد فَعَلتْ منزلة أرطغرل عند السلطان علاء الدين ولم يزل أرطغرل يقارع أعداء علاء الدين مؤيداً منصوراً حتى توفي سنة680هـ بسكود وسنّه يتجاوز 90 سنة.

ولما بلغ السلطان علاء الدين خبر وفاته جزع لذلك جدّاً وعين ولده الغازي عثمان مكانه ولما رآه السلطان علاء الدين من حزمه واجتهاده واتباعه خطة أبيه في الغزو والجهاد مدّة بالإعانة والإمداد وأرسل إليه شارات السلاجقة وهي الراية البيضاء والخلعة والطبل وكتاباً تركي العبارة معلناً باستقلال عثمان بك وبأن يكون له فيما بعد كل ما فتحه من الأراضي 688 هـ ولما ضرب الطبل بين يدي الأمير عثمان نهض قائماً على قدميه تعظيماً للسلطان علاء الدين وقد جرت العادة بعد ذلك بأن يقوم السلطان عند سماعه الطبلة تعظيماً وتذكاراً ولقبه علاء الدين بلقب بك وسمح له بأن يضرب السكة باسمه وبذكر اسمه على المنابر بعد ذكر السلطان.

ولقد كانت عوامل الفساد والضعف دبت إذ ذاك في جسم المملكة الرومية وكانت أحوال ولاياتها غير منتظمة فكان كل حاكم من حكامها المسمى بالتكفور يستبد في ولايته حسب رغبته ومشتهاه ولما شاهد الغازي عثمان ذلك أخذ في التضريب بينهم وإلقاء بذور العداوة والشحناء بين مجموعهم لأن الحرب خدعة ولما تمكن من مراده أخذ في الاستيلاء على ولاياتهم حتى أن حاكم (خرمن قيا) المدعو كوسه ميخال وأمثاله من المتفقين شرعوا في إلقاء المفاسد بين الحكام وكوسه ميخال هذا هو الذي أطلع الغازي عثمان على ما دبره له بقية الحكام من الايقاع به لما بينهما من الصداقة في يوم عرس حصل عند بعضهم وقد تدارك الأمير عثمان هذا الخطر بحيلة حربية.

وبينما كان كوكب العثمانيين في صعود وأمرهم في ارتقاء إذ أغار غازان خان سنة 699هـ على مدينة قونية وأزال دولة السلاجقة.

السلطان الغازي عثمان خان (699-726) هـ:

لما أعلن السلطان عثمان الغازي استقلاله أتاه كثير من علماء وأعيان وأمراء الدولة السلجوقية المنقرضة ودخلوا تحت حمايته واستمر يجاهد بعد الاستقلال نحو سبع سنوات واستولى من دولة الروم على كثير من الجهات ولما رأى من نفسه عدم القدرة على تحمل مشاق الأسفار لتقدمه في السن نصب ابنه أورخان بك قائداً للجنود وكان القسم الذي خص الأمير الغازي عثمان يتركب من جزء من إقليم بروسه ومن كافة البلاد الواقعة حوالي جبل أولمبة بالأناضول ولاذ أيضاً كثير من أعيان الروم بعدالة الغازي عثمان معترفين بسيادته وبذلك تأسست الدولة العلية العثمانية في التاريخ المذكور وقت الحادثة المذكورة وكانت في مبدأ أمرها حكومة صغيرة كما علمت، ثم أخذت تنمو شيئاً فشيئاً بمساعي هذا السلطان وشجاعته وعدالته حتى صارت قبلة الإسلام ونقطة آمال الموحدين ولما كانت هذه المملكة الصغيرة متاخمة لمملكة القسطنطينية الآخذة في الاضمحلال كانت الحروب لا تنقطع تقريباً بين البلدين فكانت هذه المملكة الحديثة العهد الممتلئة قوّة وحماساً تريد محو جارتها الهرمة التي كان يعز عليها أن ترى مملكة صغيرة حديثة النشأة تخالفها في المعتقد والعوائد تجاريها في مضمار الفتوحات.

ثم إن السلطان عثمان وجه التفاته لتوسيع دائرة أملاكه فحاصر مدينة كبري حصار عدّة مرات حتى اضطر عاملها للتسليم، ثم حاصر قلعة أزنيق الشهيرة وأنشأ في جانب قلعتها على الجبل من جهة يكيشهر القلعة المسماة سردار طارطغان وفي أثناء ذلك اتفق عامل بروسه مع حكام أطره نوس أوادربانوس وكستل وكته على مهاجمة مدينة يكيشهر مقام العثمانيين فقابلهم السلطان عثمان على رأس جيشه بجوار قلعة قيون حصار وهزمهم ثم اقتفى أثرهم حتى المكان المدعو ديمبوز وأوقع بهم فيه وقتل في هذه الواقعة أمير مدينة كستل وآي طوغدي ابن أخي السلطان ثم أركن أمير أطره نوس وبروسه إلى الفرار أما تكفوركته فإنه بعد التجائه إلى تكفور مدينة أولوباد أصر السلطان الغازي عثمان على تسليمه إليه فامتثل أمير أولو باد للأمر.

وفي سنة717 هـ شيد السلطان عثمان بالقرب من مدينة بروسه على مسافة ربع ساعة منها عند ينبوع الماء المعدني الحار قلعتين جعل في إحداهما ابن أخيه آق تيمور وفي الأخرى البطل بلبانحبق أحد مماليكه وبعد أن تمكن من حصار بروسه بهذه الكيفية وأسلم القائد كوسه ميخال الشهير ترك ولده السلطان أورخان وكوسه ميخال وصالتق ألب للمحافظة على البلاد وأنزلهم بقلعة قره حصار ثم سار هو بنفسه يقصد قلعة لبلبنجي ولفكه جادرلق فاستولى عليها بلا حرب وأخضع بعد ذلك يكيجه حصار وآق حصار وتكفور بكاري بلا حرب أيضاً وضم الجميع لأملاكه ثم أرسل الغازي أورخان والغازي عبد الرحمن وغيرهما إلى قلعة قره جيش الشهيرة وبعد حصارها أسروا حاكمها واستولوا عليها مع الجهات المجاورة لها ثم استمرت الفتوحات واستولى على مدينة طوز بازاري بعد أن أخضع قلعة قره تكبه ثم أن فرقة أقجه قوجه فتحت جملة جهات في أطراف أزميد ولهذا السبب كان يطلق على سنجق أزميد في ذلك الوقت قوجه ايلي وفي خلال ذلك فتح الغازي عبد الرحمن مدينة أزنيق.

ولما عزم السلطان عثمان الغازي على فتح بروسه أنشأ لذلك قلعتين حولها كما سبق وعين لهذه المهمة الغازي أورخان 726هـ وبعد خروجه من مدينة يكيشهر مر بأطره نوس ولما تقابل مع حاكمها أراد القبض عليه ففر من وجهه إلى أن وقع من صخرة فمات وأرسل الغازي أورخان خبر ذلك إلى السلطان مع كوسه ميخال وبذلك أمكن الاستيلاء على مدينة بروسه بلا كبير مشقة وفي أثناء تلك الفتوحات المتعاقبة بلغ الغازي أورخان مرض والده فسافر إليه مسرعاً ولما صار بين يديه نصحه بنصائح عظيمة منها حسن المحافظة على الرعية وسياستهم بالعدل والإنصاف.

وفاته:

ثم توفي يوم 17رمضان سنة 726هـ وكان سنه 70سنة ونقلت جثته من داخل قلعة بروسه إلى تربته المخصوصة وكانت ولادة هذا السلطان بمدينة يكيشهر سنة 656 هـ ومدّة سلطنته 20 سنة ولم يقع بينه وبين دولة من الدول الأجنبية حروب خلاف دولة القسطنطينية أو بينه وبين الأمراء التابعين لها وترك من الذكور اثنين وهما الأمير أورخان والأمير علاء الدين.

السلطان الغازي أورخان ابن السلطان الغازي عثمان خان 726-761هـ:

اعلم أنه عند جلوس السلطان الغازي أورخان على سرير السلطنة كانت شبه جزيرة الأناضول منقسمة بين ملوك الطوائف الذين قاموا بعد انقراض دولة السلاجقة فكان بخشى بك بن محمد بك من أولاد قرمان متغلباً على مدينة قونية وتوابعها أي جالساً مكان الدولة السلجوقية وكان آيدين بك وصاروخان بك ومنتشا بك وكرميان بك وحميد بك وتكه بك وقره سى بك وهم من أولاد أمراء السلاجقة حكاماً على ممالك صغيرة أخرى إلا أنهم لم يكونوا تحت طاعة أمير قونية المذكور وكان أولاد أسفنديار حكاماً مستقلين بجهات قسطموني.

وكانت بقية الممالك الأخرى تحت تسلط بعض عشائر التركمان فكان بمرعش أولاد ذو القدرية وباطنة أولاد رمضان وكان من بين هؤلاء حكومة السلطان أورخان التي ورثها من أبيه ولما لم تكن قوية في أول استقلالها كما مر ولم يكن في إمكانها الدخول في المنازعات التي كان يثيرها أولاد قرمان للمطالبة بميراث الدولة السلجوقية أمكنها فيما بعد بما أظهره السلطان عثمان الغازي من الإقدام والجسارة أن تكتسب قدرة ومكانة خصوصاً بعد استيلائها على مدينة بروسه لأن السلطان أورخان بعد أن اتخذ تلك المدينة مقر السلطنة التي كانت عديمة القرار قبل ذلك تمكن بمساعيه من إظهار شوكة الدولة وسطوتها بالفتوحات الآتية.

ولما جلس هذا السلطان على سرير الملك كان سنه يبلغ أربعين سنة وبعد أن نقل تخت المملكة إلى مدينة بروسه بعد أن كان بمدينة يكيشهر مدّة خمس وثلاثين سنة التفت إلى التنظيمات الضرورية وسن القوانين والنظامات بمساعدة رجال حكومته الذين نخص بالذكر منهم قاضي بروسه جندره لوقره خليل فكان أول شيء بدأ به أن ضرب السكة العثمانية وجعل للمأمورين والأمراء وأصناف العساكر وطبقات الأهالي ملابس مخصوصة.

ولما رأى أن جيوشه المؤلفة من فرسان التركمان وممن قدر من الرعية على الحرب لا نظام لهم ولا معرفة بقوانين الضبط والربط ولا هم مجمكون أخذ يرتب عساكر نظامية ووضع لهم قانوناً للتربية فأنشأ لذلك طائفة اليكجرية الانكشارية وصار حسب ما رآه وزيره يأخذ كل سنة العدد الممكن من أولاد النصارى ويجمعونهم ثم يعلمونهم آداب الإسلام ويعتنون بتربيتهم ومتى بلغوا السن اللائق للعسكرية أدخلوهم ضمن أوجاق اليكجرية.

وكان لكل واحد منهم يومياً وظيفة مقدرة وقد استمر هذا النظام أي ادخال مثل هؤلاء الأولاد في الجيش العثماني لسنة 1050هـ وقد نبغ من هؤلاء كثير من الرجال تولوا الوزارة والإمارة والأعمال الجليلة حتى صار النصارى فيما بعد يطلبون من تلقاء نفسهم إدخال أولادهم ضمن اليكجرية ومن النظامات التي أوجدها هذا السلطان منصب الوزارة عين له أخاه علاء الدين باشا فكان أول وزير في الدولة العثمانية.

ولما أتمّ التنظيمات السابقة التفت إلى أراضي البلاد المفتتحة فقسمها إلى قسمين وهما خاص وتيمار فكانت إيرادات الخاص للخزينة السلطانية ولأمراء العائلة الملوكية ولأعيان الحكومة وإيرادات التيمار لرجال الحرب.

ولما استقرت قواعد الدولة بهذه النظامات الحديثة التفت إلى الفتوحات فأشهر في سنة 727هـ حرباً على بلاد الروم وفي خلالها صادف وفاة حاكم أزميد مركز إقليم قوجه ايلي فآلت إدارة المدينة إلى ابنته وكانت ترد لها الإمدادات من القسطنطينية ولما حاصر تلك المدينة الغازي عبد الرحمن كاتبته البنت المذكورة سراً فاستولى على قلعتها وأرسل البنت المذكورة مع الغنائم إلى السلطان الذي عقد نكاحها على الغازي عبد الرحمن لكونها خدمت وأعانت الدولة وكانت النساء اللاتي يتظلمن للسلطان أورخان يلاطفهن بالكلام وينعم عليهن بما يسر خواطرهن فمالت إليه قلوب الناس.

وما زال يتقدّم في فتوحاته حتى حضر بنفسه في سنة 728هـ 1327 م وحاصر أزميد وأرسل القائدين قره على وايغور ألب مع جنود إلى فتح قيون حصار وفي أثناء المحاربة أصيب قلايون حاكم قيون حصار برصاصة فسقط ميتاً من سور القلعة وبذلك استولت الجيوش العثمانية على القلعة المذكورة وفي خلالها سلمت بلا قونية حاكمة أزميد نيقوميديا المدينة إلى السلطان أورخان فأركبها هي وجنودها ومن يريد من أهالي المدينة السفن وأرسل الكل إلى القسطنطينية وذلك بناء على رغبتها وبذلك صارت حدود الدولة قريبة من خليج القسطنطينية.

وفي سنة 731هـ فتحت مدينة أزنيق أو أزنيك وغنم العثمانيون منها مغانم وافرة جداً بعد أن اجتهد قيصر القسطنطينية في خلاصها وكان فتحها على يد الأمير سليمان ابن السلطان ولما تم فتحها وأصلح ما تهدم من مبانيها حول السلطان بعض كنائسها إلى مدارس ومساجد وعين للتدريس بإحدى تلك المدارس العالم الشهير داود القيصري وجعل على قضائها العالم العامل خليل جندارلي ولما كانت هذه المدينة في الوقت المذكور من أعظم مدائن تلك الجهات اتخذها السلطان أورخان عاصمة له.

ولما توفي الوزير علاء الدين سنة 732 صار الأمير سليمان باشا وزيراً للدولة وفتحت بلاد مدرني وكمليك وفي خلالها أرسل قيصر الروم جملة هدايا للسلطان أورخان وعقد بين الطرفين مهادنة في السنة نفسها لمدّة عشرين سنة وبموجبها صارت جهات مايناس وأيدنجق وباليكسري وبرغمه وقره سي وميخاليج وكرماستي من أملاك الدولة العثمانية ولم يبق بعد ذلك لقياصرة بالأناضول غير مدينة آلاشهر وقلعة بيغا وضم العثمانيون أيضاً إلى ممالكهم سنة 737هـ مملكة قره سي وهي أول مملكة إسلامية من الأناضول عند وقوع الاختلافات بين أولاد عجلان بك حاكمها بعد وفاته وفي مدّة المهادنة المذكورة تفرّغت الدولة للإصلاحات الداخلية وسنة 746 هـ جدّدت المعاهدة السلمية مع قيصر الروم وفي التي بعدها ذهب السلطان مع حاشيته إلى مدينة اسكدار وتقابل هناك مع قيصر الروم وتأيدت بذلك المصافاة بين المملكتين.

إلا أن دولة الروم لما كانت تبطن العداوة للعثمانيين كانت تنتهز الفرص للإيقاع بهم فخالفت شروط المعاهدة بعض مضي عشر سنوات من امضائها واتحد القيصر مع البنادقة الذين كانوا في أغلب الأوقات يهاجمون حدود المملكة العثمانية من جهة البحر فلذلك أصدر السلطان أورخان أمراً إلى ولده الأمير الغازي سليمان باشا بالاستعداد والزحف على بلاد الرومللي فجهز الجيوش وتقدّم بها في سنة 757هـ 1356 م حتى وصل إلى مدينة جناق قلعة بساحل غربي آسيا على مضيق الدردنيل ثم عقد هناك مجلساً مع أشهر قوّاده وهم حاجي إيل وآجه وغازي فاضل وأرنوس وكان حاكماً قبل لمدينة بروسه ثم اعتنق الإسلام فاتفقوا على عمل صالات (أكلاك) للعبور بها وبعد انشائها ركبوا عليها ليلاً من بلدة أيد نجق أبيدوس وعبروا بها الدردنيل إلى ساحل الرومللي وعقب عبورهم بقليل استولى الأمير سليمان باشا على قلعة جنك Tzympe سنة 758هـ 1357 م .

وهذا العبور هو مبدأ التاريخ البحري للدولة العثمانية وبعد أن عبر سليمان وجنوده بالكيفية المذكورة أخذ في إخضاع البلاد التي تقرب من كليبولي وفي تلك الأثناء ظهرت اضطرابات ومنازعات ومناقشات بين أعضاء العائلة الإمبراطورية بالقسطنطينية لأنه بعد وفاة اندرو نيقوس الثالث إمبراطور الروم 741هـ كان الوارث لسرير السلطنة يوانيس أو يوحنا اليولوغوس ولكونه كان حديث السن قام ناظر سراي الإمبراطور المدعو قانتا قوزينوس وأمثاله يطلبون لأنفسهم الاستبداد بالملك حتى أن قانتاقوز ينوس المذكور طلب من السلطان الغازي أورخان المساعدة وزوّجه بابنته تيودورا وعلى ذلك أرسل السلطان الجيوش عدّة مرات لمساعدة المستجير به وإسعافه ليتمكن من قهر أخصامه.

ولما شرع الأمير سليمان باشا في إجراء ما عهد إليه به السلطان قام الروم واتفقوا مع أهالي المجر والصرب والبلغار والأفلاق والبغدان بقصد قتال سليمان باشا لفتوحاته بأوروبة ومداخلته في أحوال الدولة الرومية فاستعد سليمان باشا لملاقاة قوّتهم المتحدّة ثم انقض عليهم من جبال البلقان وأوقع بجمعهم ثم تجوّل في جهات بلاد البلغار مسكناً اضطراباتها وفي خلال ذلك حصلت منافسات كبيرة بين ملوك المجر والصرب والبلغار والأفلاق والبغدان أدّت إلى منازعات التزم فيها امبراطور القسطنطينية أن يطلب من آل عثمان الإعانة ثانية فأمدّوه وتقدّم الأمير سليمان باشا حتى عسكر تحت أسوار القسطنطينية وسكن ذلك الاضطراب ثم حصلت زلازل جسيمة 759هـ دمرت جملة بلاد وقلاع من تلك الجهات.

وفي سنة 760 هـ 1358 م نهض الأمير الغازي سليمان باشا بجيش يبلغ عدده 700من شجعان العثمانيين إلى قلعة كليبولي المعتبرة مفتاحاً للبحر المتوسط الأبيض فحاصرها مدّة أيام حتى تمكن من فتحها ثم استولى بعدها على بولاير وخيره بولي وتكفور طاغ بكل سهولة وبهذا الفتح أظهر الأمير المذكور لجميع الدول الأخرى ما للدولة العثمانية الحديثة العهد من السطوة والاقتدار وبينما كان الروم يطلبون من العثمانيين أن يعيدوا لهم هذه الأماكن في مقابلة مال يدفعونه لهم كانت عساكرهم مهتمة بالفتوحات المتواصلة بأراضي الرومللي لاشتغال الروم بالمنازعات الداخلية إذ ذاك ففتحت إبصاله ومعلقرة وما جاورهما بكل سهولة وبينما كان الأمير سليمان في القنص يوماً 761هـ جمح به جواده وصدمه بقوّة في بعض الأشجار فكان في ذلك حتفه ومات وهو في ريعان الشباب مأسوفاً عليه من جنوده الذين كانوا يحبونه جدّا لما اتصف به من حميد الخصال ودفن بالجامع الذي شيده بمدينة بولاير.

ولما بلغ هذا الخبر المؤلم والده السلطان أورخان الغازي حزن عليه حزناً مفرطاً ولم يمكث بعده إلا زمناً يسيراً وتوفي من كدره في السنة المذكورة ودفن بمدينة بروسه وخلف ولدين الأمير مراد والأمير سليمان.

وكان هذا السلطان كوالده محباً للعلماء والفضلاء شديد الاعتناء والميل إلى أصحاب الاستحقاق من الأمراء عظيم الشغف في عمارية واصلاح الممالك التي استولى عليها ولما كانت خزائن الدولة ملأى بالأموال التي اكتسبتها من الغنائم اهتم في تشييد المدارس والمساجد والقناطر والآبار وغير ذلك من أنواع المبرات وقد قوي رحمه الله بنيان الدولة التي شرع في تأسيسها السلطان عثمان وتمكن من تحويل أمتها التي كانت قبل ذلك تسكن الخيام وادخالها ضمن الممالك العظيمة.

Free Web Hosting